ثقافتنا الإسلامية صبغة الله والرحمة المهداة هو كتاب من تأليف توفيق علوان أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة البنات في الرياض، يتناول الكتاب الثقافة الإسلامية بشكل مستفيض، ثم يعرج على الثقافات الأخرى السماوية منها والوضعية على حد سواء، ويوضح أسس كل ثقافة والمرتكزات التي تقوم عليها، وانحراف هذه المرتكزات عن الحق والفطرة السوية، وقد قسم المؤلف كتابه إلى اثني عشر فصلا على النحو الآتي:
- الفصل الأول: هذه هي ثقافتنا الإسلامية.
- الفصل الثاني: خصائص الثقافة الإسلامية.
- الفصل الثالث: مفاخر الثقافة الإسلامية.
- الفصل الرابع: مخاطر تهدد ثقافتنا الإسلامية.
- الفصل الخامس: وباء اليهود.
- الفصل السادس: ثقافة الصليب.
- الفصل السابع: أخطبوط التبشير.
- الفصل الثامن: ثقافة الملحدين.
- الفصل التاسع: ثقافتنا الشافية.
- الفصل العاشر: غاشية العلمانية.
- الفصل الحادي عشر: المرأة المسلمة في وجه العاصفة.
- الفصل الثاني عشر: أمتنا المجيدة.
ثقافتنا الإسلامية صبغة الله والرحمة المهداة | |
---|---|
معلومات الكتاب | |
المؤلف | توفيق علوان |
اللغة | العربية |
الناشر | مكتبة الرشد |
تاريخ النشر | 2005 م |
الموضوع | الثقافة الإسلامية |
التقديم | |
عدد الصفحات | 471 |
المواقع | |
ردمك |
أسس الثقافة
كل ثقافة عرفها الناس تدور رحاها حول قطب للرحى تلوذ به، وتدين له، وتستمد منه قوتها وصبغتها، وتتفرع عنه طقوسها وتصاريفها، وترى ما هي عليه الحق وما سواها هو الباطل، ولا تقبل بغير السيادة التامة على سائر الحضارات.[1] وعلى فكرة التميز قامت الثقافات قديما وحديثا، بل نقول إن أية عقيدة وسواء كانت منسوبة إلى الله تعالى أو إلى البشر لا بد لها من ادعاء عنصر التميز لأصحابها، ولا يمكن أن تتمكن من البقاء ومواجهة الثقافات الأخرى، أو القيام على أنقاضها إلا بهذا الأصل الأصيل والركن الركين، إنه الذي يعمق التناقض بينها وبين غيرها ويعطيها الحق في الوجود، بل في البقاء والانتصار، وهو اعتقاد أصحابها أنهم بما يعتنقونه من مبادئ أكفأ وأجدر بالقيادة الفكرية والعلمية وأحق بالريادة.[2]
الثقافة الإسلامية
هي صبغة الله التي تصبغ الأمة الإسلامية بالصبغة الربانية وتشمل العقائد والعبادات والمعاملات والتراث وسائر العلوم والآداب والفنون والنظم الممكنة لها من الخلافة في الأرض.[3] وقطب رحاها المهيب هو التوحيد الذي هو إكليل غار على مفرق الأمة بين الأمم، ثم هذا الكتاب الأعظم الذي كان منية آمال الأنبياء والمرسلين، ثم هذا النبي أعظم شخص من ولد آدم، ثم هذه الأمة التي اختارها الله تعالى وجعلها خير أمة أخرجت للناس فهذه هي المرتكزات التي تتفرع عنها مبادئ الثقافة الإسلامية.[4]
أهم مميزات الثقافة الإسلامية
- ربانية المصدر، فهي تصدر عن الله تعالى مباشرة عن طريق الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ولا دخل للجهد البشري فيها إلا بما أبانه الله وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك بضوابطه الشرعية.[5]
- تستمد ذاتيتها ووجودها بناء على الأصلين الجليلين ألا وهما الكتاب والسنة.[5]
- تتميز في الغاية من وجودها عن سائر الثقافات؛ فالغاية العظمى من وجود الثقافة الإسلامية هي الخلافة في الأرض بما يترتب على هذا الهدف من تحكيم شرائع الله بين الناس دون السقوط في مركبات النقص الكامنة في النفوس البشرية، وما يعتري النفوس الإنسانية من شطط وهوة ونزق وأثرة وظلم إذا ما قدر لها أن تقوم بدور الهيمنة على الشعوب بعيدا عن شرع الله تعالى.[5]
- رسوخ العقائد بخيرية الأمة وعالمية الرسالة وثبات المذهب وقوامة الدين الذي يؤدي بالمسلمين حتما إلى شعور أكيد بمسؤوليتهم عن العالم فمنطقهم الرسوخ والعقيدة، وهو منطق الريادة على الأمم والقيادة والشهادة على الناس.[2]
- إنسانية النزعة والهدف عالمية الأفق والرسالة، تنظر إلى الناس بمقياس واحد لا تفسده القومية أو العنصرية أو الجنس أو اللون، وواضح أن هذه النزعة من أثر القرآن الكريم الذي يعلن أن الناس جميعا خلقوا من نفس واحدة، ذكر وأنثى.[6]
- الرابطة التي يجب أن تربط بين بني آدم هي رابطة العقيدة، بها يرتفع الإنسان وينخفض.[6]
- الثقافة الإسلامية باعتمادها على منابع الضمير الإنساني المتصل بالله خالق الكون ومدبره المطلع على الكبيرة والصغيرة وخطايا النفوس، لا يمكن أن تسمح بنتيجة من النوع الذي انتهت إليه الثقافة الغربية حيث قال أحد مفكريهم: " إن سوية جائرة خير من قضية عادلة"، وتجرأ الآخرون على القول: "إن التجارة هي السرقة الحلال". وفي الثقافة الإسلامية لا بد أن تكون الأخلاق المطلقة والمثل العليا هي مقياس الحركة والفعل والنجاح.[6]
- شاملة محيطة بخلاف كافة الثقافات، حيث وجد أن كل منها ضيقة متعنتة محددة سواء بقيمة بذاتها أو بزمان بعينه أو بمكان محدد، ومن أمعن النظر في المبادئ التي قامت عليها الثقافات رأى من ذلك عجبا.[7]
- وسطيتها التي تنبذ التطرف والغلو في الدين وهي من المفاخر العلية لثقافتنا البهية، فهي ثقافة وسطية لا غلو فيها ولا تفريط ولا تقعر ولا شذوذ، متزنة كفتي الميزان الذي لا يعول ولا يزيغ.[7]
- جمع الثقافة الإسلامية بين الدنيوي والأخروي وهو حدث هائل في تاريخ العالم، فبينما كانت الدنيا والآخرة في جميع الثقافات ضدين لا يلتقيان إذ بهما في الثقافة الإسلامية يكتسحان العالم في ملحمة ووحدة فريدة لا نظير لها في التاريخ.[7]
- الثقافة الإيجابية النابذة التواكل، والراغبة في إلحاح في تغيير العالم إلى الصورة التي يحبها الله تعالى ويرضاها.[8]
الثقافة الصليبية
الحملات الصليبية
لقد بدأت الحروب الصليبية في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي واستمرت حتى نهاية القرن الثالث عشر الميلادي أي ما يقرب من 225 عاما. في ثمان من الحملات المحمومة المندفعة المدججة حتى الأسنان بالسلاح في حشود جرارة متلاحقة، عبر جموع صليبية محمومة، قادتهم ليسوا العسكريين فقط بل الكهنة والرهبان الممتلئين بالحقد الأسود، والذين يحملون في أياديهم الأناجيل ويرفعون على رؤوسهم الصلبان، ويقذفون الإسلام ورسوله وأتباعه بأشنع الاتهامات بما تعفف أشد الأبسنة مرارة وبذاءة عن ذكره. ويؤججون نيران العداوة والبغضاء بين طيات الصدور المتحرقة الملتهبة لجنود الصليب المندفعين في موجات بشرية بلانهاية وهم ينشدون النشيد المقدس: (ها أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة، لأحارب الديانة الإسلامية، ولأمحو القرآن بكل قوتي). [9]
أما البداية فكانت مروعة مرعبة، يوم اقتحمت الحملة الصليبية بين المقدس ودخلتها عنوة من أقطارها على المسلمين في 15 يوليو 1099 م الموافق 3 رمضان 493 هـ، هنالك افتتحت أبشع الجرائم وأشدها هولا، لقد ذبع الصليبيون في اليوم الأول وحده ما يزيد عن 70 ألف من المسلمين المجرجرين في أغلال أذلة وهم صاغرون، حتى غاصت الخيل إلى صدورها في بحر رهيب متلاطم من الدماء.[10] أما مدينة أنطاكية فكان مصيرها أشد فظاعة ورعبا، لقد أجهز الصليبيون فيها على أكثر من 100 ألف مسلم تركت أجسادهم الممزقة أكداسا في الطرقات. ووجد الإسلام نفسه ولأول مرة في تاريخه منذ الفتوحات المجيدة في موقف فاصل لا حيلة في النجاة منه. إنها أعظم كارثة واجهها الإسلام عبر تاريخه المديد.[10]
لقد ماجت الفتنة وعظم الكرب وامتدت ألسنة الحرب العوان في في تهور واحتدام، غير أن أعظم المفاجآت بدأت تسفر فجأة عن وجهها، وهبت الطلائع الإسلامية المهيبة.[11] لقد سطرت سطور هذه الملحمة بما يجل عن الوصف، ولا يمكن للكلمات أن تصفه، يوم التقى الجمعان وارتطم الوحش الصليبي الهائج بالمارد الإسلامي المثخن بالجراح والمصمم على الخوض وسط الدماء حتى نهاية الطريق.[12] وبعد قرنين كاملين من الحروب الدامية ارتدت الحملات الصليبية مذؤومة مدحورة بعد أن تكسرت نصالها، وفلت شوكتها، وهدأت السماء والأرض وانقشع الغبار ودخل صلاح الدين الأيوبي بين جنود الله تعالى المسلحين بالحديد المسجد الأقصى.[12]
الاستعمار الصليبي
في القرن الرابع عشر الهجري انقضت صاعقة على وجه الأرض، وخاض الإسلام معركة فاصلة أمام الصليبية الشاكية سلاحها والمندفعة في تهور لتحطيم كيان دولة الإسلام. كان الهجوم صاعقا ومتمثلا في استخدام أحدث الوسائل العلمية وهي ثمار التقدم العلمي الهائل الذي انفتحت به أبواب السموات والأرض أمام علماء الغرب. كذا كان الهجوم النظري عن طريق التشكيك في الدين عموما، وفي الإسلام خصوصا ووصفه بأبشع الصفات من التخلف والجهل والهمجية وغيرها مما ابتدعه الصليبيون الغربيون وروجوا له وسار وراءهم الكثيرون من أبناء المسلمين. وسقطت أعداد كبيرة ضحايا هذا الهجوم العقلي الفكري المدمر بعدما سقطت مساحات هائلة من أراضي المسلمين تحت قبضة الصليبية والغرب الكافر. لقد كان على المخلصين في هذه اللحظات الفاصلة من تاريخ الإسلام المواجهة الفكرية على ساحات القلوب والعقول والمواجهة الجهادية على ساحات المعارك الطاحنة فوق كل شبر من أرض الإسلام.[13] ولقد كان بريق أحدث المخترعات وأشدها إبهارا لأعظم العقول رصانة وحلما مؤد إلى حالة من الإحباط العام في أوساط المسلمين. وكان أمرا بديهيا أن يرجعوا إلى القرآن العظيم كتابهم العتيد وملاذهم الأمين، والذي كان طوال تاريخ الإسلام الحصن الحصين والركن الشديد. يبحثون فيه عن المخرج من الفتنة وعن النجاة من الحصار الكافر المضروب فكرا وواقعا على حاضرهم.[14] إنها المعركة الطاحنة والهجوم الضاري للهجمة الصليبية الاستعمارية الغربية عسكريا وفكريا وذلك لكسر شوكة المسلمين، وهدم مقاومتهم جنبا إلى جنب مع التشويش على معتقداتهم، وغزوا عقولهم وغسيل أمخاخهم.[14]
التبشير الصليبي
يقول المبشر رستز: (خابت دول أوروبا في الحرب الصليبية الأولى عن طريق السيف فأرادت أن تثير على المسلمين حربا صليبية جديدة عن طريق التبشير فاستخدمت لذلك الكنائس والمدارس والمستشفيات وفرت المبشرين في العالم وهكذا تبنت الدولة حركة التبشير لمآربها السياسية ومطامعها الاقتصادية).[15] عميات التبشير في العالم الإسلامي لا تقوم على حهود فردية أو حتى جماعية متفرقة لعدد من المؤسسات أو الهيئات كل بحسب ما تيسر له، بل الحق أنها تعمل وفق منظومة متكاملة خبيثة في حلقات تسلم كل منها للأخرى، لتحقيق الأهداف الإجرامية لتقويض البنيان الإسلامي وأهم الأهداف:
- تحويل المسلمين عن الإسلام ولو إلى الإلحاد وهو غرض يهودي مسطور بوضوح في البروتوكولات.[16]
- هدم هيبة الإسلام في نفوس معتنقيه، وزلزلة الصورة الشامخة بالتشكيك في العقاد والشرائع، بل وفي الله تعالى وشخص النبي صلى الله عليه وسلم.[16]
- بث الفتنة والتفرقة بين المسلمين.[16]
- وقف الزحف الدعوي الإسلامي في أوروبا وأمريكا عن طريق العمل على تشويه الصورة الجذابة للإسلام ووصفه بأشتع النعوت.[17]
- هزيمة المسلمين نفسيا بتشويه التاريخ الإسلامي، والحط من قيمة الحضارة الإسلامية بالمقارنات الزائفة بين علوم المسلمين وعلوم الغرب وآداب المسلمين والآداب الغربية.[17]
- معاونة الاستعمار الغربي.[17]
- خدمة الصهيونية العالمية عن طريق التمهيد للدولة الصهيونية التي تقطع النصرانية بحتمية إنشائها ليأتي المسيح.[17]
- إنشاء جيل من المسلمين يحب الأفكار الغربية.[18]
- الدعوة إلى الشعوبية والقومية كالفرعونية والفينيقية.[18]
أساليب التبشير
منظمة رابطة الرهبان لتنصير الشعوب والتي أسسها البابا بيوس بين عامي 1566 – 1572 م، وهذه الرابطة هي المؤسسة الوحيدة في العالم التي تتصدى بفاعلية للصراع بين الديانة المسيحية والإسلامية، فهي لا تبحث العلاقة بين المسلمين والمسيحيين باعتبارها مؤسسة ثقافية أو بحثية [18]، بل تعمل في صورة عملية بجيش يضم أكثر من مليون شخص للحد من انتشار الإسلام وازدراء المجاهدين.[19] وهذا الصراع لا يخلو بدون شك من العنصر العسكري، فالكاردينال كريشينسيو زيبة رئيس هؤلاء المبشرين الفاعلين يسمي العاملين معه (قواتي)، وهذا ليس من قبيل الصدفة كما أن العدد عنصر مهم في هذه الحرب حول العقيدة على مستوى العالم، ورابطة الرهبان لتنصير الشعوب موجودها وحدها في 40% من العالم المسيحي، ومعترف بها من 1081 أسقفية من ضمنها المسماة (مناطق الصمت) وهي كل مناطق العالم التي يحظر فيها على الكنيسة الكاثوليكية واقعيا كما في الصين والسعودية وفيتنام واليمن وكمبوديا، ورابطة الرهبان تضم جيشا قوامه 85 ألف قسيس و 450 ألف جمعية دينية وقدمت الرابطة أكثر من مليون مدرس تعليم مسيحي، وتخجوا من القسم المحارب للرابطة وهو يجوبون كل مكان في العالم من قرية لقرية، ومن مدينة لمدينة لإقناع المترددين بالعقيدة المسيحية، وتضم الرابطة أيضا 45 ألف مدرسة و1600 مستشفى و6 آلاف مؤسسة مساعدة و780 ملجأ لمرضى السرطان و12 ألف مؤسسة اجتماعية وخيرية حول العالم.[19]
الثقافة اليهودية
مصادر الثقافة اليهودية
- المصدر الأول: التوراة المحرفة، التي تتكون من خمسة أسفار: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر اللاويين، وسفر العدد (إحصاء قبائل إسرائيل)، وسفر التثنية (تكرار الشريعة).[20]
- المصدر الثاني: التلمود، وهي كلمة عبرية قيل إن معناها التعليم، وهو مرجعيتهم التي لها قدسية التوراة بل هو المفسر لها، وهو الشروح التي وضعها حاخامات اليهود في الشتات وهو كتاب سري وضعه هؤلاء الحاخامات في فترة زمنية امتدت من 400 إلى 600 سنة [20]، وبلغت مجلدات شروح التوراة والمسماة بالتلمود 20 مجلدا ضخما حتى صار لهذا السفر الضخم السيطرة على فكر اليهود والتحكم التام في عقيدتهم، وقد بدأت فكرة كتابته بعد السبي البابلي عام 539 قبل الميلاد، ثم تأسست لجنة الحاخامات عددها 120 لمتابعة كتابة التلمود واستمرت الزيادات والإضافات عبر هذا الزمن الطويل وحتى نهاية القرن الثاني بعد الميلاد، والتلمود مرجعية دينية ذات تأثير بليغ على اليهود ربما زاد عن تأثير التوراة ذاتها، وقد جعل منهم أمة فوق خلق الله جميعا تستعلي عليهم وتستحل دماءهم وأموالهم وأعراضهم وتستخدم في ذلك كل وسيلة وتعتبرها مشروعة مهما كانت موغلة في الدناءة واللؤم والقذارة.[21]
- المصدر الثالث: بروتوكولات حكماء صهيون، وهو كتاب يتضمن مجموعة مروعة من الخطط السرية للسيطرة على العالم باستخدام أشد الوسائل خسة ولا أخلاقية. وقد وجدت وثيقة رسمية استخرجت من المتحف البريطاني تؤكد أن البروتوكولات قد أودعت في محفوظاتها منذ 1906 م، وقد حكمت محكمة برن الألمانية بنشرها بعد مساجلات طويلة بين الناشر تيودور فيشر وبين اليهود الذي لجأوا إلى القضاء لإيقافها، وأخيرا صدر الحكم بتقرير البروتوكولات، وعندنا أن الأهم من حكم المحكمة هو التطابق الغريب بين ما قررته البروتوكولات من وسائل شيطانية كثيرة [21] ، وبين ما تم في الأمر الواقع فعلا وما زال يتم حتى الآن، وقوامها زرع الفتن دون هوادة بين الأفراد والأمم والجماعات، وإغراق العالم بالملهيات والمفسدات والسيطرة على الحكومات، بل تقليب الأمم واختراع الهيئات الوهمية، وتخدير الأمم والشعوب.[22] كل هذا للسيطرة على العالم أجمع. وما أنت راء أمامك الآن ناطق بأبلغ لسان بصنيعهم المشؤوم، فالأمم المتحدة ما هي إلا مرؤوسية يهودية تغض في استخدام مروع عن جرائمهم، والولايات المتحدة الأمريكية المسيحية الديانة هي التي تخضع خضوعا لا حراك فيه لأهواء اليهود الذين أقنعوهم بحتمية قيام إسرائيل ليخرج فيها المسيح المنتظر ثم تقوم الحرب الآخرة الكبرى التي ينتصر فيها اليهود والمسيحيون جميعا على المسلمين، وهي معركة كبرى مكتوبة في التوراة يؤمن بها النصارى واسمها (هرمجدون).[22]
أركان الثقافة اليهودية
- الركن الأول: أن اليهود هم شعب الله المختار والأمة المفضلة على سائر الأمم.[23]
جاء في سفر التثنية:
" | لأنكم شعب مقدس للرب إلهكم. فإياكم قد اختار الرب إلهكم من بين جميع شعوب الأرض لتكونوا شعبه الخاص. ولم يفضلكم الرب ويتخيركم لأنكم أكثر عددا من سائر الشعوب. فأنتم أقل الأمم عددا، بل من محبته وحفاظا على القسم الذي أقسم به لآبائكم... | " |
تثنية الإصحاح 7: 6-16.[24] قال الحاخام الأعظم في إسرائيل كوك: (الفرق بين روح اليهود وأرواح غير اليهود أكبر وأعمق من الفرق بين روح الإنسان وأرواح البهائم.) (وتبعا للقبالاه اللوريانية فإن الله خلق العالم فقط من أجل اليهود ووجود غير اليهود هو أمر ثانوي.) [25] أما التلمود فقد جعل غير اليهود (الجوييم) أحط من البهائم وأذل من الكلاب، ونصت البروتوكولات: (إن الجوييم خلقهم الله حميرا لشعب الله المختار، كلما نفق حمار ركبنا حمارا آخر). وفي التلمود: (إن الزنا بغير اليهود ذكورا وإناثا لا عقاب عليه لأن الأجانب من نسل الحيوانات).[25] وفي سفر التثنية:
" | أما مدن الشعوب التي يهبها الرب إلهكم لكم ميراثا فلا تستبقوا فيها نسمة حية بل دمروها عن بكرة أبيها. | " |
تثنية الإصحاح 20 : 16 – 18.[26] جاء في التلمود: (اهدم كل قائم، لوث كل طاهر، احرق كل أخضر، كي تنفع يهوديا بفلس) (اقتل من قدرت عليه من غير اليهود) (العن رؤساء الأديان سوى اليهود ثلاث مرات في اليوم).[27]
- الركن الثاني: أن ثمة ميثاقا إلهيا يربط اليود بالأرض المقدسة في فلسطين، وأن هذا الميثاق الذي أعطاه الله تعالى لإبراهيم ميثاق سرمدي حتى قيام الساعة.[23] جاء في سفر التكوين: في ذلك اليوم عقد الله ميثاقا مع إبرام قائلا:
" | سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات أرض القينيين والقنزيين والقدمونيين والحيثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين. | " |
15: 18 – 21.[28] وفي سفر يشوع:
" | كل موضع تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم. | " |
[29] فقد تبين دون أدنى شبهة أن اليهود على ما في عقيدتهم من غرائب إلا أنها ترتبط ارتباطا لا ينفصم ولا يلين عن وجودهم بهذه الأرض فلسطين وما حولها.[28]
- الركن الثالث: ربط الإيمان المسيحي بعودة المسيح بقيام دولة صهيونية، أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم.[23] حيث تقوم إسرائيل ليخرج فيها المسيح المنتظر ثم تقوم الحرب الآخرة الكبرى التي ينتصر فيها اليهود والمسيحيون جميعا على المسلمين، وهي معركة كبرى مكتوبة في التوراة يؤمن بها النصارى واسمها (هرمجدون).[22]
فهذه الثقافة تجمع في طياتها الأرض بالعقيدة بتفوق الجنس اليهودي بالعنف البالغ لتحقيق الهدف باحتقار العالمين واعتبار الأغيار لا قيمة لهم.[23] فاليهود هم العدو الأكبر والخطر الداهم على أمة الإسلام وعلى الحضارة والثقافة الإسلامية الغراء، وكل محاولة لتغطية وإخفاء هذا العداء لليهود بين المسلمين هي محاولة فوق أنها مضللة خادعة، فهي غير مطابقة للواقع المرير الذي تعيشه أمتنا ويراه الكافة رأي العين.[30]
الثقافة النازية
قامت النازية في ألمانيا وهي ثقافة تقوم على فلسفة القوة التي أرساها الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه [31] ، ووجدت التجسيد لمبائدها على يد أدولف هتلر الذي آمن بتفوق الجنس الألماني الآري، وأنه هو أصل الحضارات جميعها، وكان مذهبه أن نقاء العنصر من أهم الأمور في الحياة، فالناس مقدر عليهم بالهلاك ما لم يحافظوا على نقاء جنسهم ودماء عرقهم، وأن كل حضارات العالم قد انهارت وتحطمت بسبب الاختلاط العرقي، ولذا فالغاية الرئيسة والتي تأتي في المقام الأول وبخاصة في ألمانيا هي الحفاظ على نقاء العنصر، أما الفكرة المركزية الثانية هي أن الجنس الآري أو الجرماني جنس متفوق على كافة أجناس البشر. هذه الأفكار المغرقة في تطرفها إنما أراد الله تعالى أن يؤمن بها هذا الرجل ثم يقدر له التمكين في الأرض على غرابة أطواره ليتحقق الوعد الموعود بالتعذيب الذي لا يعرف الرحمة لليهود وصنائعهم من ماركسيين.[32]
قاد هتلر حزبا اكتسح الأحزاب في الانتخابات مع الأفكار الغريبة شديدة التعصب التي تبناها وهي تفوق الجنس الألماني، وتدني أعراق بقية الشعوب وخاصة اليهود الذين ناصبهم حالة من العداء المحموم [33] ، وقد حكم عليه بالسجن 5 سنوات قضى منها فقط 8 أشهر ونصف بعد محاولة انقلاب فاشلة [33]، وعندما سأله القاضي عن سبب تطلعه للحكم، وبأي حق يريد أن يحكم ألمانيا مع أنه ليست لديه أية مؤهلات دراسية ولماذا لا يرعى اعتبار لعلية القوم والعلماء والجنرالات والسياسيين كان رده: (إن المرء إذا رأى في نفسه القدرة على عمل الخير تقدم لعمله، هذا أمر طبيعي، فالطائر لا بد أن يغرد لأن الله خلقه مغردا ومنحه هذه الموهبة، فالرجل الذي ولد ليكون حاكما بقدرات كامنة فيه تؤهله لإدارة شؤون الناس والبلاد لا بد أن يتقدم لأداء قدره الإلهي المكتوب).[34]
ولا بد من القول هنا أن هذه الثقافة القائمة على العنف والعنصرية والقوة كمرتكز أساسي لتميز الجنس الآري قد آمن بها الألمان جميعهم تقريبا في حياة هتلر، وما حققته من انتصارات مدوية على العالم أجمع أول الحرب إنما كان لأنها عقيدة تقوم على رحى وقطبها أفضلية الجنس الألماني، مع اعتبار اليهود هم الحشرات المفسدة التي يجب القضاء عليها قضاء مبرما بحيث لا تبقى منها بقية.[34] وفي كتابه الشهير كفاحي قسم هتلر البشر إلى قسمين: صناع الحضارة، وهادمو الحضارة واعتبر الآريين هم صناع الحضارة عبر التاريخ.[34]
وشن هلتر حملة على الحكام المتهمين باليهودية والشيوعية قبل وصوله إلى السلطة حيث كان يقود الحزب النازي فكان يقول: (لا أرى في الرايخ الألماني الحالي ديمقراطية ولا جمهورية، بل حظيرة خنازير ماركسية يهودية دولية.) [35] لقد وصف هتلر اليهود بأقذع الصفات وبأنهم فئران قذرة وجراثيم طفيلية وحشرات مصاصة للدماء وظالمون عتاة، ولم تكن هذه الأفكار مجرد شعارات تطلق للتأثير، فقد تم تطهير ألمانيا من الأطباء والمحامين والقضاة والمدرسين والممرضين اليهود، وتم تقييد نشاط رجال الأعمال اليهود حتى الإفلاس، وتم حجب اليهود تماما عن المسرح والسينما والصحافة ووسائل الإعلام، وصدرت الأحكام بمنع اليهود من ارتياد أماكن بذاتها أو شوارع بذاتها، كما حرموا التواجد في المنتزهات العامة أو قيادة السيارات، كما حرموا من التواجد في الشواطئ والمنتجعات والاختلاط بالألمان على الإطلاق، وأجبر كل يهودي ويهودية على وضع إشارة صفراء بها نجمة داود لتمييز أنفسهم كوباء، وتحت وطأة التعذيب فر كثير من يهود ألمانيا إلى الحياة في أي مكان آخر، ولم يبق إلا اليهود الفقراء الذين حالت ظروفهم دون التمكن من الهرب فتواروا في ذعر داخل أحيائهم الخاصة.[35]
وأثناء الحرب العالمية الثانية تمت آخر فصول هذه المجزرة بأن فتحت أبواب العذاب على مصراعيها لليهود، أما الشيوعية التي أسسها اليهودي كارل ماركس فقد كانت الحرب على الاتحاد السوفيتي هي التعبير العملي لها، وقد افترت هذه الحرب على قتل 20 مليونا من الروس وتدمير عشرات المدن ووصول القوات الألمانية إلى مشارف موسكو حتى كانت النتيجة الفاصلة للحرب في ستالينجراد ومعها تحولت الحرب جذريا وبدأ نجم هتلر بالأفول حتى انتحر في نهاية المطاف، وكان اليهود المقضي عليهم في كل دولة دخلها هتلر.[36]
الثقافة الشيوعية
اندلعت الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917 م وتم هدم النظام القيصري، وقامت ثقافة شديدة الكفر والهدم غير أن مرتكزها هو الإلحاد والحتمية التاريخية، الجدلية التاريخية (الديالكتيك) وقيادة البروليتاريا ( الطبقة العاملة) التي وصفت بأنقى الصفات، والتي قيل أنها هي الوارثة الطبيعية للحلم الشيوعي وأن حكم الطبقة العاملة هو نهاية التاريخ، قفامت على تمييز الطبقة العاملة وفي المقابل اعتبرت البرجوازية أو الطبقة الرأسمالية هي ممثلة العفن والتخلف والرجعية والانحطاط الأخلاقي والجشع وامتصاص الدماء والاستغلال وغير ذلك من قاموس السباب المرير.[37]
والذي أرسى مبادئ الشيوعية كارل ماركس (1818- 1883 م ) صاحب كتب: المسألة اليهودية، وإفلاس الفلسفة، ورأس المال.[37] ولينين هو الرجل الذي تبنى أفكار كارل ماركس، وكان ماركسيا متطرفا أمضى في السجن 14 شهرا في سيبيريا، وأصدر كتابه المعروف: تطور الرأسمالية في روسيا، ولما انشق الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه انضم هو للأغلبية (البولشفيك) وبدا شخصية في غاية العنف، فحول أفكار كارل ماركس إلى واقع بمنتهى العنف والقوة والقسوة.[38] عندما مات لينين، خلفه ستالين الذي وثب إلى السلطة على غير ما وصى به لينين نفسه، حيث كان يفضل خلافة تروتسكي، ولكن ستالين تخلص مع من معه من تروتسكي، ثم تخلص بعدها من أقرب مستشاريه مثل سيرجي كيروف، ثم وجه تهمة الخيانة العظمى لكل زعماء الثورة الشيوعية منذ أيام لينين، وأعدمهم جميعا بعد إرغامهم على الاعتراف بهذه الجريمة، ثم أعدم المسؤولين عن إعدام السابقين، ثم امتدت المذابح إلى القوت المسلحة، وقتل 3 ملايين فلاح من طبقة الكولاك، وقام باحتلال بولندا بالاتفاق مع هتلر، وفرض عليها الشيوعية، وكذلك لاتفيا وأستونيا وليتوانيا، ولما تلملمت تشيكوسلوفاكيا اكتسحها بالقوة، واحتل جميع دول شرق أوروبا بعد هزيمة النازي. وابتلع دول إسلامية عريقة، مثل، تركستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان وغيرها من دول الإسلام.[39]
وقد قتل الشيوعيون عام 1934 م 300 ألف مسلم، ومات 3 ملايين مسلم جوعا لاستيلاء الروس على محاصيلهم وإعطائها للنصارى ليحلوا محلهم [39]، وبين عامي 1937 – 1939 م ألقوا القبض على 500 ألف مسلم أعدموا منهم عدد كبيرا منهم قاضي القضاة والمفتي وأهل العلم والصلاح ونفوا الباقين.[39]
فهذه سيرة هذه الثقافة الشريرة الإجرامية الدموية القائمة على الكفر بالله تعالى ومحو الإسلام من خارطة العالم، وسحق الشعب لصالح الحزب الشيوعي والتخلص دون رحمة من كل معارض.[40] ولما كان هذا المذهب على هذا القدر من التخريب والعنف والدموية والإرهاب ومناقضة الفطرة والإيمان، ومناقضة كل ما تعارف عليه البشر خلقا ودينا من لدن آدم عليه السلام وإلى وقتنا الحاضر هذا، فلقد دهمته الخلافات العنيفة والتشققات والتمزقات وبدأت بسرعة عجيبة تدب بين أتباعه ولم يمض أكثر من 70 عاما حتى انهار المذهب من أساسه، وتفكك الاتحاد السوفيتي القوة الضاربة الحامية له وتمزق وتفرقت مزقه شذر مذر، وتحولت كل دويلاته إلى أحضان عدوه اللدود العالم البرجوازي الرأسمالي، وهوت الشيوعية من حالق وصارت أثرا بعد عين وتحولت أمثولة ممسوخة وعبرة للمعتبرين، بعد أيام عزها إلى دولة متسولة تمد يديها إلى أعدائها الألداء الرأسماليين في الغرب ممتنة لكسرات الفتات القليلة التي تتعطف عليها بها، فقد تبين لك آمال هذه الثقافة لما ناقضت سنة الله تعالى في خلقه وباءت بالخسران العظيم.[41]
ثقافة الإلحاد
قاومت الكنيسة علماء الكونيات والعلوم التجريبية بدعوى مخالفة اكتشافاتهم لحرفية التوراة والإنجيل، وزاد تشديد القبضة الحديدية من جانب البابا الطين بلة، مضافا إليه الدور الرهيب الذي قامت به الرهبنة اليسوعية من إنزال العقوبات الأليمة بالمعارضين، وكذا دور ديوان التفتيش. كذا تراشق الفرق الدينية وتطاير الاتهامات المتبادلة، والتعدي على أرسخ القضايا الكنسية المتوارثة جيلا بعد جيل في أتون المناقشات الحامية بين الطوائف والرهبان، والكنيسة وخصومها من داخلها، كل ذلك مضافا إليه النزعة العقلية العلمية التي بدأ يفجرها رواد العلم الحديث بالفلسفة والتجارب العلمية، والحقائق المحسوسة التي تناقض صراحة أقوال الكتاب المقدس. والاستماتة في سبيل ترسيخ منهج المشاهدة والتجربة، وإن عارضت مقررات الكنيسة. هذا التهارج العظيم أدى إلى تفجر القضايا المرعبة، وظهور الكلمة المخيفة (الإلحاد) و(ملحد) (Athee)، و(ناكر المسيح) (Achriste)، حيث خرج من المسيحيين من كفر بكل شيء وأعلن ذلك صراحة.[42] في عام 1534 م قام أحد الطبيعيين من مقاطعة هينو، يدعى كوانتين يدعو إلى الاتحاد الحر والشيوعية المطلقة، وتكاثر أتباعه في مقاطعة نورمانديا.[43] وفي عام 1547 م كفر أحد الرهبان وخلع الثوب الرهباني ودعا إلى نفس التعاليم في مدينة روان، وكان رد البابا صاعقا. فقد أصدر حكما بإعدام كوانتين في مدينة تورنيه عام 1546 م.[43]
هذه البراكين المتفجرة ضد الديانة المسيحية رأسا، والمزلزلة أركانها في قلوب الناس، والتي تبنتها ألمع الشخصيات، وأشهر الأسماء، مثل الصحافي والناشر الذائع الصيت إيتان وليه الذي تبنى مذهب الطبيعية [44]، وتم اتهامه بأنه ملحد معضل كافر، وكان رد الكنيسة هائلا، حيث أعدمته حرقا في ميدان موبرت في باريس. ولكن قذائف الكفر بكل شيء لم تتوقف، فهذا بونافنتورا دي برييه في كتابه صنوج العالم الصادر عام 1538 م، يشن حملات لاذعة، منكرا الوحي والإنجيل والمسيح، أما الأسباني ميشال سرفيه، فأصدر كتابه مغالط الثالوث يندد بأصل عقيدة التثليث، ويشن الغارة عليها. فلما أحس بالخطر فر إلى جنيف، حيث طالته يد الكنيسة وتمت محاكمته، وكان الحكم المرعب: الموت حرقا عام 1553 م.[45]
لقد كانت هذه النزعات الرافضة لمعتقدات الكنيسة الأساسية من جانب الرهبان، وهذه الثورة الدافقة على مقولات الكتاب المقدس، من داخل الكنيسة، مندفعة كأثر حتمي لثورة العلوم الطبيعية، ذلك أن العلماء الطبيعيين لم يواجهوا ألغاز وطلاسم الكنيسة بنظريات تخيلية أو واجهوا الفلسفة الأرسطية التي لا فهم للمسيحية بدونها بفلسفة تخمينية أو آراء اجتهادية، لقد كانت ردود علماء الفيزياء والفلك والطب – على مسالمتها ووداعتها – زلزالا حقيقيا هدم كل شيء.[46] وكانت النظرة المعتمدة المقرة عند الكنيسة الكاثوليكية، أن أرسطو أحد الأنبياء الذين تجلى الله عليهم بنوره قبل أن يعلم ذاته للبشر، ولا يمكن فهم المسيحية من غيره [46] لقد بدا العلماء الطبيعيون أوثق الناس قاطبة بما يقولون، إذ يستحيل تكذيب المحسوسات أو أن تزيغ الرياضيات، وماذا عسى أرباب الديانة أن يجبيوا على جاليليو وكوبرنيكس وكبلر وهم يلزمون العلم بالمعادلات الرياضية، لا بالبلاغات الكلامية.[47] وماذا يقولون لوليم هارفي إذ يثبت بالتجربة العلمية المحسوسة شرود نظرية الثبات والسكون التي اعتبرها أرسطو عمودا ناصبا وركنا ركينا في فلسفته.[47]
هذا الاشتباك البالغ الضراوة بين ديانة محرفة مبدلة منسوبة ظلما إلى الله تعالى وإلى المسيح، وبين علوم واقعية مادية تجريبية مشاهدة تتفجر كالأتون الملتهب في قذائف متتابعة لوضع البشرية على مفترق طريق، وهكذا كانت الخاتمة بانهيار الديانة المسيحية انهيارا شاملا هائلا في نفوس أصحابها ونفوس مناوئيها على حد سواء، وإثباتها عدم استحقاقها لمجاراة العقل الإنساني والطموح الإنساني والفطرة الإنسانية، بما يقطع بأنها ليست هي التي أنزلها على الإنسان خالق الإنسان. وقد أثبتت هذه المعركة، وخاصة ما يتعلق بالبراهين العلمية الواقعية الدامغة على كذب الكتاب المقدس ومخالفته لحقيقة الأمر، أثبت هذا أنها ديانة محرفة، وأنه كتاب يستحيل أن يوحي به إله خلق هذا الكون.[48] لقد أثبتت هذه المعركة أن أن القرآن كان صادقا ولمدة ألف عام – قبل أن يرى العلم التجريبي النور ويصطدم في هذا العنف بنصوص الكتاب المقدس – إذ كان ينادي بالليل والنهار بأن التوراة والإنجيل إنما هي كتب محرفة مكذوبة لا يقرها الله تعالى على نفسه ولا على أنبيائه، حتى جاءت الاكتشافات الكثيرة في السموات والأرض والنفس لتثبت من غير جدل كثير وبصورة قاطعة دامغى لا التواء فيها أن القرآن كان صادقا في تبرئة الله تعالى من هذه الكتب، وتحميل الأحبار والرهبان المسؤولية الكاملة على النتائج المأساوية لتحريفهم كلام الله تعالى وافترائهم عليه، فبات الناس في كفر عظيم، وكانت النهاية الدامية التي أدت بالبشر إلى الكفر بالله والأنبياء جميعا.[49]
بدخول القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وبعد انفلات علماء الكونيات من أسر الكنيسة، وبعد لعق الجراح النازفة، والتقاط الأنفاس اللاهثة، وبوادر الأمن والطمأنينة بعيدا عن العيون المتوحشة للباباوات، والأظفار الدامية للكهنة والرهبان ومحاكم التفتيش، بدأت مرحلة جديدة تتميز بتأصيل الإلحاد والكفر، وترسيخ مفاهيم نبذ الدين، والانفصال الكامل وبصورة عقائدية عن كل ما هو سماوي. إنها الصبغة الفكرية الجديدة للثقافة الأوربية المعتمدة تماما على المنهج التجريبي، والمنطق العلمي ورفض كل ما هو غيبي غير محسوس.[50] وظهر ما يسمى بدين العقل، وقد ظهرت هذه الفكرة خافتة ضعيفة في القرن السادس عشر بين فرقة السوسيني التي طاردتها الكنيسة، ولكن هذه الديانة العقلية قد لاقت رواجا عظيما بين المفكرين في القرن الثامن عشر، بل تطور تأصيل الإلحاد، فاضطرب الأمر جدا بين الديانة العقلية والإلحاد، وبين إثبات وجود الله في الطبيعة.[50] فمن بين مؤيدي الوحي ولكنه يقول بالدين الطبعي نجد جون لوك ونيوتن، أما المنكرون للوحي رأسا غير أنهم يؤمنون بالدين الطبعي (الله في الطبيعة) فأمثال هيوم وفولتير وسبينوزا وديدرو، أما الملاحدة الخالصون فكانوا أمثال فيورباخ وآخرين.[51] ومع دخول القرن التاسع عشر، فقد تقاطر الفلاسفة والمفكرون في كثرة ملفتة للنظر، حيث تمت بهم البلية واستقر الأمر فلسفيا للإلحاد والكفر بالدين، وتثبيت القواعد وترسيخ الأسس بعيدا عن أي ضغط من الكنيسة وغيرها.[51] وجاء المفكرون وفلاسفة القرن العشرين ليسايروا إخوانهم أصحاب القرن التاسع عشر في ذات الأفكار الإلحادية مع إثرائها بحجج جديدة ومنطق جديد.[52] ثم جاء سارتر (1905 – 1980 م) بالوجودية الملحدة: (إن الإنسان في جوهره رغبة في أن يكون إلها، وعلى هذا يجب على الإنسان أن يبدع قيمه الخاصة دو اعتماد على أي معيار إلهي).[53] وهكذا انتهى الأمر فعليا باستبعاد فكرة الدين من عقل الثقافة الأوروبية، واعتبار الإنسان هو المعبود الجديد، والعلم هو الرسول الجديد، واعتماد الحرية الكاملة الغير مقيدة بأية شروط أو ضوابط.[53]
الثقافة العلمانية
العلمانية نسبة إلى العَلْم بمعنى العالَم، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي ( المعجم الوسيط)، وهي على غير قياس وهي منظومة فكرية ترفض كل ما هو ديني كنظام للحياة كما ترفض قيام الدولة على أساس ديني وترفض كل نظام أو قيمة تنتسب إلى الدين، وهي دعوة فجة إلى فصل الدين عن الدولة والتي قصدت من ورائها عزل الدين عن مناهج الحياة وعن السياسة والحكم والقضاء.[54]
وأما سبب ظهور هذا الفكر فقد أشبعناه عند ذكر المعركة بين العلم والدين التي انتهت بانتصار الدين فقرر تنحية الدين ورجاله عن الحياة وقصر دور الكنيسة بين جدران الكنائس، وبه صار العالم شخصيتان وتياران فكريان وعقائديان، فعلى مستوى الفكر قسمه العلمانيون إلى فكر مدني وفكر ديني وأما التعليم فمدارس دينية ومدارس مدنية، وأما القانون فقانون مدني، وأما الدين فلا يخضع له القانون لأنه مسألة شخصية محصورة خلف أبواب دور العبادة أو هو مسؤولية العبد أمام ربه، وهذا الفصام أسبابه معروفة وعلومة، وكان نتيجة مريرة للحرب الطاحنة الدائرة بين المسيحية واليهودية المحرفة وبين رواد العلم التجريبي الملحدين فالقصة بتمامها لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فلا الإسلام محرف ولا القرآن مجهول، ولا يوجد مسلم على وجه الأرض يعتقد أن تعاليم الله تعالى محصورة في المسجد، ولا يوجد مسلم يتصور عالم لا تحكم فيه الأحكام القرآنية، وقد تفاقم الوضع في أوروبا وتعقدت فصوله وطالت أذياله لمحاولة الكنيسة السيطرة على العلوم، ومحاولة أهل الحكم المدني التخلص بأي ثمن من ربقة الكنيسة. وماذا في الأحكام الكنسية يحكم به والإنجيل من أوله إلى آخره مواعظ في العزلة، فالإنجيل لم يشتمل على تعاليم للحكم وإدارة الحياة، ولا أهل الديانة المسيحية يمكنهم ذلك إلا بكثير من الاعتساف والتحكم.[54]
والكنيسة حكمت الناس لا بأحكام دنيوية، بل تحكمات وبدع أخروية حيث قانون الإيمان والخضوع التام للبابا وحكمه لأنه خليفة المسيح، وصكوك الغفران والتحكم في الجنة والنيران.[55] هذا الهرج والهثيان أدى بهم إلى عزل الدين تماما والتخلص من عبئه الثقيل، ولما كان أصحاب المسيحية ما زالوا في صراع لاستبقاء مملكتهم الدينية انتهى الأمر بتقسيم مناطق النفوذ بين الطرفين، فالدولة لها القانون والحكم والسياسة والاقتصاد وتعديل القوانين وإصدارها، والكنيسة لها مراسم الزواج وطقوس الوفاة ونظام الرهينة وغيرها، وهذا الفصل تعارفوا عليه باسم العلمانية.[55]
ونقول للمغلوبين على أمرهم ممن دعوا في بلاد الإسلام إلى العلمانية، ما علاقة الإسلام بكل ما حدث، إن نصوص القرآن والسنة كلها بحمد الله تعالى راسخة وثابتة كالصخر بين المسلمين، ألم يخرج المسلمون أعظم علماء العالم في شتى فروع المعرفة في عصورهم على سمع العالم وبصره.[55] ومع ذلك فقد فوجئت الأمة بالحصاد المر للمستشرقين والمنصرين وقد أصابت لوثة العلمانية عقولا وقلوبا مسلمة من بيوت مؤمنة حتى النخاع، وقد ذهبوا إلى بلاد الكفر فعادوا وقد تلونوا بالألوان، وصاروا سوائم تنقاد دون وعي لأمر سادتهم وكبرائهم، والعلمانية فكر قمئ عقيم له أسبابه المريضة، وهو يقوم على الملهيات والهزليات على أسس إعلامية، فركبوا وسائل الإعلام ليقوموا بأخس دور يمكن أن يقوم به فرد إزاء الملة التي ينتسب إليها، فإن النصارى ورغم الهزيمة البشعة المنكرة التي منيت بها الكنيسة في أوروبا لمناقضة مقولات الكتاب المقدس للعلم المعاين المحسوس، وهو قاطع في تحريفها وكذبها وعدم نسبتها إلى الله، ومع ذلك، فقد رأينا أصحاب الكنيسة لليوم يتمسكون بما هم عليه، بل ويبشرون به في بلاد المسلمين، ولقد آتيناك من ذلك ذكرا، فيالله العجب ممن ينتسبون للإسلام هو بريء من كل النقائص المذكورة.[55]
مراجع
- ثقافتنا الإسلامية، ص 7.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 8.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 29.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 169.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 32.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 33.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 9.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 10.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 222.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 224.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 225.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 227.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 217.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 218.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 243.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 244.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 245.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 246.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 247.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 181.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 182.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 183.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 186.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 187.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 199.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 200.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 201.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 191.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 197.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 185.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 207.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 208.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 209.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 210.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 212.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 213.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 173.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 174.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 175.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 176.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 177.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 283.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 284.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 285.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 286.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 287.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 288.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 303.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 304.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 306.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 307.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 311.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 312.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 353.
- ثقافتنا الإسلامية، ص 354.