جندح بن حُجر بن الحارث الكندي (500 - 540 م)[1] اشتُهر بلقب اُمْرُؤ القَيْس، هو شاعر عربي من مكانة رفيعة، بَرز في فترةِ الجاهلية، ويُعد رأس شعراء العرب، وأحد أبرزهم في التاريخ[2]، اختلفت المصادر في تسميته، فورد باسم جندح وحندج ومليكة وعدي، وهو من قبيلة كندة[3]. يُعرف في كتب التراث العربية بألقاب عدة، منها: المَلكُ الضِّلّيل وذو القروح[1][4]، وكُني بأبي وهب، وأبي زيد، وأبي الحارث[3].
امرؤ القيس | |
---|---|
امرؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكندي | |
معلومات شخصية | |
الميلاد | 501 نجد، الجزيرة العربية |
الوفاة | 540 (38–39 سنة) أنقرة |
سبب الوفاة | الجدري |
معالم | الشعر العربي |
العرق | عرب |
نشأ في | الجزيرة العربية |
الديانة | الوثنية |
الأب | حجر بن الحارث الكندي |
الأم | فاطمة بنت ربيعة التغلبي |
أقرباء | عدي بن ربيعة (خال). |
الحياة العملية | |
المهنة | شاعر وسياسي |
اللغات | العربية |
أعمال بارزة | معلقة امرؤ القيس |
📖 مؤلف:امرؤ القيس | |
موسوعة الأدب |
النشأه
ولد في نجد لقبيلة كندة [5]، نشأ مترفاً ميالاً للترف؛ كان أبوه حجر ملكاً على بني أسد وغطفان، وأمه هي فاطمة بنت ربيعة أخت كليب والشاعر المهلهل التّغلِبِيَّيْن[1][3]، تعلم الشعر منذ صغره من خاله المهلهل، ولم يكف عن تنظيم الشعر الإباحي ومخالطة الصعاليك بالرغم من نهي والده له بذلك، فطرده إلى موطن قبيلته؛ دمون بحضرموت عندما كان في العشرين من عمره، فما إن قضى فيها 5 سنوات حتى مضى سائراً في بلاد العرب مع أصحابه، ساعياً وراء اللهو والعبث والغزو والطرب[3].
كان يتهتك في غزله ويفحش في سرد قصصه الغرامية، وهو يعتبر من أوائل الشعراء الذين أدخلوا الشعر إلى مخادع النساء، سلك امرؤ القيس في الشعر مسلكاً خالف فيه تقاليد البيئة، فاتخد لنفسه سيرة لاهية تأنفها الملوك، كما يذكر ابن الكلبي حيث قال: كان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيء وكلب وبكر بن وائل فإذا صادف غديراً أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح وشرب الخمر وسقاهم وتغنيه قيانة، لايزال كذلك حتى يذهب ماء الغدير وينتقل عنه إلى غيره. التزم نمط حياة لم يرق لوالده فقام بطرده ورده إلى حضرموت بين أعمامه وبني قومه أملا في تغييره. لكن حندج (امرؤ القيس) استمر في ما كان عليه من مجون وأدام مرافقة صعاليك العرب وألف نمط حياتهم من تسكع بين أحياء العرب والصيد والهجوم على القبائل الأخرى وسلب متاعها.
ابتدأت مرحلة جديدة في حياته بعد أن ثار بنو أسد على والده وقتلوه، فجاءه الخبر بينما كان جالساً لشرب الخمر فقال: «رحم الله أبي، ضيعني صغيراً، وحملني دمه كبيراً. لا صحو اليوم ولا سُكْرَ غداً، اليوم خمر وغداً أمر»[3][1]، فأخذ على عاتقه مسؤولية الثأر لأبيه، واسترجاع كفة حكم كندة، فحلف أن لا يغسل رأسه وأن لا يشرب خمراً، فجمع بأنصاره واستنجد بقبائل أخواله بكر وتغلب، وقتل عدداً غفيراً من بني أسد، فطلبوا أن يفدوه بمئة منهم فرفض، فتخاذلت عنه قبائل بكر وتغلب، وقد نظم شعراً كبيراً في هذه الأحداث[3][1].
اضطر أن يواجه المنذر ملك الحيرة، الذي استعان بكسرى ملك الفرس عليه، ففر امرؤ القيس مستنجداً بالقبائل دون جدوى فسُمي بالملك الضليل، حتى قرر أن يستنجد بالسموأل في تيماء، وسأله بأن يكتب مرسولاً إلى الحارث بن شمر الغساني ليتوسط له لدى قيصر الروم بالقسطنطينية ليستنجده، وليعززه بحلفائه من قبائل العرب[3][1].
توجه إلى تيماء واستودع دروعاً كان يتوارثها ملوك كندة للسموأل، وذهب القسطنطينية بغرض لقاء القيصر جستينيان الأول، مع عمرو بن قميئة، أحد خدم أبيه الذي تذمر من مشقة الرحلة وقال لمرئ: «غَرَّرتَ بنا»، فأجابه بقصيده شجعه فيها، ووصف أحوال تلك الأحداث، ولما وصل إلى القيصر أكرمه وقربه منه، وأرسل معه جيشاً لاستعادة مُلك أبيه، إلا أنه غُرر به عند ملك القيصر فحقد عليه وأرسل إليه جبةً مسمومة، وما إن لبسها حتى تسمم جسمه وتقرح ومات ودفن في أنقرة[3]، وتشير مصادر آخرى لى أن القيصر لم يفي بوعده معه، ولكن لم يسممه؛ بل إن موته كان بسبب إصابته بالجدري في أثناء مسيرته بالطريق، فتقرح جسده كله ومات نتيجةً لذلك ولذلك سُمي بذي القروح[1].
وقال ابن قتيبة: هو من أهل كندة من الطبقة الاُولى. كان يعدّ من عشّاق العرب، ومن أشهر من أحب هي فاطمة بنت العبيد التي قال فيها في معلّقته الشهيرة[6] :
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل | وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي | |
وإن تك قد ساءتك مني خليقةٌ | فسلي ثيابي من ثيابك تنسل | |
أغرك مني أن حبك قاتلي | وأنك مهما تأمري القلب يفعل | |
وأنك قسمت الفؤاد فنصفه | قتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبل | |
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي | بسهميك في أعشار قلب مقتل | |
وبيضة خدرٍ لا يرام خباؤها | تمتعت من لهو بها غير معجل | |
تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً | علي حراصاً لو يسرون مقتلي | |
إذا ما الثريا في السماء تعرضت | تعرض أثناء الوشاح المفضل | |
فجئت، وقد نضت لنوم ثيابها | لدى الستر إلا لبسة المتفضل | |
فقالت يمين الله، ما لك حيلةٌ | وما إن أرى عنك الغواية تنجلي | |
خرجت بها أمشي تجر وراءنا | على أثرينا ذيل مرطٍ مرحل |
دِينه
كان دين امرئ القيس الوثنية وكان غير مخلص لها. فقد روي أنه لما خرج للأخذ بثأر أبيه مر بصنم للعرب تعظمه يقال له ذو خلصة. فاستقسم بقداحه وهي ثلاثة: الآمر والناهي والمتربص فأجالها فخرج الناهي، فعل ذلك ثلاثاً فجمعها وكسرها. وضرب بها وجه الصنم. وقال: "لو كان أبوك قتل ما عقتني".
موت والده
كان لموت والده حجر على يد بني أسد أعظم الأثر على حياته ونقلة أشعرته بعظم المسؤولية الواقعة على عاتقه. رغم أنه لم يكن أكبر أبناء أبيه، إلا أنه هو من أخذ بزمام الأمور وعزم الانتقام من قتلة أبيه لإنه الوحيد الذي لم يبك ويجزع من إخوته فور وصول الخبر إليهم. يروى أنه قال بعد فراغه من اللهو ليلة مقتل أبيه على يد بني أسد: ضيعني صغيرا، وحملني دمه كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا. اليوم خمر وغدا أمر أنشد شعرا وهو في دمون ( وادٍ بالقرب من دوعن بحضرموت ) قال فيه:
تطاول الليل علينا دمون | ||
إنا معشر يمانون | ||
وإنا لأهلنا محبون |
فلبس رداء الحرب في اليوم التالي وإتجه صوب بني أسد فخافوا منه وحاولوا استرضاءه إلا أنه لم يرض وقاتلهم حتى أثخن فيهم الجراح وفاحت رائحة الجثث. وذكر الكلبي: أن امرأ القيس أقبل براياته يريد قتال بني أسد حين قتلوا أباه، فمر على تبالة وبها ذو الخلصة (صنم من أصنام العرب) وكانت العرب تستقسم عنده، فاستقسم فخرج القدح الناهي، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك، فكسر القداح وضرب بها وجه ذي الخلصة وقال: عضضت بأير أبيك لو كان أبوك المقتول لما عوقتني. ثم أغار على بني أسد فقتلهم قتلا ذريعا. ويروي اليعقوبي أن إمرأ القيس قصد بني أسد في أول الأمر ولكنه أوقع بــقوم من بني كنانة فصاح قائلا: " ياللثارات" مزهوا بما ظنه ثأرا من قتلة أبيه. فأجابه القوم: " والله ما نحن إلا من كنانة ". فأنشد قائلا :
ألا يا لهف نفسي، بعد قوم | هم كانوا الشفاء، فلم يصابوا | |
وقاهم جدهم ببني أبيهم | وبالأشقين ما كان العقاب | |
وأفلتهن علباء جريضاً | ولو أدركنه صفر الوطاب |
- وحينها أنشد قاتل أبيه عبيد بن الأبرص الأسدي قائلا :
يا ذا المعيرنا بقتل | أبيه إذلالاً وحينا | |
أزعمت أنك قد قتلت | سراتنا كذباً ومينا | |
هلا على حجر بن أم | قطام تبكي لا علينا | |
إنا إذا عض الثقاف | برأس صعدتنا لوينا | |
نحمي حقيقتنا، وبعض | القوم يسقط بين بينا |
- وفي هذا يقول أيضاً في قصيدة له طويلة :
يا أيها السائل عن مجدنا | إنك مستغبى بنا جاهل | |
إن كنت لم تأتك أنباؤنا | فاسأل بنا يا أيها السائل | |
سائل بنا حجراً، غداة الوغى | يوم يؤتى جمعه الحافل | |
يوم لقوا سعداً على مأقط | وحاولت من خلفه كاهل | |
فأوردوا سرباً له ذبلاً | كأنهن اللهب الشاعل |
- وإتجه إمرؤ القيس إلى اليمن، وأقام بها زمانا يطلب مددا من قومه. فجمع جمعا من حمير ومذحج أمده بهم الملك ذي جذن الحميري. فأتجه صوب بني أسد بذلك الجمع وانتقم من قاتل أبيه وذبح عمرو بن الأشقر سيد بني أسد. حينها أنشد الشاعر قائلا مزهوا بنصره :
قولا لدودان نجد عبيد العصا | ما غركم بالأسد الباسل | |
قد قرت العينان من مالك | ومن بني عمرو ومن كاهل | |
ومن بني غنم بن دودان إذ | نقذف أعلاهم على السافل | |
نطعنهم سلكى ومخلوجة | لفتك لأمين على نابل | |
إذ هن أقساط كرجل الدبى | أو كقطا كاظمة الناهل | |
حتى تركناهم لدى معرك | أرجلهم كالخشب الشائل | |
حلت لي الخمر وكنت أمرأ | عن شربها في شغل شاغل | |
فاليوم أسقى غير مستحقب | إثما من الله ولا واغل |
نهاية حياته
لم تكن حياة امرئ القيس طويلة بمقياس عدد السنين ولكنها كانت طويلة وطويلة جدا بمقياس تراكم الأحداث وكثرة الإنتاج ونوعية الإبداع. لقد طاف في معظم أرجاء ديار العرب وزار كثيرا من مواقع القبائل بل ذهب بعيدا عن جزيرة العرب ووصل إلى بلاد الروم إلى القسطنطينية ونصر واستنصر وحارب وثأر بعد حياة ملأتها في البداية باللهو والشراب ثم توجها بالشدة والعزم إلى أن تعب جسده وأنهك وتفشى فيه وهو في أرض الغربة داء كالجدري أو هو الجدري بعينه فلقي حتفه هناك في أنقرة في سنة لا يكاد يجمع على تحديدها المؤرخون وإن كان بعضهم يعتقد أنها سنه 540م، وقبره يقع الآن في تلة هيديرليك بأنقرة[7].
هناك قصة تقول أن الإمبراطور جستنيان غضب من إمرو القيس بعد مغادرته القسطنطينية،لأنه اكتشف أنه إغرى واحدة من أميراته، وأرسل رسولا مع سترة مسمومة قدمت في شكل هدية، وأن إمرو القيس ارتدى السترة واشتدبه المرض من جراء السم.[8]
ويقال بأن الروم، أي البيزنطيين، نصبوا له تمثالاً بعد مماته، كان قائماً حتى سنة 1262 [9] وهذا ما أورده ابن العديم بأن الخليفة المأمون قد مر بتمثال امرئ القيس بالقرب من أنقره أثناء غزوه للصافئة، وكذلك أخبر الزوزني بكتابه شرح المعلقات السبع[10].
لقد ترك خلفه سجلا حافلا من ذكريات الشباب وسجلا حافلا من بطولات الفرسان وترك مع هذين السجلين ديوان شعر ضم بين دفتيه عددا من القصائد والمقطوعات التي جسدت في تاريخ شبابه ونضاله وكفاحه. وعلى الرغم من صغر ديوان شعره الذي يضم الآن ما يقارب مئة قصيدة ومقطوعة إلا أنه جاء شاعراً متميزاً فتح أبواب الشعر وجلا المعاني الجديدة ونوع الإغراض واعتبره القدماء مثالا يقاس عليه ويحتكم في التفوق أو التخلف إليه.
ولذلك فقد عني القدماء بشعره واحتفوا به نقداً ودراسة وتقليداً كما نال إعجاب المحدثين من العرب والمستشرقين، فأقبلوا على طباعته منذ القرن الماضي، القرن التاسع عشر في سورية ومصر وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان التي تهتم بشؤون الفكر والثقافة.
امرؤ القيس من ناحية تاريخية
مثله مثل باقي شعراء العصر الجاهلي، الدلائل المادية على وجوده التاريخي تكاد تكون معدومة، لأن الثقافة التي حافظت على هذا الإرث كانت ثقافة شفهية. وأول جهود تدوين الشعر الجاهلي بدأت في القرن الثاني والثالث بعد الإسلام[11] أقدم الإخباريين العرب الذين أشاروا لإمرئ القيس كان ابن السائب الكلبي وهناك أربع روايات شفهية تم تدوينها عن حياته وقد أشار مؤلف كتاب الأغاني إلى ذلك[12] الغالب أن امرأ القيس كان شخصية حقيقية لإن لمحات من روايات الإخباريين موجودة في الكتابات البيزنطية الكلاسيكية، فجده الحارث بن عمرو الكندي مذكور ووجوده مؤكد في كتابات البيرنطيين. يذكر البيزنطيين شخصا قريبا للحارث بن عمرو اسمه كايسوس (قيس) كان ملكا على قبيلة كندة ومعد [13] ولكن التاريخ الحقيقي لهذا الشاعر غارق في الأسطورة [14] ومن أبر آثاره أنه نقل الشعر العربي لمستوى جديد [15] وتخليده لقبيلته في الذاكرة العربية [16] ولا زال يعتبر من أعظم الشعراء العرب الجاهليين [2]
مقالات ذات صلة
مراجع
- الجامع في تاريخ الأدب العربي لحنا الفاخوري، ص176. نسخة محفوظة 22 يونيو 2018 على موقع واي باك مشين.
- J. E. Luebering The 100 Most Influential Writers of All Time p.38 The Rosen Publishing Group, 2009
- أبو عبد الله, الحسين بن أحمد الزوزني (1993م). شرح المعلقات السبع ( كتاب إلكتروني PDF ). الدار العالمية.
- Suzanne Pinckney Stetkevych Reorientations: Arabic and Persian Poetry p.43 Indiana University Press, 1994
- "مولد امروء القيس" ( كتاب إلكتروني PDF ). مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 12 مارس 2020.
- الموجز في الشعر العربي -الجزء الأول صفحة28 - فالح الحجية
- "جريدة الأنباء". مؤرشف من الأصل في 09 مارس 2020.
- "Imru' al-Qais". Wikipedia (باللغة الإنجليزية). 2018-02-13. مؤرشف من الأصل في 07 ديسمبر 2019.
- Arabic theology, Arabic philosophy: from the many to the one, Richard M. Frank,James Edward Montgomery. p.60 نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- امرئ القيس نسخة محفوظة 27 يونيو 2018 على موقع واي باك مشين.
- Suzanne Pinckney Stetkevych The Mute Immortals Speak: Pre-Islamic Poetry and the Poetics of Ritual p.xii Cornell University Press, 2010
- Suzanne Pinckney Stetkevych The Mute Immortals Speak: Pre-Islamic Poetry and the Poetics of Ritual p.242 Cornell University Press, 2010
- Henning Börm, Josef Wiesehöfer Commutatio Et Contentio: Studies in the Late Roman, Sasanian, and Early Islamic Near East : in Memory of Zeev Rubin p.208 Wellem Verlag, 2010
- David Marshall Lang A guide to Eastern literatures p.39 the University of Michigan,1971
- Issa J. Boullata, Terri DeYoung, Mounah Abdallah Khouri Tradition and Modernity in Arabic Literature p.208 University of Arkansas Press, 1997
- Hamid Naseem Muslim Philosophy: Science and Mysticism p.45 Sarup & Sons, 2001