تمثل وقائع شهر ماي 1945م طورا حاسما في مسار الحركة الوطنية الجزائرية، حيث تغيرت المفاهيم والأساليب من كفاح سياسي ملئه العرائض والمطالب والاحتجاجات والبيانات إلى منظور كفاح مسلح أيقن رواد العمل السياسي ضرورته في سبيل الحرية واسترجاع السيادة الوطنية؛ إذ الفرصة أصبحت مواتية لمجابهة الاستعمار بلغة السلاح، نظرا لتوحد وجهات النظر حول طبيعة هذا النظام المستبد.
لم تكن أحداث ماي 1945 عفوية، أو حادثة تسبب فيها بعض الأشخاص أو التنظيمات، بل هي تسلسل تاريخي فرضته الأحداث المتتالية والظروف العامة، وحتمية قاسية المعاش، وعليه فإننا اليوم نشهد حرب المصطلحات حول المدلول الذي يمكنه التعبير على ما وقع فعلا، لذلك نطرح التساؤل التالي:
هل يمكن اعتبار حركة ماي 1945 عملا ثوريا منظما؟ أم مجرد أحداث متفرقة عفوية؟ وفيم تمثل بعدها الثوري؟
ومن خلال الإشكالية نطرح جملة التساؤلات التالية:
ما هو التأصيل الاصطلاحي الذي يخص وقائع ماي 1945؟ وكيف تبلورت فكرة العمل المسلح قبيل 1945م؟ وهل يمكن اعتبار حركة ماي 1945 ضمن النشاط الثوري؟
أولا: التأصيل الاصطلاحي
1-الثورة
أ-مفهومها
مصطلح للدلالة على التغيرات الفجائية والجذرية لظروف سياسية واجتماعية، ذات طابع راديكالي باستخدام أسلوب العنف. ونقصد به كذلك الممارسة والتطبيق لفعل تغييري شامل وجذري داخل المجتمع، والانتقال من مرحلة تطورية معينة إلى أخرى أكثر تقدما. (1)
ب- تفسيرات النظرية الثورية
*النقدي الارتقائي: محاولة الارتقاء بالمجتمع إلى ظروف تسودها الحرية والاستقلال الذاتي في ظل تناغم الاجتماعي والمساواة.(2)
*المحافظ التشاؤمي: مجموعة من الانفجارات «البربرية» الخارجة عن السيطرة نتيجة انفعالات جماهيرية مدمرة، مقارنة مع الارتكاسات العقلية البدائية من خلال الانهيار العصبي المنجم عنها.(3)
*الاجتماعي: تغيير جذري في المجتمع بشكل عنفي، جاء نتيجة تأييد أغلبية المنظومة الاجتماعية.(4)
*المعاصر: انفجار الضمير الجمعي اللاشعوري لشعب من الشعوب، يرجع إلى عامل الفوضوية.(5)
ج-خصائص العمل الثوري
*تمثل الثورة جزء كبير من المجتمع ضد فئة قليلة تستحوذ على زمام السلطة.
*تقوم الثورة على الحلول الجذرية، وترفض منطق الإصلاحات.
*عامل السرعة وعنصر المفاجئة، والانتشار.
*عملية تغيير تخص الجانب الاجتماعي والسياسي.
*سعي الثورة لبناء دعائم نظام جديد.(6)
د-أنواع وأنماط الثورة
*الأنماط:
-التغيير السياسي والاجتماعي المباشر، يتحقق وفق عملية تراكمية لمجموعة من العوامل يشمل مجالا أو جزءا من المجتمع.
-التغيير الجذري في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
-إحداث التغيرات الجذرية على مستوى البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية: الثورة الفرنسية 1789م.
-ثورات تحررية لا تحدث تغيير في بينة المجتمع (الحركات التحريرية الوطنية المطالبة بالاستقلال): الثورة الأمريكية 1773-1775م.
-ثورات تحريرية تحدث تغييرا في بينة المجتمع: ثورات العالم الثالث ضد الحركة الاستعمارية. (7)
*الأنواع:
-الثورات التأسيسية: تضع أسس بنيوية جديدة مع الحفاظ على القديمة.
-الثورات التحويلية:ثورات تحول المجتمع وتنقله لوضع آخر لا يتمتع بالديمومة.(8)
هـ -مراحل العمل الثوري
-التحرك لتغيير الوضع من تمظهراته: التمرد الشعبي بعد تشكيل خلايا ولجان وشبكات مكلفة بإطاحة النظام القديم.
-تولي المعتدلين السلطة، والشروع في الإصلاحات.
-تولي المتشددين السلطة والقضاء على الصنف الاعتدالي وتراجع المطالب والشعارات، وتصبح الثورة مرتبطة باسم رجل.(9)
2-الانقلاب
انتقال السلطة من يد فئة قليلة إلى أخرى تنتمي إلى نفس الفئة الأولى المسيطرة على الحكم، وذلك باستخدام وسائل العنف الرسمية دون احداث تغيير في وضع القوة السياسية في المجتمع.(10)
3-الحركة الاحتجاجية
محاولة احداث التغيير الكلي أو الجزئي في نمط ممارسة سائدة بالتقاء جماعة من الناس (الغضب العام).(11)
4-التمرد
مقاومة ذات طابع عنفي ضد السلطة، أو القيادة، تقوم بها أقلية معينة بغية تحقيق هدف معين.(12)
5- انتفاضة مسلحة
أ- تعريفها
يتمثل في الفعل الجماهيري المباشر المتسم بالعنف، ناشئ عن بلوغ تناقضات اقتصادية واجتماعية ووطنية، ذروتها توفر وضع ثوري، يهيئ لها التحرك ضد السلطة الحاكمة أو الاستعمارية، وتحدث بصورة مفاجئة، عند بلوغ الصراع إلى نقطة الغليان، يصبح من الصعب تقبل استمرار ظرف ما.(13)
ب- قواعدها التنظيمية
-وجود خطة عسكرية.
-تتطلب تنظيم حزبي نشطا سياسيا.
-تعبئة الجماهير وتكوينهم ضمن وحدات قتالية.
-مواصفات ومهارات القيادة من البطولة والتضحية والكفاءة والقدوة لدى الجماهير والبلوغ إلى مرحلة النضج والوعي السياسي والتنظيمي.(14)
ثانيا: تبلور فكرة العمل المسلح قبيل 1945
إن الاعتماد على العنف الثوري كمنهج للتخلص من الاستعمار، وسياسته الرامية للقضاء على الكينونة الجزائرية، قد أضحى ضرورة مستوجب على المناضلين تنفيذه، وتبين في مختلف برامج وفعاليات التيار الوطني- ذو التوجه الاستقلالي - هذا البعد، وعليه برزت في أفق النشاط الوطني أفكار ثورية راديكالية، تجسدت في الميدان على شكل منظمات ثورية سرية في مدينة الجزائر، تبنت المنهج الفدائي كنمط مبدئي للعمل المسلح سبقت حركة ماي 1945 منها:
* لجنة العمل الثوري لشمال إفريقيا (CARNA)
كانت لجنة العمل الثوري لشمال إفريقيا (15)أحد التنظيمات التي تبنت العمل الفدائي قبل الثورة، من خلال تكوين مناضلين وشبيبة مستعدة للكفاح المسلح، وبرز نشاطها في تحريض الجزائريين المجندين في الجيش الفرنسي على التمرد والعصيان عن طريق منشورات سرية منها: العمل الجزائري وصوت الأحرار، كما باشرت عمليات تخريبية بمدينة الجزائر منذ شهر نوفمبر 1942م، استهدفت مخازن السلاح التابعة لقوات الحلفاء وجمع عدد ممكن من قطع السلاح(16)، كما اهتمت اللجنة بالنشاط الرياضي والجمعيات المحلية، كآلية لتعبئة الشباب المناضل.(17)
ويرجع فشل اللجنة في تنفيذ أهدافها إلى عدم وفاء دول المحور بالوعود المقطوعة بالدرجة الأولى، كما أن لمصالي الحاج طرف في أسباب الفشل، حيث فصل أعضاء اللجنة من الحزب بتهمة التعاون مع الألمان في ظل المضايقات التي تعكر المسار الجيد لحزب الشعب الجزائري، وهذا ما زاد المهمة تعقيدا وتأزما (18) ،ولابد من الإشارة أن اللجنة عانت من نقص فاضح في الوسائل والأدوات لتعبئة الجماهير والتحضير للعمل المسلح.
* لجنة شباب بلكور (CJB)
قرر "محمد بلوزداد"(19) في ظل الفشل الذي كللت به لجنة العمل الثوري لشمال إفريقيا، تأسيس تنظيم شباني، تمثل في "لجنة شباب بلكور" (CJB) (1942-1943)، والتي تبنى ت الخط الثوري كخيار وحيد للتخلص من الأوضاع المزرية التي كان يعيشها الشعب الجزائري آنذاك، قدر عدد المنخرطين بها ما يقارب 150000 مناضل استنادا على المجاهد " محمد يوسفي"(20) نظرا لكونها ضمت جمعيات ثقافية مهتمة بالموسيقى والمسرح، والفرق الرياضية(21)، واعتمد هيكلها التنظيمي على تشكيل الخلايا النضالية، كل خلية تضم 5 مناضلين، يتمركز نشاطها على مستوى حي بلوزداد، بالإضافة إلى أفواج الصدام (Groupes de choc)، الممثلة للجناح المسلح، حيث كانت التدريبات والتمارين تجرى في غابة " بينام" (الحمامات حاليا) الأعالي الغربية للعاصمة، وكلفت تلك الأفواج بجملة من المهام، منها المهمة الناجحة التي كلف بها كل من المجاهدين " محمد يوسفي" و"أحمد محساس"، المتعلقة بالاستيلاء على مخزون السلاح التابع لأحد معسكرات الحلفاء، وكذلك نجاح حققه فوج من أفواج الصدام بالاستيلاء على شاحنة تابعة للقوات الأمريكية محملة للأسلحة بعد كمين منصب لها.(22)
وصف المجاهد " احمد بودا" مناضلي اللجنة بالديناميكيين مبرزا حماستهم في الدفاع عن القضية الوطنية، بالمقارنة مع كهول الحزب، وهذا ما ولد حساسية بين الفئتين، وكانت تلك الحماسة السبب في دمج اللجنة ضمن حزب الشعب، وتكليف أعضائها بحماية الاجتماعات وتأديب الخونة.
*لجنة القصبة
أسس كل من " محمد طالب" و"رابح زعفان" جماعات مسلحة بالقصبة، بحسب شهادة المناضل "محمود عبدون"، كانت من مهامها الأساسية مطاردة المنحرفين وتطهير المجتمع من بعض السلوكيات المنحرفة، والحرص على جمع الأسلحة والعمل الدعائي الموجه ضد الاستعمار وأعوانه، وقد حضرت شهر نوفمبر 1942م، لانقلاب ثوري فشل قبل تنفيذه، لكون الإمكانات المتوفرة لم تكن بالقدر الكافي لمثل هذه الأعمال، كما أن ذهنية المناضلين بحزب الشعب، وخطه السياسي لم تكن مستعدة للتمرد والعصيان.(23)
ثالثا: إشكالية البعد الثوري في حركة ماي 1945
Ø هل يمكن اعتبار وقائع شهر ماي 1945 بالجزائر ضمن نشاط الحركة الوطنية؟
الحركة الوطنية هي التيار العام الدافع بطبقات المجتمع إلى تنظيم صفوفها، بغية توحيد العمل لتحسين الأوضاع، وباختصار هي مجمل النشاطات والفعاليات التي يقوم بها أفراد المجتمع بغية تحرير الوطن، عن طريق العمل السري أو العلني الحامل في مضامينه برامج سياسية واصلاحية، ويكون هدفه استرجاع السيادة الوطنية المغتصبة.
وعليه ما وقع في ماي 1945م، مندرج ضمن نشاط الحركة الوطنية الجزائرية، من منطلق:
-تضمنت تلك الوقائع فلسفة تحررية تجسدت في شكل انتفاضات للشعب الجزائري.
-رد فعل السلطات الاستعمارية الفرنسية يدل حقيقة على البعد الوطني الاستقلالي الذي صاحب تلك الوقائع (المظاهرات ومحاولة الثورة).
-الشعارات التي تم رفعها خلال المظاهرات تحمل في دلالتها نضج ووعي وطني (استقلال الجزائر، نهاية الاستعمار، تحرير مصالي).
Ø ما مدى التماس البعد الثوري ضمن حركة ماي1945 من خلال الكتابات والشهادات التاريخية؟
*كتابات أبو القاسم سعد الله
-يرجع أصول هذه الحركة إلى الدعاية واليقظة التي أصبحت تعرفها الحركة الوطنية من خلال الاتحاد في شكل رابطة أحباب البيان والحرية 14 مارس 1944.(24)
-محاولات تكوين جبهة موحدة لتحقيق أهداف وثيقة البيان الجزائري (1943م).
-إشارة المؤرخ إلى مظاهر الاستعداد للثورة من خلال(25) :
* العبارات الدالة على اليقظة والتحضير لانقلاب على المنظومة الاستعمارية تجسدت على الجدران مثل: "(...) استعدوا فإن ساعة الصفر قد اقتربت (...) أيها الجزائريون حاربوا من أجل الحرية، وموتوا إذا اقتضى الأمر (...) أيها الجزائريون إن الجبال تناديكم فساعة التحرير قد اقترب".
*إلغاء مقابلة لكرة القدم بعنابة بين فريق جزائري محض والآخر فرنسي.
* مقاطعة الجزائريين للمقاهي الفرنسية وكذلك العمل في منازل المعمرين.
* رمي الأطفال الجزائريين للحجارة على سيارات النقل الفرنسية.
-يذكر المؤرخ إلى الخطة التي تم تسطيرها لتفجير الثورة، مستندا إلى التقرير المؤرخ شهر أفريل 1945م، المتضمن توجه عسكريان جزائريان إلى مدينة الجزائر بغرض إعداد خطة عامة لثورة شاملة تقوم على(26):
* أعمال تخريبية للسكة الحديدية.
* قطع أسلاك الهاتف والبرق.
* مهاجمة مراكز الدرك والشرطة.
ويكون ذلك عن طريق تكوين فرق من الصاعقة، وقوات تمارس حرب العصابات، وتنظيم حملات ضد الإدارة الاستعمارية، مهددين العملاء، مع تخصيص صندوق للمساعدات المالية.(27)
وشملت هذه الخطة مناطق مختلفة من الوطن: سطيف-قالمة-سعيدة-البليدة-شرشال-البويرة-الأوراس-جرجرة. (28)
-يحمل المؤرخ مسؤولية فشل الثورة إلى الجانب الانضباطي وعدم الالتزام بالمواعيد المحددة من جهة، ومن جهة أخرى عدم تحمل أية جهة أو تيار وطني مسؤولية الثورة.(29)
*كتابات بن يوسف بن خذة
-يشير المجاهد إلى أن قيادة حزب الشعب السرية أعلنت حالة الطوارئ بعد مظاهرات الفاتح ماي 1945 بمناسبة عيد العمال، وأن آلة العنف الاستعمارية وراء ثائرة ثورة الجزائريين بعد مجازر 8 ماي حين يذكر: " (...) أمام هذه المجازر ثارت ثائرة المسلمين، فأخرجوا بنادق الصيد وشتى أنواع الأسلحة من مخابئها، وراح الفرسان يجوبون الدواوير مشهرين سيوفهم داعين الناس إلى الجهاد، لقد سادت أجواء ثورة حقيقية في كافة ربوع الوطن".(30)
-قرار قيادة الحزب بتعميم العمليات المسلحة على كامل التراب الوطني.
-توزيع المهام الثورية على النحو التالي(31):
* محمد بلوزداد: الجزائر العاصمة
* أحمد بودا: ناحية الأربعاء-تابلاط
* محمد بن مهل: منطقة جنوب العاصمة
* جيلالي رجيمي: ناحية شرشال
* علي حاليت: منطقة القبائل
* مسعود بوقادوم والشاذلي المكي: القطاع القسنطيني
* محمد محفوظي وعبد الله الفيلالي: القطاع الوهراني
-العمليات المنفذة(32):
* -الهجوم على مركز عسكري في مسعد (الجلفة).
* إحراق محافظة الشرطة بالروينة.
* قطع خطوط الهاتف وإضرام النار في مقر بلدية سعيدة، وخزان الوقود، ومهاجمة مركز الشرطة.
-العمليات المقرر تنفيذها(33):
* الهجوم على ثكنة شرشال العسكرية بقيادة: عمار أوعمران ومساعده محمد مقدم.
-اكتشاف المخابرات الفرنسية موعد الإعلان عن التمرد المسلح، اضطرت قيادة الحزب للعدول عن الأمر اصطلح عليها بـ « الامر بالتمرد-الامر المضاد» ويرجع ذلك إلى(34):
* الجدل الحاصل في صفوف التنظيم الحزبي.
* اصدار القرار نابع عن رد فعل فوري أملته الظروف.
* التمسك بذلك القرار سيعمق من حجم المجازر مع عدم إمكانية التصدي.
* عدم وجود تنظيم مسلح قوي على المستوى الوطني.
*كتابات أحمد محساس
-يشير إلى بعض مظاهر الثورة الحاصلة في ماي 1945م، حين ذكر(35):
* مصادفة الفرق العسكرية الفرنسية أثناء تمشيطها بالمناطق الريفية ثوارا يحملون لبنادق وأسلحة أوتوماتيكية، وذلك استنادا إلى شهادة نقيب فرنسي.
* الهجوم على مبنى الدرك بمدينة «Chevreuil» بقذيفة أطلقت من الخارج.
-ينبه المجاهد بالاستناد إلى المؤرخ «جوليان»(36) أنه ربط انتفاضة ماي 1945 بالاستفزازات الفاشية بدل من ربطها بتوفير إرادة في تنظيم ثورة عارمة هو ما يقع فيه الكثير من المؤرخين.(37)
*كتابات حسين أيت احمد
-يعتبر ما وقع في الفاتح من ماي 1945 ضمن الديناميكية الثورية من منطلق القمع الممارس ضد المتظاهرين الجزائريين.(38)
-يشير إلى حملة التعبئة بمنطقة القبائل التي أشرف عنها «واعلي بناي»، وكذلك شهادة «ارزقي بوجمعة» حول قرار قيادة الحزب الانتفاض العام يوم 23 ماي 1945، بعد مجازر سطيف وتمرد قسنطينة.(39)
-يذكر المجاهد عن وجود الجيش المرابط بجنوب المنطقة الوسطى الذي سيتحرك صوب الشمال لصد الحملة الهستيرية القمعية الممارسة من قبل الاستعمار.
-إشارة إلى المرتكز الاستراتيجي لعملية الثورة العامة بمنطقة القبائل عقب مجازر 8 ماي من خلال(40):
* التحضير لشن هجمات مسلحة على: الحصن العسكري بمنطقة «فورناسيونال» اعتمادا على المساعد «أفو أبزيمر» و «حسين سيد أحمد» له خبرة عسكرية لما تم خدمته العسكرية بمدرسة شرشال، وتقوم الخطة على استهداف قاعة سينما المسرح التابعة للحصن، ومخازن الدخيرة والأسلحة.
-يرجع سبب فشل الثورة إلى عدم وجود إرادة ملموسة مستشفة من قيادة الحزب.(41)
*كتابات محمد حربي
-إشارة محمد حربي إلى وجود نقاط غامضة في وسائل تحقيق الاستقلال ضمن تكتل رابطة أحباب البيان والحرية، وأن التفكير في الانتفاضة العامة في 1 ماي 1945، وتحولها إلى ثورة خلال كامل الشهر، لتصبح مجزرة في حق الإنسانية، نابع عن تخطيط استعجالي وفوري دون تحضير مسبق.(42)
*كتابات شارل أندري جوليان
-يشير إلى انقلاب المظاهرات في 8 ماي 1945 إلى عصيان مسلح في سطيف وقالمة، وعن الهجمات التي مست للمراكز الاستيطانية، محدد عدد الثوار الجزائريين بـ: 50000 ثائر، مبرزا أن المستوطنون قد أدركوا أن سلطتهم قد أجهضت مشروع ثورة حقيقية كان سيؤدي إلى فقدانهم لممتلكاتهم بالجزائر.(43)
*كتابات رابح بلعيد
-يشير المجاهد إلى مظاهر الثورة التي صاحب حركة ماي 1945م(44):
* الكتابات المغرضة والداعية للتمرد تلطخت بها جدران بعض المدن: الجلفة « اقتلوا الفرنسيين واليهود»، عين بسام: «يا أيها المسلمون اتحدوا!»، سطيف: «أيها الفرنسيون، سوف يقتلكم المسلمون، علم الإسلام هو الذي سوف يرفرف على شمال إفريقيا»، تلمسان: «أيها المسلمون استيقظوا».
* تمزيق الجزائريون في وادي الزناتي أعلام فرنسية صباح 7 ماي 1945م، مستندا إلى ورقة وجدها العقيد «بول شون» (Paul Schoen) وأنسبها إلى حزب الشعب الجزائري جاء فيها: «أيها الشعب الجزائري، النجاح محقق...الاتحاد، النشاط، النجاح».
-انتشار الإشاعة « الثورة عامة، وإن حكومة عربية قد استقرت في مدينة الجزائر»، وعمل الجزائريون في عمالة قسنطينة على تخريب مزارع المستوطنين والبلديات والقرى الصغيرة، وذبح سكانها مخلفين 103 قتيل أوروبي و110 جريح، وكان أول ضحية المستوطن «دانييل» (Daniel) سكرتير القسم الشيوعي لمدينة سطيف وصديق فرحات عباس، حيث قطعت يداه الاثنتان.(45)
Ø هل حركة ماي 1945 ثورة تم إجهاضها؟
-نستشف من شهادة «شوقي مصطفاي» أن المظاهرات كانت مخططة مسبقا من قبل حزب الشعب الجزائري حين ذكر: «بما أن جيوش الحلفاء ستكون حاضرة، وكذلك المسؤولين والصحافة الدولية، فإنه كان تسجيل صدى كبيرا...كنا نقوم باستعراض عسكري في يوم النصر لجعله يوما لانتصار الجزائريين...فكيف نعطي نهجا لتلك التظاهرة، رفع اللافتات أمر عادي جدا...أخدنا أقمشة خضراء وبيضاء وحمراء، وصنعنا منها أعلاما، أنا رسمت تخطيطا لتلك الأعلام ووقفت الأغلبية مذ هذا التصميم...، أعطينا هذا النموذج لسيدي عمراني، مسؤول حزب الشعب الجزائري ليقوم بنشره عبر القطر الجزائري».(46)
-من منطلق محمد قنانش الذي قسم التيار الثوري في الجزائر إلى(47):
الوطني الشعبوي: يرتكز على الوطنية كفلسفة تحررية تستمد نواتها من الأرض والشعب الواعي المستعد للتضحية والثورة وسيلة لتحقيق ذلك.
الانتهازي المقنع: حدد الوطنية في الانتماء إلى القطعة الترابية جاعلا من السياسة انتهازا.
التطرف التقليدي: عدم المجازفة بجر الشعب للانتفاض دون دراسة قواعد قيام الثورة على أسس علمية ومنطقية.
يمكن التوصل إلى أن الذي كان وراء حركة ماي 1945 هو التيار الوطني الشعبوي، الذي جر بالشعب للانتفاض في ثورة عارمة دون وضع تخطيط مسبق للعواقب، وتحديد مدى المقدرات والإمكانات المتوفرة، معتمدا على عامل المجازفة، والذي جعل فيم بعد يتراجع عن الخيار الثوري لما شهدته تلك الحركة الثورية من قمع وإبادة رهيبة مارستها أجهزة الإدارة الاستعمارية.
-يشير الباحث «محمد عباس» إلى نظريتين بخصوص الحركة الوطنية، الأولى تأسس إلى إمكانية الشروع المباشر في تكوين منظمة عسكرية تتولى عملية التحضير الفعلي للثورة المسلحة، أما الثانية ترى بضرورة توفير شروط نجاح المنظمة العسكرية وعلى رأسها خلق هيجان في أوساط الشعب بعد تغريق الحركات الأخرى، وكسب أنصار منها لتأييد الحل الثوري.(48)
فبينما كانت تخطط الأولى في تهريب مصالي الحاج من منفاه بقصر الشلالة إلى ناحية الجنوب –سطيف-، بغية التحاق فرحات عباس والشيخ الابراهيمي به، وإعلان عن ميلاد حكومة جزائرية تضم الأقطاب الثلاثة، وتعلن العصيان ضد السلطة الاستعمارية ، جاء الانقلاب عن هذا التيار من خلال ما وقع في ماي 1945م، وترجيح الكفة للتيار الثاني وما ترتب عنه من كارثة حقيقية نتيجة السياسة التهورية.
-انطلاقا من مبادئ الثورة القائمة على:
الثورة منطلقها التعبئة الشعبية، وعليه فقد شارك في حركة ماي 1945م مختلف شرائح المجتمع وفئاته.
الشمولية، لم تشمل حركة ماي 1945م كل أنحاء الوطن بل اقتصرت على مناطق محددة خصوصا الشرق الجزائري، وكانت بداياتها من الفاتح ماي بالجزائر والبليدة وشرشال وسعيدة ثم انتشرت في مدن الشرق وذلك يوم الثامن من الشهر.
الاستمرارية، أي الإصرار على مواصلة الكفاح إلى غاية تحقيق الأهداف المرجوة لكن توقفت حركة ماي 1945م بسبب الرد العنيف الذي لقيه المتظاهرون من قبل السلطة الاستعمارية.
الوثائق الأيديولوجية، حيث لم تكن أية وثيقة تتضمن الأهداف والغايات والبرامج المسطرة كما تضمنها بيان أول نوفمبر 1954م.
يمكن اعتبار ما وقع في ماي 1945م محاولة ثورة وطنية ضد النظام الاستعماري ومؤسساته الفاعلة، ولكن التسرع وعدم التخطيط الجيد وفارق توازن القوى، كان وراء فشل هذا العمل المسلح.
النتائج
*تحديد التأصيل الاصطلاحي لمجموعة من المفاهيم الخاصة بالحركة الوطنية والفعل الثوري المسلح، يسهل وضع أي نشاط أو فعل وطني ضمن إطاره التاريخي وما يقابله من مصطلح مناسب لخصائصه.
*تبلور فكرة العمل المسلح جاءت قبل حركة ماي 1945م، تجسدت في شكل تنظيمات سرية، تبنت العمل الفدائي كمنهج عمل ملائم لطبيعة التنظيم والهيكلة والظروف العامة.
*الانقلاب الحاصل داخل صفوف الحركة الثورية الجزائرية، من خلال تغليب منطق تهييج الجماهير ودفعهم للتمرد، بغية بناء الأطر الثورية والشروع في العمل المسلح.
*اجهاض العمل الثوري شهر ماي 1945م راجع في أساسه لعدم تمكن العناصر الوطنية من تجهيز مشروع ثوري واضح المعالم قائم على إيديولوجية معينة، له الصفة التنظيمية ، والابتعاد عن المجازفة.
*التخمين في العمل المسلح لم يكن وليد الصدفة بل جاء نتيجة لتراكمات وخبرات وظروف معينة أملتها مجموعة من العوامل اجتمعت بين الداخلية والخارجية، مشكلة الأرضية والقاعدة الأساسية التي بنيت عليها استراتيجية الفعل التحريري.
الهوامش
1-عبد الوهاب الكيالي: الموسوعة السياسية، ج1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1985، ص 870؛ أنظر أيضا: محمد قنانش: أفاق مغاربية المسيرة الوطنية وأحداث 8 ماي 1945، منشورات دحلب، الجزائر، 1990، ص 57؛ أنظر أيضا:
Un comité d’officiers de toutes armes : Nouveau dictionnaire militaire, Librairie militaire de l.Baudier, Paris, France, 1891, p. 742
2-الكيالي، نفس المرجع، ص 870.
3-نفسه.
4-نفسه.
5-نفس المرجع، ص 871.
6-وفاء علي داود: "التأصيل النظري لمفهوم الثورة والمفاهيم المرتبطة بها"، المجلة الديمقراطية، العدد 49، 31/01/2013، على موقع: democracy.ahram.org.eg
7-نفسه.
8-نفسه.
9-نفسه.
10-نفسه.
11-نفسه.
12- Nouveau dictionnaire militaire, Op.cit, p. 705
13-الكيالي، المرجع السابق، ص 346.
14-نفسه.
15- تأسست لجنة العمل الثوري لشمال إفريقيا (CARNA) سنة 1939م، حيث ربطتها علاقات مع الألمان بغية مساعدتهم للجزائريين في حال اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقد تلقى أعضاء من اللجنة تكوينا في فنيات حرب العصابات ومهارات التخريب، وقامت اللجنة على استراتيجية مفادها التحالف مع ألمانية ليس بقصد الارتباط العضوي أو الروحي بالنازية والفاشتية، وإنما لمساندتهم العمل الثوري المراد تفجيره بالجزائر، انضم إلى اللجنة عدد من المناضلين الناشطين على مستوى أحياء العاصمة منهم: حسين عسلة-سيدعلي عبد الحميد-محمد طالب-عبد القادر عمراني-محمد عبدون-شريف قاسي-عبد الرحمن ياسين-لخضر مكيداش)؛ أنظر: محمد بلقاسم: "وحدة المغرب العربي فكرة وواقعا (1954-1975م)"، رسالة دكتوراه، قسم التاريخ، جامعة الجزائر 02، 2009-،2010، ص ص 94-95.
16- مؤمن العمري: الحركة الثورية في الجزائر: من نجم شمال إفريقيا إلى جبهة التحرير الوطني (1926-1954م)، دار الطليعة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2003، ص 106.
17- Hamid : «Abdelkader Amrani & Mohamed Taleb », in : www.usm.d’Alger.com, 28 mars 2008, 23h :46
18- إبراهيم لونيسي: "تجدد فكرة العمل المسلح في الجزائر إبان الحرب العالمية الثانية"، مجلة المصادر، العدد 4، الجزائر، 2001.
19- محمد بلوزداد: (1923-1952م)، ولد ببلكور، الجزائر العاصمة، الملقب بـ "سي مسعود"، متحصل على شهادة عليا بمعهد "أول ماي"، بعدما أكمل دراسته الابتدائية بمدرسة "الحامة"، اشتغل كاتبا عاما لدى مصلحة الشؤون الأهلية بالولاية العامة، وسنة 1943م انخرط في صفوف حزب الشعب، وكان قد تزعم شبية قسمة "بلكور"، ونظم مظاهرة الفاتح من ماي 1945م بالعاصمة، أين سقط 4شهداء بشارع "إيزلي" –العربي بن مهيدي حاليا-، وعلى إثر تلك الأحداث الدامية، اضطر لمغادرة العاصمة وعين على رأس قيادة الحزب عن عمالة قسنطينة، ليعود إلى العاصمة ويقنع قيادة الحزب في مؤتمر فيفري 1947م، لإنشاء طليعة شبه عسكرية، وفعلا يترأس فيما بعد المنظمة الخاصة، بعدما كان قد أسس مجموعات تجريبية عرفت بأفواج الصدام، وقد استطاع أن يهكل بنيتها العضوية والتنظيمية، وتمكن من إرساء الفكر الثوري لدى عناصرها، أصيب بلوزداد بمرض السل، ونقل إلى مصلحة "بوبيني" بباريس، وقد وافاته المنية في 14 جانفي 1952م، ودفن بمقبرة "سيدي امحمد"، فحسب شهادة " محمد بودة"، فقد عرف بحنكته وكفاءته وموهبته النضالية؛ أنظر: رابح بلعيد، الحركة الوطنية الجزائرية 1945-1954م-دراسة ووثائق غير منشورة-، دار بهاء الدين للنشر والتوزيع، الجزائر، 2015، ص ص 94-97.
20- محمد يوسفي، الجزائر في ظل المسيرة النضالية (المنظمة الخاصة)، تر: محمد الشريف بن دالي حسين، منشورات ثالة، الجزائر، 2007، ص ص 35-37.
21- لونيسي، المرجع السابق.
22- يوسفي، المصدر السابق، ص 42.
23- مؤمن العمري، المرجع السابق، ص 107.
24-أبو القاسم سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، ج3، ط4، دار الغرب الإسلامي، لبنان، 1992، ص 227.
25-نفسه.
26-نفس المرجع، ص 232.
27-نفس المرجع، ص 253.
28-نفسه.
29-نفسه.
30-بن يوسف بن خذة: جذور أول نوفمبر 1954، تر:مسعود حاج مسعود، ط02، دار الشاطبية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2012، ص 142.
31-نفس المصدر، ص ص 142-143.
32-نفس المصدر، ص ص 145-146.
33-نفسه.
34-نفس المصدر، ص 149.
35-أحمد مهساس: الحركة الثورية في الجزائر من الحرب العالمية الأولى إلى الثورة المسلحة، تر: محمد عباس والحاج مسعود مسعود، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2003، ص 244.
36-نفسه.
37-نفس المصدر، ص 247.
38-حسين أيت أحمد: روح الاستقلال، مذكرات مكافح (1942-1952)، تر: سعيد جعفر، منشورات البرزخ، الجزائر، 2002، ص 42.
39-نفس المصدر، ص 43.
40-نفس المصدر، ص ص 46-47.
41-نفسه.
42-محمد حربي: الثورة الجزائرية سنوات المخاض، تر: نجيب عياد وصالح المثلوثي، موفم للنشر، الجزائر، 1994، ص 12.
43- شارل أندري جوليان: تاريخ الجزائر المعاصرة، تر: عيسى عصفور، ط01، منشورات عويدات، لبنان، 1982، ص ص 150-151.
44- بلعيد، المرجع السابق، ص ص 17-20.
45-نفسه.
46- Yasmina ADI, L’ autre 8mai1945 ; Au origines de la guerre d’Algérie, documentaire, canal +, France octobre 2011.
47-قنانش، المصدر السابق، ص 69.
48-مهساس، المصدر السابق، ص 229.
البيبليوغرافيا
أولا: المصادر
*أيت احمد حسين: روح الاستقلال: مذكرات مكافح (1942-1952م)، تر: سعيد جعفر، منشورات البرزخ، الجزائر، 2002.
*بن خذة بن يوسف: جذور أول نوفمبر 1954، تر: مسعود حاج مسعود، ط02، دار الشاطبية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2012
*محساس أحمد: الحركة الثورية في الجزائر من الحرب العالمية الأولى إلى الثورة المسلحة، تر: محمد عباس والحاج مسعود ،دار القصبة للنشر، الجزائر 2003.
*يوسفي محمد ، الجزائر في ظل المسيرة النضالية (المنظمة الخاصة)، تر: محمد الشريف بن دالي حسين، منشورات ثالة، الجزائر، 2007.
ثانيا: الأطروحات الجامعية
*بلقاسم محمد: "وحدة المغرب العربي فكرة وواقعا (1954-1975م)"، رسالة دكتوراه، قسم التاريخ، جامعة الجزائر 02، 2009-2010.
ثالثا: المراجع
*بلعيد رابح: الحركة الوطنية الجزائرية (1945-1954)، دار بهاء الدين للنشر والتوزيع، الجزائر، 2015.
*جوليان شارل أندري: تاريخ الجزائر المعاصرة، تر: عيسى عصفور، ط01، منشورات عويدات، لبنان، 1982.
*حربي محمد: الثورة الجزائرية سنوات المخاض، تر: عياد والمثلوثي، موفم للنشر، الجزائر، 1994.
*سعد الله أبو القاسم: الحركة الوطنية الجزائرية، ج3، ط04، دار الغرب الإسلامي، لبنان، 1992.
*العمري مؤمن: الحركة الثورية في الجزائر: من نجم شمال إفريقيا إلى جبهة التحرير الوطني (1926-1954م)، دار الطليعة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2003.
*Un comité d’officiers de toutes armes : Nouveau dictionnaire militaire ; Librairie militaire de Baudour, France, 1891
رابعا: المقالات والمواقع الالكترونية والوسائط السمعية البصرية
* إبراهيم لونيسي: "تجدد فكرة العمل المسلح في الجزائر إبان الحرب العالمية الثانية"، مجلة المصادر، العدد 4، الجزائر، 2001.
*علي داود وفاء: "التأصيل النظري لمفهوم الثورة والمفاهيم المرتبطة بها"، المجلة الديمقراطية، العدد 49، 31/01/2013 على الموقع: democracy.ahram.org.eg
*Hamid : «Abdelkader Amrani & Mohamed Taleb », in : www.usm.d’Alger.com, 28 mars 2008, 23h :46.
*http://guelma.piednoir.net, 2013
*Yasmina ADI, L’ autre 8mai1945 ; Au origines de la guerre d’Algérie, documentaire, canal +, France octobre 2011.