التفكير التقويمي
يعد التقويم خطوة أساسية في التفكير العلمي وفي تفكير حل المشكلات .
وفي اتخاذ القرارات . بل التفكير التقويمي أمر مهم وضروري في مجالات الحياة بصفة عامة , بل إن عملية التقويم ينبغي أن تكون عملية مستمرة في سائر خطوات التفكير العلمي ولا تقتصر على تقويم النتائج أو حلول فقط. لكن التفكير التقويمي يختلف عن عملية التقويم التشخيصي .
وما سنناقشه في هذا الفصل هو التفكير التقويمي الذي يمكن أن يتخذ أشكالاً عدة منها :
الحوار الناقد الجماعي
إن اختبار الأفكار لا يتم إلا إذا أخضعتها للحوار و التداول مع الآخرين. عندها يمكن اكتشاف صحتها من خطأها, ويمكن أن ترفض أو تعدل أو تقبل. فإذا أردت لأفكارك أن تعيش لابد أن تضعها في بوتقة التفكير الناقد والحوار الجماعي , أما إذا احتفظت بها لنفسك فثق أنها ستموت ولن يستفيد منها أحد .
الحوار الناقد الأحادي
يمكن للمرء أن ينفذ أفكاره أو أعماله إذا توافرت لديه أدوات النقد المناسبة. ومن الطرق المناسبة أيضاً أن يتخيل المرء كتابة الأشياء التي لا يستطيع الدفاع عنها .
البساطة
هناك عدة صياغات لقانون نيوتن الأول في الميكانيكا . ولكنه ببساطة ينص على أن الأجسام عاجزة عن تغيير وضعها . لذلك يسمى قانون القصور الذاتي وحتى تفهمه. انظر إلى حجز . إن يبقى مكانه ما لم تؤثر فيه قوة تحركه من مكانه أليس كذلك ؟ إذن هذا الحجز عاجز عن تغيير وضعه أو حالته . أي أنه قاصر ذاتياً أي عاجز عن تحريك نفسه . هذا هو قانون القصور الذاتي أو قانون نيوتن الأول الذي يستعصى على كثير من الطلاب . فلو عرض الموضوع بهذه البساطة لسهل فهمه . نيوتن لم يزد على أن وصف شيئاً موجوداً في الطبيعة . وهكذا يمكن أن تكون البساطة جزءاً أساسياً من التفكير التقويمي . هذه البساطة التي تتجلى في وصف الواقع والتعرف عليه . وهي خطوة أساسية في التفكير التقويمي .
الإطراء والمحاكاة والتطوير
إن تقليد الفكرة من قبل الآخرين يعد نوعاً من الإطراء الرفيع للفكرة. فالأفكار الجيدة هي التي يحاكيها الناس . أما إذا استخدمت الفكرة أساساً لأفكار أخرى فأنه إطراء متميز لها.فالأفكار الجيدة تتكاثر وتتوالد.وإن قابلية من يطريها أو يقلدها نوع من التقويم الواقعي لها.
القدرة على التوقع
تعد القدرة على التوقع نوعاً من اختبار مصداقية الفكرة.فقد استطاع العلماء باستخدام جدول مندلييف البسيط توقع وجود عناصر قبل اكتشافها بسنوات . وقد استطاعت نظرية النسبية لأنشتين أن تتوقع أحداث عملية اكتشفت فيما بعد . كما توقع علماء الفيزياء النووية وجود ست كوركات انطلاقاً من النظرية النووية المعاصرة المسماة نظرية لوردك / ليبثون.وقد اكتشفت الكواركة الأخيرة منها عام 1992. إذن مقدار القدرة على التوقع يعد اختباراً تقويماً للفكرة.ومن هنا ينبغي أن نسأل أنفسنا عن مدى قدرة الفكرة على التوقع والانسجام مع الأفكار الأخرى في المجال نفسه .
اختيار المنظور المناسب
عندما تكون في وادي بين جبلين ما المساحة التي يمكن أن تاها من موقعك ذلك ؟ وإذا صعدت إلى قمة الجبل , هل يتسع منظورك فترى أودية أخرى وجبالاً أخرى ؟ وإذا ركبت الطائرة ونظرت إلى المنطقة نفسها من علو شاهق في السماء , فما مقدار الاتساع الذي حصل لمنظورك ؟ وإذا كنت في سفينة فضائية , ألا يتسع منظورك لترى الكرة الأرضية كلها كما ترى القمر وأنت على سطح الأرض ؟ فأي من هذه المنظورات صحيح ؟ لا تتسرع في الإجابة فأن صحة المنظور تعتمد على الموضوع الذي فيه . فما هو المنظور المناسب لعالم يبحث في الحياة حشرة من الحشرات ؟ وما هو المنظور المناسب لعالم يبحث في حركة الرياح والغيوم والطقس للكرة الأرضية ؟ مما لا شك فيه أن المنظور الواسع أكثر مناسبة لموضوع حركة الرياح والغيوم على الكرة الأرضية , أما الذي يبحث في حياة حشرة من الحشرات فقد يكون المنظور الضيق الذي يراه المرء وهو في الوادي ,حيث توجد الحشرة أكثر ملاءمة ممن غيره.ولكن ثمة نقطة أخرى ينبغي ألا تغفلها وهي النظرة المتوازنة للأمور دون إفراط أو تفريط فقد تحتاج أحياناً أكثر من منظور للموضوع الواحد .
اختبار استراتيجيات التفكير كوسيلة لتقويم فاعليته
كيف نختبر فاعلية تفكيرنا ؟ أو كيف نتأكد من جدوى تفكيرنا ؟ لكي نتأكد من ذلك لابد من الرجوع إلى القواعد التي انطلقنا منها في تفكيرنا , أو الاستراتجيات التي اعتمدنا عليها في تفكيرنا . لنعد إذن إلى القواعد التي انطلق منها التفكير .
عوائق التفكير
عندما نفشل في تطوير نقاشاتنا ينبغي مراجعة العوائق والحواجز التي تمنعنا من التفكير الإبداعي . فقد يكون الحوار قد أثار عاطفة قوية لدينا منعتنا من التفكير الموضوعي . يحب ألا نسمح لرغبتنا وشهوتنا وعواطفنا أن تفسد منهجية التفكير السليم لدينا , ولا نسمح لها بالسيطرة على عقولنا . كما ينبغي أن ننتبه إلى حالتنا النفسية ، ومستوى الاجتهاد الفكري أو البدني الذي نمر فيه ، وكذلك إلى حالتنا الجسمية من حيث الصحة والمرض والنوم والراحة ؛ إن هذه الأمور كلها تؤثر أدائنا الفكري ، زمن ثم تؤثر في النهاية على أفكارنا .
الذاكرة والإدراك
ومن الأشياء التي ينبغي أن نكون على وعي تام بها : البيانات والمعلومات المتوفرة لدينا ، مستوى إدراكنا للأشياء ، مستوى أداء حواسنا الخمسة ، وهذا يعني أن نسأل أنفسنا فيما إذا كانت رؤيتنا للأشياء صحيحة ، وهل ما شاهدناه يمثل الحقيقة ، وهل استمعنا بانتباه . وهل نحن متأكدين من صحة حفظنا وتذكرنا ؟ فإذا كنا مشككين في أي من صحة إدراك حواسنا ، فأن هذا الشك يتسرب إلى أفكارنا ذات العلاقة . ولابد من إجراء مزيد من البحوث .
اللغة
يقال إن اللغة ليست أداة تعبير فقط بل هي أداة تفكير . وهي في الواقع ليست أداة تفكير فحسب ، بل هي فإذا أردنا الحصول على تعريفات واضحة ، أو ملاحظات مناسبة ، أو حوار هادف ، لابد من تنظيم منطقي للحوار ، وليس لن سبيل إلى ذلك إلا باستعمال اللغة . بل إن اللغة تؤثر في برمجة الأعصاب وعلى التفكير .
المشاعر
عندما نتبنى فكرة ما ، ينبغي أن نبحث عن مشاعرنا وعواطفنا هل هي مع هذه الفكرة أم لا ؟ إن المشاعر والعواطف هي القوة الدافعة لتحقيق الأفكار . فإذا كانت الأفكار بلا مشاعر . فإنها باردة مصيرها الموت ، ولن تجد لها طريقاً إلى الواقع . فاسأل نفسك إذن متا شعورك تجاه الفكرة؟ ما هو شعورك تجاه الموضوع ؟ ما شعورك تجاه الفئة المستهدفة؟ فالعقل لا يستطيع أن يحقق شيئاً إذا لم يؤيده القلب .
التنظيم
من القضايا المهمة التي تميز الفكر السليم ، قضية التنظيم. لذا ينبغي أن نقوم الفكر من جوانبه التنظيمية. ومن الأسئلة المناسبة لهذا الجانب: هل هنالك بنية فكرية مميزة؟ ما الرابط الذي يربط الأفكار الفرعية بالأفكار الرئيسية؟ أو ما الرابط الذي يربط الأفكار الفرعية بعضها مع بعض ؟ هل هو التسلسل الزمني أم هو العلاقات السلبية؟ وهل هناك بنية منطقية للفكرة؟ ما مدى وضوح الهدف؟ هل هناك تكامل وتناسق وتوازن بين الأفكار المطروحة؟
الضبط المنطقي
هل التفكير مبني على أسس منطقية؟ هل المقدمات صحيحة؟ وهل النتائج مشتقة من المقدمات ومبنية عليها بناءّ منطقياّ سليماّ؟ وهل عمليات القياس المنطقية المستخدمة في التفكير قانونية وموثوقة وصادقة؟ وما مدى قبول الفئة المستهدفة لعمليات القياس المستخدمة؟ وإذا استخدمنا التفكير الاستقرائي، فهل هو مؤسس على شواهد واقعية صحيحة ومتكررة؟ هل تجنبنا المغالطات المنطقية؟ وهل استخدمنا العلاقات السببية والارتباطية بفاعلية؟
مراجع
- أنواع اتفكير - الدكتور إبراهيم أحمد مسلم الحارثي