الوصاية السورية على لبنان أو الوجود السوري في لبنان تشير إلى تواجد قوات الجيش السوري في لبنان منذ دخولها إليه عام 1976 إثر الحرب الأهلية اللبنانية وبهدف طرد الجيش الإسرائيلي من لبنان وتطييع الوجود الفلسطيني فيه. وقد انتهى التواجد الأمني والعسكري السوري عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري رغم أن الحكومة السورية كانت تقول في العلن أن وجود الجيش والمخابرات السورية في لبنان هو لإنهاء الحرب اللبنانية التي دامت أربعة عشر (14) عامًا، رغم وجوده وسيطرته على أغلب المآرب السياسية في لبنان.
في يناير 1976، رحب الموارنة باقتراح سوري بإعادة القيود إلى الوجود الفدائي الفلسطيني في لبنان، التي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب الأهلية، ولكن القوات الفلسطينية وحلفاءهم اللبنانيين اليساريين والدروز قد رفضوا ذلك. وفي يونيو 1976، وللتعامل مع المعارضة التي تشكلها هذه المجموعة الأخيرة (المتحالفة عادة مع سوريا)، قام النظام السوري بإرسال وحدات فلسطينية خاضعة لسيطرته إلى لبنان، وبعد ذلك بوقت قصير، بعث بقواته الخاصة أيضًا. وتؤكد سوريا أن هذه التدخلات جاءت استجابة للنداءات الموجهة من القرويين المسيحيين الخاضعين لهجوم اليساريين في لبنان.
وبحلول أكتوبر 1976، ألحقت سوريا ضررًا كبيرًا بقوة اليساريين وحلفاءهم الفلسطينيين، ولكنها اضطرت في اجتماع للجامعة العربية إلى قبول وقف إطلاق النار. وقرر وزراء الجامعة توسيع قوة حفظ السلام العربية الصغيرة الموجودة في لبنان، ولكنها نمت لتصبح قوة ردع عربية كبيرة تتألف بالكامل تقريبًا من القوات السورية. بالتالي فقد أضفيت الشرعية على التدخل العسكري السوري وتلقى إعانات من الجامعة العربية لأنشطته.[1]
في 1989، في الاتفاقات النهائية للحرب الأهلية، تم تشكيل إدارتين متنافستين في لبنان: إحداهما عسكرية تحت ميشال عون في شرق بيروت والأخرى مدنية تحت سليم الحص في غرب بيروت. وحظيت هذه الأخيرة بتأييد السوريين. وعارض عون الوجود السوري في لبنان، مستشهدًا بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 520 لعام 1982.[2] وفي "حرب التحرير" الناتجة عن ذلك، التي اندلعت في مارس 1989، هزمت قوات عون ونفى نفسه من لبنان. وفي 1991، قامت معاهدة "الأخوة والتعاون والتنسيق"، الموقعة بين لبنان وسوريا، بإضفاء الشرعية على الوجود العسكري السوري في لبنان. ونصت على أن لبنان لن يشكل تهديدًا لأمن سوريا وأن سوريا مسؤولة عن حماية لبنان من التهديدات الخارجية. وفي سبتمبر من العام نفسه، تم سن ميثاق للدفاع والأمن بين البلدين.[3]
في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 2005، والتورط المزعوم لسوريا في وفاته، اجتاحت البلاد انتفاضة عامة أطلق عليها اسم ثورة الأرز. وباعتماد قرار مجلس الأمن الدولي 1559، اضطرت سوريا إلى إعلان انسحابها الكامل من لبنان في 30 أبريل 2005.[4]
خلفية
دخل الجيش السوري إلى لبنان في كانون الثاني 1976، بينما كانت نار الحرب الأهلية مستعرة لمدة عام فقط (أي عام 1975)، تحت غطاء الجامعة العربية ليضع حدًّا للحرب الأهلية والنزاع العسكري القائم وليعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب. بينما رفضت دخوله الحركة الوطنية اللبنانية وما تمثلها من الأحزاب اليسارية وإلى جانبها الفصائل الفلسطينية، رحبت في البدء أحزاب اليمين اللبناني أي الأحزاب المسيحيية والمسلمون المحافظون بالأمر.[5]
وبعد معارك في صوفر وصيدا، بسطت سوريا سلطتها على كل لبنان حتى 1977، عندما انتفض عليها الموارنة، الذين كانوا رحبوا بدخولها في بادئ الأمر، وأخرجوها من الأشرفية والمتن وسائر المناطق التي عرفت فيما بعد باسم المنطقة الشرقية.
عام 1988، فشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جمهورية خلفا للرئيس أمين الجميّل، فقام الأخير بتعببن قائد الجيش العماد ميشال عون رئيسا للوزراء، مخالفا بذلك الميثاق الوطني الذي أعطى رئاسة الحكومة للمسلمين السنة. رفض الوزراء المسلمون التعامل مع حكومة عون، فأصبح للبنان حكومتان، واحدة عسكرية برئاسة عون في بيروت الشرقية والثانية مدنية برئاسة سليم الحص في بيروت الغربية والمدعومة من السوريين. عارض عون الوجود السوري في لبنان مستندا لقرار مجلس الامن 520.[6] وشن حربا على الجيش السوري سمّاها حرب التحرير.
بدأت هذه الحرب في 14 آذار 1989 وشهدت قصفا مدفعيا استمر أشهرا وإدى إلى اصابات كبيرة في صفوف المدنيين من الناحيتين. في بادئ الحرب، حصل عون على دعم دولي سمح له أن يصمد ويفاوض ويحصل على بند في اتفاق الطائف ينص على انسحاب سوريا من لبنان في غضون سنتين من تطبيق هذا الاتفاق. غير أن الأمور انقلبت رأسا على عقب عندما احتاجت الولايات المتحدة دعم سوريا في حربها لتحرير الكويت، فحصلت سوريا مقابل هذا الدعم على الضوء الأخضر لحسم الأمور في لبنان. فاجتاحت القوات السورية بعبدا في 13 تشرين الأول 1990، بينما لجأ عون إلى السفارة الفرنسية ونفى نفسه إلى فرنسا.
أصبح لسوريا نفوذ كبير بعد أن أتمت سيطرتها، ففرضت على لبنان سنة 1991 معاهدة "الاخوة والتعاون والتنسيق" لتضفي شرعية على وجودها العسكري في لبنان. ونصت المعاهدة على ان لا يكون لبنان مصدر قلق لسوريا وأعطى سوريا مسؤولية حماية لبنان من التهديدات الخارجية. في أيلول من هذه السنة، وقع لبنان وسوريا اتفاقية الدفاع والامن بين البلدين.[7] بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وموت حافظ الأسد سنة 2000 م، واجه الوجود العسكري السوري انتقادات ومعارضة شديدتين من اللبنانيين، حيث لم يعد الاعتراض حكرا على المسيحيين، بعد أن قامت شخصيات ديمقراطية ويسارية بتأسيس المنبر الديمقراطي وطالبت بتصحيح العلاقات اللبنانية - السورية. انتهى الوجود العسكري السوري في لبنان يوم 26 نيسان 2005 م، إثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري يوم 14 شباط/فبراير 2005 م.
قمع الحريات والاغتيالات والاعتقالات
شهدت ايام وجود الجيش السوري قمعا للحريات واعتقالا للصاحفيين المعارضين وتعذيبهم بسبب قيامهم باثارة النعرات الطائفية وتشويه سمعة الجيش العربي السوري وتعكير الأمن والمس بسمعة الجيش السوري والاتصال بالعدو الإسرائيلي. وكان مهندس هذه المرحلة اللواء جميل السيد ، مدير عام الأمن العام اللبناني الذي كان يتابع ملفات الصحفيين ويطاردهم محاولا ترهيبهم. وكان سمير قصير أبرز هؤلاء الصحافيين المطاردين.[8] وتقول مصادر أن الرئيس السوري بشار الأسد أمر رئيس مكتب الأمن القومي السوري بحزب البعث آنذاك بوضع خطة لاغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق.
الوحدات المشاركة
بين 1976 و2005، سوريا كان عندها في المعدل بين 20,000 و40،000 جندي في لبنان. وكانت التشكيلات الكبرى المنتشرة في اللواء المدرع السابع والأربعون، اللواء المدرع الثاني والستون، أغلب الفرقة الآلية العاشرة (لواءين مدرعين - السادس والسبعون والحادي والتسعون، لواء مشاة آلي 1، لواء مدفعية 1)، زائد 5 أفواج قوات خاصة انتشرت في المواقع الاستراتيجية والتكتيكية، وعلى الأقل لواء دفاع جوي 1. قبل 1984، لواء من سرايا الدفاع نشر أيضا في بيروت وصيدا وطرابلس لمحاربة الميليشيات السنية وتدريب ميليشيات سورية الولاء. ضباط المخابرات العسكرية، إدارة الأمن العام والمخابرات الجوية كلفوا بمهمة الإدارة السورية في لبنان. غازي كنعان ورستم غزالة كانا ضابطا المخابرات الذين تحكموا بلبنان طوال هذه الفترة.
التبادل الدبلوماسي
في أكتوبر 2008، قررت كل من سوريا ولبنان أن يكون بينهما علاقات دبلوماسية بتبادل السفارات لأول مرة في التاريخ منذ أن نال كلا البلدين استقلالهما الوطني خلال الأربعينات، وبعد شهرين من القرار فتحت السفارة السورية في بيروت، وفي مارس 2009 لبنان تبعها وفتح سفارته في دمشق.
الحالة السياسية
في دراسة لمعرفة مطابقة الوجود السوري للقانون الدولي، كتب جيرارد فون جلان ان "جددت الحكومة اللبنانية لقوات الردع العربية منذ 1976 حتى 1982، حيث انتهت آخر ولاية شرعية في في 27 تموز 1982، إبان الحصار الإسرائيلي لبيروت حيث رفضت الحكومة اللبنانية تجديد الولاية. أما عام 1986، فطلب لبنان رسميا انهاء وجود سوريا في لبنان، غير أن نقص شرعية هذه السلطة سمح لسوريا أن تتجاهل الطلب. إذن فوجود الجيش السوري في لبنان غير شرعي منذ ذلك الحين."[9]
مقالات ذات صلة
مراجع
- Weisburd, 1997, pp. 156-157. "syrian+troops"+lebanon+presence&lr= نسخة محفوظة 09 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- United Nations Security Council Resolution 520 http://peacemaker.un.org/lebanon-syria-brotherhood-treaty91
- Ginat et al., 2002, p. 196. "syrian+military+presence+in+lebanon"+occupation&lr= نسخة محفوظة 09 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- انسحاب عسكري واستخباراتي سوري من لبنان نهاية الشهر الحالي - تصفح: نسخة محفوظة 13 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- Weisburd, 1997, pp. 156-157. "syrian+troops"+lebanon+presence&lr= نسخة محفوظة 29 يناير 2014 على موقع واي باك مشين.
- Ginat et al., 2002, p. 196. "syrian+military+presence+in+lebanon"+occupation&lr= نسخة محفوظة 29 يناير 2014 على موقع واي باك مشين.
- YouTube - تصفح: نسخة محفوظة 25 سبتمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- Von Glahn, Gerhard (1992). Law Among Nations: An Introduction to Public International Law. New York: Macmillan Pub. Co. صفحات 687–688. .