عصر أمراء الحرب هو فترة من تاريخ جمهورية الصين، وقد قُسمت إدارة البلاد في تلك الفترة بين الفرق العسكرية السابقة التابعة لجيش المحيط الشمالي وعدد من الفصائل المناطقية الأخرى بين عامي 1916 و1928.
في علم التأريخ، بدأ عصر أمراء الحرب عام 1916 عقب وفاة يوان شيكاي، الديكتاتور الذي حكم الصين بحكم الأمر الواقع بعدما أطاحت ثورة شينهاي بسلالة تشينغ وأسست جمهورية الصين عام 1912. خلق موت يوان فراغًا في السلطة شمل مناطق من بر الصين الرئيسي مثل سيتشوان وشانشي وتشينغهاي ونيغشيا وغوانغدونغ وغوانغشي وغانسو ويونان وشينجيانغ. بدأت حكومة الكومينتانغ القومية تحت قيادة سون يات سين، والتي اتخذت من غوانزو مقرًا لها، تحدي حكومة بيانغ التي أوجدها يوان، والتي اتخذت من بكين مقرًا لها بصفتها حكومة الصين الشرعية. اتسم عصر أمراء الحرب بالحرب الأهلية المستمرة التي نشبت بين الفصائل المختلفة، وكانت حرب السهوب الوسطى أكبر تلك الحروب، وانخرط فيها أكثر من مليون جندي.[1] انتهى عصر أمراء الحرب عام 1928 عندما تمكنت حكومة الكومينتانغ تحت قيادة شيانغ كاي شيك من توحيد الصين رسميًا إثر الحملة الشمالية التي شنتها، فبدأت فترة عُرفت باسم عقد نانجينغ. استمر بعض أمراء الحرب بغرض تأثيرهم خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ما شكّل معضلة للحكومة القومية خلال الحرب اليابانية الصينية الثانية والحرب الأهلية الصينية.
اصطلاح
في أوائل القرن العشرين، استُخدم مصطلح «جون فا» في الصين لوصف الأحداث التي تلت انتفاضة ووتشانغ عام 1911 وثورة شينهاي، عندها قاد الزعماء والقادة المناطقيون ميليشياتهم الخاصة لقتال الدولة والتنافس ضد القادة الآخرين من أجل فرض سيطرتهم على الأراضي، فبدأت فترة في الصين عُرفت باسم عصر أمراء الحرب الحديث.[2][3] يُستخدم مصطلح «جون فا» حاليًا لوصف زعماء الجيوش المناطقية الخاصة التي استخدمت العنف –أو هددت باستخدامه– من أجل توسيع سلطتها السياسية وكسب المزيد من الأراضي، ويشمل ذلك كلّ تاريخ الصين، حتى أولئك القادة الذين برزوا لتزعم وتوحيد ممالك بأكملها.
الأصول
تعود أصول الجيوش والقادة الذين هيمنوا على السياسة بعد عام 1912 إلى الإصلاحات العسكرية التي أجرتها سلالة تشينغ المتأخرة. فخلال تمرد تايبينغ (1850–1864)، اضطرت سلالة تشينغ إلى السماح للحكام المحليين بتجنيد جيوشهم الخاصة، وعُرفت تلك الجيوش المناطقية باسم يونغ يينغ، والهدف منها هو قتال متمردي تايبينغ: لم يُحل معظم تلك القوات المناطقية بعد إخماد تمرد تايبينغ، كجيش هواي مثلًا التابع للجنرال والسياسي لي هونغجانغ.
ركز أمراء الحرب على الروابط القوية والعلاقات العائلية والتعامل المحترم مع الجنود.[4] فلم يجر نقل الضباط مثلًا، وكان القادة مسؤولين عن اختيار الجنود بعناية، أما القادة فيجري اختيارهم أيضًا من طرف الجنرالات، لذا تشكلت روابط ولاء شخصية بين الضباط المحليين والجنود، وذلك على عكس الجيش النظامي الأخضر أو جيش الرايات الثمان. لم ينجم عن تلك الإصلاحات العسكرية خلال الفترة المتأخرة من حكم سلالة تشينغ تأسيس أي جيش وطني، وفي المقابل، أدت الإصلاحات إلى تحريك الجيوش والميليشيات المناطقية التي لم تكن نظامية ولا منسجمة مع بعضها.[5] أبدى الضباط ولاءهم للمسؤولين الأعلى رتبة، وشكلوا فرقًا عسكرية ترتكز على الموطن الأصلي للجنود وخلفياتهم. تألفت الكتائب من رجال انتموا لنفس الإقليم. هدفت تلك السياسة إلى تقليص سوء التواصل بين الجنود ذوي اللهجات المختلفة، لكنها جلبت أثرًا جانبيًا تمثل بتشجيع الميول المناطقية.
لم يُعتبر الحكام الذين جاؤوا بعد تمرد تايبينغ أسلافًا مباشرين لأمراء الحرب، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار سلطتهم العسكرية المدنية والسلطات التي يمتلكونها والأكبر، نوعًا ما، من سلطات الحكام السابقين، فيمكن القول أنهم وفروا نموذجًا عن الزعماء المناطقيين في عصر الجمهورية الصينية. شكّلت تجزئة السلطة العسكرية الناجمة عن فقدان سلالة تشينغ المتأخرة لقوة عسكرية موحدة، وتفاقم الوضع جراء بروز العصبية المحلية خلال التمرد، عاملًا قويًا وراء انتشار أمراء الحرب. وبعيدًا عن العواقب المالية والإدارية، بدا أن حكومة سلالة تشينغ المتأخرة اعتمدت على هذه البنية العسكرية المنقسمة للحفاظ على الهيمنة السياسية.[6]
دُحرت الكونفوشية التي تزدري الحكومات العسكرية جراء تزايد الحاجة إلى المهارة العسكرية، فجرت «عسكرة» المعلمين الدينيين بشكل ضخم، وصعد الكثير من الضباط الذين لم ينتموا لخلفيات علمية دينية إلى مناصب عليا من القيادة، بل حتى وصلوا إلى مناصب رفيعة في البيروقراطية المدنية. في تلك الفترة، استحوذ الجيش على الخدمة المدنية.[7] تأثر الصينيون بالأفكار الألمانية واليابانية الداعية إلى الهيمنة العسكرية على الأمة، وبالإضافة إلى غياب الوحدة الوطنية بين الفرق العسكرية المختلفة في صفوف الضباط، حصل انقسام في السلطة خلال عصر أمراء الحرب.[8]
كان جيش بيانغ (جيش المحيط الشمالي) تحت قيادة يوان شيكاي أقوى جيش مناطقي، وحصل أفراده على أفضل تدريب وأحدث الأسلحة.[9] جلبت ثورة شينهاي عام 1911 تمردًا واسطع النطاق في جنوب الصين. بدأت الثورة في شهر أكتوبر من عام 1911 جراء تمرد بعض الجنود المتمركزين في ووهان. فبدأ الجنود الذي كانوا موالين لحكومة تشينغ بالتمرد والانشقاق والانضمام للمعارضة. أسست تلك القوى الثورية حكومة مؤقتة في نانجينغ في العام التالي تحت قيادة الدكتور سون يات سين، وهو الذي عاد من منفاه بعد مدة طويلة ليقود الثورة. أصبح من الواضح أن الثوار لا يملكون القوة الكافية لهزيمة جيش المحيط الشمالي، وأن الاستمرار بالقتال سيؤدي حتمًا إلى الهزيمة. فبدلًا من ذلك، خاض سون يات سين مفاوضات مع قائد جيش بيانغ، يوان شيكاي، لوضع حد لسلالة تشينغ وتوحيد الصين. في المقابل، على سون التنحي عن الرئاسة وترشيح يوان لمنصب رئيس الجمهورية الجديدة. رفض يوان الانتقال إلى نانجينغ وأصر على إبقاء العاصمة في بكين، حيث كانت قاعدة سلطته محمية.
ثارت المقاطعات الجنوبية في عام 1913 ردًا على سلطوية يوان المتزايدة، لكن الثورة قُمعت بشدة على يد قوات بيانغ. استُبدل الحكام المدنيون بحكام عسكريين. في شهر ديسمبر من عام 1915، أوضح يوان نيته بتبوأ منصب إمبراطور الصين وخلْق سلالة جديدة. ثارت المقاطعات الجنوبية مجددًا في حرب الحماية الوطنية، لكن الوضع كان جديًا هذه المرة لأن معظم قادة بيناغ رفضوا الاعتراف بالملكية. تراجع يوان عن مخططاته الهادفة إلى استعادة الملكية ليستعيد ثقة مساعديه، لكن عندما توفي في شهر يونيو عام 1916، كانت الصين محطمة سياسيًا. استمر الانقسام الشمالي–الجنوبي خلال عصر أمراء الحرب.
نظام أمراء الحرب السياسي
خفّض يوان شيكاي الإنفاق المالي على الكثير من المؤسسات الحكومية بدءًا من عام 1914، فعلّق البرلمان في البداية، ثم علّق المجالس الإقليمية. استقال المجلس الوزاري بعد فترة قصيرة، فأصبح يوان عمليًا ديكتاتور الصين.[10] بعدما اقتطع يوان شيكاي الكثير من الحريات الأساسية، وقعت البلد على الفور في الفوضى ودخلت فترة أمراء الحرب. «لم يستبدل أمراء الحرب القوة العسكرية للعناصر الأخرى من الحكومة، وبالكاد أدى بروزهم إلى تغير توازن القوى. نتج التحول في ذاك التوازن، بشكل جزئي، عن تفكك صلاحيات وقيم الحكومة المدنية التقليدية في الصين». بمعنى آخر، برز خلال عصر أمراء الحرب تحول ذو طابع خاص من البيروقراطية المدنية المهيمنة والتي تمارسها سلطة مركزية إلى حضارة عسكرية هيمنت خلالها الجماعات العسكرية المختلفة، فانتقلت السلطة من أمير حرب إلى آخر.[11]
مقالات ذات صلة
المراجع
- Min, Mao (2017). The Revival of China, Volume 1. CreateSpace Independent Publishing Platform. صفحة 126. .
- Waldron, Arthur (1991). "The warlord: Twentieth-century Chinese understandings of violence, militarism, and imperialism". American Historical Review. 96 (4): 970–1022.
- "Chinese Warlordism – Bibliography". science.jrank.org. مؤرشف من الأصل في 21 أغسطس 201907 مايو 2016.
- Maochun Yu, "The تمرد تايبينغ: A Military Assessment of Revolution and Counterrevolution", in A Military History of China 149 (David A. Graff & Robin Higham eds., 2002)
- Kwang-ching Liu, Richard J. Smith, "The Military Challenge: The North-west and the Coast", in John King Fairbank; Kwang-Ching Liu; Denis Crispin Twitchett, المحررون (1980). Late Ch'ing, 1800–1911. Volume 11, Part 2 of The Cambridge History of China Series (الطبعة illustrated). Cambridge University Press. صفحات 202–203. . مؤرشف من الأصل في 24 مارس 202018 يناير 2012.
- Edward A. Mccord (1993). The Power of the Gun The Emergence of Modern Chinese Warlordism. Berkeley, Calif: UNIVERSITY OF CALIFORNIA PRESS. صفحات 29, 39, 44.
- John King Fairbank; Kwang-Ching Liu; Denis Crispin Twitchett, المحررون (1980). Late Ch'ing, 1800–1911. Volume 11, Part 2 of The Cambridge History of China Series (الطبعة illustrated). Cambridge University Press. صفحات 540–542, 545. . مؤرشف من الأصل في 24 مارس 202018 يناير 2012.
- John King Fairbank; Kwang-Ching Liu; Denis Crispin Twitchett, المحررون (1980). Late Ch'ing, 1800–1911. Volume 11, Part 2 of The Cambridge History of China Series (الطبعة illustrated). Cambridge University Press. صفحة 547. . مؤرشف من الأصل في 24 مارس 202018 يناير 2012.
- Patrick Fuliang Shan, Yuan Shikai: A Reappraisal (The University of British Columbia Press, 2018, (ردمك ))
- Fairbank, Reischauer, Craig, John, Edwin, Albert (1978). East Asia: Tradition and Transformation. Boston: Houghton Mifflin Company. صفحة 754. .
- Roberts, J. A. G. (1989). "Warlordism in China". Review of African Political Economy. 45/46 (45/46): 26–33. JSTOR 4006008.