لعل أكثر المعالجات المعمارية ارضاء فيما يخص التصميم السكني في البيئات الجافة باستمرار كبيئة البحر الأبيض المتوسط هو الفناء الداخلي التي تتوزع حولها الاروقة والغرف الاخرى. فمع شح المياه في هذه البيئات الا ان هناك تطورا ملحوظا في امدادات المياه إلى الأفنية التي تضم النوافير والبرك والنباتات التي تزيد من التبريد التبخيري (evaporated cooling) وتدخل في المناحي الجمالية أيضا.
هذا هو التحسين البيئي للفناء –وهو للان الأمثل لمقاومة الحرارة في الجدران، ومعدل التهوية، ومعدل التبخر -هذا هو الأكثر إرضاء.
وليام لوري لوري، وبورتر، أساسيات الرصد الجوي الحيوي
درجات التحكم
مصطلح درجات التحكم الإنساني في البيئة المحيطة فيه من حيث تغيير درجات الحرارة والرطوبة المحيطة يهمنا في فهم كيف يستشعر الإنسان الارتياح الحراري داخل الفراغات المختلفة، حيث ان استمرارية الفراغات المعمارية وترتيبها من الأقل إلى الأكثر تحكما بيئيا يكون : الريف، الشارع، الأفنية، الأروقة والممرات، وأخيرا الغرف.
ان التباين بين الأقل والأكثر راحة من في الفراغات المعمارية المتصلة يزيد من الرضا الحراري في تلك الفراغات الأكثر تحكما كالغرف والاروقة والافنية الداخلية حيث تكون أكثر خصوصية وشخصية، التباين الأكثر دراماتيكية والذي يستشعره الإنسان بصورة واضحة يكون عادة بين حرارة الشارع وحرارة الافنية وهذا ما يعزز بشكل كبير الإحساس بالانتقال من المساحات العامة إلى المساحة الخاصة من المساحات القاحلة إلى المساحة المزهرة من الصخب إلى الهدوء من الخشونة إلى النعومة.
قد يفاجأ البعض من الذين يتوقعون مناخ داخلي ثابت بأن سكان المباني ذات الفناء غالبا ما يختارون الممرات والاروقة التي تقل السيطرة الحرارية عليها لممارسة أنشطتهم، بدلا من معظم الغرف التي يمكن ان تسيطر عليها حراريا بواسطة أجهزة التكييف، وببساطة، فإن الممرات عادة ما تكون أماكن أكثر إثارة للاهتمام للتواجد فيها.
ما هو الارتياح الحراري في مباني الافنية الموجودة في بيئات تقليدية حارة؟
- أولا : يعتمد الشعور بالراحة الحرارية في المبنى بشكل رئيسي على الكتلة الحرارية للمبنى (ناخذ في عين الاعتبار عدد الدرجات الحرارية التي ستتغير وساعات تغييرها ومتى تصل ذروتها واقل درجة حرارة تصلها
- ثانيا : تعتمد على المحيط الشخصي لعملاء المبنى، وتسمى الحرارة الناجمة عنهم " الإبحار الحراري “ thermal sailing " وهذا يتضمن سقاية نباتات الافنية وفتح أو اغلاق اجهزة وعناصر حجب الشمس والملابس التي يرتديها المستخدمون
- ثالثا : يعتمد على قبول سيطرة أقل حراريا وهذا متاح من خلال أجهزة تكييف الهواء التقليدية
ترويض المناخ
تمثل الباحات أو الافنية الداخلية محاولة لجلب قوى الطبيعة تحت سيطرة الإنسان جزئيا. هذا هو إلى حد ما مثل محاولة لإطعام الحيوانات البرية بانتظام، ولا أحد يستطيع أن يجزم متى أو كم ستكون كمية هذا التفاعل وإلى ماذا سيؤدي تماما. يمكن وصف التوقعات الحرارية في الفناء بأنه "لا يمكن التنبؤ بها إلى درجة كبيرة أو مقبولة." حيث تقوم هذه الافنية بمضاعفة بعض الظواهر المناخية، مثل ضوء النهار، وتخفف ظواهر أخرى، مثل طاقة الرياح. باختصار نستطيع اعتبارها فتحة أفقية تتخللها عناصر الطبيعة مما يكسبها عدة خصائص :
في فصل الشتاء تكون زاوية الشمس منخفضة في السماء، وبالنتيجة سيكون الفناء في معظمه مظللا على الاض والجدران باستثناء السطوح التي توازي خط الاستواء، والتي تواجه أشعة الشمس المباشرة أكثر من الفصول الأخرى بكثير.
اي ان هذه الفتحة الأفقية (الفناء) ستوفر التعرض الشامل لقبة السماء، الباردة جدا في ليلة صافية وبالتالي ستزيد من شدة البرودة في موسم الشتاء البارد والليل الطويل.
كما أن هذه الفتحة الافقية تزيد أيضا الحرارة في الموسم الحار، وذلك لأن الشمس ترتفع في السماء، ويمكن ان تخترق أشعتها بسهولة فتحة أفقية، حيث تصبح ثلاثة جدران معرضة للشمس بالإضافة إلى جزء من الأرضية باستثناء الجدار المواجه للقطب الشمالي وظله على الأرض. ويقابل هذا في المساء ازاحة جزئية في درجات الحرارة حيث تكون السماء صافية أبرد.وبالتالي الفناء لا يضمن الراحة الحرارية في الفراغات المحيطة.
ففي دراسة أجريت عام 1996 في بغداد على المساكن القديمة التي بها افنية داخلية والجديدة التي بدون فناء، للباحثين رائد حنا وبول سيمبسون، من مدرسة ماكينتوش للهندسة المعمارية في جامعة غلاسكو، وجدت أن المنازل الجديدة تتفوق في أن درجات حرارة الفراغات اقل منها في المنازل القديمة في شهري يوليو وأغسطس.
وقد وجدت الدراسة ان الاسقف غير معزولة في كلا النمطين من المنازل، وما حصل ان بيوت الافنية كانت كثافة المتجاورات التي تحيط بها أعلى والجدران كانت اسمك بمرتين وهذا ما اعاق تهوية المنزل واعتبر الباحثين التهوية متغيرا هاما في كفاءة البيوت ذات الافنية، كما خلصت إلى ان الراحة في الفناء، تكون أفضل في الأيام الحارة والجافة والليالي الصافية الباردة لتشع الحرارة بعيدا إلى السماء، أو في الأيام الباردة ولكن مشمسة في خطوط العرض الأدنى حيث تغلغل الشمس إلى الجدران والأرضيات.
كما تكون الراحة الحرارية في الفناء، أسوأ في المناخ الحار والرطب، حيث قلة الرياح المتاح للتخفيف من الجو الخانق، أو تلك الباردة والغائمة في خطوط العرض العليا، حيث ان القليل من الاشعة الشمسية خلال فصل الشتاء يمكن ان تصل للاسطح لتوفير الدفء.
حتى في واحدة من أفضل المناخات، في الأندلس في جنوب إسبانيا، لا تزال هناك مشكلة في اختيار عمق الفناء الفناء العميق يبقى باردا في الصيف لكنه يستبعد من أشعة الشمس للدفء في الشتاء.
يبدو أنه من الأفضل عموما تصميم افنية أعمق في مناخات كمناخ البحر المتوسط، لأن عملية التدفئة أسهل للتحقيق من التبريد. الساكن من مبنى فناء بارد في فصل الشتاء يمكن أن يحرق مجموعة متنوعة من أنواع الوقود (الخشب، والكيروسين) في أجهزة التدفئة بسيط، ويمكنه ارتداء ملابس أكثر دفئا، يمكن تناول الأطعمة الحارة، كما يمكنه أن يزيد من نشاطه في مواجهة البرد.
في المقابل، لو كان هناك سكان في مبنى فناء ساخن في الصيف وعدد أقل من التكنولوجيا المنخفضة ستكون خياراته؛ الجلوس قرب كتلة من الجليد، وتشغيل مروحة (تتطلب الكهرباء)، وشرب السوائل الباردة. عدد أقل من الملابس، أو انخفاض النشاط، نادرا ما تكون الخيارات التي تساعد كثيرا (أو واقعية). وامام هذا الواقع فانه يتم ترتيب الفراغات المعمارية بحيث نجعل المساحات باردة في الصيف أكثر من جعلها أكثر دفئا في فصل الشتاء.
تجنب اكتساب الحرارة
التظليل، أو تجنب اكتساب الحرارة، هي القاعدة الأولى في تحقيق الراحة الحرارية في البيئات ذات المناخ الحار والجاف. في حين الفناء هو بالتعريف فراغ افقي مفتوح على قبة السماء، بالإضافة إلى أسباب أخرى كأشعة الشمس الحارقة لمدة لا تقل عن تصفية مؤقتة لهذه الفتحة، والرياح المتربة، والخفافيش أو غيرها من المتسللين من فوق.
شبك واسع على مساحة الفناء، على سبيل المثال، يعمل على احباط الدخلاء. واحد من الامثلة فناء داخلي في كوليما، فإنه أصبح معرشا لمزارع الكروم ويعمل كحاجب جزئي للشمس حيث تقلل من ضوء النهار والرياح على حد سواء. ولكن بمرور من خلال الرياح لهم، فانها تعمل على تعزيزه وتبريده من خلال المعرش وزيادة سرعته.
أما فناء مطعم في أواكساكا فقد تمت تغطيته بكرمة ورودالخزامى المزهرة، مما جذب النحل والطيور الصغيرة. وقد تم رفعها بعيدا عن رؤوس الناس بما يسمح لهم بالسير بكل اريحية دون عوائق وبما يسمح لللأوراق العليا امتصاص أشعة الشمس وتكوين الظل على الاسطح اما لأوراق السفلى فتعمل على تبريد الهواء، وبالتالي الحفاظ على برودة الهواء فوق رأس الزبائن. (هذه الكرمة، شائعة في أواكساكا، ولها العديد من الأسماء؛. المفضل لدي كان rompe platos بالإسبانية ويقابلها بالعربية كسر الصحون، لأنه، كما تقول الأسطورة، في حال قطف واحدة من أزهارها بدلا من تركها تسقط، فانك ستكسر صحنا عليك الخروج من لوحة عالم النبات توم اوجرينا يشير إلى انه قد يكون تونبرغية كبيرة الأزهار thunbergia grandiflora.
القماش كاداة للتظليل واسع الانتشار والاستخدام لان نسيجه ضيق الشبكة، وهو يمكن تصميمه وتوضيعه بدرجات متفاوتة كمصدات لاشعة الشمس المباشرة (90 في المئة هو أمر شائع جدا). انه لا يزال يسمح نسبة مئوية صغيرة من أشعة الشمس المباشرة عن طريق مساماته الضيقة، لذلك لا تزال هناك أنماط من النور والظل تحتها. كمية الضوء والحرارة تنخفض بنسبة كبيرة ومع ذلك فانه يوفر اضاءة كافية تجعل الرؤية واضحة بشكل مدهش، فمطعم على حافة المناطق الاستوائية في سالتا، الأرجنتين استفاد من بريق الشمس المباشرة على واجهاته واسطحه، ولكنه يحصل على القليل من حرارتها.
هل الظل الناتج عن نسيج الاقمشة (قماش التولدو مثالا)أفضل من النباتات؟
إذا كان الفراغ مفتوحا، يكفي تركيب القماش على جدار واحد. مثل شجرة كبيرة، يعطي قماش التولد ظلا على الفناء كله، وخلافا للشجرة، يجب ازالتها في وقت مبكر من المساء لضمان التهوية الجيدة والتبادل الحراري الإشعاعي مع طبقات الجو المختلفة.
والتولدو يساهم في تغيير الجو المحلي، وتوفير المزيد من التحكم البيئي ولهذا نجح إلى حد كبير. مع ظلها خلال النهار، فإنه يفضل أكثر حساسية السرخسيات والكرمات.
ومن الخصائص الرئيسية للتولدو هو درجة الشفافية التي يسمح بها وإمكانية ادخال الوان عليه مما يؤثر في اظهار الفراغ المعماري وحيث ان لألوانه اثار نفسية وفيزيائية حيث قد تحد الألوان من نمو النباتات داخله وتؤدي بعض الألوان إلى تغيير في الوان بشرة الإنسان بصريا مما قد يؤثر في سلوكه كاستخدام الألوان الزرقاء والخضراء فيصبح لون البشرة شاحبا باردا بينما تعزز الألوان البرتقالية والصفراء من نشاط الإنسان وهناك ايضاغطية التولدو المحايدة اللون البيضاء لتحل هذه المشكلات الا انه في الوقت نفسه تعاني هذه الاقمشة من مشكلات في الصيانة وحاجة للتنظيف المستمر حيث قد تعلق بعض الأوساخ عليها فيؤدي ذلك إلى انعكاس ظلال الأوساخ داخل الفراغ المعماري.</ref>
كما تواجه مشكلة بصرية حيث تكون نهايات التولدو متوهجة وتصبح اسطحها سخانات ضخمة مشعه مم يقلل من الراحة الحرارية في الفراغ اسفلها، مشكلة أخرى يجب معالجتها أثناء تصميم التولدو وهي ميلانه حيث قد يؤدي تراكم الأمطار عليه إلى انهياره لذلك لا يستعمل التولدو دون معالجة في الافنية الداخلية بل يبقى استعماله في المساحات المفتوحة لضمان التهوية الجيدة ولتفعيل استراتيجيات التبريد الموجودة في الفناء أساسا كالتبخر واستخدام مواد بناء واسعه النطاق والتلاعب بالكتل لخلق أكبر مساحة من الظلال
هذا المقال ترجمه بتصرف عن مقالة Thermal Delight in Courtyards : http://www.architectureweek.com/2001/1212/environment_1-2.html
Courtyards: Aesthetic, Social, and Thermal Delight, by John S. Reynolds. : http://www.amazon.com/Courtyards-Aesthetic-Social-Thermal-Delight/dp/0471398845
المراجع
<http://www.amazon.com/Courtyards-Aesthetic-Social-Thermal-Delight/dp/0471398845/>