كتاب "جدار الحرية" للكاتبة الفلسطينية سمر حجازي، من منشورات "القلم المغربي".
جدار الحرية، كتاب مزدوج اللغة «عربية- فرنسية»، يضم بين دفتيه قصصاً قصيرة جداً، ترجمها الأستاذ حسن الغافل بن الطاهر إلى اللغة الفرنسية، ويقع الإصدار في أربعٍ وستين صفحة من الحجم المتوسط. وقد كتب تقديم هذا الكتاب مصطفى لغتيري، وجاء فيه: "من أرض فلسطين الشامخة تطل علينا القاصة سمر حجازي بندفها القصصية الحارقة، تخز أذهاننا وقلوبنا بدبابيس الجمال، فتوقظنا من استرخائنا، وتحفزنا على مشاركتها في لوعتها الجميلة، المتمثلة في نسج نصوص أدبية، صغيرة في حجمها، كبيرة في دلالتها، تشط بالخيال بعيدا، و تحرك في دواخلنا الرغبة في التماهي مع عوالم القاصة الأثيرة.. القصة القصيرة جداً عند الأستاذة سمر حيية خجلة ، لا تصدع بعواطفها وهواجسها دفعة واحدة، وإنما تعمد إلى رمي العبارة، ثم ترصها بقرينتها في اختزال ملحوظ، يشي بتمثل الكاتبة الواضح لطبيعة هذا الجنس الأدبي الوليد، الذي ما فتئ يكتسح المشهد الأدبي العربي من الماء إلى الماء، خالقاً لنفسه كتاباً و قرّاءً ونقاداً خاصين ومتميزين، واعداً نفسه والمعجبين به بمكانة يستحقها، يناضل – بلا هوادة- من أجل اكتسابها". تشتغل القاصة في هذه المجموعة على ثيمات بعينها ، تمنحها كثيرا من اهتمامها، لكنها أبدا لا تغفل الشكل، فالقصة هنا متكاملة شكلا و مضمونا، و كأنها خلقت مصبوبة في قالبها الخاص، الذي لا تبغي عنه بديلا ..فإذا كانت الأمور البسيطة أثيرة لدى القاصة تعض عليها بالنواجذ، فلم تبهرها القضايا الكبرى أو الإيديولوجيات السيارة، إذ نجدها منشغلة إلى أبعد الحدود بتلك الهنات الصغيرة، وتلك الابتسامات العابرة التي سرعان ما تضمحل، وتلك الأحاسيس العابرة التي تشبه انفراط العقد في قصة «العقد»، فتزرعها ورودا بعد أن تنزع عنها أشواكها، حتى لا تدمي إحساس القارئ، عكس تلك الورود التي نقرأ عنها في قصة» أشواك»..
تحليل
في النصوص التي تكتبها الأستاذة سمر حجازي ثمة دائماً أمل متوار خلف قسوة الحياة التي قد تعترض طريق الشخوص، أمل وإن كان زئبقياً في كثير من الأحيان إلا أنه حاضر من وراء حجاب ، نطل عليه من ثقب الحياة ، كما تفعل الأم التي تسترق النظر لابنها، طريح الفراش، في قصة "أمل".
لإعطاء نصوصها ملمحاً ناضجاً، تتعاطى الكاتبة مع لغتها بشكل احترافي، فهي تفكر في كل كلمة على حدة، وتنتقي أدوات الربط بما يتطلبه السياق وجمال العبارة، هذه الروابط التي غالباً ما تتجاهلها ، لتكسب جملتها القصصية خفة و رشاقة ، تلائم – إلى حد بعيد- جنس القصة القصيرة جداً. في كتابتها للنصوص تولي حجازي عناية خاصة لنهاية القصة، أو ما يصطلح عليه ب» القفلة « ، تتخيرها بتأن ملحوظ ، فتأتي -في الغالب الأعم- مكسرة لأفق انتظار القارئ ، وفاتحة للنص أبواب التأويل على مصاريعها، وتضمخ القصص بشاعرية محببة للنفس، كما أنها تكون دوماً بذرة واعدة لقصة جديدة، قد يعمد القارئ لكتابتها. لكل ذلك و غيره ، فلتلج أيها القارئ رحاب هذه الكبسولات القصصية، برغبة عميقة في المشاركة، واقتناص لذة الحكي، دون أن يفوتك الاهتمام بشكل القصص، فهو هنا شكل بنيوي، لا يكتمل فهمك للقصة دون أن تفكك دلالته القريبة والبعيدة، فالأشكال ليست دوما بريئة، خاصة عند الكاتبة سمر حجازي.