الرئيسيةعريقبحث

تاريخ الولايات المتحدة (1964-1980)

فترة من التاريخ الأمريكي الحديث

☰ جدول المحتويات


يتضمن تاريخ الولايات المتحدة من عام 1964 حتى عام 1980 انتصار حركة الحقوق المدنية ووصولها للقمّة، وتفاقم ونهاية حرب فيتنام، والدراما المتمثلة في تمرّد هذا الجيل عبر التحرر الجنسي وتعاطي المخدرات، واستمرار الحرب الباردة، مع سباق الفضاء لوضع رجل على سطح القمر. ازدهر الاقتصاد وتوسّع حتى فترة الكساد 1969-1970، ثمّ تعثّر في ظلّ منافسة أجنبيّة جديدة وظهور أزمة النفط عام 1973. انقسم المجتمع الأمريكي بسبب الحرب التي لم تُظهر جدواها والاحتجاجات المناهضة للحرب والرافضة للتجنيد الإلزامي، فضلًا عن فضيحة ووترغيت التي صدمت الرأي العام، التي كشفت عن الفساد وسوء الإدارة الفاضح على أعلى المستويات الحكوميّة. بحلول عام 1980، ازدادت حالة الضيق على المستوى الوطني بعد الاستيلاء على السفارة الأمريكية في إيران، وما تبعها من محاولة إنقاذ فاشلة من قبل القوات المسلحة الأمريكية.

انتهت هذه الفترة بانتصار الجمهوري المحافظ رونالد ريغان، وبدأ معها «عصر ريغان» مع تغيير جذريّ في التوجهات الوطنيّة للبلاد.[1] انقسم الحزب الديمقراطي إزاء حرب فيتنام وغيرها من قضايا السياسة الخارجيّة، مع دخول قوي لعنصر جديد على الساحة كيانه الناخبين الشباب. انضم العديد من «الصقور» الديمقراطيين الليبراليين إلى حركة المحافظين الجدد وبدأوا في دعم الجمهورييّن -ولا سيما ريغان- استنادًا إلى توجهاتهم في السياسة الخارجية.[2] وفي الوقت ذاته، اجتمع الجمهوريون عمومًا على القوميّة الأمريكيّة القويّة والمتشددة، والمعارضة الشديدة للشيوعيّة، والدعم الكبير لإسرائيل.[3]

شكّلت ذكريات الستينيات وأوائل السبعينيات المشهد السياسي لنصف القرن المقبل. حسب ما أوضح حاكم ولاية أركنساس بيل كلينتون في عام 1990: «إذا نظرت إلى الستينيات ورأيت الخير منتشرًا أكثر من الشر، فأنت على الأرجح ديمقراطيّ. أمّا إذا رأيت الضرر يتفوق على المنفعة، فغالبًا أنت جمهوريّ[4]

ذروة الليبراليّة

بلغت الليبرالية في الولايات المتحدة ذروتها في منتصف الستينيات من القرن الماضي مع نجاح الرئيس ليندون جونسون (1963-1969) في الحصول على موافقة الكونغرس على برامج "المجتمع العظيم" التي وضعها جونسون، بما في ذلك الحقوق المدنيّة، وإزالة التفرقة، والرعاية الطبية المجانية لكبار السن، وزيادة الرفاهيّة، ومساعدة الحكومة الفيدراليّة في المجال التعليمي على جميع المستويات، ودعم الفنون والعلوم الإنسانيّة، والنشاط البيئي، وسلسلة من البرامج المصمّمة لإنهاء الفقر.[5][6] وتبعًا لما ذُكر في كتاب التاريخ الأمريكي لعام 2005:[7]

تدريجيًا، شكّل المثقفون الليبراليون رؤية جديدة لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية. لم تُظهر الليبرالية في أوائل الستينيات أيّ ميل للتطرف، مع وجود نزعة ضئيلة لإحياء الحملات ضد القوة الاقتصادية المركّزة في عهد الصفقة الجديدة، مع الابتعاد عن إعادة توزيع الثروة أو إعادة هيكلة المؤسسات القائمة. اعتُبرت الشيوعيّة العدّو الأول على الصعيد الدولي. توجّهت الليبراليّة إلى الدفاع عن العالم الحر، وتشجيع النمو الاقتصادي الداخلي، وضمان توزيع الفائض بشكل عادل. تصوّرت أجندتهم -التي تأثرت كثيرًا بالنظرية الاقتصادية الكينزية- أنّ تضخّم الإنفاق عام سيساهم في تسريع النمو الاقتصادي، وبالتالي توفير الموارد العامة لتمويل برامج أكبر للرعاية والإسكان والصحة والتعليم. كان جونسون متأكدًا من نجاح هذه العملية.

كُوفئ جونسون بتفوّق ساحق في انتخابات الرئاسة عام 1964 ضدّ منافسه المحافظ باري غولدووتر، وهذا ما أنهى سيطرة التحالف المحافظ من الجمهوريين والديمقراطيين الجنوبيين على الكونغرس والتي استمرت لعقود. ومع ذلك، عاد الجمهوريون مرة أخرى في عام 1966، وفاز الجمهوري ريتشارد نيكسون بالانتخابات الرئاسيّة في عام 1968. واصل نيكسون إلى حدّ كبير برامج الصفقة الجديدة والمجتمع العظيم التي ورثها؛ وبالتالي ظهور رد فعل محافظ أكثر راديكالية بالتزامن مع انتخاب رونالد ريغان مُستقبلًا في عام 1980.

عقد «الستينيّات» الثقافي

يشير المصطلح إلى مجموعة الاتجاهات الثقافيّة والسياسيّة المتشابكة في جميع أنحاء العالم في تلك الحقبة. بدأ هذا «العقد الثقافي» مع اغتيال كينيدي حوالي عام 1963 وانتهى مع فضيحة ووترغيت حوالي عام 1974.[8][9]

التحول السياسي

سادت حالة من انعدام الثقة المتزايد في قدرة الحكومة على اتّخاذ القرار الصحيح بالنيابة عن الشعب. بينما اعتُبر انعدام الثقة في كبار المسؤولين سمةً أمريكية على مدار قرنين من الزمان، أجبرت فضيحة ووترغيت في الفترة من 1973-1974 الرئيس ريتشارد نيكسون على تقديم استقالته، وامتثل أمام محكمة برلمانية، بالإضافة إلى عقد محاكم جنائيّة ضد العديد من كبار مساعديه. بحثت وسائل الإعلام بشكل دؤوب عن الفضائح التي أثّرت بعمق على كلا الحزبين الرئيسيين على المستوى الوطني والولاياتي والمحلي.[10] في الوقت ذاته، انتشرت حالة من انعدام الثقة المتزايد بما يتعلق بالمؤسسات ذات النفوذ الواسع مثل الشركات الكبرى ونقابات العمّال. هُوجم الرأي العام المؤيد لأهميّة التكنولوجيا في حلّ المشكلات الوطنيّة في فترة ما بعد الحرب، وخاصّة الطاقة النوويّة، إذ تعرّضت لهجوم شديد من اليسار الجديد.[11]

دعم المحافظون بشكل متزايد الحجة القائلة بأن ارتفاع معدلات الجريمة على المستوى الولاياتي والمستوى المحليّ يشير إلى اختلال في السياسة الليبراليّة في المدن الأمريكية.[12]

في هذه الأثناء، واجهت الليبرالية عدّة قضايا خلافية، إذ تحدّى اليسار الجديد الليبراليين في قضايا مثل حرب فيتنام، بالإضافة إلى بناء دوائر انتخابية في الجامعات وفي أوساط الناخبين الشباب. نشأت «حرب ثقافية» ثلاثية الأطراف بين المحافظين والليبراليين واليسار الجديد، إذ شملت هذه الحرب الثقافية قضايا مثل الحرية الفردية والطلاق والجنس وحتّى مواضيع مثل طول الشعر والذوق الموسيقي.[13]

برز عامل جديد غير متوقّع تمثّل بظهور اليمين الديني كقوّة سياسيّة مُتماسكة قدّمت دعمًا قويًا للمحافظين.[14][15]

اعتُبر تشريع الحقوق المدنية في الستينيّات من القرن الماضي انتصارًا كبيرًا لليبرالية، إذ كسبوا تأييد السود وبالتالي خلقوا جمهورًا من الناخبين السود في الجنوب. ومع ذلك، عُزل العديد من البيض في الطبقة العاملة، وهذا ما فتح الباب أمام الجنوبييّن البيض المحافظين للانتقال إلى الحزب الجمهوري.[16]

في السياسة الخارجية، عُدّت الحرب في فيتنام قضية خلافية كبيرة في السبعينيات. طرح نيكسون سياسة الوفاق والتسوية خلال فترة الحرب الباردة، لكنّها واجهت تحديًا قويًا من قبل ريغان والحركة المحافظة. رأى ريغان في الاتحاد السوفيتي عدوًّا عنيدًا يجب هزيمته، بدلًا من التوصّل لتسوية معه. برز عنصر جديد في إيران، مع الإطاحة بالحكومة الموالية لأمريكا هناك، وظهور التيارات المعادية التابعة لآية الله. استولى الطّلاب الراديكاليون على السفارة الأمريكية، واحتجزوا الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن لأكثر من عام، وهذا ما أكّد على ضعف السياسة الخارجية لجيمي كارتر.[17]

دخل المشهد الاقتصادي في حالة من الركود، إذ أدّى ارتفاع معدّلات التضخّم إلى تقليص نمط الادخار لملايين الأميركيين، في حين بقي معدل البطالة مرتفعًا مع معدّل نمو منخفض. أدّى النقص في البنزين ومضخات البنزين المحليّة أزمة طاقة حقيقيّة على المستوى المحليّ.[18]

ظهر رونالد ريغان في 1964-1968 بمثابة القائد خلال فترة من التحوّل الدراماتيكي في السياسات الأمريكية في الجانب المحافظ، التي أضعفت العديد من السياسات الداخليّة والخارجيّة التي سيطرت على الأجندة الوطنيّة لعقود.[19][20]

مراجع

  1. Steven F. Hayward, The Age of Reagan, 1964–1980: The Fall of the Old Liberal Order (2001)
  2. Seymour Martin Lipset, "Neoconservatism: Myth and reality." Society 25.5 (1988): pp 9–13. نسخة محفوظة 13 فبراير 2017 على موقع واي باك مشين.
  3. Colin Dueck, Hard Line: The Republican Party and U.S. Foreign Policy since World War II (2010).
  4. Quoted in M. J. Heale, "The Sixties as History: A Review of the Political Historiography", Reviews in American History v. 33#1 (2005) 133–152 at p. 132
  5. Robert Dallek, Lyndon B. Johnson: Portrait of a President (2004)
  6. Irving Bernstein, Guns or Butter: The Presidency of Lyndon Johnson (1994)
  7. David Edwin Harrell, Jr., Edwin S. Gaustad, John B. Boles, Sally Foreman Griffith, Randall M. Miller, Randall B. Woods, Unto a Good Land: A History of the American People (2005) pp 1052–53
  8. ألكسندر هاميلتون (1984) intro to The Literature of Exhaustion, in The Friday Book.
  9. Maslin, Janet (5 November 2007). "Brokaw Explores Another Turning Point, the '60s". The New York Times. مؤرشف من الأصل في 20 يوليو 201926 أغسطس 2011.
  10. J. Lull, and S. Hinerman, "The search for scandal' in J. Lull & S. Hinerman, eds. Media scandals: Morality and desire in the popular culture marketplace (1997) pp. 1–33.
  11. Timothy E. Cook and Paul Gronke. "The skeptical American: Revisiting the meanings of trust in government and confidence in institutions." Journal of Politics 67.3 (2005): 784–803.
  12. James O. Finckenauer, "Crime as a national political issue: 1964–76: From law and order to domestic tranquility." NPPA Journal 24.1 (1978): 13–27. Abstract - تصفح: نسخة محفوظة 10 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  13. James Davison Hunter, Culture wars: The struggle to control the family, art, education, law, and politics in America (1992).
  14. Paul Boyer, "The Evangelical Resurgence in 1970s American Protestantism" in Schulman and Zelizer, eds. Rightward bound pp. 29–51.:
  15. Stephen D. Johnson and Joseph B. Tamney, "The Christian Right and the 1980 presidential election." Journal for the Scientific Study of Religion (1982) 21#2: 123–131. نسخة محفوظة 13 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  16. Jack M. Boom, Class, race, and the civil rights movement (1987).
  17. David Farber, Taken hostage: The Iran hostage crisis and America's first encounter with radical Islam (Princeton UP, 2009).
  18. W. Carl Biven, Jimmy Carter's economy: policy in an age of limits (U of North Carolina Press, 2003). نسخة محفوظة 10 أغسطس 2018 على موقع واي باك مشين.
  19. Bruce J. Schulman and Julian E. Zelizer, eds. Rightward Bound: Making America Conservative in the 1970s (Harvard UP, 2008) pp. 1–10.
  20. Andrew Busch, Regan's victory: the presidential election of 1980 and the rise of the right (UP of Kansas, 2005).

موسوعات ذات صلة :