الرئيسيةعريقبحث

تاريخ حقوق الإنسان


☰ جدول المحتويات


على الرغم من الاعتقاد في حرمة وقداسة الحياة البشرية كما نصت عليه الديانات السماوية، إلا أن فكرة حقوق الإنسان بمفهومها القائم على أنها مجموعة من الحقوق الملزمة لجميع البشر دون تمييز تأسست في الحكم الإسلامي الراشد و في العهد النبوي من رسالة الإسلام على وجه الخصوص حيث المساواة من أصول الدين، ثم تطورت الفكر في عهد النهضة الإنسانية في العصر الحديث. تم تكريسه قبل المثول امام القضاء في ماجنا كارتا (Magna Cartta) من عام 1215م. أدت الحروب الاوربية والحرب الاهلية في القرن السابع عشر في إنجلتراإلى ظهور الفلسفة اللبيرالية التنويرية وأصبحت حقوق الإنسان شاغلاً واهتماما رئيسيا للثقافة الفكرية الاوربية في القرن الثامن عشر. وضعت فكرة حقوق الإنسان أثناء قيام الثورات الأمريكية والفرنسية التي دشنت عهد الثورة الديموقراطية طوال القرن التاسع عشر مما ساعد على ظهور الاقتراع العام. الحروب العالمية في القرن العشرين أدت إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

شهدت فترة ما بعد الحرب تحركات حقوق الإنسان لجماعات المصلحة الخاصة مثل المساواة بين الجنسين والحقوق المدنية للأميركيين ذوو الأصل الأفريقي. وقد ظهرت حقوق الإنسان للأفراد في الإتحاد السوفيّتي في عام 1970م إلى جانب حقوق العُمّال في الغرب. فتبَلوَرت الحركة سريعًا كنشاط اجتماعي وخطاب سياسي في العديد من الدول والذي جعلها على رأس جدول الأعمال العالمي.[1] وبحلول القرن الواحد والعشرين، قال "موين" أنّ حركة حقوق الإنسان توسّعت وتجاوزت مكافحتها للإستبداد لتشمل العديد من القضايا التي تشمل التطور الإنساني والتنمَوي والاجتماعي والاقتصادي في العالم النامي .[2]

وتُقدّم بعض مفاهيم الصلاح الحاضر في القانون القديم والدين يُشمَل تحت مصطلح حقوق الإنسان استعاديا "بشكل رجعي". بينما يقترح فلاسفة التنوير عقد علماني اجتماعي بين الحُكّام والمحكومين، وقد اشتقّت التقاليد القديمة إستنتاجات مماثلة من مفاهيم القانون السماوي والقانون الطبيعي "في الفلسفة الهلنستية.

العالم القديم

الشرق الأدنى القديم

يُعتقد غالباً بأن إصلاحات حاكم مدينة لكش، أوروكاجينا كانت مثالاً مبكراً للإصلاحات (2350 قبل الميلاد)، كما أوضحت ذلك الوثائق التاريخية القانونية. وكتب البروفيسور نورمان يوفي أنه بعد إيجور ديانكوف "الكثير من المفسرين يعتبرون أوروكاجينا ليس مصلحاً على الإطلاق، وهو بنفسه لم يكن من الطبقة الحاكمة في لكش. في الواقع حاول أن يمنع تقدم السلطة العلمانية من استخدام نفقات المعبد. ويمكن وصف أفعاله بالمصطلح الحديث بالرجعية".[3] كتبت الكاتبة الفرنسية ميرلين أن اكتشاف عقوبة زنا الإناث دون الذكور تمثل "أول دليل مكتوب للحط من قدر النساء".[3][4] بينما أقدم مخطوطة قانونية موجودة اليوم هي مخطوطة أور-نامو النوسومرية الموضوعة حوالي سنة 2050 قبل الميلاد. هناك عدة مجموعات من القوانين التي تم إصدارها في بلاد ما بين النهرين، مثل قانون حامورابي، في سنة 1780 قبل الميلاد، وهو أهم مثال والأكثر شهرة لمثل هذه القوانين. وهو يبيّن الأنظمة والعقوبات لمن لا يتبع هذه الأنظمة في عدة مواضيع، بما فيها حقوق المرأة، حقوق الرجل، وحقوق الأطفال، والعبيد أيضاً.

العصور القديمة

يقول بعض المؤرخين أن إمبراطورية الفارسية الأخمينية لإيران القديمة قامت بإرساء مبادئ لحقوق الإنسان ليس لها مثيل في القرن السادس قبل الميلاد تحت قيادة الإمبراطور العظيم سايروس. حيث قام بإنشاء إسطوانة سايروس بعد احتلاله بابل في عام 539 قبل الميلاد، والتي تم اكتشافها في عام 1879م حيث تعتبر اليوم أول وثيقة لحقوق الإنسان.[5][6][7] وقد تم ربط الوثيقة من قبل المعلقين بمراسيم صادرة عن سايروس، مسجلة في كتاب تسجيل الأحداث: نهيميا، وعزرا، والتي تنص على أن لليهود أو على الأقل بعضاً منهم حق العودة إلى الوطن الأم بعد فترة السبي البابلي.

على خلاف الرأي السابق في أن الكتابات التي وجِدت على الاسطوانة والتي اعتبرها المؤرخون أول بيان لحقوق الإنسان رُفض هذا الرأي من بعض المؤرخين الآخرين، في حين صنفه البعض بأنها مجرد دعاية سياسية وضعت لخدمة النظام البهلوي.[8] بينما يرى المؤرخ الألماني جوزيف فيزوفا أن "إظهار صورة الحاكم سايروس بالبطل الذي وضع أساسيات الحقوق الإنسانية في منظمة الأمم المتحدة كإظهار تواضع وليبرالية فكر شاه فارس وهذا وهم لا أساس له من الصحة".[9] ومن جهة آخرى وصف المؤرخ إلتون دانييل ماكُتب في تلك الإسطوانة الأثرية بأنها "شيء جار عليها الزمن" وأنها تحمل بين طياتها الكثير من الأمور الضمنية المغرضة.[10] تتواجد هذه الإسطوانة الآثرية حاليا في المتحف البريطاني بينما النسخة الأصلية محفوظة في مقرّ الأمم المتحدة.

أشار العديد من المفكرين أن مفهوم الوطنية بدأ في وقت مبكر من أمراء اليونان القديمة ، حيث كان جميع المواطنين الأحرار لهم الحق في الكلام والتصويت في المجلس السياسي.

قانون اللوائح الإثني عشر أسس مبدأ (Privilegia ne irroganto) والذي يعني حرفياً " لا يجوز أن تُفرض الامتيازات ".

يمكن الإطلاع على الإعلان عن التسامح الديني على أسس المساواة في مراسيم أشوكا (Edicts of Ashoka) ، الذي يؤكد على أهمية التسامح في السياسة العامة من قبل الحكومة. وأدان أشوكا أيضاً ذبح أسرى الحرب أو القبض عليهم.[11] بعض المصادر تدعي أن الرق كان غير موجود في الهند القديمة.[12] ويذكر آخرون أن العبودية كانت موجودة هناك، حيث تم تسجيل ذلك في قوانين مانو من السنسكريتية من القرن الأول ما قبل الميلاد.[13]

الخلافة الإسلامية المبكرة

يتفق المؤرخون بصفة عامة على أنّ ما دعى إليه نبي الإسلام محمد ضد مارآه من شرور اجتماعية آنذاك [14] و الإصلاحات الإسلامية الاجتماعية في مجالات عدة كالأمن الاجتماعي وكيان الأسرة والعبودية وحقوق المرأة والأقليات العرقية تحسّنت مما كانت عليه في المجتمع العربي المتواجد في ذلك الوقت.[15][16][17][18][19][20] ووفقاً لبرنارد لويس (John Esposito) -على سبيل المثال- فإنّ الإسلام "من البداية حارب الطبقة الإرستقراطية ورفض التفاضل وتبنّى فكرة المهنة تبعاً للموهبة ".[15] ويرى جون اسبوزيتو (John Esposito) محمد كمصلح قضى على ممارسات العرب الوثنيين كوأد البنات واستغلال الفقراء والربا والجريمة والعقود الخاطئة والسرقة.[21] ويؤمن برنارد لويس بأن طبيعة المساواة في الإسلام "تمثّل تقدماً ملحوظاً على الممارسات اليونانية الرومانية وعالم الفرس القدماء".[22] و أيضاً، دمج محمد قوانين العرب والموسوية وعادات ذلك الوقت إلى الوحي الإلهي.[23]

دستور المدينة ويسمى أيضاً ميثاق المدينة وضعه رسول الإسلام في العام 622، تم إقراره بموجب اتفاقية رسمية بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين كل القبائل والعوائل المؤثرة في يثرب (سميت لاحقاً المدينة المنورة) شملت هذه الاتفاقية المسلمين واليهود والوثنيين [24][25] .

أقرت هذه الوثيقة لهدف محدد وذلك لوضع حد للعداء والقتال القبلي الشديد بين قبيلتي الأوس والخزرج في المدينة المنورة .ونتيجة لذلك تم إقرار بعض الحقوق والواجبات لجميع فصائل المدينة من المسلمين واليهود والوثنيين لدمجهم ضمن جماعة واحدة في مجتمع واحد يسمى الأمة [26].

جعل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مسؤولية الأسرى في المأكل والملبس إلى حد معقول مسؤولية الحكومة الإسلامية بغض النظر عن دينهم، ولو كان الأسرى في حضانة شخص ما فالمسؤولية إذا تقع على ذلك الشخص.[27] يذكر لويس أن الإسلام أدخل تغييرين رئيسيين في نظام الرق القديم كان لهما تأثيرات كبيرة، أحدهما افتراض الحرية في الفرد والآخر منع استعباد الناس الأحرار إلا في ظروف محددة ومقيدة جداً. يقول لويس ان الموقف العربي من الرق "تحسن كثيراً" فالرقيق العربي لم يعد "متاعاً بل هو إنسان ذا حقوق دينية معينة ووضع اجتماعي وبالتالي ذا حقوق شبه قانونية معينة".[28]

يقول اسبوزيتو بأنّ الإصلاحات التي شملت حقوق المرأة كان لها تأثير واضح في كل من الزواج والطلاق والميراث.[21] فالنساء لم يمنحن مثل هذا الوضع القانوني في الحضارات الأخرى، بما فيها الغرب، حتى قرون متاخرة.[29] يوضح قاموس اكسفورد الإسلامي بأن التطورات العامة في وضع المرأة العربية تضمّنت تحريم وأد الإناث والاعتراف بالمرأة كشخص كامل.[30] " سابقاً كان المهر يعتبر كقيمة للعروس تدفع للأب ولكنه أصبح هدية زفاف تحتفظ به الزوجة كجزء من ملكيتها.[21][31] وفي شريعة الإسلام لم يعد الزواج يرى على أنه "وضع" بل "كعقد" تكون موافقة المرأة عليه شرط اساسي.[21][30][31] "أُعطيت النساء حق الميراث في مجتمع ذكوري كان يذهب فيه الميراث للأقارب من الذكور فقط."[21] آنا ماري شيمل تقول انه "بالمقارنة بوضع المرأة قبل الإسلام، فإن التشريع الإسلامي يعد تغيراً ضخماً، فيه المرأة -وفقاً لنص الشريعة على الأقل- تملك الحق في إدارة الثروة التي اكتسبتها من عائلتها أو من عملها الخاص." [32] وليم مونتغمري واط يقول بأن محمد في السياق التاريخي لزمنه يمكن أن يُرى كشخصية وقفت بجانب حقوق النساء و طوّر الأوضاع بشكل كبير. واط يشرح فيقول: "في الوقت الذي بدأ فيه الإسلام كانت اوضاع النساء مُزرية فلم يكن لهن الحق في التملك لانهن من المفروض ملك للرجل فاذا توفي الرجل ذهبت املاكه كلها لأبنائه الذكور". ولكن محمد حينما "أسّس حقوق امتلاك الملكيات والميراث والتعليم والطلاق جعل للنساء اجراءات وقائية اساسية."[33] حداد واسبوزيتو يقولان بأن:"محمد ضمن للنساء حقوقهن وهباتهن في محيط حياة العائلة والزواج والتعليم والمساعي الاقتصادية بما ساعد في تحسين وضع النساء في المجتمع." [34] ولكن بعض الكتاب اثاروا جدلاً في أن المرأة قبل الإسلام كانت أكثر حرية مستشهدين في ذلك بأول زواج للنبي محمد وفي زواج والديه، وبأوضاع أخرى كعبادة الأصنام الإنثوية في مكة."[35]

الباحث الاجتماعي روبرت بيلا في كتابه (Beyond belief) يقول بأنّ الإسلام في عقده السابع بالنسبة لزمانه ولمكانه كان "متطورا بشكل ملحوظ وفيه أعلى درجة من الالتزام والتعاون والمشاركة المتوقعة من جميع اعضاء المجتمع". وهذا بسبب – يوضح روبرت - أنّ الإسلام أكّد على التساوِ بين جميع المسلمين بحيث كانت المناصب القيادية مفتوحة للجميع. ديل إيكلمان يكتب بأن بيلا يقترح أن "المجتمع الإسلامي الأول وضع قيمة للفرد بدلا من المسؤولية الجماعية أو المجموعة ككل."[36]

العصور الوسطى

ماجنا كارتا هي وثيقة إنجليزية صدرت ولأول مرة في عام 1215 وكانت ذو تأثير بالغ على العملية التاريخية الواسعة والتي قادت إلى تحكيم القانون الدستوري الموجود اليوم. ماجنا كارتا أيضا أثرت في تطور القانون العام و مستندات دستورية أخرى كدستور الولايات المتحدة و وثيقة الحقوق.

كُتبَ الميثاق "ماجنا كارتا" في الأصل بسبب خلافات بين البابا إنوسنت "البريئ" الثالث والملك جون والنُبلاء الإنجليز حول حقوق الملك. وقد تطلّب الميثاق ماغنا كارتا أن يتخلى الملك عن بعض الحقوق، ويحترم بعض الإجراءات القانونية وأن يقبل بأن رغبته قد تكون مقيّدة بالقانون. وأيضًا حمى الميثاق بشكل صريح بعضاً من حقوق الشعب سواء كانوا أحرار أو مقيّدين - ومن أبرزها أمر المثول أمام المحكمة، والسماح بالاستئناف ضد السَّجن الغير القانوني.

يعتبر حق المثول أمام المحكمة في العصر الحديث أكثر إرث ثابت من ماجنا كارتا . وهذا الحق ينشأ من ما يعرف الآن بالبنود 36، 38، 39 و 40 من ميثاق ماجنا كارتا 1215 . وتضمّن ميثاقماجنا كارتا أيضًا حق ضمان الحقوق:

" لن يُسجن أي رجل حُر، أو يُجرَّد من التملّك الحُر أو الحرّيات الفردية، أو عاداته أو ان يُجعل خارج القانون أو أن يُنفى، أو أن يُدمَّر بأي طريقة ما، ونحن لن نتجاوز عليه، ولن ندينه، إلاّ بمحاكمة قانونية من القضاة، أو بقانون البلاد. لن نبيع القانون لأي إنسان، ولن ننكر أو نؤجل لأي إنسان العدل أو الحق"

التحركات المعاصرة المناهضة لحقوق الإنسان

عصر الاكتشاف

بداية العصر الحديث وعهد التنوير

أسفر غزو الأمريكيتين في القرنين الخامس عشر و السادس عشر من قبل أسبانيا في عصر الاكتشاف عن مناقشات شديدة لحقوق الإنسان في المستعمرة الأسبانية الأمريكية.[37] أدى ذلك إلى اعتماد قانون بورجوس والذي كتبه" فرناندو الكاثلوكي" بالنيابة عن ابنته" خوانا الأولى ملكة قشتالة".

أما الراهب الدومينيانيكي" فراي انتونيو مونتيسينوس" في جزيرة "هيسبانيولا" ، فقد ألقى موعظة دينية في الواحد وعشرين من ديسمبر لعام 1511 و التي حضرها" بارتولومي دي لاس كاساس" . يُعتقد أن تقارير الدومينياكيين في هسبانيولا هي ما قد شجع الملك الإسباني على الحراك حيال حقوق الإنسان . هذه الموعظة الدينية، التي عرفت في ما بعد بموعظة " عيد الميلاد( الكرسيماس) " ، قد أفسحت المجال لانتخابات جديدة من عام 1550 – 1551 بين "لاس كاساس" و"خوان جينيس سيبولفيدا "في مدينة" بلد الوليد" الإسبانية. كان من ضمن النواحي التي غطتها بنود قانون بورجوس: عمالة الأطفال ،حقوق المرأة ، أجور العمّال، السكن اللائق و الإجازات و الراحة وغيرها.

قام العديد من فلاسفة القرن السابع و الثامن عشر ميلاديه بتطوير مفهوم الحقوق الطبيعة ومن أبرزهم جون لوك ،ذلك المفهوم يقوم على فكرة أنّ الناس بطبيعتهم أحرار ومتساوون[38][39] . وعلى الرغم من أنّ جون لوك أمن بأن الحقوق الطبيعة أُستقيت من الإله حيث أنّ البشر مخلوقات له، فإن أفكاره كانت مهمة في تطوير الفكرة الحديثة للحقوق. حقوق لوك الطبيعية لم تعتمد على المُواطنة ولا على أي قانون أو ولاية، كذلك لم تكن محدودة على مجموعة معينة سواء كانت عرقية أو ثقافية أو دينية. وقريب من ذلك الوقت وبالتحديد في عام 1689 صدرت وثيقة الحقوق الإنجليزية.

ثورتان اساسيتان حدثتا في اثناء القرن الثامن عشر، في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776م وفي فرنسا عام 1789م. كان إعلان فرجينيا للحقوق في عام 1776 م، تم فيه وضع عدد من الحريات والحقوق الأساسية. ولحقه إعلان الاستقلال الأمريكي، الذي تضمن مفاهيم الحقوق الطبيعية و اشتهر بمقولة " البشر جميعهم خلقوا متساوين وجميعهم أيضا ممنوحين من خالقهم حقوقاً لا يمكن لأحد التصرف بها ومن ضمنها:الحياة والحرية والعمل لتحقيق السعادة". وعلى نفس الطريقة، الإعلان الفرنسي لحقوق الرجل والمواطن وضعت مجموعة من حقوق الأفراد والجماعات. وتلك الحقوق كما نصت عليها الوثيقة عُقدت لتكون عامة ليس للمواطنين الفرنسيين فقط بل لعامة الرجال بدون استثناء .

من القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى

تكلم الفلاسفة أمثال توماس بين وجون ستارت ميل و جورج فردرك هيغل بالتفصيل عن موضوع العالمية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. في عام 1831 م كتب وليام لويد جاريسون في صحيفة تدعى The Liberator "المحرر" بأنه كان يحاول أن يحث على قراءه "القضية العظمى لحقوق الإنسان" [40] لذا فمن المحتمل أن مصطلح حقوق الإنسان دخل حيز الاستخدام في الوقت مابين بين ووثيقته عن حقوق الرجال وبين جاريسون ومنشورته. في عام 1849م المعاصر هنري ديفد ثورو الذي كتب عن حقوق الإنسان في بحثه On the Duty of Civil Disobedience [1] "الالتزام بالعصيان المدني" الذي أصبح فيما بعد مؤثراً على حقوق الإنسان وحقوق المفكرين المدنيين. كتب القاضي في مجلس القضاء الأعلى الأمريكي ديفد ديفس معبراً عن رأيه عام 1867م تجاه قضية Ex Parte Milligan :"بموجب القانون، حقوق الإنسان مضمونة واستردت حمياتها وهي تحت رحمة الحكام الأشرار أو صخب الناس الغاضبين".[41]

تمكنت العديد من المجموعات والحركات من إنجاز تغييرات عميقة على مدى القرن العشرين تحت مسمى حقوق الإنسان . وجّهت نقابة العمال في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية - أو حزب العمال - إلى قوانين تنص على منح العمال حقهم في الإضراب، ووضعت شروطاً للحد الأدنى من العمل ومنعت أو نظمت عمل الأطفال. نجحت حركة حقوق المرأة في منح العديد من النساء حقهن في الاقتراع - أو التصويت، والانتخاب.

حركات التحرير الوطني في دول عديدة نجحت في طرد السلطات الاستعمارية. كانت حركة المهاتما غاندي لتحرير وطنه الهند من الحكم البريطاني من أكثرالحركات تأثيراً.

نجحت حركات الأقليات العرقية والدينية المضطهدة في أجزاء كثيرة من العالم، ومن ضمنها حركة الحقوق المدنية، وحركات سياسية حديثة سياسية الهوية لصالح المرأة والأقليات في الولايات المتحدةالأمريكية.

مؤسسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قانون ليبرال1846 م وأول اتفاقيات جنيف عام 1846 م وضعوا الأسس للقانون الإنساني الدولي لكي يواكب الأحداث بعد الحربين العالميتين.

بين الحرب العالمية الأولى والثانية

تأسست عصبة الأمم عام 1919م وذلك خلال مفاوضات معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى، وقد تضمنت أهداف عصبة الأمم نزع السلاح و منع الحرب من خلال الأمن الجماعي وتسوية النزاعات بين الدول عن طريق التفاوض والدبلوماسية وتطوير الرفاهية العالمية، وكما هو منصوص في ميثاقها فقد تم التفاوض لتعزيز العديد من الحقوق التي أدرجت فيما بعد في البيان العالمي لحقوق الإنسان، وقد أجرت عصبة الأمم مفاوضات لدعم العديد من المستعمرات السابقة للقوى الاستعمارية الأوروبية الغربية خلال انتقالهم من الاستعمار إلى الاستقلال.

وبحكم تأسيسها كوكالة تابعة لعصبة الأمم والتي أصبحت اليوم جزءاً من الأمم المتحدة فقد كان أيضاً لمنظمة العمل الدولية مفاوضات لتعزيز وحماية بعض الحقوق الواردة مؤخراً في البيان العالمي لحقوق الإنسان:

الهدف الأساسي لمنظمة العمل الدولية اليوم هو تعزيز الفرص للنساء والرجال للحصول على عمل جيد ذو إنتاجية، في ظروف من الحرية والمساواة والأمن والكرامة الإنسانية.

بعد الحرب العالمية الثانية

الحقوق في الحرب واتفاقية جنيف

المقالات الرئيسية: القانون الدولي الإنساني و اتفاقية جنيف

انظر ايضاً: حقوق الأسرى في الإسلام

قامت اتفاقية جنيف ما بين عام 1864م و 1949 م بعد جهود جان هنري دونانت مؤسس منظمة الصليب الأحمرالدولية. نصت الاتفاقية على حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، وكأثر من اتفاقيتا لاهاي 1899 و1907، فقد كانت المحاولة الأولى للجنة الدولية هي التعريف بقوانين الحرب. على الرغم من كتابتها قبل الحرب العالمية الثانية إلا أن اللجنة الدولية أعادت صياغتها بسبب الحرب العالمية الثانية واعادت تطبيقها في 1949م.

اتفاقية جنيف:

الاتفاقية الأولى: اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان، أجري أول تطبيق في عام 1864م وآخر تعديل في عام 1949م .

اتفاقية جنيف الثاية:

وتهدف لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحارأول تطبيق في عام 1949م كأحد نتائج اتفاقية لاهاي الأولى.

اتفاقية جنيف الثالثة: وتعُني بحقوق أسرى الحرب، أول تطبيق في عام 1929 م وآخر تعديل في 1949م..

اتفاقية جنيف الرابعة: وتعُني بحماية المدنيين في حال الحرب، أول تطبيق عام 1949م ومبنية على بعض أجزاء اتفاقية لاهاي

بالإضافة إلى أن هناك ثلاث بروتوكلات لتعديل اتفاقية جنيف:

البرتوكول الأول، 1977م ويعني بحماية الضحايا في الحروب بين الدول ومن تاريخ 12 يناير 2007فقد تم توقيع عليه من قبل 167 دولة

البرتوكول الثاني،1977م ويعني بحماية ضحايا الحروب داخل الدولة نفسها (مثل الحروب الأهلية) وبنفس تاريخ البرتوكول الأول فقد تم التوقيع عليه من قبل 164 دولة في 2007م.

البرتوكول الثالث، 2005م ويعني بتبني شعار خاص للمنظمة، وابتداءً من مايو 2008م تم الاتفاق والتوقيع عليه من قبل 28 دولة وتبقى 59 دولة لم توقع على هذا البرتوكول.

في عام 1949م، كانت المراجعة الآخيرة والتوقيع على كل من الاتفاقيات الأربعة بناء على تعديلات سابقة وعلى اتفاقية هالاي لكن ليس بشكل كامل. ولاحقاً كانت هناك بعض المؤتمرات التي أضافت بعض البنود التي تمنع بعض أساليب الحرب، وتسلط بعض الضوء على مسائل تخص المدنيين. وما يقارب 200 دولة في العالم الحاضر وقعت واتفقت على اتفاقية جنيف. والجدير بالذكر أن منظمة الصليب الأحمر هي المنظمة المسؤولة عن إدارة اتفاقيات جنيف.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو إعلان غير ملزم تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة [42] في عام 1948م، كرد جزئي على وحشية الحرب العالمية الثانية، يدعو الإعلان أعضاء الأمم المتحدة لتعزيز مجموعة من الحقوق الإنسانية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكداً على أن هذه الحقوق تُعد جزء من "تأسيس الحرية والعدالة والسلام في العالم".

" ... الإقرار بأن الكرامة الفطرية والحقوق الثابتة والمتساوية لكل بني آدم هي أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم "

تمت صياغة التصريح العالمي لحقوق الإنسان بواسطة أعضاء لجنة حقوق الإنسان برئاسة إليانور روزفلت والتي بدأت في عام 1947 بمناقشة لائحة الحقوق الدولية؛ ففي البداية لم يوافق أعضاء اللجنة مباشرة على صياغة لائحة الحقوق وكيف يجب أن تنفذ.. ولكن واصلت اللجنة في صياغة التصريح العالمي لحقوق الإنسان وكذلك المعاهدات المصاحبة، وجعلت للتصريح الأولوية.[43]؛ ثم أصبح كل من بروفيسور القانون الكندي جون همفري والمحامي الفرنسي رينيه كاسان مسؤولان على دراسات المقارنة بين الأمم وكذلك على صياغة الوثيقة على التوالي، حيث فسرت بنود التصريح على أنها المبدأ العام للوثيقة وقد تضمن أول بندين من الوثيقة التي صيغت بواسطة رينيه كاسانالمبادئ الأساسية للكرامة والحرية والمساواة والأخوة وتبعها بالتعاقب الحقوق المتعلقة بالأفراد سواء حقوق الأفراد لبعضهم البعض أو للمجتمع ثم الحقوق الروحية والعامة والسياسية وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وآخر ثلاث بنود من الوثيقة تضمنت الحقوق في سياق الحدود والواجبات والنظام الاجتماعي والسياسي[43] Humphrey and Cassin intended the rights in the UDHR to be legally enforceable through some means, as is reflected in the third clause of the preamble:[43] ؛ وقد أراد كل من همفري وكاسان أن تكون الحقوق الواردة في التصريح العالمي لحقوق الإنسان قابلة للتنفيذ قانونيا من خلال بعض الوسائل كما ورد في المادة الثالثة من الوثيقة.

"ولأنه كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان حتى لا يتمرد المرء في آخر المطاف على الظلم والاستبداد".

- مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948

شارك في بحث وكتابة وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لجنة مكونة من خبراء عالمين في حقوق الإنسان وممثلون من جميع أديان وأنحاء العالم مستفيدين من استشارت عديدة من قادة مثل مهاتما غاندي..[44] احتواء الوثيقة على كلًّ من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية [43][45] كان مبنيّاً على افتراض بأن حقوق الإنسان الأساسية هي جزء لا يتجزَّأ باختلاف أنواعها إذ إنها متصلة مع بعض بشكل معقد. ومع أن هذه المعاهدة لم تواجه أي معارضة من الدول الأعضاء في وقت اتخاذ القرار حيث تم الإجماع عليها بإستثناء الاتحاد السوفيتي وجنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية إلا أنها واجهت لاحقاً تحديات عظيمة..[45]

التواريخ التالية

وفقا للمؤرخ صمويل موين فإنّ الحدث الرئيسي التالي في مجال حقوق الإنسان حدثَ في عام 1970.[46] وقد تم تضمين حقوق الإنسان في النقطة السابعة لاتفاقات هلسنكي، التي تم التوقيع عليها في عام 1975 من قبل 35 دولة، بما فيها الولايات المتحدة، وكندا، وجميع الدول الأوربية بإستثناء ألبانيا وأندورا.

وخلال كلمة الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة جيمي كارتر الافتتاحية في عام 1977، جعلَ حقوق الإنسان عمود للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.[47] وساعدت حقوق الإنسان منظمة العفو الدولية في وقت لاحق للفوز بجائزة نوبل للسلام في عام 1977 [48] وقد فاز جيمي كارتر، الذي كان له دور فعّال في معاهدة سلام إتّفاق كامب ديفيد ، في وقت لاحق بجائزة نوبل للسلام في عام 2002 "لجهده الدؤوب على مدى عقود لإيجاد حلول سلمية للنزاعات الدولية، ولتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية".[49]

مراجع

  1. Samuel Moyn, The Last Utopia: Human Rights in History (Harvard University Press, 2010)
  2. Scott McLemee, "The Last Utopia" Inside Higher Education Dec. 8, 2010 online - تصفح: نسخة محفوظة 05 نوفمبر 2014 على موقع واي باك مشين.
  3. Yoffee, Norman (2005). Myths of the Archaic State: Evolution of the Earliest Cities, States, and Civilizations. Cambridge University Press. صفحة 103.  .
  4. French, Marilyn (2007). From Eve to Dawn, A History of Women in the World, Volume 1: Origins from Prehistory to the First Millennium v. 1. Feminist Press, City University of New York. صفحة 100.  .
  5. "The First Global Statement of the Inherent Dignity and Equality". United Nations. مؤرشف من الأصل في 19 سبتمبر 201213 سبتمبر 2010.
  6. Lauren, Paul Gordon (2003). "Philosophical Visions: Human Nature, Natural Law, and Natural Rights". The Evolution of International Human Rights: Visions Seen. Philadelphia: University of Pennsylvania Press.  .
  7. Robertson, Arthur Henry; Merrills, J. G. (1996). Human rights in the world : an introduction to the study of the international protection of human rights. Manchester: Manchester University Press.  .
  8. Kuhrt (1983), pp. 83–97
  9. Wiesehöfer (1999), pp. 55–68
  10. Daniel, p. 39
  11. أمارتيا سن (1997)
  12. آريانوس, Indica, "This also is remarkable in تاريخ الهند, that all Indians are free, and no Indian at all is a slave. In this the Indians agree with the لاكونياs. Yet the Lacedaemonians have هيلوتسs for slaves, who perform the duties of slaves; but the Indians have no slaves at all, much less is any Indian a whore."
  13. Slave-owning societies, موسوعة بريتانيكا - تصفح: نسخة محفوظة 06 أكتوبر 2014 على موقع واي باك مشين.
  14. Alexander (1998), p.452
  15. Lewis (1998)
  16. Watt (1974), p.234
  17. Robinson (2004) p.21
  18. Haddad, Esposito (1998), p. 98
  19. "Ak̲h̲lāḳ", Encyclopaedia of Islam Online
  20. Joseph, Najmabadi (2007). Chapter: p.293. Gallagher, Nancy. Infanticide and Abandonment of Female Children
  21. Esposito (2005) p. 79
  22. Lewis, Bernard (January 21, 1998). "Islamic Revolution". The New York Review of Books. مؤرشف من الأصل في 08 أبريل 2010.
  23. Ahmed I. (1996). WESTERN AND MUSLIM PERCEPTIONS OF UNIVERSAL HUMAN RIGHTS. Afrika Focus. نسخة محفوظة 18 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
  24. See:
    • Firestone (1999) p. 118;
    • "Muhammad", Encyclopedia of Islam Online
  25. Watt. Muhammad at Medina and R. B. Serjeant "The Constitution of Medina." Islamic Quarterly 8 (1964) p.4.
  26. R. B. Serjeant, The Sunnah Jami'ah, pacts with the Yathrib Jews, and the Tahrim of Yathrib: Analysis and translation of the documents comprised in the so-called "Constitution of Medina." Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, Vol. 41, No. 1. 1978), page 4.
  27. Maududi (1967), Introduction of Ad-Dahr, "Period of revelation", pg. 159
  28. Lewis (1994) chapter 1 - تصفح: نسخة محفوظة 24 سبتمبر 2007 على موقع واي باك مشين.
  29. Jones, Lindsay. p.6224
  30. Esposito (2004), p. 339
  31. Khadduri (1978)
  32. Schimmel (1992) p.65
  33. Maan, McIntosh (1999)
  34. Haddad, Esposito (1998) p.163
  35. Turner, Brian S. Islam (). Routledge: 2003, p77-78. "pre-islamic+arabia"+women&sig=IiMFAyu6P3-rNii4QQmN_q3mXQQ نسخة محفوظة 16 فبراير 2017 على موقع واي باك مشين.
  36. McAuliffe (2005) vol. 5, pp. 66-76. “Social Sciences and the Qur’an”
  37. The Laws of Burgos: 500 Years of Human Rights | In Custodia Legis: Law Librarians of Congress - تصفح: نسخة محفوظة 23 يناير 2018 على موقع واي باك مشين.
  38. Locke's Political Philosophy (Stanford Encyclopedia of Philosophy) - تصفح: نسخة محفوظة 05 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  39. Locke's Political Philosophy (Stanford Encyclopedia of Philosophy) - تصفح: نسخة محفوظة 05 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  40. Mayer (2000) p. 110
  41. "Ex Parte Milligan, 71 U.S. 2, 119. (full text)" ( كتاب إلكتروني PDF ). December 1866. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 07 مارس 200828 ديسمبر 2007.
  42. (A/RES/217, 1948-12-10 at Palais de Chaillot, Paris)
  43. Glendon, Mary Ann (July 2004). "The Rule of Law in The Universal Declaration of Human Rights". Northwestern University Journal of International Human Rights. 2 (5). مؤرشف من الأصل في 14 أبريل 2013.
  44. Glendon (2001)
  45. Ball, Olivia; Gready, Paul (2006) p.34 No-nonsense Guide to Human Rights. New Internationalist Publications Ltd
  46. Moyn, Samuel (August 30/September 6, 2010). "Human Rights in History". [[ذا نيشن (مجلة)|]]. مؤرشف من الأصل في 26 فبراير 2015.
  47. Moyn, Samuel (2010). The Last Utopia: Human Rights in History. Harvard University Press.  . مؤرشف من الأصل في 17 أكتوبر 2012.
  48. "The Nobel Peace Prize 1977 - Amnesty International". The Nobel Foundation. مؤرشف من الأصل في 20 يوليو 2018.
  49. "The Nobel Peace Prize 2002 - Jimmy Carter". The Nobel Foundation. December 14, 2002. مؤرشف من الأصل في 11 أغسطس 2018.

موسوعات ذات صلة :