الجاهلية مصطلح إسلامي ورد في السور المدنية في القرآن، عن حياة الأمم قبل الإسلام، حيث يشير إلى الفترة التي سبقت الإسلام ويربطها بجهل الأمم من الناحية الدينية، وهو مفهوم ليس خاصاً بالعرب بل يشمل جميع الشعوب، قبل بعثة النبي محمد.[1]
الدلالة الدينية
ورد مصطلح الجاهلية في النص القرآني ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾[3:154] و ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[5:50] و "﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[33:33] و﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾[48:26].
الدلالة التاريخية
يطلق اصطلاح العهد الجاهلي على حال الأمم قبل الإسلام تمييزاً وتفريقاً مع العهد بعد البعثة النبوية وظهور الإسلام. فقد كان في الجاهلية يعبدون النار في بلاد فارس ويعبدون الأصنام في اليمن ويقدمون لها القرابين، وانحرفت اليهودية والنصرانية في شمال الحجاز والشام والحبشة، وغيرها من الأديان والملل المتفرقة هنا وهناك، وكان يسود الحكم الجبري المطلق، حتى جاء الرسول محمد برسالة الإسلام لينتشل الأمم من هذه الحالة، فراسل ملوك الحبشة وفارس والروم ودعاهم إلى دين الله، ليحررهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
حال الأمم في الجاهلية
اجتماعيا
كانت الحياة الاجتماعية تختلف من بلد إلى آخر، فقد ترسخت العبودية في بلاد فارس من خلال تأليه الحاكم، وكان المجتمع الفارسي مقسماً إلى سبع طبقات، أدناها كانت طبقة عامة الشعب ولم تكن لهم أية حقوق على الإطلاق، حتى إن الجنود كانوا يُربطون بالسلاسل في المعارك.
كان بعض أهل الحبشة واليمن يقتلون أبنائهم ويقدمونهم قرابين للأصنام، خوفاً من الفقر، وكان على الرجل في الحبشة يجمع كبار قومه أدباً ونسباً لزوجته حتى تلد له ولد يكون وارثاً لكل صفات الجمال والكمال التي يحملها أولئك الرجال.
وكانت بلاد الروم من أشد المجتمعات انحطاط وقذارة، فكانوا يشربون الدم وابوال البهائم ويأكلون الروث ولحوم البشر، وينتشر فيهم نكاح المحارم ومضاجعة البهائم ولا يتطهرون من جنابة ولايعرفون الحمامات، وكانت كنائس أوروبا تنظر إلى الأستحمام كأداة كفر وخطيئة، وكانوا يأكلون خراء قساوستهم ويخلطونه في طعامهم، ولا يغيرون ثيابهم الا بعد أن تتسخ وتفوح منها روائح كريهة، وكانوا ملوكهم يتبولون واقفين على الحيطان، ولم يكن لديهم حمامات، وكانت بلادهم ينتشر فيها الطاعون لشدة قذارتهم.
كان الروم يتميزون بوحشية مفرطة، سواء في حربهم أو حتى في لهوهم، فقد كان الملوك والوزراء يستمتعون بمشاهدة افتراس الحيوانات للعبيد، وكان المجتمع مقسوماً إلى طبقة الأحرار والسادة، وطبقة العبيد التي كانت تشكل ثلاثة أضعاف الاحرار من حيث العدد ولم تكن لهذه الفئة العريضة أية حقوق وإنما كان مصيرهم بيد أسيادهم.
أما وضع المرأة في مجتمع الروم فكانت محرومة من التعليم، وكان الرجل منهم يرث حتى زوجات أبيه، فقد شاعت في بلاد الروم في تلك الفترة عقيدة الزهد والإيمان بنجاسة الجسد، ونجاسة المرأة. حتى أنها شغلت بعض اللاهوتيين إلى القرن الخامس الميلادي، فبحثوا بحثا جديا في جبلة المرأة، وتساءلوا في مجمع ماكون هل هي جثمان بحت، أم هي جسد ذو روح، يُناط بها الخلاص والهلاك، وغلبت على آرائهم أنها خلو من الروح الناجية.
وكانت المرأة مهضومة حقها في العراق إذ كانوا يحرمونها من الميراث الذي هو حق شرعي لها، وكانوا يرغمونها على الزواج من فلان بعينه دون أن يعطوها حق الاختيار. وكان هذا سبب قيام معركة ذي قار.[2]
أما في شبه الجزيرة العربية، فكان في المجتمع العربي طبقات وبيوت ترى لنفسها فضلا على غيرها، وامتيازاً، فتترفع على الناس ولا تشاركهم في عادات كثيرة حتى في بعض مناسك الحج، فلا تقف بعرفات وتتقدم على الناس في الإفاضة والإجازة[3]، وتنسأ الأشهر الحرم، وكان النفوذ والمناصب العليا والنسيء متوارثاً، يتوارثه الأبناء عن الآباء، وكانت طبقات مسخرة وطبقات سوقة وعوام، فكان التفاوت الطبقي من مسلمات المجتمع العربي.
في الحجاز كان اغلبهم على الحنيفية دين إبراهيم، فكانوا يحرمون اكل الميتة والزنا والخمر، ويوجبون ختان الذكر والأنثى، وكانت تتم تخصية الزاني والعبد والمجنون. وكان لا يحق للرجل الجمع بين أكثر من زوجتين (أسوة بإبراهيم)، وكانت المرأة معززة مكرمة ترث الأموال، ويحق لها خلع زوجها الذي عافته ونفرت منه. وأحد الأمثلة على مكانة المرأة العالية قبل الإسلام خديجة بنت خويلد التي كانت تاجرة مرموقة في مكة، وكانت نتيلة النمر من النساء الوجيهات اللواتي تولين كسوة الكعبة. وقد كان المجتمع الحجازي والنجدي على السواء تتفشى فيه صفات النبل كالكرم والإجارة وغض البصر والغزل العفيف. [4]
من أمثلة ذلك قول الفارس المشهور عنترة بن شداد:
" | وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي .. حتى يُواري جارتي مأْواها
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ِ ماجدٌ .. لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها |
" |
وقول الصعلوك عروة بن الورد العبسي :
" | وإنْ جارتي ألوَتْ رياحٌ ببيتها .. تغافلت حتى يستر البيت جانبه | " |
دينيا
كان بعض أهل اليمن على الوثنية وبعضهم على اليهودية، وكان أهل فارس على المجوسية وأهل الشام على النصرانية وأهل العراق يدينون بالنسطورية وبعضهم صابئة، في حين كان أهل الحجاز على الحنيفية مثل ورقة بن نوفل وخديجة بنت خويلد وحرب بن أمية وبن ابي الصلت، وكان قلة من أهل الحجاز على اليهودية مثل قبائل قينقاع وقريضة والنضير. وقبيلة خزاعة التي مزجت اليهودية والوثنية، ومن أشهر أصنامهم اللات ومناة والعزى وهي أسماء لنساء صالحات، كان الوثنيون يعبدونها لاعتقادهم أنها تقربهم إلى الله لأن الله عظيم ويجب أن يكون هناك واسطة بين العبد وربه. فإذا كان الأولون يعترفون لله بالألوهية والربوبية الكبرى، ويكتفون بالشفعاء والأولياء، كان الآخرون يشركون آلهتهم مع الله ويعتقدون فيهم قدرة ذاتية على الخير والشر والنفع والضر والإيجاد والإفناء مع معنى غير واضح عن الله كإله أعظم ورب الأرباب.[5].
وكان أهل الحبشة على النصرانية، إلا أن الوثنية كانت متواجدة في بعض أنحاء الحبشة واليمن، والوثنية هي عبادة الأصنام والأوثان، وقد كان عدد من قبائل اليمن يعبدون بعض الظواهر الطبيعية كالشمس والقمر والنجوم والكواكب والنار، ومنهم من كان يعبد (الشعرى).
العصبية القبلية
- طالع أيضًا: عصبية قبلية
كانت العصبية القبلية هي مشكلة بعض القبائل، وكان أساسها جاهلياً تمثله الجملة المأثورة عن العرب: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"[6] فكانوا يتناصرون ظالمين أو مظلومين، وكان الثأر يستعر ليطيل مدة الحرب من شهور إلى سنوات، وكانت المعارك تشب بين بعض القبائل لمختلف الأسباب سواء الاقتصادية مثل داحس والغبراء وحرب حليمة أو للحماية من اللصوص كيوم السلان أو للشرف أو لدفع الظلم مما يولد حروبا مستمرة توقدها نار الثأر.
ملاحظات
قال الطاهر بن عاشور "الجاهلية صفة جرت على موصوف محذوف يقدر بالفئة [الجاهلية] أو الجماعة [الجاهلية] ، وربما أريد به حالة الجاهلية في قولهم أهل الجاهلية، وقوله تعالى {تبرج الجاهلية الأولى} ، والظاهر أنه نسبة إلى الجاهل أي الذي لا يعلم الدين والتوحيد، فإن العرب أطلقت الجهل على ما قابل الحِلْم، قال ابن الرومي :
بجهل كجهل السيف والسيف منتضى
وحلم كحلم السيف والسيف مغمد
وأطلقت الجهل على عدم العلم، قال السموأل : فليس سواءً عالمٌ وجهول، وقال النابغة : وليس جاهلُ شيءٍ مثلَ مَنْ عَلِما.
وأحسب أن لفظ الجاهلية من مبتكرات القرآن ، وُصِفَ به أهلُ الشرك تنفيرا من الجهل، وترغيبا في العلم، ولذلك يذكره القرآن في مقامات الذم في نحو قوله {أفحكم الجاهلية يبغون} و{ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} و{إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية} . وقال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول : اسقنا كأسا دهاقا، وفي حديث حكيم بن حزام : أنه سأل النبيء - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء كان يتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم، وقالوا : شعر الجاهلية، وأيام الجاهلية . ولم يسمع ذلك كله إلا بعد نزول القرآن وفي كلام المسلمين".[1]
المصادر
- الحنفاء قبل الإسلام - البروفيسور خليف
- ماذا خسر العالم بالجاهلية (1992). أبو الحسن الندوي. دار القلم: الصفاة، الكويت
- سورة البقرة آيه 199
- عامر بن الظرب/ الحنفاء قبل الإسلام ص 33
- راجع كتاب "بيئة النبي -صلى الله عليه وسلم- من القرآن، للأستاذ محمد عزت دروزة
- ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه المشهور " فتح الباري" نقلا عن المفضل الضبي أن أول من قالها جندب بن عنبر في الجاهلية