خلال فترة الإمارة
تفاوت النفوذ البريطاني في شرق الأردن بين الأعوام 1921- 1928م بين مظاهر القوة والضعف، حتى بدا في الفترة ما بين عامي 1922 و1924م كأنه غير قائم، بسبب تصرف المعتمد البريطاني جون فلبي (john philby). إلا أنه بعد استقالة فلبي أخذ النفوذ البريطاني يشتد في شرق الأردن، إذ فرض المعتمد البريطاني الجديد هنري كوكس (henry cox) المراقبة المالية على شرق الأردن. إزاء هذا الوضع سعى الأمير عبد الله بن الحسين إلى توقيع اتفاق مع الحكومة البريطانية يؤمن اعترافاً دولياً بوجود حكومة في المنطقة الأردنية. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف طرح الأمير عبد الله بن الحسين في المفاوضات التي دارت بينه وبين مندوب الحكومة البريطانية جلبرت كلايتون (gilbert clayton) في لندن بتاريخ 16/ تموز/ 1921م أن تكون إمارة شرق الأردن دولة مستقلة استقلالاً تاماً، مع إيجاد صيغة علاقة جديدة تربط شرق الأردن ببريطانيا. ثم حاول مرة أخرى تعديل هذا الطرح وطلب أن توافق بريطانيا على تأسيس دولة عربة واحدة في كل من فلسطين وشرق الأردن وسوريا ولبنان، وأن تكون هذه الدولة تحت الانتداب البريطاني الفرنسي المشترك، غير أن بريطانيا لم توافق على هذا المشروع، لما فيه من غاية سياسية كان يهدف إليها الأمير عبد الله بن الحسين، وهي إعادة الوحدة السياسية والشعبية لسوريا الكبرى حال زوال الانتداب البريطاني الفرنسي المشترك عنها. وخوفاً من تصاعد حركة المطالبة التي كان يقودها الأمير عبد الله بن الحسين والساعون إلى توحيد البلاد العربية، طلبت الحكومة البريطانية من الأمير عبد الله العودة لفتح مفاوضات جديدة مع بريطانيا، شريطة أن يحصر مطالبه في منطقة شرق الأردن. غير أن الأمير لم يوافق على هذا الشرط، وفضل أن يبقى يدير شرق الأردن نيابة عن والده الشريف حسين بن علي في أثناء الفترة ما بين 1921-1923م، وهي الفترة التي كان يطلق فيها على الحكومة الأردنية اسم حكومة الشرق العربي. في 25/ نيسان/ 1923م وجدت الحكومة البريطانية أنه لا سبيل لها إلا الاعتراف بحكومة مستقلة في شرق الأردن تحت رئاسة الأمير عبد الله بن الحسين، على أن يشكل سموه حكومة دستورية، وأن يقوم بتوقيع اتفاق يحدد صيغة العلاقة بين شرق الأردن وبريطانيا. ولما لم يتوصل الجانبان في الفترة من عام 1923م إلى عام 1926م إلى عقد اتفاق بينهما، طلبت الحكومة البريطانية فتح ملف المفاوضات بين الجانبين من جديد اعتباراً من نيسان عام 1926م، إلا أن المفاوضات تعثرت من جديد، بسبب انشغال بريطانيا في كل من العراق والحجاز ونجد. وفي عام 1927م تم توقيع معاهدة جدة بين الحكومة البريطانية والملك عبد العزيز بن سعود، اعترف على إثرها الملك عبد العزيز بالتغيرات التي طرأت على العراق وشرق الأردن, وشعرت الحكومة البريطانية أنها تستطيع التحرك بأمان أكثر، لذلك قدمت للحكومة الأردنية مشروع معاهدة لتنظيم العلاقة مع الأردن. اعترضت الحكومة الأردنية على بعض النقاط الواردة في المعاهدة وبعد أن استطاعت تسوية الأمر مع الحكومة البريطانية تم التوقيع على المعاهدة في 20 شباط عام 1928م في القدس من قبل اللورد بلومر (lord plumer) المندوب السامي البريطاني في القدس وحسن خالد أبو الهدى رئيس الحكومة الأردنية ممثلاً عن الأردن.
كانت هذه المعاهدة خاتمة فترة من حياة الإمارة التي اتصفت بالاضطرابات الداخلية والمصاعب المالية والاقتصادية والاعتداءات الخارجية المتكررة، والصراع بين سلطات الانتداب والمواطنين من خلال مؤتمراتهم وأحزابهم. وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1928م شكلت فاتحة عهد جديد وحياة سياسية ناشطة، أرست أسس العلاقة الأردنية البريطانية، وأسهمت في إقامة علاقات ثابتة مع الأقطار العربية المجاورة، وقيام مؤسسات دستورية جديدة. فعلى سبيل المثال أصبحت العلاقة التي تحكم بريطانيا والأردن علاقة متفق عليها من الجانبين، بعد أن كانت علاقة محكومة بوثيقة انتداب من طرف واحد.
المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1946م
في الوقت الذي سعى فيه الأمير عبد الله بن الحسين والحكومة الأردنية إلى عقد معاهدة مع الحكومة البريطانية- تهدف إلى تثبيت الكيان السياسي الأردني وكسب اعتراف دول العالم بهذا الكيان- كانت الحركة الوطنية الأردنية قد وقفت تندد بأي شكل من إشكال الاتفاق قد يربط البلاد بصيغة اتفاق مع بريطانيا.
ولكن بعد أن وقعت الحكومة المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1928م، وعلى الرغم من مقاومة الحركة الوطنية للمعاهدة، إلا أنها لم تسع إلى إلغائها تماماً، بل حاولت التخفيف من قيودها على البلاد. هذه المساعي ساعدت الأمير عبد الله بن الحسين وحكومته على الاستمرار بمطالبة بريطانيا بتحسين شروط المعاهدة، مما مكن في النهاية من تعديلها مرات عدة.
المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1948م
كانت الحكومة البريطانية قد سعت في أوائل عام 1948م إلى فتح باب المفاوضات مع عدد من الدول العربية، إلا أنها فشلت في المفاوضات التي دارت بينها وبين مصر والعراق.
غير أنها نجحت في صياغة معاهدة جديدة مع الأردن من خلال مفاوضات جرت بين وفدين؛ بريطاني وأردني، وعلى الرغم من أن المفاوضين الأردنيين توصلوا إلى قناعة أفضلية الاتفاق الجديد على الاتفاق السابق عام 1946م، إلا أن الأمير عبد الله بن الحسين أبرق إلى الوفد الأردني في لندن بعدم التوقيع على ما تم التوصل إليه قبل العودة إلى عمان وإطلاعه رسمياً على نتائج المفاوضات. عند عودة الوفد إلى عمان انعقد في22 / شباط/ 1948م في قصر المصلى في الشونة اجتماع ترأسه الملك عبد الله بن الحسين، وحضره إلى جانب أعضاء الوفد الأردني المفاوض أعضاء الوزارة الأردنية. وبعد استعراض ما في المعاهدة من تجسيد للسيادة الوطنية والاستقلال التام، استقر الرأي على توقيع المعاهدة في 15 آذار 1948م من رئيس الحكومة توفيق أبو الهدى، والسير أليك كيرك برايد (sir Alec Kirk Bride) عن الحكومة البريطانية.