انقلاب يوليو 1936 في إسبانيا (بالإسبانية: Golpe de Estado en España de julio de 1936) هي انتفاضة قومية وعسكرية مصممة لإسقاط الجمهورية الإسبانية الثانية، ولكنها في الواقع عجلت الحرب الأهلية الإسبانية عندما تقاتل القوميون مع الجمهوريين للسيطرة على إسبانيا. وأدي الانقلاب نفسه الذي ظهر في 17 يوليو 1936 إلى انقسام الجيش الإسباني والسيطرة الإقليمية، بدلاً من انتقال سريع للسلطة. على الرغم من أن الحرب الناتجة أدت في نهاية المطاف إلى أن يصبح أحد قادتها، فرانسيسكو فرانكو حاكمًا لإسبانيا.
انقلاب يوليو 1936 في إسبانيا | |||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
جزء من الحرب الأهلية الإسبانية | |||||||||||||
الوضع في إسبانيا حوالي 25 يوليو 1936.
| |||||||||||||
معلومات عامة | |||||||||||||
| |||||||||||||
المتحاربون | |||||||||||||
إميليو مولا[معلومة 2] خوسي سانخورخو † غونزالو كيبو ديانو ميغيل كابانياس فرانسيسكو فرانكو مانويل غوديد خواكين فانخول |
مانويل أثانيا |
كان القصد من الانتفاضة أن تكون سريعة، لكن الحكومة احتفظت بالسيطرة على معظم البلاد بما في ذلك مالقة وجيان وألمرية. ثم استولى المتمردين على قادس، وتمكن الجنرال كيبو ديانو من تأمين إشبيلية. وفي مدريد: تم تطويق المتمردين داخل ثكنات مونتانا، التي سقطت مع إراقة الكثير من الدماء. في 19 يوليو أمرت الحكومة برئاسة رئيس الوزراء المعين حديثًا خوسيه غيرال بتوزيع الأسلحة على الاتحادات والنقابات،[1] مما ساعد على هزيمة المتمردين في مدريد وبرشلونة وفالنسيا، وأدى أيضا إلى سيطرة الأناركيين على أجزاء كبيرة من أراغون وكتالونيا. استسلم الجنرال المتمرد غوديد في برشلونة وحكم عليه بالإعدام. كان المتمردون قد حصلوا على دعم حوالي نصف جيش شبه الجزيرة الإسبانية، والذي بلغ إجماليه -مع السماح أعداد كبيرة بإجازة ممتدة- حوالي 66000 رجل، بالإضافة إلى جيش أفريقيا البالغ قوامه 30,000 جندي.[2] كان جيش إفريقيا القوة العسكرية الأكثر احترافًا وقدرة في إسبانيا. احتفظت الحكومة بأقل من نصف المعروض من البنادق والمدافع الرشاشة الثقيلة والخفيفة وقطع المدفعية. كان لدى كلا الجانبين عدد قليل من الدبابات والطائرات القديمة، وكانت القدرة البحرية نوعا ما متعادلة. ولكن انشقاق ضباط الوحدات الجمهورية من جميع الأنواع قد أضعف الحكومة.
البداية
- مقالات مفصلة: الجبهة الشعبية
- جذور الحرب الأهلية الإسبانية
بعد انتخابات نوفمبر 1933، دخلت إسبانيا حقبة أسمتها الأحزاب اليسارية "بالسنتين السوداوين" (بالإسبانية: bienio negro).[3] حيث استلم اليمين الملكي الحكم،[4] ونال دعم رئيس الوزراء الإيطالي بنيتو موسليني. فجاهد خوسيه ماريا جيل روبلز، زعيم حزب سيدا (CEDA) للسيطرة على جناح الشباب في الحزب، ناسخا الحركات الشبابية لألمانيا وإيطاليا. لكن الملكيين حولوا انتباههم إلى فاشية الكتائب الإسبانية أو الفلانخي بقيادة خوسيه أنطونيو بريمو دي ريفيرا.[5] واستمر حزب سيدا بتقليد الحزب النازي الألماني، حيث نظم مسيرة في مارس 1934.[6][7] واستخدم جيل روبلز قانونًا لمكافحة الإضراب لإثارة النقابات وتفكيكها واحدًا تلو الآخر بنجاح.[8] مما أثار المجالس المحلية تحت الهيمنة الاشتراكية إلى الخروج بإضراب العمال يوم 5 يونيو 1934، ولكنها أخمدت بوحشية مع اعتقال أربعة نواب وخروقات للمادتين 55 و 56 من الدستور.[9]
في 26 سبتمبر 1934، أعلن حزب سيدا أنه لن يدعم حكومة الأقلية في الحزب الجمهوري الراديكالي. فاستبدلت بحكومة أليخاندرو ليروكس زعيم الحزب الجمهوري الراديكالي التي ضمت ثلاثة أعضاء من سيدا.[10] فأشعل اتحاد العمال العام (UGT) الإضراب الثوري العام أوائل أكتوبر 1934 في معظم أنحاء إسبانيا. فنصبت الحكومة الجنرال فرانسيسكو فرانكو في قيادة غير رسمية للجهود العسكرية لقمع ثورة عمال المناجم الأستورية، والتي احتل خلالها العمال المضربون عدة بلدات وعاصمة المقاطعة.[11] وتم تسليح حوالي 30,000 عامل خلال عشرة أيام.[12] فقام جنود فرانكو -بعضهم أحضروا من جيش أفريقيا الإسباني- بتصرفات فظيعة،[13] مما أسفر عن مقتل الرجال والنساء والأطفال، ونفذت إعدامات سريعة عند استعادة المدن الرئيسية في أستورياس.[14] فقُتل حوالي 1,000 عامل ونحو 250 جنديًا حكوميًا.[15] كانت تلك بمثابة نهاية فعلية للجمهورية.[16] وتبع ذلك أشهر من الانتقام والقمع من كلا الجانبين. فجرى تعذيب السجناء السياسيين. فاندلعت عمليات قتل سياسي وديني وتفجيرات وإطلاق النار في الشوارع. فأصبح لكل حزب سياسي مليشياته المسلحة.[17] دفع جيل روبلز مرة أخرى إلى انهيار الحكومة، فتم ارضائه بخمسة وزارات من حكومة ليروكس الجديدة. وكذلك تعرض الجيش للتطهير من الأعضاء الجمهوريين. وترقى أولئك الموالين لجيل روبلز، فعين الجنرال فرانكو رئيسًا للأركان.[18]
تجلى استقطاب الحياة السياسية في أعقاب الانتخابات العامة في 16 فبراير 1936، والذي بدأ مع ثورة 1934 الفاشلة والقمع الذي تلاها. فاتحد اليسار في ائتلاف سمي بالجبهة الشعبية التي جمعت بين الاتحاد الجمهوري لدييغو مارتينيز باريو إلى الحزب الشيوعي الإسباني (PCE) مروراً بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE) واليسار الجمهوري لكتالونيا (ERC) وحزب مانويل أثانيا (اليسار الجمهوري IR). في المقابل تجمعت معظم أحزاب اليمين في الجبهة الوطنية المضادة للثورة (CEDA والتجديد الإسباني والكارليون والرابطة الكاتالونية وغيرها)، ولم ينضم إليها الفلانخي ولا PNV الباسكي. وقد انتهت الانتخابات بفوز الجبهة الشعبية بفارق ضئيل[19] وهو أقل من 1% من الأصوات[20]. وإن ادعت الجبهة الشعبية بأنها سيطرت على الأغلبية المطلقة من المقاعد، ولكن الأحزاب اليمينية احتجت على التلاعب بنتائج الانتخابات، مدعية تخصيص المقاعد بشكل احتيالي من خلال الإكراه والعنف والخطأ الوثائقي.[21]
منذ تلك اللحظة اندلعت موجة احتجاج مع العديد من الهجمات وحرق الممتلكات وتخريبها. سرعان مادخلت جماعات الفلانخي شبه العسكرية في الميدان، وواجهتها تنظيمات اليسار العمالي شبه عسكرية. قيل أنه أحصي في شهر فبراير 1936 وحده 441 عملية اغتيال في جميع أنحاء البلاد،[22] وهو رقم لم يؤكده أي مؤرخ آخر ومبالغ فيه مقارنة مع الأرقام التي تم التعامل معها. ذكرت دراسة هي أكثر شمولاً حتى الآن بشأن حوادث العنف السياسي بين فبراير ويوليو 1936 مامجموعه 189 حادثة و 262 حالة وفاة، 112 منها بسبب تدخل قوات النظام العام. ومن بين الضحايا الـ 262 كان هناك 148 من مسلحي اليسار و 50 من اليمين و 19 من قوات النظام العام، و 45 غير محددة هويتهم. وتؤكد نفس الدراسة أن عدد قتلى العنف السياسي انخفض بقوة في يونيو ويوليو إلى 24 و 15 قتيل على التوالي (كان الشهر الأكثر دموية هو مارس بـ 93 قتيل).[23]
استخدم المنتصرين في الحرب الأهلية أحداث الأشهر الخمسة الأولى في حكومة الجبهة الشعبية -من فبراير إلى يوليو 1936- بأنها مبرر لانتفاضتهم. ومع أن معظم المؤرخين لايزالون يعتقدون إلى الآن أنه لم يكن هناك أي حديث عن "ربيع مأساوي" فقدت فيه حكومة "الجبهة الشعبية" سيطرتها على الوضع لأنه في تلك الأشهر لم تكن هناك "حالة طوارئ مقارنة مع حالة 1934 في إسبانيا، أو حتى تلك التي شهدتها ألمانيا وفرنسا طوال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي"، بالرغم من حقيقة أنه لا يمكن إنكار أن الاضطرابات الاجتماعية والعمالية في الريف والمدينة كانت ثابتة وأن الزيادة في العنف الصريح يغذيه تصرفات اليسار واليمين لأسباب سياسية.[24] وبالمثل، فإن "تصميم الكتلة الوطنية التي أصبح خوسيه كالفو سوتيلو هو زعيمها الأوحد واجتمعت معارضة السيدا مع خوسيه ماريا جيل روبلز، فقام بتوجيه أفعالهم للإضرار بالقانون، والاستفادة من تحريض الشارع وتحميل الحكومة مسؤولية ذلك”.[24] وكان استنتاج معظم المؤرخين واضح:“إن عدم الاستقرار السياسي الحقيقي في ربيع 1936 لايخول بأي شكل من الأشكال الانتفاضة العسكرية [في يوليو 1936]، ولاحتى يبررها".[24] أظهر المجتمع الإسباني وسياساته علامة لا لبس فيها على وجود أزمة، ولكن هذا لايعني أن المخرج الوحيد هو الحرب الأهلية".[25]
في تلك الأوقات بدأ اليمين بالتآمر للإطاحة بالجمهورية بدلاً من السيطرة عليها.[26] حيث قاد أثانيا حكومة أقلية ضعيفة.[27] كان من الممكن أن يكون التهدئة والمصالحة مهمة ضخمة.[27] ولكن تصاعدت أعمال العنف والانتقام.[28] وفي أبريل أزاح البرلمان الرئيس زامورا عن منصبه وعين أثانيا رئيسا.[29] ومع ذلك بدأ عزل أثانيا تدريجيا عن السياسة اليومية، وكان بديله كاساريس كيروغا ضعيفًا. كان هذا حدث فاصلاً ألهم المحافظين بالتخلي عن السياسة البرلمانية.[30] قامت سيدا بتحويل صندوق حملتها إلى المتآمر العسكري إميليو مولا. فاستلم الملكي خوسيه كالفو سوتيلو زعامة سيدا في البرلمان بدلا من جيل روبلز.[30][31] وقد بذل بريتو قصارى جهده لتجنب الثورة، فقام بالترويج لسلسلة من الأشغال العامة وإصلاحات النظام المدني، بما فيها أجزاء من الجيش والحرس المدني.[32] سرعان ماستولى الشيوعيون على صفوف المنظمات الاشتراكية، مما أدى إلى تخويف الطبقات الوسطى.[33] قرر العديد من الجنرالات أنه يجب استبدال الحكومة لمنع سقوط إسبانيا. فبدأوا بازدراء السياسيين المحترفين.[34]
التجهيز للانقلاب
المحاولة الأولى انقلاب
بدا أن "الطريق السياسي" لمنع عودة اليسار إلى السلطة قد فشل بعد هزيمة جيل روبلز وحزبه في الانتخابات، فجرت محاولة انقلابية لليمين بوقف تسليم السلطة إلى المنتصرين. حيث ضغط جيل روبلز في ديسمبر للتأثير على الجنرالات الذين وضعهم في مناصب رئيسية في قيادة الجيش (الجنرال فانجول وجوديد وفرانكو) حول فكرة الانقلاب. أما الأول فقد حاول دون جدوى جعل رئيس الوزراء بالوكالة مانويل بورتيلا فالاداريس يعلن "حالة حرب" ويلغي الانتخابات. ثم تبعه الجنرال فرانكو الذي لايزال رئيس هيئة الأركان العامة للجيش فاتصل على فالاداريس مقترحا إعلان الأحكام العرفية وخروج الجيش. لم تكن تلك محاولة انقلاب، ولكنها كانت أكثر من "عمل شرطة" مشابهة لأستورياس، حيث اعتقد فرانكو أن بيئة مابعد الانتخابات قد تصبح عنيفة محاولا إخماد التهديد اليساري المتوقع.[35][36]، ولكن تنصل كلا من رئيس الحكومة [فالاداريس] ووزير الحرب الجنرال نيكولاس موليرو، فاستقالت حكومة فالاداريس قبل تشكيل الحكومة الجديدة.[37] ولعب الجنرال سيباستيان بوزاس مدير الحرس المدني دورًا بارزًا في افشال الانقلاب. فهو أفريقي قديم ولكنه مخلص للجمهورية، وعندما تلقى مكالمة من الجنرال فرانكو للانضمام إلى عمل عسكري واحتلال الشوارع رفض، وكذلك الجنرال ميغيل نونيز رئيس الشرطة الذي لم يدعم الانقلاب. وفي النهاية لم ير الجنرال فرانكو الوضع ناضجًا فتراجع، خاصة بعد فشل الجنراليين جوديد وفانجول في تمرد حامية مدريد.[38]
انتهت محاولة الانقلاب على عكس ماكان متوقعًا. فقد سلم رئيس الوزراء بالنيابة السلطة إلى الائتلاف الفائز دون انتظار الجولة الثانية من الانتخابات (المقرر إجراؤها في 1 مارس). وهكذا في يوم الأربعاء 19 فبراير شكل مانويل أثانيا زعيم "الجبهة الشعبية" حكومةً حسب ماتفق عليه، حيث تكونت من وزراء اليسار الجمهوري (تسعة من اليسار الجمهوري وثلاثة من الاتحاد الجمهوري، بالإضافة إلى واحد مستقل وهو الجنرال ماسكويلت وزير الحرب).[38] كان أحد أول القرارات التي اتخذتها الحكومة الجديدة هو إزاحة معظم الجنرالات المناهضين للجمهوريين من مراكز السلطة: فنقل الجنرال جوديد إلى القيادة العسكرية البليارية، والجنرال فرانكو إلى جزر الكناري، الجنرال مولا للحكومة العسكرية في بامبلونا. الجنرالات المهمون الآخرون، أمثال أورغاز وفياغاز وفانجول وسالجيت تركوا في وضع متاح وقريب.[37] ومع ذلك فسياسة النقل تلك لم توقف المؤامرة العسكرية والانقلاب الذي جرى بين 17 و 18 يوليو، وحتى في بعض الحالات مثل حالة الجنرال فرانكو، جعلتهم يزيدون من رفضهم لحكومة أثانيا من خلال اعتبار نقلهم لجزر الكناري بمثابة تدهور وإذلال ونفي.[39]
الاستعداد للمؤامرة
بدأت المؤامرة العسكرية للقيام بانقلاب (كما أسماه المتآمرون) لإسقاط الحكومة بمجرد انتهاء الانتخابات الأخيرة بانتصار الجبهة الشعبية، حيث اعتمدت في البداية على مؤامرات الانقلاب التي أعيد تشكيلها بعد فشل تمرد الجنرال سانخورخو في أغسطس 1932.[40] وفي 8 مارس اجتمع عدد من الجنرالات (إميليو مولا ولويس أورجاز يولدي وفياغاز وخواكين فانخول وفرانسيسكو فرانكو إلى جانب العقيد خوسيه إنريكي فاريلا والملازم فالنتين غالارزا من UME)، واتفقوا على خلق انتفاضة عسكرية تسقط حكومة الجبهة الشعبية المشكلة حديثًا واستعادة النظام في الداخل وهيبة إسبانيا الدولية. كما تم الاتفاق على أن يتم تشكيل الحكومة من مجلس عسكري يرأسه الجنرال سانخورخو الموجود منفاه في البرتغال.[40] وأن المنسق في إسبانيا هو الجنرال أنخل رودريغيز ديل باريو.[41]
قام الجنرال غونزالو كيبو ديانو (رئيس حرس الحدود) الذي كان ينظم مؤامرة انقلاب أخرى بمفرده، بزيارة مولا في بامبلونا في 12 أبريل. بعد إبلاغ بعضهم البعض بخططهم قرروا التعاون.[42] في 19 أبريل أجهض الجنرال رودريغيز ديل باريو انتفاضة عسكرية في مدريد جزئياً بسبب السرطان الذي عانى منه وأيضا اعتقاده أن الشرطة كانت على علم بالمؤامرة. فانتقل تنسيق المؤامرة إلى الجنرال مولا بقرار من الجنرال سانخورخو، بينما بقي تنسيق الانقلاب في مدريد بيد المقدم فالنتين فالينارزا الملقب بـ "الفني".[43][44]
لم يتم الاتفاق على الطبيعة السياسية لـ "الحركة العسكرية"، ولكن من أجل تنظيمهم لجأوا إلى الهيكل السري لـ UME المكون من ضباط محافظين وضد أثانيا وجاءوا لتحديد موعد الانقلاب في 20 أبريل، ولكن شكوك الحكومة واعتقال أورجاز وفاريلا المحصورين في جزر الكناري وقادس، أجبر المتواطئين على تأجيل الموعد. علاوة على ذلك فقد بدأت الحكومة بتفريق الجنرالات المشتبه فيهم، فأرسلت غوديد إلى جزر البليار وفرانكو إلى جزر الكناري ومولا إلى بامبلونا.[45] وهذا سمح هذا لمولا بتوجيه انتفاضة البر الرئيسي على الرغم من إشكالية العلاقة بينه وبين القادة الكارليين. أضحى الجنرال خوسيه سانخورخو أيقونة المؤامرة، مما مكنه من التوصل إلى اتفاق مع الكارليين. أما مولا فهو المخطط الرئيس والثاني في القيادة.[46] تم سجن خوسيه أنطونيو بريمو دي ريفيرا في منتصف مارس لكبح جماح الفالانخي.[47] ومع هذا لم تكن إجراءات الحكومة دقيقة كما هو المفترض: فتحذيرات مدير الأمن وشخصيات أخرى لم تؤخذ بعين الاعتبار.[48]
في 12 يونيو التقى رئيس الوزراء كاساريس كيروغا بالجنرال خوان ياغوي، الذي اتُهم بتدبير المؤامرة كبيرة في شمال إفريقيا، لكن ياغوي أقنع كاساريس بولائه للجمهورية.[49] وعقد مولا اجتماعاً بين قادة الحامية في شمال إسبانيا في 15 يونيو، ولكن السلطات المحلية عند سماعها بالاجتماع أحاطته بالحرس المدني.[49] ومع ذلك أمر كاساريس بإخراجهم قائلاً إنه يثق في مولا.[50] بدأ مولا تخطيطًا جادًا في الربيع، لكن ظل الجنرال فرانكو مترددا حتى أوائل يوليو، مما ألهم متآمرين آخرين للإشارة إليه على أنه "ملكة جمال جزر الكناري 1936".[46] إلا أن فرانكو يعد لاعبًا رئيسيًا بسبب هيبته كمدير سابق للأكاديمية العسكرية وأنه قام بقمع الانتفاضة الاشتراكية 1934.[46] وله احترام كبير في الجيش المغربي الإسباني، أقوى قوة عسكرية في إسبانيا.[50] وقد كتب خطابًا مشفرًا إلى كاساريس في 23 يونيو يشير إلى خيانة داخل الجيش، وأنه يمكنه ضبطه إذا تم تكليفه.[50] ومع ذلك لم يفعل كاساريس شيئًا، فقد فشل في القبض على فرانكو أو حتى شرائه، فإن كان من المستحيل وضعه في القيادة العامة،[50] فمن الأفضل أن يتولى فرانكو السيطرة على المغرب في النظام الجديد حيث يهمش هناك.[51] وفي 5 يوليو تم استئجار طائرة لنقل فرانكو من جزر الكناري إلى المغرب، حيث وصلها يوم 14 يوليو.[51]
مولا مدير المؤامرة
اعتمد الجنرال مولا الاسم الرمزي "المدير" ليكون معه في طليعة المؤامرة "فاز في التنظيم والقيادة". واعتمد بشكل أساسي على الجيش الأفريقي وعلى أعضاء الاتحاد العسكري الإسباني السري، الذي كان دوره مهمًا بشكل خاص في الحصول على التداخل الضروري بين المستويات المتوسطة للضباط التي ستكون حاسمة عندما يكون الجنرالات المسؤولون عن الحاميات مخلصين للحكومة.22 ولتنفيذ خطته تابع مشروع تشكيل المجلس العسكري برئاسة الجنرال سانخورخو، وبدأ في صياغة ونشر سلسلة من التعميمات أو "التعليمات المحجوزة" حدد فيها المؤامرة المعقدة التي سينفذها الانقلاب.[45]
تم إصدار أول "خمسة تعليمات محفوظة" في 25 مايو، وظهرت بالفعل فكرة أن الانقلاب يجب أن تكون مصحوبة بقمع عنيف:[52]
تمكن مولا من ضم جنرالات جمهوريين مثل غونزالو كيبو ديانو (قائد الجوالة) وميغيل كابانياس للانضمام إلى المؤامرة.[45] فأجرى كابانيلاس مقابلة معهم في سرقسطة يوم 7 يونيو حيث اتفقوا على تدابير للسيطرة على المعارضة التي "سترفض الكتلة الاتحادية الكبرى" وتنظيم أرتال تمنع الكتالونيين من غزو أراضي أراغون.[53] وحصل مولا على تفاهمات من عدة حاميات حول الانقلاب، وذلك أيضًا بفضل المخطط السري لـ UME التي أدارها العقيد فالنتين جالارزا (الذي كان اسمه الرمزي "الفني")، لكن مولا لم يكن متفقا معهم بالكامل، حيث كان متشككا إن كان الانقلاب سينتصر في أهم مكان وهي العاصمة مدريد، وكذلك كاتالونيا والأندلس وفالنسيا.[45]
ولكن كانت المشكلة أن أفكار الجيش المتورط في الانقلاب القادم ليست بنفس أفكار انقلاب في 1923، فليس لديهم الآن الجيش بأكمله (لا الحرس المدني ولا قوات الأمن الأخرى) لدعمه. "فالانقسامات التي ظهرت داخل الجيش نفسه منذ الديكتاتورية... إلى الوقت الحالي من الجمهورية وصلت إلى درجة مفرطة من الضراوة من إنشاء نقابات عسكرية لمواجهة النظام السياسي [UME، الاتحاد العسكري الإسباني الملكيون؛ والاتحاد الجمهوري ضد الفاشية].[54]
وفوق ذلك، لايمكن للمتآمرين الاعتماد على الحاكم الحالي -الرئيس مانويل أثانيا- كما جرى في 1923 من تواطؤ رئيس الدولة الملك ألفونسو الثالث عشر آنذاك. أما الفارق الأخير عن انقلاب 1923 فهو أن موقف المنظمات العمالية والفلاحين كان سلبيًا أمام الانقلاب العسكري لسنة 1923، ولكنه الآن كما أعلنوا أنهم سيشعلون ثورة. لهذه الأسباب تأخر موعد الانقلاب العسكري مرارًا وتكرارًا. بالإضافة إلى ذلك طلب الجنرال مولا أو "المدير" الدعم المادي لميليشيات الأحزاب المناهضة للجمهورية (قوات الريجيتا والفلانخي).[55]
فدخل في مفاوضات لضم حزب المجتمع التقليدي الذي ينضوي تحته قوات ريجيتا الكارلية، وهي قوة شبه عسكرية تتركز بشكل رئيسي في نافارا والباسك إلى الانتفاضة. رفض مولا في البداية قبول مطالب الكارليين، وأنصار الملكية الدينية الذين أرادوا القتال تحت علم روجيجوالدا وقلب يسوع الأقدس، بينما أرادها مولا "دكتاتورية جمهورية" حيث الاستمرار بفصل الكنيسة عن الدولة.[56] ومع ذلك فقد قبل سانخورخو في 11 يوليو مطالب الكارليين الرئيسية، فأعلنوا في 14 يوليو التزامهم بالانتفاضة.[42] وقد انضم قبلهم خوسيه كالفو سوتيلو وحزبه التجديد الإسباني إلى خطة مولا في يوم 10 يوليو.[42] وكذلك زعيم الفالانخ خوسيه أنطونيو بريمو دي ريفيرا المسجون في أليكانتي الذي أعلن منذ البداية عن استعداده للتعاون، طالب بنصيب لمليشياته والتي لم يعترف بها الجنرالات المتآمرون أيضًا، لذلك كانت مشاركته متوقفة مبدئيا.[45]
في موازاة ذلك استأجر المتآمرون طائرة لفرانكو بعد أن يفرغ من تمرد جزر الكناري يتوجه نحو المحمية المغربية على متن طائرة دراجون رابيد مستأجرة في لندن يوم 6 يوليو لمراسل صحيفة ABC لويس بولين الذي غادر إنجلترا في 11 يوليو ووصل إلى غران كناريا في 15، بفضل الأموال التي ساهم بها خوان مارش ليضع نفسه في قيادة القوات الاستعمارية عبر مضيق جبل طارق والتقدم نحو مدريد من الجنوب ومن الغرب[58][53]
موقف الحكومة
تلقت حكومة مانويل أثانيا ومن بعده كاساريس كيروغا أخبارًا من مصادر مختلفة عما كان مخططًا له، لكنها لم تتصرف بقوة ضد المتآمرين لأنه وفقًا للمؤرخ خوليو أروستيجوي "أن أثانيا والعديد من عناصر حزبه وكاساريس كيروغا نفسه رئيس الحكومة، اعتقدوا أنه بعد تحييد انقلاب سانخورخو بسهولة سنة 1932، فليس بمقدور الجيش الاستعداد لعمل جاد، مع الأخذ في الاعتبار أيضًا أنهم سيطروا على القادة المحتملين وأنه في حالة حدوث هذا التمرد سيكون من السهل إجهاضه".[59]
قام مدير الأمن العام خوسيه ألونسو مالول بتركيب العديد من أجهزة تنصت على المكالمات الهاتفية في كل تلك الأماكن التي كانت تدار فيها المؤامرة.[60][61] وبحلول مايو كان قد وضع بالفعل قائمة من 500 متورط في المؤامرة التي سلمها الرئيس أثانيا ورئيس الحكومة كاساريس كيروغا، "مع توصية باعتقالهم".[60] لكن أثانيا وكاساريس كيروغا لم يفعلوا شيئاً حيال ذلك واستمرت الاستعدادات للانقلاب. في 3 يونيو زار ألونسو مالول بامبلونا برفقة مجموعة كبيرة من ضباط الشرطة بهدف إجراء عمليات تفتيش مختلفة للشرطة واكتشاف مؤامرة الجنرال مولا.[62] ولكن بفضل إشعار من مفوض الشرطة والموثوق من مولا سانتياغو مارتن باغيناس (ملحق بمديرية الأمن العام) تم تحذير المتآمرين ولم يحقق بحث الشرطة أي نتائج.[63]
الخطة العسكرية والسياسية للانتفاضة
- مقالة مفصلة: التنظيم الإقليمي للجيش الإسباني في 1936
لم يرسم مولا مخطط واحد للانقلاب لجميع المقاطعات الإسبانية، وبدلاً من ذلك صمم أربعة مخططات حسب وجود قوات عسكرية بالمقاطعة. وكذلك اعتمادًا على مدى التزام الجنرالات والرؤساء والضباط للتمرد. وهكذا احتوى النموذج الأول على المقاطعات التي لديها وحدات عسكرية وأرسل فيها الرؤساء والضباط دعمهم للمؤامرة (كانت هذه هي حالة بلد الوليد وسمورة وبورغوس وشقوبية وسالامانكا وغرناطة وقرطبة ومالقة ووادي الحجارة والمقاطعات الجاليكية الأربع لاريوخا والباسك وفالنسيا بالإضافة إلى المحمية المغربية). أما النموذج الثاني فهي تلك المقاطعات التي لديها وحدات عسكرية ولكن لا يوجد دعم واسع من قادتها. وهي حالة مدريد وبرشلونة وإشبيلية، ويمكن إضافة أستورياس وسانتاندير وألمرية. أشار النموذجان الثالث والرابع إلى المقاطعات التي لايوجد فيها حاميات عسكرية، لذا فإن السؤال الحاسم هو موقف ضباط الحرس المدني. في بعض الحالات أعطوا التزامهم، وبالتالي شكل النموذج الثالث (كما الحال في مقاطعات الباسيتي وطليطلة وقونكة وسوريا وآبلة)، بينما في حالات أخرى لم يعطوا التزامهم مثل جيان وسيوداد ريال وهويلفا ويعد هذا النموذج الرابع.[65]
كانت الخطة العامة للجنرال إميليو مولا "المدير" هي انتفاضة مفاجئة من جميع الحاميات الملتزمة،[66] مما يزرعون حالة حرب في حدود الحاميات، بدءًا من جيش إفريقيا. كما كان متوقعًا فإنه من الصعب على حامية العاصمة أن تنجح بمفردها في مدريد (الانتفاضة في العاصمة ستكون تحت قيادة الجنرال فانخول)، ومن المفترض أن يتجه رتل من الشمال بقيادة مولا نفسه نحو مدريد لدعم انتفاضة حامية العاصمة. وفي حالة فشل كل ذلك، فإن المخطط للجنرال فرانكو (الذي وجه في 23 يونيو رسالة مشفرة إلى رئيس الوزراء كاساريس كيروغا يحذره من السخط داخل الجيش وعرض تصحيح هذا الوضع. -وهو نفسه كان أحد الجنرالات الانقلابيين-، ولمح بوضوح إلى أنه إذا وافق كاساريس على إسناد الأمر لفرانكو؛ فيمكنه إحباط المؤامرة.[67]) بعد أن يقود تمرد جزر الكناري يتوجه نحو المحمية المغربية على متن طائرة دراجون رابيد المستأجرة في لندن يوم 6 يوليو من قبل مراسل صحيفة ABC لويس بولين بفضل الأموال التي ساهم بها خوان مارش ليضع نفسه في قيادة القوات الاستعمارية عبر مضيق جبل طارق والتقدم نحو مدريد من الجنوب ومن الغرب[58][53] حدد مولا في البداية يوم 10 يوليو موعدًا للانقلاب،[68] ولكن هذه المرة كان ألونسو مالول قد وقع على وثائق في غارة على الفالانخيين في الكانيز تحمل تاريخ الانتفاضة وكلمة السر والتي كانت "Covadonga"، فتم تأجيلها إلى 17 من نفس الشهر.[69]
خشي مولا من عدم دعم الحاميات الأندلسية الانتفاضة، لذا فقد حدد خططه في البداية متوقعا أن المنطقة العسكرية الثانية (إشبيلية)، ستكون مثل الأولى (مدريد)، "إذا لم ينضموا إلى الحركة، فسيتبنون على الأقل الحياد الإيجابي..."[70] في 24 يونيو قام مولا بتعديل خطة الانتفاضة بشكل كبير، مؤسسًا أن الجيش الأفريقي يجب أن" ينظم الأرتال المختلطة، حسب الفيالق، يكون أحدهما في المنطقة الشرقية والآخر في غربيها، وستنزل على التوالي في ملقة والجزيرة.[71] ومن هذه الموانئ يلتحم المتمردون في قرطبة ثم يسيرون إلى مدريد عبر وادي دسبنابروس.[64] وبدأ جزء من الجيش الأفريقي بتنفيذ بعض المناورات في لانو أماريلو بين 5 و 12 يوليو. حيث انتهى قادتهم من تحديد تفاصيل الانتفاضة في محمية المغرب الإسبانية. ونصت تعليمات مولا على أن تكون جميع الوحدات المشاركة في الانتفاضة "جاهزة" في السابع عشر عند الخامسة مساءً لبدء الانتفاضة في المغرب.[1] ثم تبدأ في شبه الجزيرة في الثامن عشر، وفي أماكن أخرى (بما في ذلك بامبلونا) في التاسع عشر من سبتمبر، وأثارت أنباء الانتفاضة في المغرب الارتباك بين المتآمرين في شبه الجزيرة: هل اضطروا إلى الالتزام بالتاريخ المخطط له، أم كان عليهم التقدم أيضًا؟[1]
وفقا للخطة التي وضعها الجنرال مولا التي دعت إلى عمل عنيف للغاية.[39] فعند السيطرة على مدريد سيطيح الانقلابيون برئيس الجمهورية والحكومة، وحل الكورتيس وتعليق دستور 1931، والقبض على جميع القادة والمقاتلين من الأحزاب والمنظمات اليسارية ومحاكمتهم، وكذلك العسكريين الذين لم يرغبوا بالانضمام إلى الانتفاضة، وأخيرا سيشكلون إدارة عسكرية بقيادة الجنرال سانخورخو، الذي سيطير من لشبونة إلى إسبانيا. لكن لم يكن واضحًا أبدًا ما سيحدث بعد ذلك حيث لم يتم الاتفاق على شكل الدولة إن كانت جمهورية أو ملكية (على سبيل المثال: لم يتم تحديد أي شيء على العلم الذي سيتم استخدامه، إذا كان ذو اللونين الملكي بدلاً من ثلاثي الالوان الجمهوري، لأنه كان يعتقد أنها مبادرة سريعة وقوية). كان الهدف إقامة ديكتاتورية عسكرية على غرار نموذج ديكتاتورية بريمو دي ريفيرا التي سيوضع على رأسها الجنرال المنفي سانخورخو.[58] حذر مولا منذ البداية كما هو مبين في التعليمات المرسومة رقم 1 من 25 أبريل:"عند اسقاط السلطة، سيتم إنشاء ديكتاتورية عسكرية مهمتها الفورية هي استعادة النظام العام، وفرض سيادة القانون وتعزيز الجيش بشكل ملائم، لترسيخ الوضع الواقعي الذي سيصبح قانونًا. ولاحقا أعاد مولا إصراره على عدم ربط الانتفاضة بأي خيار سياسي، كما أوضح في قواعد التنفيذ من المتمردين، بمجرد استيلائهم على السلطة منع جميع أنواع المظاهر السياسية التي يمكن أن تنتزع من الحركة طابع الحياد المطلق الذي أرادته.[72]
وبالتالي ماأراد المتآمرون العسكريون تنفيذه لم يكن مثل تمردات القرن التاسع عشر (حيث لم يناقش النظام أو النظام السياسي بشكل عام في ذلك الوقت بل حاولوا فقط فرض مواقف حزبية معينة) لأنهم أرادوا أكثر ممن ذلك بكثير. كانت المشكلة هي أن الجيش والقوى السياسية التي دعمتهم (الفاشيون والملكيون ألفونسيون والكارليون وسيدا كاثوليك) أرادوا الدفع بمشاريعهم السياسية الخاصة، على الرغم من أن الجميع اتفقوا على أن الوضع المستقبلي لن يكون ديمقراطيًا ولا ليبراليًا، لأن المعنى الاجتماعي للمؤامرة كان لالبس فيه: الثورة المضادة.[73] أما الأموال لتمويل العملية، فقد وفر معظمها المصرفي خوان مارش الذي أتاح للجنرال مولا صندوقًا بقيمة 600 مليون بيزيتا، بالإضافة إلى تزويد الملكيين بنصف مليون جنيه استرليني لشراء المواد العسكرية ودفع 2000 جنيه تكلفة استئجار الطائرة التي نقلت الجنرال فرانكو من جزر الكناري إلى المغرب.[74]
أحداث يوليو 1936
مع بداية يوليو 1936 اكتملت تقريبا التحضيرات للانقلاب العسكري، على الرغم من أن الجنرال مولا اعترف بأن "الحماس للقضية لم يصل بعد إلى الدرجة المطلوبة من التمجيد"،[75] وقد حدد تاريخ الانتفاضة بعد 10 أيام أي يوم 20 يوليو.[76] ولكن بعد ظهر يوم الأحد 12 يوليو اغتيل الضابط من حرس الاقتحام خوسيه كاستيلو وهو مدرب عسكري للميليشيات الاشتراكية في أحد الشوارع وسط مدريد.[77] كان كاستيلو معروفًا برفضه التدخل ضد المتظاهرين لثورة 1934. وهو أيضًا عضو في الاتحاد العسكري الجمهوري ضد الفاشية (UMRA) ومدربًا لميليشيات الشباب الاشتراكي.[78] وفي 16 أبريل 1936 أثناء اضطراب في مدريد، قتل أحد رجاله أندريس ساينز دي هيريديا ابن عم خوسيه أنطونيو بريمو دي ريفيرا، وجرح كاستيلو نفسه متظاهر كارلي. كان كاستيلو في المرتبة الثانية في القائمة السوداء للضباط اليساريين الذين حددهم UME، أما رقم واحد فقد تم اغتياله وهو الكابتن كارلوس فارودو.[79]
في الساعات الأولى من يوم 13 يوليو، خرجت عدة مجموعات من حرس الاقتحام بقوائم من الفلانخيين وأعضاء اليمين المتطرف لاعتقالهم. غادرت مجموعة منهم لاعتقال فلانخي، ولكن عندما وصلوا إلى مكان الحادث، أدركوا أن العنوان كان كاذبًا. دون أن يعرفوا ما يجب فعله اقترح شخص ما الذهاب إلى منزل زعيم التجديد الإسباني أنطونيو جويكوتشيا، لكنه لم يكن في المنزل. حاولوا مرة أخرى مع خوسيه ماريا جيل روبليس، ولكن لم يجدوه أيضا (نظرًا لأنه كان خارج مدريد)، ذهبوا إلى منزل خوسيه كالفو سوتيلو، الزعيم البرلماني للملكيين "ألفونسويين" لحزب التجديد الإسباني. طلبوا منه مرافقتهم إلى مديرية الأمن العام، وقد رفض ذلك في البداية لكن بعد الاطلاع على وثائق كونديس (التي اعتمدته كضابط في الحرس المدني) وافق على الذهاب معهم. وفي منتصف الطريق أطلق لويس كوينكا إستيفاس وهو سائق الشاحنة النار على كالفو سوتيلو مرتين، ثم ألقيت جثته عند مدخل إحدى مقابر المدينة.[80] وفي جنازته أقسم اليميني الملكي أنطونيو جويكوتشيا رسميا "لتكريس حياتنا لهذه المهمة الثلاثية: أنت مثلنا الأعلى، وسننتقم لموتك وننقذ إسبانيا". من جانبه قال زعيم سيدا خوسيه ماريا جيل روبلز في الكورتيس للنواب اليسار "انتم تتحملون دم السيد كالفو سوتيلو" وطالب الحكومة بتحمل المسؤولية الأخلاقية عن الجريمة ورعاية العنف.[77] عجل مقتل كالفو سوتيلو من موافقة الكارليين وحزب السيدا بالانتفاضة، وأنهى شكوك الجيش تجاههم. إضافة إلى ذلك قرر مولا الاستفادة من الضجة التي تسببت فيها الجريمة المزدوجة في البلاد، وقدم تاريخ الانتفاضة إلى الرابع عشر من يوليو بدلا من 17 و 18 يوليو 1936.[81]
التمرد في شمال إفريقيا (17-18 يوليو)
مليلية
في 16 يوليو غادر القائد خواكين ريوس كابابي، بناء على أوامر العقيد خوان باوتيستا سانشيز،[82] ثكناته في فيلا جوردانا (مقابل جزيرة قميرة) دون إذن من قيادته. وهي أول وحدة تمردت[83] حتى قبل بدء الانتفاضة العسكرية.[84] حيث ذهب ريوس كابابي إلى قرية الحسيمة، وتمكن من أخذها دون صعوبات.[85]
وفي صباح اليوم التالي 17 يوليو جرى في مليلية الحدث الذي أشعل الحرب الأهلية الإسبانية. حيث اجتمع ضباط حامية مليلية المتآمرين في غرفة خرائط الجيش لوضع اللمسات الأخيرة على الخطط. فقد أبلغ العقيد خوان سيغي الزعيم المحلي للفلانخي وقائد الانقلابين في شرق المغرب المتآمرين بالوقت الذي ستبدأ فيه الانتفاضة: 05:00 يوم 18 يوليو.[86] ولكن وبشكل غير متوقع، أبلغ أحد قادة الفلانخي المحليين عن خطط المؤامرة، ووصلت المعلومات إلى الجنرال مانويل روميراليس. وفي فترة ما بعد الظهر عاد مسؤولو التمرد إلى غرفة رسم الخرائط، حيث وضعوا فيها مخزنا سريا للأسلحة. في تلك اللحظة وصلت مجموعة من حرس الاقتحام وطوقوا المبنى.[86] وكانت تلك مفاجأة غير سارة للانقلابيين العسكريين. وحاول أحدهم وهو العقيد داريو جازابو، منع التفتيش لكنه تلقى أوامر من الجنرال روميراليس عبر الهاتف للسماح بتفتيش المبنى.
وعلى الفور اتصل جازابو بوحدة الفيلق الإسباني لمساعدته. عندما وصل رجال الفيلق إلى مكان الحادث، وعندما وصل رجال الفيلق إلى مكان الحادث، أضحوا أكثر عددا من حرس الاقتحام فاستسلموا لهم. وفي تلك اللحظات ذهب العقيد سيغي إلى مكتب روميراليس والمسدس في يده. في الداخل كان هناك نقاش قوي بين الانقلابيين وضباط الثكنة. تمكن العقيد سيغي من دفع الجنرال إلى الاستسلام دون إبداء أي مقاومة.[87] وبعد ذلك أعلن الضباط الثائرون حالة حرب واحتلوا جميع المباني العامة في مليلية. وعلى الفور تم إغلاق المراكز الحزبية في الجبهة الشعبية، واعتقلوا الزعماء الجمهوريين واليساريين.[87] وقعت مواجهات صغيرة بالقرب من بيت الشعب وفي أحياء الطبقة العاملة، ولكن التمرد فاجأ العمال المفتقرين إلى الأسلحة. ومنذ ذلك الحين تم فرض الأحكام العرفية في مليلية.
في قاعدة El Atalayón الجوية، على بعد بضعة كيلومترات من المدينة، كان القائد ليريت رويث واحدًا من القلائل الذين قاوموا المتمردين لعدة ساعات حتى نفاد الذخيرة، وفي ذلك الوقت قدم طابورين من القوات النظامية لغزو القاعدة فتفوقوا على رجال رويث القلائل.[87]كانت هذه آخر مقاومة في مليلية.
كان أسلوب التمرد الذي حدث في مليلية هو النموذج الذي تم اتباعه في بقية المحمية المغربية وبعد ذلك في إسبانيا.[87]
تطوان وسبتة والعرائش
بمجرد أن سيطر المتآمرون على مليلية، اتصل المقدم سيغي بالعقيد ساينز دي بورواغا وخوان ياغوي، المسؤولين عن الانتفاضة العسكرية في تطوان وسبتة على التوالي؛ كانت تطوان في ذاك الوقت عاصمة محمية المغرب.[88] كما بعث إلى الجنرال فرانكو موضحًا سبب بدء الانتفاضة في مليلية قبل وقتها المحدد. من جانبهما، بدأ ساينز دي بورواغا وخوان ياغي بالإسراع في التمرد قبل اثنتي عشرة ساعة من ساعة الصفر.[88]
بعد معرفة ما حدث في مليلية قام الجنرال غوميز موراتو قائد الجيش الأفريقي برحلة إليها، على الرغم من علمه أنه سيقبض عليه بمجرد نزوله من الطائرة. وفي تطوان كانت الثورة قائمة بقيادة الضباط أسينسيو وبيغبيدير وساينز دي بورواغا. دعا الأخير المفوض السامي بالإنابة ألفاريز بويلا، الذي كان في مقر إقامته وطالبه بالاستقالة من منصبه. رفض ألفاريز بويلا ذلك واتصل مباشرة بكاساريس كيروغا الذي أمره بالمقاومة بأي ثمن، وأخبره أن البحرية والقوات الجوية ستقدم المساعدة في اليوم التالي. إلا أنه كان محصوراً في منزله برفقته بعض الضباط المخلصين.[88] وبعد ذلك بوقت قصير اتصل به القائد دي لا باهاموند بريدج من مطار سانية الرمل لإبلاغه بأنه وفريقه الجوي سيظلان موالين للحكومة. فشجعهم الفاريز بويلا على المقاومة، وفي الحقيقة أنه في ذاك الوقت كان مقر إقامة المفوض السامي ومطار سانية الرمل هما النقاط الوحيدة في تطوان التي لم تقع في أيدي المتمردين، وليست مثل مثيلاتها في مليلية التي سحق التمرد كل مقاومة قدمتها مجموعات النقابيين واليساريين والجمهوريين.[88]
ذهب العقيد بيغبيدير لإبلاغ الخليفة مولاي حسن (حسن بن محمد مهدي ولد بن إسماعيل)، والوزير الكبير في تطوان بما حدث، وأراد دعما منهما. ومعروف عن مولاي حسن أنه دمية لإسبانيا منذ 1925، وفجلب للعقيد بيغبيدير متطوعين مغاربة. وفي الساعة 23:00 من يوم 17 استولى المقدم ياغوي ومعه فوج الفيلق الثاني على كامل مدينة سبتة بدون أي طلقة.[88] وفي العرائش المدينة الوحيدة في المغرب الإسباني التي بقي ولائها للحكومة، وقعت الانتفاضة في الساعة 02:00 من يوم 18 يوليو، وواجهت معركة شرسة. قُتل ضابطان من المتمردين وخمسة من حرس الاقتحام المخلصين في القتال، ولكن عند فجر اليوم التالي، كانت البلدة بأكملها بيد المتمردين؛ وما تبقى من القوات الموالية للحكومة، إما ادخلوا السجن أو قتلوا أو فروا إلى المغرب الفرنسي.[88]
بحلول ذلك الوقت سلم القائد ديلا بوينتي باهاموند مطار تطوان، بعد أن عطل طائرات سربه. خلال ذلك اليوم قصف الطيران الجمهوري تطوان وبلدات أخرى في المحمية. وعند الغسق كانت المقاومة الجمهورية في المحمية قد انتهت.[89] واعتقل كلا من قائد الجيش الأفريقي غوميز موراتو، وقائد المنطقة الشرقية روميراليس. ولم يكن قائد المنطقة الغربية الجنرال كاباز مونتيس موجودا. حيث كان يقضي إجازته في مدريد.[89] وفي الفيلق تم فصل المفتش مع قائد الفوج الأول، بينما كان قائد الفوج الثاني ياغي قد تولى القيادة العامة. وانضم إلى الانتفاضة ثلاثة من رؤساء الأفواج المحلية الخمسة (أسينسيو وبارون وديلغادو سيرانو)، بينما قتل الكولونيل كاباييرو آمر الفوج الرابع في سبتة لرفضه الانضمام إليهم. أما الخامس وهو روميرو باسارت فقد تمكن من الفرار إلى المغرب الفرنسي لرفضه التمرد.[90]
جزر الكناري
تلقى الجنرال فرانكو القائد العام لجزر الكناري يوم الأربعاء 15 يوليو في سانتا كروز دي تينيريف الأنباء التي تفيد بأن طائرة دراغون رابيد التي ستنقله إلى المحمية الإسبانية في المغرب لرئاسة جيش إسبانيا الأفريقي، موجودة بالفعل في مطار غاندو في جزيرة غران كناريا. انتقل هناك عن طريق البحر من جزيرة تينيريف دون إثارة الشكوك لأنه اضطر إلى حضور جنازة الجنرال أمادو بالميس القائد العسكري في لاس بالماس، الذي توفي للتو نتيجة لإصابة طلق ناري في المعدة عند محاولته اصلاح المسدس - يؤكد المؤرخ أنجيل فيناس أن وفاة بالميس لم تكن حادثًا بل جريمة قتل مع سبق الإصرار أمر بها الجنرال فرانكو، حيث أن مقتله سمح له بمغادرة تينيريف، وهو شيء حاوله بالفعل ولكنه فشل في تحقيقه من خلال عدم الحصول على إذن من وزير الحرب -.[91][92]
في يوم جنازة الجنرال بالميس، وهو يوم الجمعة 17 يوليو، علم الجنرال فرانكو ببدء الانتفاضة في المحمية في نفس اليوم، فتحدث مع بعض القادة العسكريين ومع القنصل الإيطالي.[93] ثم غادر الجنرال فرانكو الفندق يوم السبت 18 يوليو وتوجه إلى القيادة العسكرية في لاس بالماس حيث أعلن حالة التمرد في جميع أنحاء الأرخبيل. واستولى الجيش المتمردين على جميع المباني الرسمية، وقبض على الحكام المدنيين للمحافظتين. وردا على ذلك أُعلن عن إضراب عام في لاس بالماس، وحاولت بعض مجموعات العمال الوصول إلى الحكومة المدنية لكن القوات العسكرية منعتهم. في سانتا كروز دي تينيريف، حيث يوجد الجنرال أورغاز حيث نفته الحكومة هناك، فازدادت مقاومة العمال للانقلاب مما وجب على القوات الخروج إلى الشوارع. في نفس اليوم 18 يوليو تم إصدار بيان كتبه الجنرال فرانكو في تينيريف، برر فيه الانتفاضة العسكرية وانتهى بالقول تحيا إسبانيا و"الكرامة للشعب الإسباني". وأصبح أرخبيل الكناري عند الظهر تحت سيطرة المتمردين.[94]
وفي العاشرة من صباح يوم السبت 18 يوليو، وصلت برقية من العقيد إدواردو ساينز دي بورواغا من تطوان إلى سانتا كروز دي تينيريف، حيث ورد أن محمية المغرب بأكملها هي تحت سيطرة المتمردين وأن الطائرة التي ستنقل الجنرال فرانكو إلى هناك سوف تهبط دون مشاكل في تطوان نفسها أو في العرائش. في الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم، أقلعت طائرة دراجون رابيد من غاندو نحو الدار البيضاء حيث وصلت حوالي الساعة التاسعة ليلاً، بعد التزود بالوقود في أغادير (كانت عائلة الجنرال فرانكو قد استقلت السفينة الألمانية "والدي" التي نقلتهم إلى لشبونة). بعد قضاء الليلة في الدار البيضاء، دخل الجنرال فرانكو تطوان عاصمة المحمية في السابعة والنصف صباح يوم الأحد 19 يوليو بعد أن هبطت طائرته دون حوادث.[95]
حصار مضيق جبل طارق
- مقالة مفصلة: حصار مضيق جبل طارق
بمجرد أن تلقت حكومة الجمهوري كاساريس كيروغا الأنباء الأولى للانتفاضة في المحمية الإسبانية في المغرب بعد ظهر يوم الجمعة 17 يوليو حتى أمر الطيران والبحرية بقصف مواقع المتمردين في شمال إفريقيا. وبالمثل أمر وزير البحرية خوسيه غيرال بأن تذهب عدة سفن حربية إلى مضيق جبل طارق لمنع مرور القوات الاستعمارية إلى شبه الجزيرة. بفضل تمرد أطقم تلك السفن ضد ضباطها الذين ساهموا في الانقلاب، في البداية لم يتمكن المتمردون من الحسم مع الجيش الأفريقي المكون من الفيلق الأجنبي والنظامية (هي قوات من المغاربة أرسلهم الضباط الإسبان).[97]
لتنفيذ الإجراءات الجوية، تم تحويل الطائرات التجارية دوغلاس دي سي-2 وفوكر إف السابعة إلى عسكرية بسرعة، وأقلعت من مطار تبلادة (إشبيلية) حيث نفذت سلسلة من الغارات في 17 و 18 يوليو فوق مليلية (قصفت مقر الفيلق الإسباني) وسبتة والعرائش وتطوان.[98] وفي تطوان وهي عاصمة المحمية، تم إسقاط 8 قنابل أصابت مبنى المفوضية السامية ولكن قصفت أيضًا المسجد ومحيطه، مما تسبب في وقوع العديد من الضحايا.[99] فاندلع في الحي المعروف باسم المدينة العتيقة لتطوان انتفاضة شعبية مغربية ضد الإسبان لقصفهم البيوت والمساجد وجمعهم حول المتمردين".[98]
من جانبها قصفت البحرية الإسبانية أيضًا تلك المواقع. ففي 20 و21 يوليو قصفت المدمرة سانشيز باركيزتيغوي سبتة (من المحتمل أيضًا أن المدمرات الأخرى مثل ليبرتاد شاركت بالقصف). وفي يوم 22 وعلى ما يبدو أن الطراد سرفانتس قد قصف مع مدمرات أخرى الجزيرة الخضراء وبلدة لا يينا دي لا كونسيبسيون. وفي يوم 25 قصفت البارجة خايمي الأول والطراد ليبرتاد والطراد ميغيل دي سرفانتس سبتة مرة أخرى وفي اليوم التالي تعرضت مليلية للمضايقة من قبل طائرات بريجيت 19 التي وقعت في أيدي المتمردين. وفي 2 أغسطس تعرضت سبتة بالإضافة إلى الجزيرة الخضراء وطريفة للقصف الجوي.[100]
انتفاضة في البر الرئيسي لإسبانيا وجزر البليار (18-21 يوليو)
إشبيلية
- مقالة مفصلة: التمرد العسكري في إشبيلية يوليو 1936
في يوم 17 يوليو استولى الانقلابيون من الجيش الأفريقي على محمية إسبانيا في المغرب. وفي يوم التالي عند الساعة الثانية بعد الظهر، تمرد جزء من حامية إشبيلية ضد الحكومة. فاعتقل مدبرو الانقلاب الجنرال خوسيه فرنانديز وهو قائد فرقة المنطقة الثانية وبالتالي جيش الأندلس بأكمله، ووضع الجنرال غونزالو كيبو ديانو مكانه. ثم سيطروا بسرعة على الأفواج الرئيسية للمدينة والمرافق الاستراتيجية مثل حديقة المدفعية. أما الذين ظلوا موالين للحكومة في إشبيلية فكان الحاكم المدني خوسيه ماريا فاريلا ريندويلس، وحرس الاقتحام ومطار تبلادة الجوي، وكذلك بعض المتطوعين من أحزاب اليسار.
حاول المتمردون الاستيلاء على الحكومة المدنية لكنهم واجهوا مقاومة عنيفة من حرس الاقتحام، ولم يتمكنوا من دحرهم إلا بعد تدخل المدفعية في القتال.[102][103] فاستسلم الحاكم فاريلا في الساعة الثامنة مساءا، وفي الساعات التالية استسلمت ثكنات حرس الاقتحام وقاعدة تبلادة على التوالي. في غضون ذلك تمردت الحاميات الأندلس الأخرى بعد تلقي الإشارة من كويبو ديانو. فانتصر الانقلاب في قرطبة وفي مقاطعة قادس، ولكن فشل في مالقة.
أقام عدد غير معروف من رجال الميليشيات اليسارية حواجز في الأحياء الشعبية مثل تريانا ولا ماكارينا وسان برناردو واستعدوا للمقاومة بالأسلحة الخفيفة. وأرسلت إليهم الحكومة تعزيزات من مقاطعة ولبة: حوالي 120 من الحرس المدني والاقتحام وطابور من عمال المناجم بالديناميت.[104] ومع ذلك انضم رئيس الحرس إلى المتمردين، ثم نصب كميناً في الصباح التالي لعمال المناجم، الذين أبيدوا في بانيوليتا بالقرب من إشبيلية.[105] ومن جانبهم حصل المتمردون على تعزيزات: وصول الفيلق والقوات النظامية برا وجوا.[106]
وفي 20 يوليو شنت القوات الانقلابية هجمات ضد تريانا وبلازا دي سان ماركوس، ولكن تم صده. ثم قامت في اليوم التالي بشن هجوم جديد على تريانا مع جلب قوات إضافية أكثر تنظيما، فسحقت مقاومة الحي. وفي يوم 22 اعتدى الانقلابيون وأخذوا لا ماكارينا والأحياء المتبقية التي كانت تسيطر عليها الميليشيات اليسارية. خلال هذه المعارك أطلق المتمردون النار على أي شخص يقاوم أو يشتبه في ذلك، مما أسفر عن مقتل عدد غير معروف من المسلحين والمدنيين. في الأشهر التالية استمرت عمليات الإعدام؛ وذكرت التقديرات بأنه قد أعدم مابين 3000 - 6000 شخص.[107] ومات 13 شخصًا من الجانب الآخر، بما في ذلك القتلى والمدنيون الذين أعدمهم أنصار الحكومة.[108] أصبحت إشبيلية واحدة من القواعد الرئيسية للمتمردين، الذين شنوا من هناك هجمات على ولبة (يوليو 1936) ومدريد (من إكستريمادورا) (أغسطس 1936) ومالقة (يناير-فبراير 1937).
بقية مدن أندلسيا
- مقالة مفصلة: تمرد غرناطة العسكري 1936
في أندلسيا استولى التمرد على حوض الوادي الكبير السفلي وإشبيلية وقادس وولبة وجزء من مقاطعة قرطبة بما فيها العاصمة، لكنه فشل في المقاطعات الأربع الأخرى -عدا مدينة غرناطة- تاركا هذه المقاطعة ومالقة والمرية وجيان وعواصمهم إلى جانب الجمهورية. "ومن الضروري السيطرة على غرب الأندلس لاستمرارية التمرد، لأنها تعد رأس جسر لنقل القوات المغربية جوا وبحرا إلى إسبانيا".[109]
ففي ولبة لم يكن هناك حامية عسكرية، فاعتمد كل شيء على موقف قوات النظام (الحرس المدني وقوات الاقتحام وحرس الحدود)، والتي لم تتمرد من حيث المبدأ. ومع ذلك فعندما أُرسِل طابور من قوات النظام العام من ولبة إلى إشبيلية بقيادة الرائد هارو، انضموا عند وصولهم إلى المتمردين. وعلى الفور شُكِل رتل في إشبيلية بقيادة عمدة المدينة الجديد الرائد بحري رامون دي كارانزا، الذي استولى على ولبة في 29 يوليو على الرغم من أن المقاطعة بأكملها لم تقع تحت سيطرة المتمردين حتى نهاية أغسطس، فأطلق العنان لقمع قوي ضد المتشددين والقادة الجمهوريين والمنظمات العمالية.[110]
وفي قادس بدأ حاكمها العسكري الجنرال لوبيز بينتو بعد اتصاله بالجنرال غونزالو كويبو دي يانو قائد تمرد إشبيلية -عاصمة المنطقة العسكرية الثانية- التمرد ظهر يوم السبت 18 يوليو. وتمكن الجنرال خوسيه إنريكي فاريلا من قيادة عمليات التمرد، بالرغم من أن الحكومة حبسته في قلعة قادس، لاشتباهها بمساهمته في محاولة الانقلاب. فحجز على الفور البرزخ الذي يربط المدينة بالبر الرئيسي، وسيطر على محطة راديو قادس وأمر بإطلاق النار على مباني البلدية والحكومة المدنية، لكنه فشل في جعل الحاكم العسكري المتقاعد ماريانو زابيكو يستسلم. وفي تلك الأثناء أنشأت مجموعات صغيرة موالية للجمهورية حواجز في وسط المدينة وأحدثت بعض الحرائق. وفي الساعة السادسة صباح اليوم التالي الأحد 19 يوليو، دخل ميناء قادس طابور من القوات النظامية وسرية خيالة بدون خيول من سبتة على متن المدمرة شوروكا (التي ثار بحارتها ضد ضباطها المتمردين) والميناء التجاري "مدينة الجزيرة الخضراء". قبل وصول هذه التعزيزات استسلم الحاكم المدني، فاقتحم المتمردون مبنى البلدية وقصر الاتصالات بعدها بقليل. وهكذا سيطر جيش المتمردين على المدينة في يوم الأحد 19، بفضل وصول طلائع جيش أفريقيا الإسباني. وفي أوائل أغسطس سقطت بقية مقاطعة قادس بيد المتمردين، الذين وجدوا مقاومة في بعض الأماكن مثل القاعدة البحرية لسان فرناندو ولا يينا دي لا كونسيبسيون، حيث دخل الطابور الثاني للقوات النظامية ميناء الجزيرة الخضراء يوم 19 قادما من سبتة.[111]
وفي مدينة قرطبة قام العقيد سيرياكو كاسكاجو بناء على تعليمات من الجنرال كيبو ديانو بتمرد فوجه وإعلانه حالة الحرب في الخامسة من بعد ظهر يوم السبت 18 يوليو. وبعد حصوله على دعم الحرس المدني، أمر بقصف مبنى الحكومة المدنية، فاستسلم حاكمها المدني أنطونيو رودريغيز دي ليون على الفور. فسقطت المدينة بيد المتمردين، ولكن جزءًا مهمًا من المحافظة لا يزال مخلصًا للجمهورية.[112]
وفي غرناطة لا يزال حاكمها العسكري الجنرال ميغيل كامبينز المعين مؤخرًا مخلصًا للحكومة. وظل الوضع في اليومين 18 و 19 في هدوء متوتر، في حين رفض الحاكم المدني سيزار توريس مارتينيز مرارًا وتكرارًا توزيع السلاح على المنظمات العمالية التي طالبته. لكن يوم الاثنين 20 يوليو غادر جزء من الضباط المتمردين الثكنات وأعلنوا عصيانهم، مما أجبر بالجنرال كامبينز على إعلان حالة الحرب. إلا أن الوحدات المتمردة والميليشيات اليمينية سيطرت بسرعة على وسط المدينة، وتم القبض على الحاكم المدني واستبداله بالقائد فالديس غوزمان، الذي كان حتى ذلك الحين يقود ميليشيات فلانخي. وبعدها بوقت قصير اعتُقِل الجنرال كامبينز. كما تمكن الجيش من احتلال مصنع الفارغ للبارود والمتفجرات ومطار أرميلا العسكري، وكلاهما يقع على مشارف المدينة. نظم العمال والمخلصون للجمهورية المقاومة في حي البيازين، وتمكنوا من مقاومة هجمات "المتمردين" لعدة أيام. فاستخدم المتمردون المدفعية للسيطرة على الحي الذي قاوم حتى يوم الخميس 23 يوليو. ثم بدأ قمع دموي في مدينة غرناطة وضواحيها. وفي يوم السبت 25 يوليو دخل الجنرال أورجاز المدينة قادما من الجزيرة الخضراء. لكن المحافظة لا تزال مخلصة للجمهورية، كما جرى في جزء من مقاطعة قرطبة، لذلك في أوائل أغسطس تم ادخال رتل من الفيلق الإسباني في المدينة لتعزيز دفاعاتها.[113]
وفي ألمرية جرت محاولة للتمرد في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء 21 يوليو، لكن تم دحر المتمردين، وذلك بفضل اخلاص قوات الأمن والشرطة والحرس المدني للحكومة، وتلقت المنظمات العمالية أسلحة من الحاكم المدني، وقبل كل شيء بفضل تدخل مجموعة من القوات العسكرية التي وصلت من مطار أرميلا في غرناطة وكذلك وصول المدمرة ليبانتو إلى الميناء الذي انحاز بحارتها إلى الجمهورية. وهكذا انتهى الأمر بقوات المتمردين بقيادة المقدم هويرتا توبيتي إلى الاستسلام، وظلت مدينة الميرية ومقاطعتها مخلصة للجمهورية.[114]
في جيان لايوجد فيها حامية عسكرية، لذلك اعتمد المتمردون بالكامل على ردة فعل الحرس المدني. التي ظلت قيادته مخلصة للجمهورية، ولكن حاول قادة آخرين التمرد، إلا أنهم فشلوا في جعل قواتهم تنضم إلى التمرد، والتقى أيضًا بمقاومة من منظمات العمال التي سلّحها حاكم جيان المدني. ولجأت مجموعة من متمردي الحرس المدني إلى محمية فيرجن دي لا كابيزا في قلب سييرا مورينا بالقرب من أندوجار. حيث كانوا حوالي 300 رجل مع عائلاتهم فقاوموا حتى مايو 1937. وأصبحت مقاومتهم سلاحًا دعائيًا قويًا لصالح المتمردين خلال الحرب الأهلية وحتى خلال ديكتاتورية فرانكو.[115]
في ملقة اتخذ الكابتن هولين زمام المبادرة، حيث أخذ قواته إلى الشوارع بعد ظهر السبت 18 يوليو، وأعلن حالة حرب وتقدم إلى الحكومة المدنية. إلا أن حاكم ملقة العسكري الذي كان يؤيد التمرد، لم يأمر باستخدام المدفعية لتأمين استسلام الحاكم المدني. هذا بالإضافة إلى حقيقة أن حرس الإقتحام وحرس الحدود لم ينضموا إلى التمرد، مما جعل فرص نجاح التمرد ضئيلة للغاية. ثم حدث ثورة للعمال في المدينة وتم تشكيل لجنة للصحة العامة التي تولت السلطة. فاستسلم المتمردون ثم أعدموا. فاندلع في المدينة دمار وحرائق غامضة، فجرى قمع دموي في الأسابيع التالية ضد اليمينيين. وعندما استولى المتمردون على المدينة في فبراير 1937، شنوا قمع مماثل ومعاكس.[116]
قشتالة القديمة وليون
- مقالة مفصلة: الحرب الأهلية الإسبانية في قشتالة وليون
- طالع أيضًا: الحرب الأهلية الإسبانية في مقاطعة بلد الوليد
معلومة
- بالإضافة إلى مستعمراتها المحمية المغربية وغينيا الإسبانية والساقية الحمراء ووادي الذهب وإفني ورأس جوبي.
- مات مولا أيضًا، لكنه مات اثناء الحرب وليس أثناء الانتفاضة.
مراجع
- Hugh Thomas 1976، صفحة 219.
- Hugh Thomas 1976، صفحة 315.
- Preston 2006، صفحة 66.
- Hugh Thomas 1961، صفحة 75.
- Preston 2006، صفحات 69-70.
- Preston 2006، صفحة 72.
- Hugh Thomas 1961، صفحة 67.
- Preston 2006، صفحات 73-74.
- Preston 2006، صفحة 75.
- Hugh Thomas 1961، صفحة 78.
- Preston 2006، صفحات 78-79.
- Hugh Thomas 1961، صفحة 80.
- Hugh Thomas 1961، صفحة 81.
- Preston 2006، صفحة 79.
- Hugh Thomas 1961، صفحة 84.
- Preston 2006، صفحات 79-80.
- Hugh Thomas 1961، صفحات 84-85.
- Preston 2006، صفحة 81.
- Hugh Thomas 1961، صفحة 145.
- Preston 2006، صفحات 82-83.
- "Así manipuló el Frente Popular las elecciones de febrero del 36". مؤرشف من الأصل في 10 أبريل 20201 أبريل 2017.
- Hurtado 2011، صفحات 12-13.
- Rafael Cruz 2006، صفحة 167.
- Aróstegui, Julio (1997). Ibid. صفحة 22.
- Casanova 2007، صفحة 164.
- Preston 2006، صفحة 83.
- Preston 2006، صفحة 84.
- Preston 2006، صفحة 85.
- Payne 1973، صفحة 642.
- Preston 2006، صفحات 17-23.
- Hugh Thomas 1961، صفحة 100.
- Preston 2006، صفحة 90.
- Preston 2006، صفحات 90-91.
- Preston 2006، صفحة 93.
- Jensen, Geoffrey. Franco. Potomac Books, Inc., 2005, p.66
- Brenan 1950، صفحة 300.
- Gil Pecharromán 1997، صفحة 118.
- Casanova 2007، صفحة 156.
- Casanova 2007، صفحة 173.
- Casanova 2007، صفحة 170.
- José Luis Martín Ramos, «La sublevación de julio de 1936» en Víctor Hurtado, La sublevación, pp. 4-7.
- Ruiz Manjón-Cabeza, Octavio (1986). La Segunda República y la guerra. (الطبعة 2). Rialp. . , p. 278.
- Alía Miranda 2018، صفحة 103.
- Gil Pecharromán 1997، صفحة 136.
- Preston 2006، صفحات 4-10.
- Preston 2006، صفحة 94.
- Preston 2006، صفحات 94-95.
- Preston 2006، صفحة 95.
- Preston 2006، صفحة 96.
- Preston 2006، صفحة 97.
- Casanova 2007، صفحات 173-174.
- Casanova 2007، صفحة 174.
- Juliá, Santos 1999، صفحة 110.
- Juliá, Santos 1999، صفحات 115-116.
- Salas 1992، صفحة 199.
- "Mapa - El Viaje del Dragon Rapide". www.lahistoriaconmapas.com (باللغة الإنجليزية)8 فبراير 2017.
- Gil Pecharromán 1997، صفحة 138.
- Aróstegui, Julio 1997، صفحة 25.
- Preston 2013، صفحة 176.
- Angosto 2006، صفحة 213.
- Aróstegui 2006، صفحة 161.
- Preston 2013، صفحة 193.
- Hurtado 2011، صفحة 15.
- Alía Miranda 2018، صفحات 106-107.
- Alía Miranda 2018، صفحة 109"على عكس الثورات السابقة في هذا القرن، لم تكن الحاميات الملتزمة تتمرد في يوم ووقت محددين، لكن مولا أعطى الحرية لكل منطقة عسكرية البحث عن أفضل وقت مناسب. فتاريخ ووقت اندلاع التمرد هو الوحيد الذي يحدد، ابتدأ في مليلية يوم 17 يوليو في الخامسة بعد الظهر. أدى النجاح التدريجي للحامية إلى تأثير الدومينو: تلك الوحدات التي شككت في أنها عند ثورتها ستكون أكثر أمانا مع الانتفاضة، لأن قادتها كانوا يسألون أولًا عما يجري في بقية الحاميات والمقاطعات الأخرى وخاصة القريبة منها"
- Preston 1994، صفحة 171.
- Ortiz, p. 74.
- Vidarte, Juan-Simeón (1973). Todos fuimos culpables. Fondo de Cultura Económica. صفحة 572.
- Ortiz, p. 50.
- Ortiz, p. 55.
- Alía Miranda 2018، صفحات 109-110.
- Aróstegui, Julio 1997، صفحة 32.
- Alía Miranda 2018، صفحة 110.
- Gil Pecharromán 1997، صفحة 139.
- Gabriel Jackson 2005، صفحة 209.
- Casanova 2007، صفحة 175.
- Gabriel Jackson 2005، صفحة 211.
- Preston 2006، صفحة 176.
- Gibson 1982، صفحة 127 y ss.
- Gil Pecharromán 1997، صفحات 138-139.
- Martínez Bande 2007، صفحة 259.
- Carlos Rojas (1995). Muera la inteligencia! Viva la muerte!: Salamanca, 1936, Unamuno y Millán Astray frente a frente, Ed. Planeta, pág. 11.
- Ángel Palomino (1993). Caudillo, Planeta, pág. 98
- Jesús Palacios (1999). La España Totalitaria: Las Raíces Del Franquismo: 1934-1946, GeoPlaneta, pág. 51.
- Thomas 1976، صفحة 239.
- Thomas 1976، صفحة 240.
- Thomas 1976، صفحة 241.
- Thomas 1976، صفحة 248.
- Thomas 1976، صفحة 249.
- Alía Miranda 2018، صفحة 113.
- Viñas, Angel (2018). El primer asesinato de Franco. La muerte del general Balmes y el inicio de la sublevación. Barcelona: Crítica.
- Manuel., Ferrer Muñoz, (1996). Jornadas de Historia Contemporánea de Canarias. Real Sociedad econóica de Amigos del País de Las Palmas. . OCLC 803227260. مؤرشف من الأصل في 10 مايو 2020.
- Aróstegui 2006، صفحات 42-44.
- Aróstegui 2006، صفحات 44-45.
- Hurtado 2011px، صفحة 33.
- Alpert 1996، صفحات 123-124.
- Solé i Sabaté & Villarroya 2003، صفحة 25.
- Hugh Thomas (1976), La Guerra Civil Española, pág. 251
- Solé i Sabaté & Villarroya 2003، صفحة 26.
- Hurtado 2011px، صفحة 37.
- Salas 1992، صفحات 290-296.
- Ortiz, p.122
- Ortiz, pp. 136-139.
- Gil Honduvilla, Joaquín (2010). Desde la proclamación de la República al 18 de julio de 1936: el cambio de rumbo político en la II División Orgánica. Universidad de Huelva (tesis doctoral). , pp. 478-479.
- Ortiz, p.145
- Ortiz, pp.183
- Espinosa Maestre, Francisco (2006). La justicia de Queipo (الطبعة 2ª). Barcelona: Crítica. . , p. 37.
- Aróstegui 2006، صفحة 60.
- Aróstegui 2006، صفحات 64-65.
- Aróstegui 2006، صفحات 65-67.
- Aróstegui 2006، صفحة 68.
- Aróstegui 2006، صفحات 69-70.
- Aróstegui 2006، صفحات 70-71.
- Aróstegui 2006، صفحات 71-72.
- Aróstegui 2006، صفحات 73-74.
سبقه حكومة الجبهة الشعبية |
حقب التاريخ الإسباني الجمهورية الإسبانية الثانية 1939-1936 |
تبعه الحرب الأهلية |