الرئيسيةعريقبحث

غنوصية

تسمية لمجموعة افكار

☰ جدول المحتويات


الغنوصية أو العرفانية أو المعرفية (Gnosticism)‏ هي مصطلحات حديثة تطلق على مجموعة من أفكار ومعارف من الديانات القديمة التي انبعثت من المجتمعات اليهودية في القرنين الأول والثاني الميلاديين. وبحسب تفسيرهم للتوراة، اعتبر الغنوصيون (أو العرفانيون) أن الكون المادي هو انبثاق للرب الأعلى الذي وضع الشعلة الإلهية في صلب الجسد البشري. ويمكن تحرير أو إطلاق هذه الشعلة عن طريق معرفتها، أي "أغنصتها".[1]

انتشرت الأفكار الغنوصية في محيط البحر المتوسط في القرن الثاني الميلادي متأثرة بأفكار الحركة المسيحية الأولى وبنظريات الأفلاطونية الوسطى. وبدأ انتشار الغنوصية إلى الإضمحلال من دون أن تغيب وتحولت إلى عامل مؤثر غير مباشر للثقافة الغربية التي ظهرت ببزوغ النهضة والباطنية الغربيتين وبرزت شهرتها في الروحانية الحديثة. انتشرت الغنوصية في زمن الامبراطورية الفارسية حتى ظهرت في الصين على شكل الديانة المانوية وفي العراق بشكل الديانة المندائية.

والإشكال الأساسي الأكاديمي الذي يواجه الغنوصية هو ماهيتها، أهي ظاهرة عابرة لديانات متعددة أم هي ديانة بحد ذاتها؟

التسمية

الأغنوصية هي تعريب لمصطلح (Gnosticism) الإنكليزي والذي يعود لكلمة  γνωστικός (غنوستسكوس) اليونانية والتي تعني "ذوي المعرفة". اختلف العرب في ترجمتها إلى العربية ومن المصطلحات الرديفة: "العرفانية" ، "المعرفية" و الغنوصية" ،"الروحية"، "الأدرية"، "مذهب العرفان" و"الإدراكية".[2] ومن أشهر ما اتبعها في العالم العربي هم الدروز الذين يسمونها بـ"العرفان".

والمعنى الحرفي لكلمة "غنوسس" اليونانية هي "المعرفة الشخصية المستقاة من الخبرة النفسية". أما المعنى بالمفهوم الديني فهو: "المعرفة الروحية المبنية على العلاقة مع الله". إن الصلاح والخلاص في معظم الأفكار الغنوصية هو "المعرفة بالله". وهذه المعرفة هي المعرفة الداخلية للانسان وهي تختلف عن مفهوم المعرفة الأفلاطونية المحدثة التي تدعوا للمعرفة الخارجية وعن المفهوم المسيحي الأرثوذكسي الأول.[3] أما المعنى التقليدي لكلمة "غنوستيكوس" اليونانية فهو "المتعلم" أو"المفكر" بحسب ما ظهر في أعمال أفلاطون. وفي العصر الهليني، اصبحت ترمز للمتعلم أو المثقف المسيحي بشكل خاص.[4] واصبح للكلمة معنى ومفهوم سلبي هرطقي بعد الأعمال والأفكار التي ترجمها إيرينيئوس.

البدايات

هناك اختلاف كبير حول بدايات الأفكار الغنوصية. يعتقد أن المجموعة المسيحية التي دعيت بالغنوصية هي من ابتدأت بطرح الأفكار. لكن الأبحاث الأكاديمية الحديثة تشير إلى أن البدايات تعود إلى البيئة اليهودية المتزمتة وإلى طوائف العهد المسيحي الأول.[5][6][note 1][7] هناك دلائل إلى أن الغنوصية نشأت في الإسكندرية وتعايشت مع المسيحية الأولى حتى القرن الرابع الميلاد. وسبب شيوع الفكرة هو عدم وجود التنظيمات الكنسية في ذلك الزمن مما سمح بدمج أفكار جديدة مع معتقدات وأفكار قديمة لخلق معتقدات جديده وهذا ما لا تسمح به المؤسسات الكهنوتية والدينية المنظمة. ولهذا، يفرق الباحثون بين "الغنوص" (Gnosis) والتي يستعملونها في دراسة الغنوصية الأولى وبين "الغنوصية" (Gnostism) التي ترمز عندهم إلى الفرق الغنوصية المنظمة التي انبزغت في القرن الثاني الميلادي.[8] لا يمكن البت بشكل قاطع عن صحة بدايات الغنوصية لعدم وجود أي نصوص ترجع إلى ما قبل المسيحية.[9][note 2]

البدايات اليهودية المسيحية

لدى الباحثون المعاصرون قناعات ثابتة بأن الغنوصية نشأت في أوساط يهودية الغير كهنوتية أو بين المسيحيين اليهود الأوائل في القرن الأول الميلادي.[5][6][note 3] من هذه الدلائل أن آباء الكنيسة المسيحية الأولى أشاروا لرؤساء الفرق الغنوصية بالمسيحيون اليهود كما اعتمد الغنوصيين الأوائل المصطلحات اليهودية وأسماء ألهة اليهود[10] وبخاصة من أدب "قصور السماء" اليهودية[11] ومن المفارقات أن بعض الباحثين، مثل غيرشوم شوليم، اعتبر الغنوصية أهم قضية ميتافيزيقية ضد اليهود[12] بينما اعتبرها الباحث ستيفن بايمي نوع من أنواع معاداة السامية.[13]

بدأت الغنوصية المسيحية بشكل واضح مع تباشير بولص الرسول ويوحنا وبخاصة عندما تناولوا الفرق بين الجسد والروح، قيمة الكاريزما، وتجريد الشريعة اليهودية من الأهلية. ففي هذه الحقبة، اعتبر أن الجسد هو مادي يفنى بينما الروح فهي أبدية يمكن خلاصها. وبدأت معهم تأخذ فكرة الغنوصية معاني مهمة وعميقة.[14] وتعتبر الإسكندرية منشأ الاغنوصية بسبب تزاوج العديد من الثقافات فيها منها المسيحيون اليهود والإغريق كما انتشرت فيها مختلف الطروحات الفكرية والمعروفة في ذلك الزمن مثل القيامة اليهودية وطروحات الحكمة الربانية والفلسفة اليونانية والديانات الهيلينية السرية.[14]

مؤثرات الأفلاطونية المحدثة

في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ظهرت بعض الدراسات التي ربطت بين الغنوصية والطروحات الأفلاطونية المحدثة. كما استعملت الغنوصية العديد من الأفكار الافلاطونية ومصطلحاتها كما اعتمدوا مباديء الفلسفة اليونانية مثل الآقنوم (الواقع، الوجود)، الموجودية (الجوهر، الماهية، الكينونة) والخالق (الرب خالق الكون). كما تأثرت بالبلاطونية الوسطى والبيثاقورية المحدثة التي اعتمدتا مبداد مصالحة العقائد القديمة مع المكتشفات الحديثة وحتى تطويرهم ليصبحوا وحدة واحدة.[15] وهذا ما رفضته الافلاطونية المحدثة.

مؤثرات فارسية

اشار الباحثون الاكاديميون، منهم ويلهيم بوسيت (1865-1920) وريتشارد رايتجنستين (1861-1931) في أوائل القرن العشرين إلى امكانية نشؤ الفكر الغنوصية كتزاوج لمعتقدت بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين مع الفكر اليهودي.[16] الا أن هذه الطروحات رُفضت من قبل كارستن كولبي الذي أثبت عدم صحتها.[17] وعرض جيو ويدينغرين فكرة أن للغنوصية الزردشتية جذور في الثقافة الأرامية في بلاد ما بين النهرين.[18]

أوجه التشابه مع البوذية

في عام 1966، بيّن ادوارد كونز، باحث في البوذية، عن وجود تشابه ظاهري بين الغنوصية والبوذية مبنيا أبحاثه على ابحاث اسحاق جاكوب شميت (اسحق يعقوب الحداد).[19][note 4] ،لكن يرفض الباحثون المعاصرون لهذه الفرضيات. من دون احتمالية حدوثها.[23]

خصائص الغنوصية

علم الكونيات

تعتقد المرويات المصرية الشامية عن وجود أله أعظم يسمى "موناد" أو الواحد الذي ينبثق عنه ألهة دنيا تسمئ "أيون". آحد هذه الأيونات هو "ديميروج" خالق الكون المادي. وعندما "تسقط" بعض العناصر الالهية تحتجز في جسد البشر. وتعود هذه العناصر إلى العلي مرة أخرى عندما يصل الجسد إلى إدراك هذه العناصر بصورة بديهية، أي بغنوصية.

الثنائية والتوحيد

تتفاوت طروحات الغنوصية بمفهوم ثنائية الوجود بين الله والعالم[24] بمستاويات متفاوتة ما بين الثنائية الأصولية الراديكالية المتبعة في ألمانية حيث الثنائيتان متساويتا السلطة وبين "الثنائية الملطفة" التي اعتمدتها الغنوصية التقليدية حيث لكل ثنائية سلطة متفاوتة وتقترب للتوحيد. ومن هنا تبدو الغنوصية الفلانتينية مبدأ توحيديا يستخدم مفردات ثنائية.

الممارسات الشعائرية والأخلاقية

تعتنق الغنوصية المباديء الزهدية وبخاصة في طقوسهم الجنسية والغذائية.[25] الا أن زهدهم يقل في المسائل الأخلاقية الأخرى، حيث يترك حيز لأخذ القرار بحسب الدوافع الداخلية.[note 5]

مفاهيم الغنوصية

الواحد الأحد (الموناد)

يسمى الإله الواحد الغنوصيين بـ"الموناد"، الواحد الأحد، وهو علة الملاء الأعلى التي هي منطقة النور. وتسمى انبعاثاته أو فيضه إلإلهي بـ"الإيون"، أي الدهر.

الملأ الأعلى (بليروما)

تسمى القدرة الكاملة لله عند الغنوصيين بـ"بليروما"، أي الملاء الأعلى، والتي هي مركز الحياة اإلهية ومنطقة النور التي تتخطى عالمنا والتي يقيم بها مخلوقات روحية مثل الإيون (المخلوقات الأبدية) وبعض الأرشون (خدم الخالق المادي الذين يتصلون بالبشر). ويعتقد البعض أن المسيح هو من الإيون الذي أرسل من الملاء الأعلى إلى الأرض ليدل البشر على إعادة اكتشاف المعرفة التي تعيدهم إلى المعرفة الإلهية المفقودة.

الفيض

يعتقد الغنوصيون بأن النور الألهي يفيض تنازليا عبر سلسلة من المراحل والتدرجات والعوالم والأقاليم ليصبح ماديا. ثم يعاود التتابع بشكل عكسي ليعود إلى الواحد الأحد عن طريق التأمل والمعرفة الروحية.

المخلوقات الأبدية (الإيون)

المخلوقات الأبدية، الإيون، عند الغنوصيون هم من فيض الواحد الأحد الذين يتكاثرون بالتتالي كجوزين من الفيض، السالب والموجب أو المذكر والمؤنث.[26] وبحسب النصوص، وصل عددهم إلى ثلاثون مخلوق.[27] ومن أمثلة زوجي المخلوقات الأبدية: المعرفة (وهي قرين المسيح) وروح القدس (أي الحكمة).[28]

الحكمة (صوفيا)

تعتبر الحكمة هي أدني مستويات فيض الواحد الأحد ومنها وجد خالق العالم المادي، ديميورغي، والمسؤول عن خلق العالم المادي.

خالق العالم المادي (ديميورغ)

الديميورغ، عند الغنوصيين، هو فيض من الحكمة وهو المسؤول عن خلق الكون المادي والشكل المادي للبشر.[29] الذي بدوره يخلق عدد من الأزواج المساعدة التي تترأس مهام مادية مختلفة من الخلق والتي من أدوارها أن تضع العقبات امام البشر لمنعهم من العودة إلى المعرفة الربانية. من أسمائه المتداولة عبر الثقافات أسماء: سمئيل (الإله الأعمى)، سكلاس (المعتوه)، أهريمان ، ئيل، الشيطان و يهوه.

خدم خالق العالم المادي (أرشون)

بعض الغنوصيون القدماء استعملوا مصطلح "أرشون" (خدم الرب) كصفة لبعض خدم خالق المادة (ديميورج). سماهم العهد القديم بالملائكة.[30]

المسيح كمخلص غنوصي

يعتقد بعض الغنوصيين أن المسيح هو تجسيد للواحد الأحد آتى إلى الكون المادي ليدل البشر على الغنوصية.[31][32]  بينما رفضوا أخرون فكرة تجسيد الرب في المسيح واعتبروا المسيح كبشري استطاع للوصول إلى الغنوصية وعلم مريديه نفس الطريقة. بينما يعتبر المندائيون المسيح كمسيح زائف لأنه شوه التعاليم التي علمها إياه يوحنا المعمدان.[33]

مقالات ذات صلة

مراجع

  1. On the complexity of gnosticism, see Larry W. Hurtado (2005). Lord Jesus Christ: Devotion to Jesus in Earliest Christianity. Wm. B. Eerdmans Publishing. صفحات 519–561.
  2. Fouad, Youssef. "arabdict". www.arabdict.com. مؤرشف من الأصل في 11 ديسمبر 201910 ديسمبر 2017.
  3. Ehrman 2003، صفحة 185.
  4. مورتون سميث History of the term gnostikos 1973
  5. Magris 2005، صفحة 3515-3516.
  6. Cohen & Mendes-Flohr 2010، صفحة 286.
  7. Brakke 2011.
  8. Wilson, R. McL. "Nag Hammadi and the New Testament", New Testament Studies, vol. 28, (1982), p.292.
  9. J. M. Robinson, "Jesus: From Easter to Valentinus (Or to the Apostles' Creed)," Journal of Biblical Literature, 101 (1982), p.5.
  10. Jewish Encyclopedia, Gnosticism - تصفح: نسخة محفوظة 27 سبتمبر 2011 على موقع واي باك مشين.
  11. Idel, Moshe. Kabbalah: New Perspectives, Yale University Press, 1990, p. 31. (ردمك ) نسخة محفوظة 04 مارس 2017 على موقع واي باك مشين.
  12. Gager, John G. (1985-02-14). The origins of anti-semitism: attitudes toward Judaism in pagan and Christian antiquity. Oxford University Press. صفحة 168.  .
  13. Understanding Jewish History: Texts and Commentaries by Steven Bayme Publisher: Ktav Publishing House (ردمك ) (ردمك ) [1] - تصفح: نسخة محفوظة 04 مارس 2017 على موقع واي باك مشين.
  14. Magris 2005، صفحة 3516.
  15. Schenke, Hans Martin. "The Phenomenon and Significance of Gnostic Sethianism" in The Rediscovery of Gnosticism. E. J. Brill 1978
  16. Albrile 2005، صفحة 3532.
  17. Albrile 2005، صفحة 3534–3535.
  18. Albrile 2005، صفحة 3534.
  19. Conze 1967.
  20. Nicholas Goodrick-Clarke, Clare Goodrick-Clarke G. R. S. Mead and the Gnostic Quest 2005 p8. Quote: "The idea that Gnosticism was derived from Buddhism was first postulated by Charles William King in his classic work, The Gnostics and their Remains (1864). He was one of the earliest and most emphatic scholars to propose the Gnostic debt to Buddhist thought."
  21. H. L. Mansel, Gnostic Heresies of the First and Second Centuries (1875); p. 32
  22. International Standard Bible Encyclopedia: E-J p. 490 ed. Geoffrey W. Bromiley — 1982. Quote: "Mansel ... summed up the principal sources of Gnosticism in these three: Platonism, the Persian religion, and the Buddhism of India."
  23. "The Gnostic Gospels". مؤرشف من الأصل في 17 نوفمبر 2016.
  24. Hans Jonas, The Gnostic Religion, p. 42, Beacon Press, 1963, (ردمك ); 1st ed. 1958
  25. Layton, Bentley (1987). The Gnostic Scriptures. SCM Press — Introduction to "Against Heresies" by St. Irenaeus
  26. "The Pair (Syzygy) in Valentinian Thought". مؤرشف من الأصل في 01 يناير 201813 فبراير 2009.
  27. Mead, G.R.S. (2005). Fragments of a Faith Forgotten. Kessinger Publishing.  .
  28. "A Valentinian Exposition". The Gnostic Society Library. مؤرشف من الأصل في 30 ديسمبر 201713 فبراير 2009.
  29. "Demiurge". Catholic Encyclopedia. مؤرشف من الأصل في 26 ديسمبر 201712 فبراير 2009.
  30. "The Hypostasis of the Archons". The Gnostic Society Library. مؤرشف من الأصل في 18 ديسمبر 201712 فبراير 2009.
  31. Roukema, Riemer (18 February 2010). "Jesus′ Origin and Identity – Theodotus [of Byzantium]". Jesus, Gnosis and Dogma. Bloomsbury Publishing. صفحة 53.  . مؤرشف من الأصل في 14 مارس 2020. The Saviour, jesus Christ, who from the fullness (the pleroma) of the Father descended on earth, is identified with the Logos, but initially not entirely with the Only Begotten Son. In john 1:14 is written, after all, that his glory was as of the Only Begotten, from which is concluded that his glory must be distinguished from this (7, 3b). When the Logos or Saviour descended, Sophia, according to Theodotus, provided a piece of flesh (sarkion), namely a carnal body, also called ‘spiritual seed’ (1, 1).
  32. Hoeller, Stephan A. - تصفح: "The Gnostic World View: A Brief Summary of Gnosticism". www.gnosis.org. The Gnostic Society. مؤرشف من الأصل في 24 مايو 201915 مايو 2017.
  33. Macuch, Rudolf (1965). Handbook of Classical and Modern Mandaic. Berlin: De Gruyter & Co. صفحات 61 fn. 105.

وصلات خارجية

نصوص
موسوعات

موسوعات ذات صلة :