ثورة الشواف هي حركة قامت في العراق في مدينتي الموصل وكركوك ضد حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، بقيادة العقيد عبد الوهاب الشواف في شهر آذار من عام 1959م.[1]
أسباب الحركة
إن ثورة الشواف امتداد لثورة 14 تموز 1958م، وتعديل لمسيرتها التي أستطاع عبد الكريم قاسم بتأييد من الحزب الشيوعي العراقي الخروج عن مبادئها وذلك من خلال سيطرته على مقاليد الحكم وحصر كافة الصلاحيات الهامة بالمناصب التي كان يشغلها وهي منصب القائد العام للقوات المسلحة، ورئاسة الوزراء ووزير الدفاع، وحارب الأحزاب القومية والمعارضين لحكمه، وأرسل بعض القادة من الضباط إلى السجن، وأخذت توجه إليهم التهم المنوعة مثل: ( خائن، متآمر، عدو الشعب).
قضت حركة تموز 1958 على الحكم الملكي في العراق بسهولة ويسر نظرا للظروف التي أحاطتها، لهذا أعتقد الكثير من الضباط بأن القيام بثورة ضد النظام والإطاحة بهِ أمر سهل وميسور ومضمون العواقب بالقياس إلى انقلاب تموز 1958، ونتيجة لذلك أنظمت مجموعات كبيرة من الضباط إلى تنظيم الضباط الوطنيين وأبدت استعدادها التام للمساهمة في الإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم.
لقد كان في الحركة من منتسبي الجيش وكان فيها من جهة أخرى من التردد أكثر مما كان فيها من الإقدام. وفشلت في حينها لعدم دراسة طبيعة الظروف المحيطة.
نتائجها
وكان مع عبد الكريم قاسم كوادر الحزب الشيوعي العراقي التي شاركت الحكم معه منذ عام 1959م، وقامت بأعمال العنف في الموصل وكركوك على أعقاب حركة العصيان العسكري المسلح التي قادها العقيد عبد الوهاب الشواف والتي أحيل على إثرها الكثير من المشتبه بهم وبضمنهم قائد ثورة مايس عام 1941م ورئيس الوزراء الأسبق رشيد عالي الكيلاني، والذي تجاوز الثمانين من العمر، والعميد ناظم الطبقجلي ولقد زجهم مع المتهمين في محكمة الثورة المعروفة بمحكمة المهداوي، حيث أعلن الكثير من المتهمين أمام المحكمة التي نقلت مباشرة عبر أجهزة التلفاز بأنهم قد أهينوا أو عذبوا.
كما وصفت قيادات الحركة (محكمة المهداوي) بكونها محكمة "هزيلة"، وكانت تلك المحكمة العسكرية الخاصة العليا تقوم بمحاكمة اركان النظام الملكي ولقد جيء بآخرين ممن ليس لهم علاقة بمركز القرار واعدم الكثيرين لمجرد أنهم كانوا مسؤولين في النظام الملكي.
تلك الفترة من تاريخ العراق والتي تسمى بفترة السحل وتدهورت الأوضاع فيها لغاية أن المقدم فاضل المهداوي رئيس المحكمة يعلن أمام وسائل الإعلام عن الزهو بإعدام عبد الوهاب الشواف الذي قتل في غرفته بالمستشفى بعد أن نقل إليها إثر قصف مقره، مهدداً بأن الموت سحلاً سيكون مصير العصاة، وهذا ما شاهده الناس عبر شاشات التلفاز.
وتم إعدام رئيس التنظيم العقيد رفعت الحاج سري مع أصحابهِ الضباط أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين ونفذ حكم الإعدام يوم 20 سبتمبر 1959م، في ساحة أم الطبول.
ومن الشخصيات المهمة التي أتهمت بالخيانة، رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني والوزير أحمد مختار بابان، وتم إخلاء سبيلهما، نتيجة الضغوط الكبيرة من الخارج، وسافرا خارج العراق حال إطلاق سراحهما.[2]
مجزرة الدملماجة
بعد أربعة أيام من فشل ثورة العقيد عبد الوهاب الشواف اقتيد عدد من الشخصيات الموصلية الثقافية والنقابية والعشائرية والعسكرية وعددهم 17 فردا، بعضهم تم اقتياده من المستشفى وكان جريحاً، وحوكموا في محكمة شيوعية خاصة لهم في مبنى مدرسة الثانوية الشرقية وحكمت عليهم بالإعدام وكان بينهم سبعه من أبناء عشيره كشموله التي وقفت مع الحق في ذلك الوقت وعشائر اخرى له مكانه في الموصل وبعد ذلك نقلوا إلى موقع الدملماجة لتنفيذ حكم الإعدام بهم وهم كما يلي:
- مصطفى الشيخ خليل
- نوري الفيصل
- حامد السنجري
- داود السنجري
- عبد السنجري
- محمد خيري كشمولة
- إسماعيل الحجار
- هاشم الشكرة
- عبد الكريم محمود طه كشموله
- شيت محمد طه كشمولة
- عادل السيد خضر
- احمد الحاج بكر
- عبد الرزاق شندالة
- عقيل احمد ملا خليل
- فاروق ادريس كشمولة
- ادريس عمر كشمولة
- هاني الحاج بكر.
ونقلوا تحت حراسة فصيل الدفاع وعدد من أفراد المقاومة الشعبية بقيادة الملازم إبراهيم محمود العباس الملقب بإبراهيم الأسود على شكل أربع وجبات إلى منطقة شرق قرية نينوى في موقع يسمى ( عين ماء الدملماجة) بسيارة شرطة يقودها هاني هيونة.
ونظراً للإضاعة الأمر وكشف الجثث في منطقة الدملماجة ولتزايد المطالب الشعبية بالقصاص من القتلة، رضخت حكومة عبد الكريم قاسم لتشكيل المجلس العرفي العسكري الأول ببغداد في تاريخ 26 كانون الأول/ ديسمبر عام 1960 برئاسة الزعيم شمس الدين عبد الله، وعضوية كل من العقيد محمد نافع أحمد، والعقيد عبد الرزاق الجدة، وتم استجواب عدد من الجنود منهم: محمد حسين أبو ركيبة وأحمد صديق ملا بكر ونشأت عطا الله والجندي حسين جلعوط وسامي بشير ومحمود حسين جمعة، وكذلك شهادة عدد من المنتمين للمقاومة الشعبية وهم محمد سعيد احمد وعبد الله الصفو وفاضل محمد حسين والمفوض طه داود والسيد خضر محمد وعادل خضر واحسان علي ويونس أحمد ونايف سعيد ومظفر سليم واحسان علي ومصطفى النعيمي وعزيز قاسم وعلي عيد ونسة عزيز وملكية سعيد وخليل إبراهيم وناجية فتحي وجارالله يونس.
ويذكر الشاهد الجندي المتسرح حسين جلعوط تفاصيل المجزرة أمام الهيئة التحقيقية الذي يذكر إنه كان تحت أمرة الملازم مهدي حميد قائلاً: (انتقلنا إلى الثانوية الشرقية وهناك اجتمع بنا الملازم الأول الكردي وخاطبنا بقولهِ: (نحن فصيل الدفاع وهؤلاء الخونة الذين هم في التوقيف قد أمر الزعيم أن نرميهم، وبناء على أمر الزعيم لازم تذهبوا وترموهم وهذا أمر من الزعيم)، حيث أخرج هذا الملازم الكردي 17 شخصاً من غرفة التوقيف وقال خذوهم بمجاميع أربعة أربعة أفضل من أخذهم جميعاً وصعدنا بسيارة الشرطة إلى منطقة الدملماجة وأنزلناهم وبعد مسيرة قصيرة أطلق عليهم الملازم النار من الخلف وأعطى أمر الرمي وفعلاً أطلقنا النار وكنا نسمعهم يقولون: ( يا الله يا محمد)، وهكذا أستمرت الوجبات ومن ثم تم أمرنا بتغطيتهم بالتراب اخفاءاً للجريمة.
تبين من اللجنة التحقيقية المشكلة إن اغلبية الجلادين منتمين للحزب الشيوعي العراقي إضافة إلى عدد من الضباط الأكراد العنصريين حيث أصدرت المحكمة قرارها بتجريمهم والحكم عليهم بالإعدام وفقاً للفقرتين الثانية والثالثة من المادة 214 من قانون العقوبات البغدادي وهم: الرئيس المتقاعد مهدي حميد، وعدنان جلميران، والملازم الاحتياط إبراهيم محمود العباس الملقب إبراهيم الأسود، نائب العريف عزيز أبو بكر، شاكر اللهيبي، محمد عبد اللطيف، هاشم جاسم القصاب، يحيى سلمان أبو ريمة، محمود التمي، هاني مجيد هيونة، نائب العريف غازي خليل محيي الدين، ، نائب العريف سيدو يوسف، الجندي الأول عزالدين رفيق، الجندي عصمت بيرو، الجندي صالح احمد يحيي، الجندي جاسم محمد امين، الجندي رمضان احمد، الجندي يوسف إبراهيم، الجندي إسماعيل محمد، الجندي أنور درويش يوسف، الجندي عبد محمود يونس، الجندي ميكائيل حسن إسماعيل، الجندي شمعون ملك بكو، الجندي محمد شيت صالح، الجندي علي عمر بابكر، الجندي خضر شمو. وتم أيضا الحكم على المجرمين الهاربين عبد الرحمن القصاب، وعمر الياس، وعادل سفر، وعباس هيالة بالإعدام غياباً، وهم قيادة اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في الموصل. وتم ايضاً الحكم على محمد حامد شخيتم وبولص مراد والنائب الضابط محفوظ يونس، ومتى اسطيفان، وعبد الجبار مال الله بالإعدام. وتم أيضا اصدار قرار طرد الرئيس مهدي حميد من الجيش، وكذا تخفيض عقوبة الإعدام على 10 متهمين إلى الاشغال الشاقة، والحكم على خمسة متهمين بالسجن خمسة أعوام وعقوبات بسيطة أخرى.
واصدر القرار أيضا بتعويض أهالي الشهداء السبعة عشر بمبلغ 25 ألف و500 دينار ولقد تم حلاقة رأس المحكومين بالإعدام وأغلبهم من المنتمين للشيوعيين وأودعوا في السجن التابع لمبنى وزارة الدفاع في منطقة باب المعظم ريثما يتم تنفيذ أحكام الإعدام، ولكن حصلت بعض الضغوطات على عبد الكريم قاسم، حيث صادف وجود بعض المحكومين بالإعدام في قضية محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، فأعلن العفو تحت شعار ( عفا الله عما سلف ) وأطلق سراح المتهمين بمحاولة اغتياله وكذلك عفي عن جزاري مجزرة الدملماجة معهم.
وهكذا أعفي الجميع من أحكام الإعدام بقرار من عبد الكريم قاسم في كانون الأول 1961 بما سمي حينها ( يوم السلامة الوطنية )، وهكذا أفرج عن الجزارين من السجون بمكرمة منهُ.
وقد علقت صحيفة اتحاد الشعب وهي عن لسان الحزب الشيوعي العراقي، على أحداث الموصل الدامية في عددها الصادر في 13 آذار 1959 والذي نشره الكاتب صلاح الخرسان في كتابهِ (صفحات من تاريخ العراق السياسي الحديث) والذي ورد فيه: (علقت وسحبت جثث المجرمين القتلة في مدن الموصل وقراها وأنجلت المعركة فإذا بالعشرات من المجرمين الشرسين العتاة مدنيين وعسكريين صرعى في دورهم أو على قارعة الطريق في الموصل وتلعفر وعقرة وزاخو وفي كل زاوية)، وفي مقال آخر بتاريخ 16 آذار 1959م، نشر ضمن مذكرات العميد الركن المتقاعد جاسم كاظم العزاوي عن حركة 14 تموز 1958 جاء فيهِ: ( لنا من الأعمال البطولية في الموصل خبرة وافرة في سحق الخونة، إنَّ مؤامرة الموصل وسحقها وسحل جثث الخونة في الشوارع ستكون درساً قاسياً للمتآمرين وضربة بوجه دعاة القومية)، وهكذا تحول الصراع السياسي إلى صراع دموي رهيب واسع النطاق.[3]
مصادر
- مذكرات صبحي عبد الحميد - صبحي عبد الحميد - الدار العربية للموسوعات - 1989م.
- الثورة العربية الكبرى - قدري قلعجي - بيروت - الطبعة الأولى - 1993م.
- حركة الشواف أم مجزرة الموصل عام 1959 / خالد محمد الجنابي - تصفح: نسخة محفوظة 31 ديسمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- أسرار ثورة 14 تموز 1958م - صبحي عبد الحميد - الدار العربية للموسوعات - 1994م.
- صفحات من تاريخ العراق المعاصر - جارلس تريب - 2002م.