الرئيسيةعريقبحث

محمد بن حمو الزياني

مقاوم مغربي

☰ جدول المحتويات


محمد بن حَمّو (أُحَمّو) الزَّياني (بالأمازيغية: موحا وحمو اڞایی) من أبرز رجال المقاومة في التاريخ المغربي الحديث. اشتهر بنضاله المستميت في المعركة الشهيرة التي أباد فيها الكثير من قوات الجيش الفرنسي في الأطلس المتوسط قرب مدينة خنيفرة، وهي معركة الهري الواقعة سنة 1332 هجرية (1914 م). وحدث ذلك بعد أن حاصر الفرنسيون مخيم قائد قبائل زيان من جميع النواحي قصد القضاء عليه بصفة نهائية.

محمد بن حمو الزياني
موحا وحمو اڞایی
Eugène Delacroix - Le Combat.jpg

معلومات شخصية
الميلاد حوالي 1271 ھ (1857 م) (تاريخ تقريبي)
خنيفرة
تاريخ الوفاة 18 رجب 1339 (27 مارس 1921)
سبب الوفاة قُتل في معركة
مواطنة Flag of Morocco.svg المغرب 
الأب حمو بن عقا
أقرباء فاطمة أمحزون
الحياة العملية
سبب الشهرة مقاومة جيش الاحتلال الفرنسي
القبيلة زيان
الخدمة العسكرية
المعارك والحروب حرب زيان (معركة الهري)

موحا أمغار زيان

لوحة تجسد فارس موري (مغربي) وفرسه

هو محمد بن حمو بن عقى بن أحمد أو المدعو أمحزون بن موسى. ولد وسط عائلة أمحزون الأمازيغية التي تنتمي لقبيلة آيت حركات، وهي فخذة تنتمي لقبائل زيان الأطلسية. كان آيت حركات مستقرين نواحي قرية البرج، يعيشون من تربية المواشي ورسوم العبور من قنطرة البرج التي يؤديها المنتجعين بين الجبل وأزاغار (السهل المنبسط والمنتجع الصيفي للقبائل).[1]

قنطرة خنيفرة

لكن النمو العمراني والتجاري الذي عرفته خنيفرة حوالي نهاية القرن التاسع عشر، جعل دور قرية البرج يتقلص. هكذا قرر أيت حركات تحت قيادة أمغارهم [2] حمو نعقى (والد موحا أوحمو) الاستيلاء على خنيفرة، وهكذا انفضوا على أيت عفي وطردوهم بصفة نهائية [3]، ومن ثم وضع الأمغار يده على تجارة المدينة وقنطرتها، الشيء الذي مكنه من بناء قصبة، كانت رمزا لقوة عشيرته، كما مكنته من فرض نفوذه شيئا فشيئا على بعض القبائل الزيانية، وذلك وبعد حروب طاحنة.[4]

لوحة تجسد قايد مغربي يزور قبيلته

هذا الوضع دفع بقبائل إشقيرن الجيران الجنوبيين، إلى المبادرة بالهجوم على خنيفرة قبل ان يتم إخضاعهم بدورهم حيث أن الغارة نجمت عن وفاة سعيد (أكبر أولاد حمو نعقى وأمغار القبيلة) أثناء المعركة [4]. فتم تعيين الأخ الأصغر لسعيد، موحا أوحمو، كأمغار للتحالف بما أن العادة جرت بأن يعين الأمغار من قبيلة أيت حركات. لم تقبل القبائل المنضوية في التحالف بقرار تعيين موحا اوحمو الصغير في السن أمغارا عليها، فإنفضت من حوله واستقلت بأمورها مرة أخرى. تقلص نفوذ موحا اوحمو على القبائل الزيانية نتيجة لذلك وأصبح لا يتعدى حدود فخذته آيت حركات.

كانت مهمة الأمغار تطوعية وبدون مقابل، ويتولاها أعيان القبيلة بالتناوب [5]. ولكن نظرا لحالة الحرب مع إشقيرن، أصبح موحا امغارا دائما لجماعته بصفته قائدا للعمليات العسكرية. كان من الطبيعي أن يستغل موحا أوحمو ها المعطى لتوطيد سلطته، وفرض نفوذه أولا وقبل كل شيء على عشيرته، قبل بسطه على مجموع قبائل زيان. كما أنه تمكن من تحييد أبناء عمومته الكثيرين، والذين كانوا ينافسونه على المنصب [6]، ومن ثم بدأ بناء سلطته على قواعد صلبة بفضل حسه السياسي وقدرته على توحيد وتنظيم القبائل، واقتحام المعارك ضد الخارجين على سلطته. فهم موحا انه مجرد أمغار عامي في نظر زيان والقبائل الأخرى، وأن هذه الأخيرة قد تنتفض عليه في أي وقت، رغم أنه تمكن من إخضاعها. لذلك بحث عن إضفاء مزيد من الشرعية على قيادته عن طريق التحالف مع السلطان العلوي الحسن الاول [7].

موحا القائد المخزني

بعد هزيمة إسلي أمام فرنسا سنة 1844 وهزيمة تطوان سنة 1860 أمام إسبانيا فقد المغرب هيبته الدولية وأصبح محط أطماع عدد من الدول.[8] كان المخزن المغربي في وضع لا يحسد عليه على المستوى المالي، [9] حيث تسببت للمغرب في فقدان مداخيله الجمركية لصالح المنتصرين، بالإضافة إلى تملص بعض القبائل من أداء مستحقاتها، وإعفاء المحميين من كل ضريبة. كما أن المؤامرات الاستعمارية بدأت تلوح في الأفق، ويتحتم على المخزن توحيد المغرب لمواجهتها. وضع دفع بالسلطان إلى إستثمار مؤهلات أمغار زيان لكسر شوكة القبائل المتمردة في الأطلس المتوسط.[10]

تم تعيين موحا أوحمو قائدا على زيان سنة 1886 من قبل السلطان مولاي الحسن، [11] كما تم تزويده بفرقة من الجيش المخزني، قوامها ثلاث مائة جندي، وبثلاثة مدافع.[12] أصبح القائد يمثل السلطان والمخزن، ويعمل في إطار المشروعية، فالسلطة التي يمارسها على القبائل يستمدها من السلطان، والحرب التي يعلنها ضد العصاة يخوضها باسم السلطان، والضرائب التي يفرضها يجبيها باسم المخزن. استعان القائد موحا أوحمو بالعساكر المخزنية التي وضعها السلطان تحت تصرفه في توسيع نفوذه، ولم يمض إلا زمن يسير حتى بدأت المعارك ضد أولئك الذين لا تنالهم أحكام المخزن أو ما كان يعرف ببلاد السيبة. ففي بلاد زيان، أسكت القبائل المناهضة له: كأيت خويا، وأيت بوهو، وأيت شارظ التي كانت مواقعهم في ضاحية خنيفرة. كما أسكت أيت بوحماد الذين كانوا يوجدون على بعد ثلاثين كلمترا غربي خنيفرة، وتغلب على منافسه القائد أقبلي الذي كان مع ذلك قد عينه السلطان قائدا على أيت سكوكو (زيان الشماليون) وأصبح تابعا له. وبذلك تمت له السيطرة الكاملة على مجموعة قبائل زيان.[13]

وفي خارج زيان واجه خصومه الجنوبيين، اشقيرن وايت سخمان وما إليهم، فأسلموا له القياد بعد أن هدم عليهم إحدى مداشرهم.[14] ثم انتقلت المعارك إلى الشمال واشتبك مع خصم عنيد، وهو الشريف مولاي عبد الواحد الأمراني الذي كان نفوذه يشمل كثيرا من قبائل المغرب الوسط، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، بني مكيلد الغربية، وكروان الشرقية، وأيت عمرو، وأيت عبد الله، وأيت رحو… نازلته المحلة الزيانية بناحية مريرت، فوقعت معارك كثيرة اضطر فيها موحا أوحمو إلى طلب النجدة من المخزن، [15] فانهزم الشريف الأمراني وتراجع إلى مركزه بأمسمرير (ناحية ولماس) ولحقه موحا أوحمو، وتوالت المعارك بشدة إلى أن أصيب الشريف برصاصة أردته قتيلا، وفرت عنه جموعه.[16]

موحا مستشار السلطان

لوحة تجسد خروج سلطان مغربي من قصره (رسمت سنة 1845)

رافق موحا اوحمو السلطان في حملة عسكرية تأديبية ضد قبائل أيت سخمان سنة 1887. وكانت هذه القبائل قد غدرت بالأمير مولاي سرور، عم السلطان، الذي ذهب ليفاوضهم رغم تحذير موحا اوحمو الزياني. أظهرت هذه الحادثة بُعد نظر القائد الزياني، [16]. أصبح موحا أوحمو مستشارا له في شؤون الأطلس المتوسط”، وفوض له أمر تنصيب وتعيين قواد القبائل في هذه المنطقة.[17] بفضل مساندة المخزن اتسعت مجال نفوذ القائد الزاياني، فشملت بالإضافة إلى بلاد زيان، مجموعة من قبائل أخرى كثيرة امتدت شرقا في الجبال إلى قبيلة أيت يوسي، وغربا إلى قبيلة أيت ويرا، وفي الهضبة من منطقة ولماس إلى مدينة أزرو، ومن خنيفرة إلى لقباب. كما أن السلطان زار قلعة أدخسان (نواحي خنيفرة) سنة 1888، ومكث فيها بضعة أيام، وهو يحارب القبائل الثائرة من قبائل إشقيرن.[18]

كما أن القائد زار فاس سنة 1889 للتشاور مع السلطان ومخزنه، وفي هذه السفرة تزوج بامرأة من آل المليانيين، ونسل منها ولدا يدعى معمي ولد الفاسية الذي كان له شأن كبير في مقاومة الاستعمار الفرنسي.[19] وكان القائد قد استغل هذه الزيارة، فاتصل بالتجار والحرفين وحثهم على المجيء إلى خنيفرة واستيطانها.[20]

السلطان عبد العزيز بن الحسن

توفي الحسن الأول فجأة سنة 1894 خلال حملة للمخزن لإخضاع بعض القبائل الثائرة بجبال الأطلس. يقول الناصيري في كتابه الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى أنه توفي "في الساعة الحادية عشرة من ليلة الخميس ثالث ذي الحجة الحرام، متم عام أحد عشر وثلاثمائة وألف" (يوافقه 6 يونيو 1894) على مقربة من "وادي العبيد، من أرض تادلا".[21] تولى ابنه السلطان عبد العزيز حُكم المغرب من بعده (1894-1908) وذلك عن سن 14 سنة، وهو سن لم يكن يؤهله لممارسة الحكم الذي استحوذ عليه الصدر الاعظم باحماد. هذا الأخير أغرق السلطان الشاب بالهدايا والالعاب والتي أصبح شغوفا بها.

السلطان عبد الحفيظ في زيارة لمارسيليا سنة 1912

في هذه الأثناء كانت الدول الإستعمارية تتآمر على المغرب، على رأسها بريطانيا فرنسا وإسبانيا بالإضافة إلى ألمانيا التي طالبت بنصيبها من "الكعكة" وضغطت بطريقتها من خلال أزمة أكادير. اجتمعت اثنا عشر دولة أوروبية في مؤتمر الجزيرة الخضراء والذي شارك فيه الرئيس الأمريكي روزفلت كوسيط. في 7 أبريل 1906 من نفس السنة تم الإفصاح عن الوثيقة النهائية للمؤتمر. ثم جائت سنة 1912 ليوقع المغرب على عقد الحماية من خلال معاهدة فاس .

موحا مقاوم السهول

لم تظهر مقاومة موحا أو حمو الزياني بشكل جلي إلا في سنوات العقد الأول من القرن العشرين الميلادي قبل فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م. هكذا، نجد ان موحا أوحمو إصطدم بالفرنسيين منذ وقت مبكر حينما أرسل بعض قواته لمؤازرة قبائل الشاوية ومديونة منذ سنة 1908م. قال أحمد المنصوري:[22]

«محمد أوحمو قاوم جيش الاحتلال هو وقبيلته زيان ومن انضاف إليها زهاء 27 سنة من يوم احتلال الدار البيضاء عام 1325هـ/ 1907م (…) ذلك أنه لم يكد يصل إليه نبأ هذا الاحتلال حتى أخذته حمية بربرية في غيرة دينية فطار على فرسه وراءه قبيلته زيان ومن انضاف إليها حتى أناخ على أبواب الدار البيضاء وسط قبائل الشاوية.»
معارك زيان في كل المغرب
المقيم العام ليوطي

لكنه سرعان ما رجع إلى بلاده ومن الشاوية إلى سهول سايس، وخاض معارك طاحنة بزمور وزعير، منها معركة تافودايت (أبريل 1912) ببلاد زمور، ومعركة اكوراي ببلاد كروان (ماي 1912) جنوب مكناس، ومعركة الزحيلكة بتراب زعير، ومعركة إيفران بسيدي عبد السلام بتراب بني مطير(يونيو 1912)، ومعركة وارغوس (1913) في ناحية وادي زم. كما ساهمت قواته في الدفاع عن القصيبة سنة 1913م بعدما تحالف مع قائدها موحى أوسعيد.

جنرال مانجان (Mangin)

يستنتج من هذه المعارك التي وقعت خارج بلاد زيان أن موحا أوحمو استطاع أن يستقطب المجاهدين الرافضين الاستسلام للمحتلين، والمناهضين للتدخل الأجنبي، بدءا من العساكر الذين رفضوا الخدمة العسكرية تحت سلطة المدربين الفرنسيين الذين جاؤوا من قبائل مختلفة، كزعير، وزمور، وكروان، والذين التحقوا بزيان لتعزيز صفوف المقاومة.

وأثبت هوبير ليوطي المقيم العام بالمغرب في 02 ماي 1914م دوافع احتلال االأطلس المتوسط حينما صرح قائلا:

«إن بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وإن إصرار هذه المجموعة الهامة في منطقة احتلالنا، وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة، يكون خطرا فعليا على وجودنا، فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجإ وعتاد وموارد. وقربها من خطوط محطات الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا دائما لمواقعنا، فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا، هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع.» – هوبير ليوطي
العمل العسكري الفرنسي في المغرب إلى حدود سنة 1914

إن مقاومة موحا أوحمو انطلقت شرارتها الأولى منذ وقت مبكر قبل فرض الحماية ميدانيا وعمليا، عندما حاول الكولونيل مانجان احتلال تادلا تمهيدا لاحتلال الأطلس المتوسط للقضاء على قبائل زيان ومقاومتهم العتيدة. لذا، وحّد موحا أوحمو وموحا أوسعيد جهودهما لمواجهة القوات الفرنسية الغازية، لكن انبساط السهول في منطقة تادلا وتفوق فرنسا عسكريا ونقص الذخيرة عند المقاومين الأمازيغ سهل على الفرنسيين الدخول إليها في أبريل 1913م.

وعلى الرغم من هذا الاحتلال، فقد ألحق قائدا المقاومة الأمازيغية بالفرنسيين خسائر فادحة في الأرواح والبشر في معركة القصيبة التي دامت ثلاثة أيام متواصلة، والتي أدت بالكولونيل مانجان إلى التراجع إلى منطقة تادلا، ولم يدخل الفرنسيون قصبة بني ملال إلا في صيف سنة 1916م، في حين لم تخضع القوات الفرنسية القصيبة إلا في أبريل 1922م، بعد أن جهزت لذلك قوة ضخمة من الرجال والعتاد.

بعد معارك ضارية في منطقة تادلا إلى جانب رفيقه في المقاومة موحا أو سعيد، تراجع أوحمو الزياني إلى مدينة خنيفرة التي كان قائدا لها، فجمع الزيانيين ووحد القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن. يقول المارشال “ليوطي” في هذا الجيش:

«لقد كونت القبائل جيشا يكاد يكون منظما، لها راية واحدة وروح موحدة، وعناصره المختلطة تطيع القيادة طاعة تلقائية، وله انتظام تلقائي أيضا. وكان هذا الجيش يواجه الموت بمثل أعلى موحد» – المارشال “ليوطي”

موحا أسد الجبال

استعمل رئيس المعسكر الفرنسي في مكناس الجنرال هنريس في البداية أسلوب الترغيب لاستمالة القائد محمد أوحمو الزياني، فأرسل إليه بوفد يرأسه القائد إدريس أورحو المطيري قائد بني مطير والحاجب. كان الوفد محملا بهدايا نفيسة وثمينة، ولكنه لم يتمكن من إقناع القائد محمد أوحمو بالاستسلام رغم الوعود المجزية، فرجع بخفي حنين.

الجنرال هنريس
دخول الجنرال مانجن مراكش في 1912

كما حاول ليوطي المقيم العام الفرنسي قبل الجنرال هنريس استمالة القائد محمد أوحمو بواسطة شخصيات مرموقة في الجهاز المخزني، وخاصة الوزير إدريس البوكيلي، وباشا مدينة أبي الجعد الحاج إدريس الشرقاوي، ثم بواسطة أولاد القائد محمد أوحمو في مؤتمر واد زم. لكن تلك المحاولات كلها لم تفلح في رضوخ القائد. كان هدف المفاوضات أن ينضم إلى مشروع الحماية، كما انضم إليه أمثاله من كبار القواد كالكلاوي و. لكن أيا من المبعوثين لم يفلح في إقناعه، وكان جواب موحا أوحمو الدائم هو

«لن أرى مسيحيا إلا من خلال فوهة بندفيتي وأصبعي على زناد الرمي» – موحا أوحمو

ولما فشل الفرنسيون في استمالة موحا أوحمو وإغرائه وتسويفه، قررت القوات الغازية بقيادة الكولونيل هنريس (Henrys) أن تشن حرب الإبادة ضده وضد القبائل الأمازيغية وخاصة قبيلة زيان المعروفة بالشجاعة النادرة وقوة الشكيمة كما يعترف بذلك الجنرال گيوم :

«” لاتكمن قوة الزيانيين في كثرة عددهم بقدر ماتكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالاعتماد على ماكانوا يتحلون به من بسالة وتماسك وانتظام، وأيضا بفضل مهارة فرسانهم البالغ عددهم 2500 رجل، فكانوا بحق قوة ضاربة عركتها سنوات طويلة من الاقتتال. كما كانت أيضا سرعة الحركة والإقدام إلى جانب القدرة العفوية على المخاتلة في الحرب من الصفات المميزة لمقاتليهم…”» – الجنرال گيوم

منذ احتلال خنيفرة (12 يونيو 1914) إلى نهاية الحرب العالمية الأولى في أوروبا، حاصر الفرنسيين داخل عاصمته. ويكفي الوقوف عند بعض المعارك التي أربكت العدو، وأثرت على جنوده تأثيرا نفسيا كمعركة أقلال (30 يونيو 1914)، ومعركة تكط (7 يوليوز 1914)، ومعركة تازورت موخبو (20 غشت 1914).

مدفع عيار 75 شبيه بالمدافع المغنومة في الهري
هاجم الفرنسيون خنيفرة من ثلاث جهات
قصبة خنيفرة سنة 1914

على أن أكبر انتصار حققه موحا أوحمو، هو الانتصار الذي انتزعه في معركة لهري (13 نونبر 1914)، التي كان لها صدى عميق، ليس فحسب في المغرب كله، بل كذلك في فرنسا. فقد استطاع أن يحطم جيش الكولونيل لوفيردير تحطيما كاملا، ويحوله إلى جثث من القتلى وأجسام الجرحى، انتشرت على أرض قرية لهري الصغيرة، ويغنم جميع المدافع والرشاشات، وعددا كبيرا من البنادق. كانت المعركة بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال ”كيوم” (Guillaume)أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه “البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912):

«لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة» – الجنرال گيوم

تكبدت القوات الفرنسية هزيمة نكراء رغم أن موازين القوى كانت لصالحها ، فقد خسرت 613 قتيل منهم 200 جندي و33 ضابط وجرح 6 ضباط و32 جندي و218 قتيل قي صفوف الجزائريين والتونسيين و37 قتيل من الكوم المغاربة و125 قتيل من السنغاليين وكان قوام القوات المهاجمة 1187 جندي و43 ضابط وهذا إحصاء رسمي جاء في التقرير الذي رفعه الجنرال هنريس Henrys لفائدة الجنرال ليوطي بعد المعركة مباشرة .

لم تصدق الدوائر العليا ما حدث ولا حجم الخسائر التي لحقت بقواتها ، فعمدت إلى كتمان الخبر عن الراي العام في فرنسا والمغرب وفرضت رقابة صارمة على وسائل الإعلام لمنع الخبر من الانتشار خوفا على انهيار معنويات جنودها بصفة عامة وخاصة المشاركين في الحرب العالمية الأولى .

الهري والحرب العالمية

كان لوقعة الهري الشهيرة أثر كبير في ذيوع صيت البطل أمحزون محمد أوحمو الزياني، ليس على الصعيد المحلي والوطني فحسب بل على الصعيد الدولي. ففي عام 1914 م اندلعت الحرب العالمية الأولى بين دول المحور وهي: ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية، وبين دول الحلفاء وهي : فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

لما بلغ إلى مسامع الألمان والأتراك العثمانيين هزيمة فرنسا النكراء في معركة الهري، اتخذوا قرارا بربط الصلة مع القائد محمد أوحمو الزياني، فبعثوا إليه رسلا متخفيين في زي تجار، وكان يقيم وقتئذ في بوسادر، فسلم إليه هؤلاء الرسل خطابا وأكياسا من المال.

لوحة تجسد مناورات عسكرية مغربية (1845)

وفي الغد عقد القائد ندوته المعروفة بين أولاد، وقرئ الخطاب الذي أذكى فيهم حماسا زائدا، إذ وعده الإمبراطور الألماني والسلطان العثماني بمده بالعتاد والمال، وكل ما يحتاج إليه لمواجهة ومناهضة المحتل الفرنسي، العدو اللدود لألمانيا والدولة العثمانية. هنا انتهز القائد محمد أوحمو هذه الفرصة السانحة ليوجه خطابا مع هذا الوفد إلى الدواتين المتحالفتين ألمانيا والسلطة العثمانية جاء فيه :

«إننا لا نرضخ لعدو ديننا وعدو نبينا، ولا تتراءى معه أعيننا، فليطمئن خليفة الإسلام (أي السلطان العثماني) وقائد الألمان» – موحا أوحمو الزياني

موحا الشهيد

صورة أرشيفية لشاباتين أمازيغيتين

هكذا ظل موحا أوحمو يناضل في سهول خنيفرة، وفوق ضفاف نهر أم الربيع إلى أن استشهد في معركة أزلاك نتزمورت بجبل تاوجكالت يوم 27 مارس 1921. جاء في كتاب كباء العنبر أن المعركة :

«استمرت سبع سنين شابت فيها النواصي، عصمهم من ويلها أطلسهم الأشم وما به من صياصي، كان محمد أوحمو قطب رحاها، وفارس هيجاها، يمدهم بآرائه وماله إمدادا، ولا يدخر عنهم نفسا ولا عتادا، ولا يتأخر على كبر سنه عن حضور المعارك، ويتمنى أن تكون الخاتمة هنالك. وبينما هو ذات غداة آمنا في سربه، لا يفكر في عدو ولا في حربه إذا بكبكبة من الخيل تهاجمه بين حريمه وأولاده، فارتمى على صهوة جواده، وتسابق لرد غارات العدو المنازل الذي كاد يصل إلى الخيام والمنازل، ويروع النساء الغوازل، وخب فيها شيخ التسعين ووضع، وصوبها طلقات وهو يقول: “خذوها وأنا ابن الأكوع، واليوم ويوم الرضع”، ولكنها كانت له خاتمة المطاف في تلك المصاف ليحصل له أجر الشهادات فهو شهيد دون أهله، شهيد دون ماله لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من مات دون أهله فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد” ثم الشهادة الكبرى في ساحة الوغى لقوله ثناؤه: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء [آل عمران 168]، فقد أصيب بطلقة نارية صادفته في صدره ونحره دليل على أنه مات وهو مقبل ولم يمت وهو مدبر (…) هي الشهادة التي طالما أملها ليقابل بوجهه الطاهر النقي وجه حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم كما كان يعبر عن ذلك طول حياته.»

[23]

إستسلام حسن (ابن موحا) وترقيته باشا

وقد عبرت المرأة الزيانية بمرارة إحساسها وحزنها إثر مقتل الزعيم وموته كما تمنى أن يموت وسلاحه في يده. حيث تذكر المصادر كيف أن النساء في المداشر يندبن وجوههن وينحبن نواحا جنائزيا.[24]. هذه المرأة التي شاركت بدورها رجال القبائل في المعارك. ولا مثال على ذلك إلا إطو بن موحا أوحمو.

لقد كانت هذه المقاومة تنقل الأخبار إلى موحا وحمو، ويقول علال الفاسي في هذا الصدد :[25]

«وقد اشتهرت في معارك الأطلس المتوسط الآنسة (إيطو) بنت القائد الكبير (موحا وحمو الزياني). هذا الرجل الذي كافح الفرنسيين أحد عشر عاما. ثم لما رأى انتصار العدو حتما قرر أن لا يعيش في جو الاحتلال، فتقدم في آخر معركة تقوم بها قبائل زيان، وعرض نفسه لقبائل الأعداء، بينما كان أولاده قد تقهقروا تبعا لأوامره هو إلا ابنته الآنسة إيطو التي صممت على الاستمرار في المقاتلة مع أبيها حتى استشهدت إلى جانبه مثبتة أن المرأة المغربية ليست أقل جدارة من أخيها في الاستبسال في سبيل العزة والكرامة.»

يمكن إقرار أن معركة لهري دخلت مع موحا وحمو وقبائل خنيفرة التاريخ من بابه الواسع ، بحيث أعطوا جميعا للمستعمر درسا لا ينسى في الكفاح والصمود ، سيبقى شاهدا على مر العصور.

مقالات ذات صلة

مصادر

مراجع

  1. F. Berger : moha ou hamou le zayani, un Royaume berbère contemporain au Maroc, ed : L’Atlas, Marrakech, 1929, P24.
  2. F. Berger : moha ou hamou le zayani, un Royaume berbère contemporain au Maroc, ed : L’Atlas, Marrakech, 1929, P23.
  3. F. Berger : moha ou hamou le zayani, un Royaume berbère contemporain au Maroc, ed : L’Atlas, Marrakech, 1929, P87.
  4. .F. Berger : moha ou hamou le zayani, un Royaume berbère contemporain au Maroc, ed : L’Atlas, Marrakech, 1929, P88
  5. Guennoun, S, La montagne berbère, ou les Ait Oumalou,éd.Oumnia,Rabat, 1933, P.155.
  6. . Berger : moha ou hamou le zayani, un Royaume berbère contemporain au Maroc, ed : L’Atlas, Marrakech, 1929, P23.
  7. J. Le Prévost, jusqu à l’usure des sabres, mannuscrit, P65.
  8. عبد الكريم غلاب، قصة المواجهة بين المغرب والغرب، دار الغرب الإسلامي، 2003
  9. نص الوصلة، عبد الكريم غلاب، قراءة جديدة في تاريخ المغرب العربي، دار الغرب الإسلامي، 2005. نسخة محفوظة 04 نوفمبر 2014 على موقع واي باك مشين.
  10. كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وعضاء جيش التحرير، 2004 ، ج 1/ص114.
  11. كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وعضاء جيش التحرير، 2004 ، ج1/ ص 45.
  12. A. Laroui, les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain (1830-1912) Maspero 1977, P 161.
  13. كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وعضاء جيش التحرير، 2004 ، ج1/ ص 124.
  14. كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وعضاء جيش التحرير، 2004 ، ج1/ ص 118.
  15. كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وعضاء جيش التحرير، 2004 ، ج1/ ص 125.
  16. كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وعضاء جيش التحرير، 2004 ، ج1/ ص 134-135.
  17. انظر محفظة السلطان مولاي الحسن رقم 707، الخزانة الحسنية، الرباط.
  18. كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وعضاء جيش التحرير، 2004 ، ج1/ ص 126.
  19. G. Bernié : Moha ou Hamou Guerrier berbère. ed. Gautey, Casablanca, 1945, P. 14.
  20. إتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس، المطبعة الوطنية، 1923، ج 2/ ص 116.
  21. الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، الجزء 9، ص 207
  22. كباء العنبر من عظماء زايان وأطلس البربر، ص 131.
  23. كباء العنبر: 134.
  24. François Berger : Moha ou Hammou Le Zayani. Un royaume berbère contemporain au Maroc, éd. De l’Atlas 1929, p : 8.
  25. إسهام المرأة في الكفاح الوطني، محاضرة ألقاها علال الفاسي بنادي المحامين المصريين بالقاهرة سنة 1952.

وصلات خارجية

موسوعات ذات صلة :