سوسيولوجيا المعرفة العلمية: في الربع الأخير من القرن العشرين، أصبح موضوع علم اجتماع العلم يشغل حيزا كبيرا في التفكير السوسيولوجي على نحو شبه منتظم. وقد جاء تأخر الاهتمام بميدان سوسيولوجيا العلم، كنتيجة طبيعية لتعثر البحث في سوسيولوجيا المعرفة بصفة عامة، خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. وعلى الرغم من تزايد الاهتمام بسوسيولوجيا العلم بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن الأفكار المطروحة في هذا الميدان، وكما يرى بارنيز هي أفكار لم تتجاوز المستوى السطحي، ولم يتم دعمها بأبحاث امبيرقية عميقة، وأول عمل علمي منظم في هذا الخصوص، هو ما قدمه روبرت ميرتون عام 1973، إلا أن العديد من المهتمين بسوسيولوجيا العلم، لم يتقبلوا الكثير من أفكار ميرتون، حيث يذهب بورديو، إلى أن [[التحليل السوسيولوجي للعلم كما مارسه ميرتون، يقوم بتبرير اللامساواة العلمية، فهو يرى أن توزيع الجوائز والمنح يتلاءم مع العدالة العلمية، لأن المجال العلمي يوزع الحصص على العلماء وفقا لدرجة استحقاقها. وعليه فإن ميرتون يرى الحقل العلمي مثاليا وخاليا من الصراع|التحليل السوسيولوجي للعلم كما مارسه ميرتون، يقوم بتبرير اللامساواة العلمية، فهو يرى أن توزيع الجوائز والمنح يتلاءم مع العدالة العلمية، لأن المجال العلمي يوزع الحصص على العلماء وفقا لدرجة استحقاقها.]]
تطور ونقد
[[التحليل السوسيولوجي للعلم كما مارسه ميرتون، يقوم بتبرير اللامساواة العلمية، فهو يرى أن توزيع الجوائز والمنح يتلاءم مع العدالة العلمية، لأن المجال العلمي يوزع الحصص على العلماء وفقا لدرجة استحقاقها. وعليه فإن ميرتون يرى الحقل العلمي مثاليا وخاليا من الصراع|وعليه فإن ميرتون يرى الحقل العلمي مثاليا وخاليا من الصراع]]، ولذلك فقد تعرض النموذج الأمريكي لسوسيولوجيا العلم الذي تطور على يد ميرتون وأتباعه للتفنيد والنقد، في إطار حركة نقد واسعة للبنائية الوظيفية، على وجه العموم، ومن أهم نقاد هذا النموذج الأمريكي : بيرى بارنيز B. Barnes، وديفيد بلور D. Bloor، وهاري كولنز H. Collins، وبيير بورديو P. Bourdieu.
ولم يعد علم اجتماع العلم بعد ميرتون – وبفضل الأوربيون- يهتم بفكرة الاستقرار في المجال العلمي المبني على فكرة الحوافز، بل أصبح ينتقدها من حيث هي فكرة محافظة لا تمثل إلا جزء من الواقع [[وأصبح الاهتمام ينصب على الأفراد بوصفهم فاعلين نشطين، وأصبح التركيز منصبا على هذا النشاط الإنساني بهدف فهمه وتفسيره، ويتوازى مع هذا الاهتمام، اهتمام آخر بقضية التغير، وكيف تؤدي النماذج العلمية المختلفة دورها في التغير الاجتماعي والثقافي بصفة عامة]] ، ولكن القفزة الحقيقية في سوسيولوجيا العلم لم تحدث إلا بفضل إسهامات توماس كون، ويقر بذلك، أهم المنظرين في سوسيولوجيا العلم في المرحلة الراهنة، حيث يذهب كل من بيرى بارنيز وديفيد بلور وجون هنري، إلى أن كتابات توماس كون تعتبر :
[[علامة فارقة في سوسيولوجيا العلم، لأن تفسيره للعلم، يمكن استخدامه مباشرة كنموذج قياسي في علم اجتماع العلم، ودون حاجة لتحليله أو إعادة قراءته]]، كما يقر بيير بورديو بفضل الأفكار التي طرحها توماس كون، بقوله : إنني أنسب الفضل لتوماس كون، في أهم جزء قدمته فيما يتعلق بمنطق الممارسة والديناميات التي تحتويها.
ويقدم توماس كون نظرية في الممارسة العلمية تثير أكثر الأسئلة إشكالية بالنسبة لسوسيولوجيا العلم، والمتعلقة بالتغير، كيف يحدث وما هي آلياته، وما هي الشـروط التي ينشأ فيها العلم الجـديد أو النموذج الجديد، وما هي التأثيرات الخارجية المفروضة على المجال العلمي، وقد تكفل توماس كون بالإجابة على بعضها، ويظل البعض الآخر محلا للدراسة في ميدان سوسيولوجيا العلم في المرحلة الراهنة.
وتعتبر العلاقة بين النموذج القديم ونقيضه الجديد، من أوضح الأفكار التي قدمها كون لدراسة التغير داخل المجال العلمي، ويصفها كون بأنها علاقة التوتر الجوهري The essential tension ولأهمية هذه العلاقة جعلها كون عنوانا رئيسيا لأحد مؤلفاته المنشورة عام 1977. فالعلم التقليدي، يقدم للمشتغلين به قائمة بالمعايير المطلوب إتباعها لحل الألغاز، وطالما يستطيع النموذج حل المعضلات فإنه يستمر في الوجود، ولكن كيف يتقدم العلم إذن ؟ يحدث ذلك بسبب التوتر الذي ينشأ عندما تفشل المعايير السائدة في حل لغز علمي، ويطلق على هذا اللغز في البداية (لغز شاذ) ورويدا.
رويدا تدخل هذه الألغاز في تناقض صريح ومكشوف لا لبس فيه مع المبادئ الأساسية لمعتقدات العلم القائم، وعندما تنضم الألغاز الشاذة في حزم معرفية ذات معايير جديدة، يولد النموذج الجديد. ولكن هذه الألغاز الشاذة ما كان يمكن التعرف عليها إلا في إطار العلم القياسي، ومع أنها تمثل بذرة علم جديد، إلا أنها تنمو على أرض العلم التقليدي، وتعاني مخاض صعب، حتى تنبت هذه البذرة، هذا المخاض هو التوتر الجوهري بين القديم والجديد.
وبالمثل فإن بورديو يقدم إعادة قراءة لمقولة التوتر بين العلم الثوري والعلم التقليدي التي قدمها كون وينتهي بورديو إلى أن هذا التوتر، ناشئ من أن العَالِم المُجَدِدْ، لا ينطلق مهما كانت أصالته وإبداعاته من لاشيء، وليس أمامه إلا العلم التقليدي نقطة للانطلاق، ثم القطيعة معه، ليتأسس نموذج جديد، وبتعبير بورديو فالعالم الثوري هو بالضرورة شخص ما يمتلك رأسمال علمي تقليدي هو الثمن المدفوع مقدما لدخول المجال العلمي (6) مما سبق يتضح أن سوسيولوجيا العلم، قد خرجت من عباءة سوسيولوجيا المعرفة، ويرجع فضل التأسيس إلى ميرتون، بينما ازدهار وتطور هذا الفرع قد تم على يد مجموعة من العلماء الأوربيين، وعلى رأسهم بيير بورديو، وقد تأثرت سوسيولوجيا العلم ما بعد ميرتون، بنظرية توماس كون بدرجة عميقة.
وقد انتهى بيرى بارنيز وديفيد بلور وجون هنري إلى أن "موضوع سوسيولوجيا العلم هو وصف البحث العلمي كفعل، وفهم المعرفة العلمية بوصفها متضمنة في هذا الفعل ومنتجة بواسطته... وأن البحث العلمي : هو ما يقوم به جماعة الباحثين، وليس المقصود البحث الفردي، فعلم الاجتماع يهتم بما يقوم به الناس بشكل جمعي، ويهتم بكيفية هذا الفعل الجماعي وأهدافه وعواقبه". وأصبح البحث العلمي نشاط اجتماعي مرتبط بالأفعال والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية والجماعات والتجمعات العلمية.
المراجع
(1)Barry Barnes (et.al)(1996), Scientific Knowledge – A Sociological Analysis,Chicago, The University of Chicago Press, P114. (2)Pierre Bourdieu, (2004), Science of Science and Reflexivity, Translated by Richard Nice, Chicago, The Chicago university Press, P.13. (3)Barry Barnes (et.al)(1996), Scientific Knowledge – A Sociological Analysis, Op.Cit, P. 114. (4)Ibid. P. 112 (5)Pierre Bourdieu, (2004), Science of Science and Reflexivity, Op.Cit, P. 15. (6)Ibid.p. 15 (7)Barry Barnes (et.al)(1996), Scientific Knowledge – A Sociological Analysis, Op.Cit, P.110