الجريمة والعقاب (بالروسية: Преступление и наказание) هي رواية كتبها الروائي الروسي فيودور دوستويفيسكي. نُشرت لأول مرة في المجلة الأدبية الرسول الروسي في صورة اثني عشر جزء شهريا أثناء عام 1866 [1] ثم نُشرت لاحقا في مجلد واحد. الرواية هي ثاني روايات دوستويفيسكي الكاملة بعد عودته من منفاه لخمس سنوات في سيبيريا. وتُعتبر الجريمة والعقاب هي أول رواياته العظيمة في مرحلة "النضوج" في كتاباته. [2]
الجريمة والعقاب | |||||
---|---|---|---|---|---|
(بالروسية: Преступленіе и наказаніе) | |||||
معلومات الكتاب | |||||
المؤلف | فيودور دوستويفسكي | ||||
البلد | روسيا | ||||
اللغة | روسية | ||||
تاريخ النشر | 1866 | ||||
النوع الأدبي | رواية | ||||
الموضوع | قتل عمد | ||||
التقديم | |||||
عدد الأجزاء | جزئان | ||||
عدد الصفحات | 980 | ||||
المواقع | |||||
OCLC | 26399697 | ||||
|
تركز الجريمة والعقاب على الصراع النفسي والمعضلة الأخلاقية لروديون راسكولنيكوف وهو طالب سابق فقير في سانت بيترسبيرج والذي يرسم خطة لقتل مرابية عديمة الضمير من أجل مالها. قبل قتلها، يرى راسكولنيكوف أنه بمالها يمكنه تحرير نفسه من الفقر وأن يقوم بالعديد من الأعمال الخيرة، إلا أن الحيرة والتردد والحظ يفشلون خطته لقتل مبررِ أخلاقيا.
الكتابة
توصل دوستويفسكي إلى فكرة الجريمة والعقاب في صيف عام 1865. في هذا الوقت كان مدينا بكميات كبيرة من المال للدائنين وكان يحاول مساعدة عائلة أخيه ميكائيل الذي مات في أول عام 1864. [3] عرض دوستويفسكي قصته على الناشر ميكائيل كاتكوف والذي كانت مجلته الشهرية الرسول الروسي مجلة ذات قيمة كما كانت بداية ظهور ليو تولستوي وإيفان تورجينيف. إلا أن دوستويفسكي كان قد خاض مناقشة مؤلمة مع كاتكوف في أوائل 1860، لذا فقد فضل عدم نشر أي شئ في صفحاتها. إلا أنه وكما أجبره الموقف حيث لم تتلق روايته القبول في أي مكان آخر، اتجه دوستويفسكي إلى كاتكوف كملاذ أخير. [4] في خطاب إلى كاتكوف كتبه في سبتمبر من عام 1865، شرح دوستويفسكي إليه أن العمل سيكون حول شاب يخضع إلى أفكار غريبة معينة غير منتهية إلا أنها لا تزال تحوم في الأجواء،[5] لذا فقد قرر خوض خطته لاستكشاف المخاطر الأخلاقية والنفسية لأيدولوجية "التطرف".[6] في الخطابات المكتوبة في نوفمبر من عام 1865 حدث تغير مفهومي هام وهو أن "القصة" أصبحت "رواية" ومن هذه اللحظة فصاعدا سيُشار إليها بأنها رواية الجريمة والعقاب.[7] كان على دوستويفسكي أن يسابق الزمن لينتهي من كل من المقامر والجريمة والعقاب في الوقت المحدد. كانت أنا سنيتكينا عونا كبيرا له في مهمته الصعبة[8] والتي كانت كاتبة بالخط المجموع والتي ستصبح لاحقا زوجته الثانية. نُشر الجزء الأول من الجريمة والعقاب في يناير 1866 في الرسول الروسي، ونُشر الجزء الثاني في ديسمبر 1866.[9]
في الإصدار الكامل لأعمال دوستويفسكي والمنشور في الإتحاد السوفيتي، قام المحررون بإعادة تجميع وطباعة الدفتر الذي احتفظ به الكاتب طوال فترة كتابته للجريمة والعقاب.[10] بسبب هذه الأعمال، هناك حاليا كتابات متقطعة من القصة بالإضافة إلى إصدارين آخرين للنص. عُرفت هذه الإصدارات بإصدار فيسبادن وإصدار بيتسبيرج والخطة الأخيرة. يركز إصدار فيسبادن بشكل كامل على ردات الفعل الأخلاقية والنفسية للراوي بعد القتل لذا فهو يتشابه تماما مع القصة التي وصفها دوستويفسكي في خطابه إلى كاتكوف. [11]
الحبكة
روديون رومانوفيتش راسكولنكوف هو طالب حقوق سابق يعيش في فقر شديد في حجرة صغيرة بالإيجار في سانت بيترسبيرج. تخلي راسكولنكوف عن كل محاولاته في إعالة نفسه ورسم خطة لقتل وسرقة المرابية العجوز أليونا إيفانوفنا. أثناء التفكير في خطته، تعرف على سيميون زاخاروفيتش مارميلادوف وهو سكير قام بتبديد ثروة عائلته الصغيرة. يخبره مارميلادوف عن ابنته المراهقة سونيا والتي قررت أن تصبح عاهرة لتعول العائلة. يتلقى راسكولنكوف رسالة من والدته تتحدث فيها عن قدومهم لزيارته في سانت بيترسبيرج وتشرح مشكلة أخته دونيا والتي تعمل مدبرة منزل ورئيس العمل سئ النية. للهرب من موقفها الصعب وأملا في مساعدة أخيها، اختارت دونيا الزواج من عاشق غني. غضب راسكولنيكوف بشدة داخليا من تضحيتها حيث شعر بأنها فعلت مثل ما كانت سونيا مجبرة أن تفعله.
بعد الكثير من التأني، تسلل راسكولنكوف إلى شقة أليونا إيفانوفنا حيث قتلها بفأس كما قتل أيضا أختها نصف الشقيقة ليزافيتا والتي كانت شاهدة على مسرح الجريمة مصادفة. لصدمته من فعلته، لم يستطع سرقة سوى حفنة من الأشياء وحقيبة صغيرة تاركا الكثير من ثروة المرابية كما هي. يهرب راسكولنكوف بعد ذلك وبسبب تسلل من الأحداث يستطيع الهرب دون أن يراه أحد.
بعد جريمة القتل الغير متقنة، أصيب راسكولنكوف بحالة حمى وبدأ القلق بشدة حيال القتل. خبأ راسكولنكوف الأشياء المسروقة والحقيبة تحت صخرة وحاول بيأس أن ينظف ملابسه من الدماء أو من أي أدلة ثم أصيب بالحمى لاحقا في هذا اليوم بعد أن اتصل بصديقه القديم رازوميخين. مع قدوم وذهاب الحمى في الأيام التالية تصرف رازوميخين كما لو كان يريد خيانته حيث أظهر ردود أفعال غريبة لأي ذكر لقتل المرابية والذي أصبح حدثا في المدينة وانتشر الحديث عنه. في هذيانه أخذ راسكولنكوف يمشي في شوارع سانت بيترسبيرج حيث جذب الانتباه إليه أكثر وأكثروعن علاقته بالجريمة. في أحد مرات مشيه في المدينة التقى بمارميلادوف الذي ضربته حافلة على نحو قاتل. أسرع راسكولنكوف لمساعدته ونجح في نقله إلى شقة عائلته حيث يموت مارميلادوف بين أيدي ابنته سونيا وهو يطلب منها أن تسامحه. يعطي راسكولنكوف آخر عشرين روبل معه (من المال الذي أرسلته له والدته) إلى زوجة مارميلادوف المصابة بالسل كاترينا إيفانوفنا قائلا أن هذا رد لدين صديقه.
في الوقت نفسه تصل والدة راسكولنكوف بولخيريا ألكسندروفا وأخته أفدوتيا رومانوفنا (دونيا) إلى المدينة. كانت دونيا تعمل مدبرة منزل حتى هذه اللحظة لكنها أجبرت لكونها كبيرة العائلة على الزواج من إيفانوفتش. كان إيفانوفيتش رجلا متزوجا ثريا لكنه كان منجذبا إلى جمال جسد دونيا وإلى صفاتها الأنثوية وعرض على دونيا الثراء والهروب معها. بخزي، هربت دونيا وخسرت مصدر دخلها فقط لتقابل بيوتر بيتروفيتش وهو رجل ذو دخل محدود. كان بيتروفيتش قد تقدم للزواج من دونيا وبالتالي سيؤمن لها ولعائلتها أمانا ماديا بشرط أن تقبله سريعا وبدون أسئلة. ولهذه الأسباب قدما إلى سانت بيترسبيرج لمقابلة بيتروفيتش وللحصول على موافقة راسكولنكوف. إلا أن بيتروفيتش كان قد اتصل ب راسكولنكوف وهو في حالة من الهذيان وقدم نفسه كرجل أحمق معتد بنفسه ووقح. رفضه راسكولنكوف فورا كزوج محتمل لأخته وأدرك أنها وافقت عليه فقط لتساعد عائلتها.
مع تقدم الرواية، يتعرف راسكولنكوف على المحقق بورفيري والذي بدأ يشك في كونه على علاقة بحادثة القتل بناء على أسباب نفسية فقط. في نفس الوقت، نشأت علاقة عفيفة بين راسكولنكوف وسونيا. سونيا على الرغم من كونها عاهرة إلا أنها ممتلئة بالأخلاق المسيحية ولم يدفع بها إلى هذه المهنة سوى فقر عائلتها. في هذه الأثناء يتمكن كل من رازوميخين وراسكولنكوف من إقناع دونيا بعدم الاستمرار في علاقتها مع بيتروفيتش والذي اتضحت شخصيته الحقيقة بأنه متآمر وحقير. في هذه الأثناء يظهر إيفانوفيتش من جديد في المشهد حيث أتى إلى مقاطعة بيترسبيرج للبحث عن دونيا حيث يقول أن زوجته مارفا بيتروفنا قد ماتت وأنه ينوي إعطاء دونيا كميات كبيرة من الأموال بدون مقابل. دونيا وبمجرد سماعها الأخبار ترفض لشكها في خيانته.
مع استمرار مقابلة راسكولنيكوف وبورفيري تظهر دوافع راسكولنيكوف للجريمة ويصبح بورفيري أكثر ثقة من كون الرجل مذنبا إلا أنه لا يمتلك دليلا قويا أو شاهدا لدعم شكوكه كما أن رجلا آخر اعترف بارتكابه الجريمة بعد اعتقاله واستجوابه. إلا أن أعصاب راسكولنيكوف استمرت في التآكل وأصبح يتصارع مع فكرة الاعتراف على الرغم من معرفته من أنه لا يستطيع أن يدينه أحد. يتجه إلى سونيا من أجل الدعم ويعترف بارتكابه الجريمة لها. مصادفة كان إيفانوفيتش قد نزل في الغرفة المجاورة لسونيا وتنصت على الاعتراف كاملا. عندما تقابل الرجلان وجها لوجه أخبره إيفانوفيتش بهذه الحقيقة وأخبره بأنه قد يستخدم هذا ضده إن أراد. إيفانوفيتش يتحدث أيضا عن ماضيه ويبدأ راسكولنيكوف يشك في أن الشائعات عن أن إيفانوفيتش ارتكب العديد من جرائم القتل صحيحة. في محادثة أخرى مع دونيا ينفي إيفانوفيتش أن له أي يد في مقتل زوجته.
كان راسكولنيكوف محطما تماما في هذه النقطة حيث كانت سونيا تلح عليه بأن يعترف كما أن إيفانوفيتش يستطيع إدانته في أي وقت. بإضافة إلى ذلك فإن بورفيري واجه راسكولنكوف بشكوكه وأكد له أن اعترافه سيخفف من الحكم ضده. في هذه الأثناء يحاول إيفانوفيتش إغراء سونيا وعندما أدرك أنها لن تحبه أبدا تركها تذهب. بعد ذلك قضى ليلة مرتبكة وفي الصباح أطلق النار على نفسه. في نفس الصباح اتجه راسكولنيكوف ثانية إلى سونيا والتي ألحت عليه ثانية ليعترف وليخلي ضميره. اتجه راسكولنيكوف إلى قسم الشرطة حيث وصلته أخبار انتحار إيفانوفيتش. تردد للحظة حيث أدرك أنه يمكنه الفرار بجريمة مثالية إلا أن سونيا أقنعته بأن يعترف.
تتحدث الخاتمة عن الحكم على راسكولنيكوف بثمان سنوات مع الأشغال الشاقة في سيبيريا حيث تبعته سونيا. تزوج دونيا ورازوميخين وكانوا في حالة سعيدة في نهاية الرواية في حين أن بولخيريا والدة راسكولنيكوف تمرض وتموت حيث لم تستطع التوافق مع حالة ابنها. راسكولنيكوف نفسه عانى في سيبيريا. إلا أنه وبعد بعض الوقت في السجن أدرك خلاصه وبدأ التجدد الأخلاقي تحت تأثير حب سونيا.
شخصيات الرواية
كل شخصية في رواية دوستوفيسكي تشكل لغزاً بوليسياً يستعصي فهمه بوضوح حيث تصدر عن الشخصيات تصرفات غريبة وغير متوقعة، ويكمن وراء ذلك سر يجب على القارئ أن ينتبه له:
- روديون رومانوفتش راسكولينكوف – هو بطل الرواية، شاب يبلغ من العمر 23 عاما وطالب جامعي سابق، ذو شخصية مزدوجة، من جهة، بارد، غير مبالي، ومعادي للمجتمع، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون محب دافئ وحنون، ولعل أكثر ما يميز شخصية راسكولينكوف عيشه حياته الخاصة التي تبقى خفية وغير ظاهرة في تصرفاته اليومية وسلوكه المرئي ولكنها تطفو أحياناً إلى الخارج وتفصح عن نفسها في اعترافاته ومنولوجاته الداخلية. وتعد شخصيّة راسكولنيكوف هي محاولة لفهم تعقيدات الشخصية الإنسانية مقدماً عدداً من التفسيرات، مناقشاً الدوافع والبواعث الكامنة في اللاوعي والتي حَدَت راسكولنيكوف للتصّرف بما يخالف المنطق.يطرح دوستويفسكي فكرة استحالة معرفة الإنسان.
- بلخريا الكسندروفنا راسكولينكوف – والدة روديون راسكولينكوف، قدمت إلى سانت بطرسبرغ على أمل زواج ابنتها من لوجين إلا انها تصاب بالمرض وتموت بعدم قدرتها على مواكبة ظروف ابنها بعد اعترافه بجريمته وسجنه.
- أفدوتيا رومانوفنا راسكولنيكوفا (دونيا) أخت راسكولينكوف، فتاة جميلة عملت مدبرة منزل لفترة لدى سيفدريكايلوف لكنها تهرب إلى سانت بيترسبيرج مع والدتها للزواج من لوجين والذي تظهر شخصيته السيئة لاحقا بعد رفض أخيها راسكولنكوف طلبه بالزواج منها.
- صوفيا سيمونوفنا مارميلاردفا وتسمى سونيا هي ابنة الكبرى ل رجل سكير يدعى سيميون مارميلادوف، فتاة خجولة، بريئة على الرغم من أنها تضطر إلى ممارسة البغاء لمساعدة أسرتها. يُعجب بها راسكولنكوف لاحقا وتشجعه على الاعتراف بارتكابه الجريمة.
- ديمتري بروكوفيتش رازوميخين صديق راسكولينكوف. اسمه "رازوميخين" يعني العقل بالروسية مما يشير إلى قصد دوستويفيسكي حيث كان كليهما طالبين في كلية الحقوق مشيرا إلى العودة إلى التعاليم والأخلاق المسيحية.
- بروفيري بيتروفيتش المحقق المسؤول عن حل قضية اليونا إيفانوفا وأختها إليزبيث، ومحاولة إرغامه على الاعتراف بجريمة القتل يقوم بذلك من خلال الألعاب النفسي على الرغم من عدم وجود أدلة.
التركيب
للجريمة والعقاب بداية ومنتصف ونهاية متميزين. تنقسم الرواية إلى ستة أجزاء بالإضافة إلى خاتمة. تم التعليق على فكرة "الثنائية الداخلية" في الجريمة والعقاب مع اقتراح وجود درجة من التناظر في الكتاب.[12] إدوارد فاسيوليك والذي قال بأن دوستويفيكي كان حرفيا ماهرا، كان واعيا بشدة من النمط الرسمي في عمله الأدبي حيث شبه تركيب الجريمة والعقاب برواية "إكس المسطحة" قائلا:
يتحقق هذا التوازن التركيبي بعدة طرق من التوزيع المتناظر لمفاتيح متسلسلة معينة على مدار الأجزاء الستة للرواية. تكرار هذا التسلسل في جزئي الرواية –وكما يقول ديفيد بيرتا- مرتب طبقا لمبدأ المرآة حيث يعكس النصف الأيسر للرواية نصفها الأيمن.[12] بالنسبة إلى جزئها، تبين مارجريت تشيرش التركيب الطباقي للرواية حيث تتعامل الأجزاء 1 و3 و5 بشكل كبير مع علاقة البطل الرئيسي مع عائلته (الأم والأخت ووصي الأم)، بينما تتعامل الأجزاء 2 و4 و6 مع علاقته بسلطة الدولة.[14]
جذب الجزء السابع من الرواية أو الخاتمة الكثير من الانتباه والجدل حيث انتقد بعض نقاد دوستويفيسكي بأن الصفحات الأخيرة من الرواية غير ضرورية وغير مناسبة للمناخ العام وأنها غير جديرة بباقي العمل.[15] في حين أسرع البعض الآخر للدفاع عن الخاتمة حيث قدموا العديد من المخططات البارعة والتي تثبت بشكل قاطع حتمية الخاتمة وأهميتها. فمثلا يقول ستيفن كاسيدي أن الجريمة والعقاب هي جزئان منفصلان لكنهما مترابطين حيث قال بأن الرواية نوع خاص من التراجيديا في قالب كلاسيكي إغريقي وقصة بعث مسيحية.[16] يستنتج كاسيدي أن "الحاجة المنطقية للقالب التراجيدي مشبعة وكاملة دون الحاجة إلى الخاتمة في الجريمة والعقاب.. في نفس الوقت تحتوي هذه التراجيديا على عنصر مسيحي والحاجة المنطقية لهذا العنصر مستوفاه فقط في البعث الموعود في الخاتمة.[17]
يستخدم دوستويفيسكي أساليب حديث مختلفة وجمل من أطوال مختلفة لشخصيات مختلفة. فمثلا من يستخدمون لغة اصطناعية مثل بيتروفيتش يحددون على أنهم أشخاص غير جذابين. عقلية السيدة مارميلادوف التحليلية تنعكس في لغتها أيضا. في النص الروسي الأصلي، تمتلك أسماء الشخصيات الرئيسية معنى مزدوجا أو تورية إلا أن الترجمة تُفقد ذكاء اللغة الروسية بسبب الاختلافات الكبيرة بين اللغات في التركيب والثقافة. على سبيل المثال، العنوان الأصلي ("Преступление и наказание") غير مرادف تماما للترجمة العربية. فكلمة "Преступление" تعني حرفيا الخطو أو التقدم. الصورة الجسدية للجريمة بأنها الخطو فوق حاجز أو عائق تم فقدانها في الترجمة. كذلك التضمين الديني للانتهاك والذي تشير إليه الترجمة الإنجليزية على أنها خطيئة بدلا من جريمة.[18]
الرمزية
الأحلام
لأحلام راسكولنكوف معنى رمزي والذي يقترح وجهة نظر نفسية. الحلم الذي تم تحطيمه يمثل التعبير الكامل والوحيد عن الرواية بأكملها [19] حيث يرمز إلى الإشباع والعقاب والدوافع الخسيسة والمجتمع الخسيس راسما صورة للتدمير العدمي للمجتمع غير المؤهل والإشباع بداخله وتقزز ورعب روديون كمثال على شخصيته المتنازعة. تقزز ورعب راسكولنكوف هو جزء مركزي في موضوع الشخصية المتنازعة وضميره المذنب وازدراؤه للمجتمع وعقلانيته معتبرا نفسه رجل غير تقليدي فوق المجتمع لديه السلطة ليقتل ومفهومه عن القتل المبرر. رد فعل راسكولنكوف محوري عند إثارة أول مرة يزهق روحا وعقلانيته كشخص فوق المجتمع. يذكر الحلم لاحقا عندما يتحدث راسكولنكوف مع مارميلادوف. ابنة مارميلادوف العفيفة أخلاقيا والورعة سونيا يجب عليها أن تكسب قوتها بأن تصبح عاهرة من أجل عائلتها الفقيرة. الحلم هو أيضا تحذير ينذر بقتل وشيك ويحمل عدة مقارنات مع قتله للمرابية.[20] يحدث الحلم بعدما يعبر روديون الجسر الذي يقود خارج غبار وقلب بيترسبيرج الظالم وإلى اللون الأخضر المنعش للجزر. هذا يرمز إلى عبور عقلي مماثل حيث يقترح عبور راسكولنكوف إلى حالة من السلام العقلي عندما يمتلك الحلم. في الحلم يعود إلى براءة طفولته ويشاهد مجموعة من الفلاحين يضربون رجلا حتى الموت. بعدما يستيقظ راسكولنكوف يشير إليه بأنه "حلم بشع" نفس المصطلح الذي استخدمه لاحقا للإشارة إلى خطته لقتل العجوز. يرسم هذا الأسلوب توازٍ بين الاثنين، حيث يقترح أن الطفل يمثل الجزء منه الذي يتمسك بالأخلاق ويراقب في خوف الجزء الآخر، المتمثل في الفلاحين مدفوعا بالصعوبات والعزلة ليصبح باردا وبلا شعور. الضحك المستمر من الفلاحينفي وجه القتل العنيف يكشف عن مدى كونهم بلا شعور بسبب معاناتهم والذي هو بدوره انعكاس لحالة راسكولنكوف. هذا التحليل مدعوم أيضا بحقيقة أن الفلاح الرئيسي ميكولكا كان يشعر بأنه لديه الحق في قتل الحصان، حيث يظهر الربط بين أفعاله وبين نظرية راسكولنكوف التي تبرر القتل لمجموعة منتقاه من الرجال الغير طبيعيين. المقارنة بين الفلاحين الوحشيين والخطة لقتل أليونا إيفانوفنا تصور وحشية جريمة راسكولنكوف والتي كثيرا ما تقلل من اللاإنسانية المعتادة في الإشارة إلى العجوز بأنها مجرد "قملة". في أثناء استيقاظه، نجد أن رأي راسكولنكوف في العجوز في الحقد المتمثل في اعتقاده الجازم بنظريته عن الرجل الغير طبيعي. إلا أن الحلم يعمل كقناة للاوعي راسكولنكوف، وبدون قيود نظريته تصبح طبيعة جريمته المروعة واضحة. لذا ومن أجل أن يجد راسكولنكوف الخلاص، لا بد من أن يتنازل عن نظريته. في الصفحات الأخيرة، راسكولنكوف والذي هو سجين في هذا الوقت يرى حلم عن طاعون عدمي والذي يدخل روسيا وأوروبا من الشرق والذي ينشر المعارضة التي لا معنى لها والتفاني المتعصب "للأفكار الجديدة" والذي يبتلع في النهاية كل البشرية. على الرغم من أننا لا نعرف أي شئ عن مدى هذه الأفكار إلا أنها تجعل المجتمع مضطربا إلى الأبد وتعتبر كاعتداء حاد على التفكير الطبيعي: من الواضح أن دوستويفيسكي كان يصور الأفكار العدمية الثقافية والسياسية الجديدة والتي كانت تدخل الأدب الروسي والمجتمع في عقده والتي سيصبح دوستويفسكي في جدال حولها بقية حياته.
الصليب
أعطت سونيا روديا صليبا عندما اتجه ليسلم نفسه والذي يرمز إلى الحمل الذي على راسكولنكوف أن يتحمله. تخبره سونيا أنهما سيتحملان الصليب معا وأنها ستأخذ جزء من حمله لتشجعه ليعترف. تبادل كل من سونيا وليزافيتا الصليب لذا فإن الصليب في الأصل هو لليزافيتا التي لم ينوي راسكولنكوف أن يقتلها ما يشكل رمزا هاما للخلاص. يذكره وجه سونيا بوجه ليزافيتا وهو مثال آخر لضميره المذنب ويمثل الحزن المشترك. التضحية بالنفس والفقر يشكلان موضوعا هاما في الرواية حيث يشكل يأس الفقر موقفا حيث الطريقة الوحيدة للنجاة هي عن طريق التضحية بالنفس وهو ما يرفضه راسكلنكوف عدة مرات كجزء من منطقه الفلسفي. على سبيل المثال، راسكولنكوف رفض عرض رازوميخين للعمالة وفكرة زواج أخته المرتب. راسكولنكوف رفض أيضا في الأصل عرض سونيا أن تصطحبه وهو يعترف ولكنه في حالة من الحمى يراها تتبعه في السوق ويجد القوة في هذه المثالية.
بيئة سانت بيترسبيرج
استهلال الرواية السابق له دور رمزي. يرى الناقد الروسي فاديم كوخينوف أن الإشارو إلى اليوم شديد الحرارة لا يشير فقط إلى الجو الخانق لسانت بيترسبيرج في منتصف الصيف ولكن أيضا إلى الجو الجهنمي للجريمة نفسها.[21] كان دوستويفيسكي من أوائل من أدركوا الإمكانيات الرمزية لحياة المدينة والتشبيهات المأخوذة من المدينة. يرى إ. إيفنين أن الجريمة والعقاب هي أول رواية روسية عظيمة نرى فيها اللحظات المناخية للحدث تحدث في الحانات القذرة وفي الشوارع وفي حجرات الفقراء القذرة.[22]
سانت بيترسبيرج لدوستويفيسكي هي مدينة الفقر الغير مستقر: "لا مكان للروعة فيها، لأن الروعة خارجية، وتجريدية رسمية وباردة". يربط دوستويفيسكي مشاكل المدينة بأفكار راسكولنكوف والأفعال المترتبة عليها.[23] الشوارع والميادين المزدحمة، والبيوت والحانات المهترئة، والضوضاء والروائح القذرة: كل هذا يتحول إلى مخزن غني بالاستعارات لحالة العقل. يؤكد دونالد فانجر على أن "المدينة الحقيقية... مطلية بواقعية صادمة، هي أيضا مدينة العقل بطريقة أن جوها يجيب عن حالة راسكولنكوف ويرمز لها. إنها مزدحمة وخانقة." [24] الاضطراب الداخلي الذي يعاني منه راسكولنكوف يمكن أيضا اعتباره كمغالطة شيكسبيرية مثيرة للشفقة. على سبيل المثال، العاصفة الهائلة في رواية وليم شكسبير الملك لير تعكس الحالة المضطربة لعقل الشخصية مثلما تعكس الفوضى وانعدام النظام والضوضاء في سانت بيترسبيرج الحالة العقلية لراسكولنكوف. [25]
اللون الأصفر
يُستخدم اللون الأصفر في كل الرواية للتعبير عن المعاناة والمرض العقلي. الأمثلة تشمل بطاقة سونيا الصفراء كترخيص للعمل في الدعارة، والجدران الصفراء في حجرة راسكولنكوف، وجدران المرابية العجوز بالإضافة إلى أمثلة أخرى كثيرة. تم ذكر اللون الأصفر أيضا كلون خاتم بيرتوفيتش.
الأفكار
يكشف خطاب دوستويفيسكي إلى كاتكوف إلهامه الفوري، والذي ظل مؤمنا به حتى بعدما تطورت خطته الأصلية إلى تكوين إكثر طموحا بكثير: رغبة للهجوم المضاد على ما اعتبره كظروف شنيعة نابعا من معتقدات وأفكار العدمية الروسية. [26] في الرواية، حدد دوستويفيسكي مخاطر كل من النفعية والعقلانية، الفكرتان الأساسيتان فيما ألهم الأصوليين ليكمل نقده اللاذع الذي بدأه من قبل في روايته رسائل من تحت الأرض.[27] كمؤمن بالأديان السلافية، استخدم دوستويفيسكي الأشخاص والحوار والرواية في الجريمة والعقاب ليحرك نقدا ضد تحول الأفكار بشكل عام إلى الصورة الغربية. لذا فقد هاجم الخليط الروسي الغريب من الاشتراكية الخيالية الفرنسية ونفعية جيرمي بنثام، والذي أدى إلى ما سماه الثوار مثل نيكولاي تشيرنيشيفسكي "الأنانية العقلانية".
إلا أن الأصوليين رفضوا التعرف على أنفسهم في صفحات الرواية (ديمتري بيساريف اعتبر الإشارة أن أفكار دوستويفيسكي تشير إلى الأصوليين هي سخافة) لأن دوستويفيسكي لاحق الأفكار العدمية إلى أقصى ظروفها. كان هدف هذه الأفكار إيثاري وإنساني، إلا أن تحقيق هذه الأفكار كان بالاعتماد على العقل وإيقاف التدفق العفوي للعطف وشفقة المسيحية كليا. اقترحت أخلاق نفعية تشيرنيشيفسكي أن أفكار وإرادة الإنسان هي أمور تخضع لقوانين العلم الفيزيائي.[28] رأي دوستويفيسكي أن مثل هذه الأمور تجعل الإنسان مجرد منتج فيزيائي وكيميائي وبيولوجي وتنفي الاستجابات الشعورية العفوية. [29]
يمثل راسكولنكوف كل المخاطر الكارثية المحتملة في مثل هذه الفكرة. لاحظ فرانك أن "السمات الأخلاقية النفسية لهذه الشخصية تتجسد في التناقض بين الطيبة والعطف الغريزيين في جانب وبين الفخر والأنانية المثالية والتي انحرفت إلى ازدراء للقطيع المنقاد".[30] الصراع الداخلي لراسكولنكوف في بداية الرواية يؤدي إلى تبرير نفعي إيثاريّ للجريمة المقترحة: لم لا أقتل مرابية تعيسة و"بلا فائدة" حتى أخفف من البؤس البشري؟ يريد دوستويفسكي أن يظهر أن هذا النوع من التبرير النفعيّ وما يترتب عليه أصبح منتشرا ومألوفا ولم يكونوا اختراعا فرديا من عقل راسكولنكوف المعذب والمضطرب.[31] تعمل مثل هذه الأفكار النفعية والمتطرفة على تعزيز أنانية راسكولنكوف الداخلية وبالمثل احتقار الصفات الدنيا في الإنسان ولأفكاره حتى أنه كان منبهرا بالصورة العظيمة لشخصية نابليون والذي رأى أن لديه حق القتل من أجل المصلحة العامة. في الواقع فإن خطته النابوليونية سحبته إلى جريمة قتل محسوبة بدقة، كاستنتاج نهائي لخداع نفسه بالنفعية.[32]
في وصفه لخلفية سانت بيترسبيرج، ركز دوستويفسكي على القذارة والبؤس البشري والذي يمر أمام عيني راسكولنكوف، كما أنه يستخدم مقابلة راسكولنكوف مع مارميلادوف ليقدم كلا من قسوة قناعات راسكولنكوف والبدائل الأخلاقية الموضوعة تجاهه.[31] يعتقد دوستويفسكي أن "الحرية" المطروحة بواسطة الأفكار السابقة هي حرية مروعة "غير محكومة بأي أخلاق، لأنها فوق الأخلاق". منتج هذه "الحرية" لراسكلونكوف هي الثورة الدائمة ضد المجتمع وضد نفسه وضد الله.[33] يعتقد أنه مكتفٍ بذاته ومستقل، إلا أنه في النهاية "لا بد أن تختفي ثقته اللامتناهية في مقابل ماهو أكبر منه هو شخصيا، وأن التبرير الذي صاغه بنفسه لا بد أن يتضاءل أمام العدالة العليا لله".[34] ينادي دوستويفسكي بتجديد المجتمع الروسي "المريض" عن طريق إعادة اكتشاف دولته ودينه وجذوره. [35]
الاستقبال
قوبل الجزء الأول من الجريمة والعقاب والمنشور في يناير وفبراير في الرسول الروسي بنجاح شعبي. وعلى الرغم من أن باقي أجزاء الرواية كانت لم تُكتب بعد، إلا أن مراجع مجهول كتب أن "باقي لارواية سيكون واحدا من أهم الأعمال لكاتب بيت الموتى". في مذكراته كتب الأديب المحافظ نيكولاي ستارخوف أن في روسيا كانت الجريمة والعقاب هي الحس الأدبي لعام 1866. [36]
لم يمر وقت طويل حتى جذبت الرواية انتقادات الليبراليين والنقاد الأصوليين. ج. يلزييف هبّ للدفاع عن منظمة الطلاب الروسية وتساءل "هل حدث من قبل أن ارتكب طالب جريمة القتل من أجل السرقة؟". حاول بيساريف لوعيه بقيمة الرواية الفنية في عام 1867 محاولة أخرى حيث قال أن راسكولنكوف كان من نتاج بيئته ووضح أن الموضوع الرئيسي للعمل كان الفقر ونتائجه. كما قام بقياس روعة الرواية عن طريق الدقة والفهم الذين رسم بهما دوستويفسكي الواقع المجتمعي المعاصر، وركز على ما اعتبره تناقضات في حبكة الرواية. رفض ستراخوف رأي بيساريف أن موضوع الحتمية البيئية كان ضروريا للرواية، وأشار إلى أن موقف دوستويفسكي تجاه بطله كان الشفقة: "هذا ليس سخرية من الأجيال الشابة وليس عتابا أو اتهاما، بل هو رثاء لهم."[37]
مقالات ذات صلة
المصادر
- University of Minnesota – Study notes for Crime and Punishment – (retrieved on 1 May 2006) نسخة محفوظة 11 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
- Frank (1995), 96
- Yousef, About Crime and Punishment
* Fanger (2006), 17–18 نسخة محفوظة 18 سبتمبر 2008 على موقع واي باك مشين. - Frank (1994), 168
- Miller (2007), 58
* Peace (2008), 8 - Frank (1994), 179
- Miller (2007), 58–59
- Frank (1995), 39
* Peace (2005), 8 - Simmons (2007), 131
- Frank (1994), 179–180, 182
- Carabine (2000), x
* Frank (1994), 170–172
* Frank (1995), 80 - Davydov (1982), 162–163
- "On the Structure of Crime and Punishment, " in: PMLA, March 1959, vol. LXXIV, No. 1, p. 132–133.
- Church (1983), 103
- ميخائيل باختين, for instance, regards the Epilogue a blemish on the book (Wellek [1980], 33).
- Cassedy (1982), 171
- Cassedy (1982), 187
- Morris (1984), 28
* Peace (2005), 86
* Stanton–Hardy (1999), 8 - Monas, Sidney, "Afterword: The Dream of the Suffering Horse," from his translation
- Dostoyevsky, Fyodor. Crime and punishment. Toronto: Bantam Books, 1987. Print.
- Gill (1982), 145
- Fanger (2006), 24
- Lindenmeyr (2006), 37
- Fanger (2006), 28
- Top10books.org - تصفح: نسخة محفوظة 26 July 2010 على موقع واي باك مشين.
- Frank (1995), 100
- Donald Fanger believes that "Crime and Punishment did nothing by continue the polemic, incarnating the tragedy of nihilism in Raskolnikov and caricaturing it in Lebezyatnikov and, partially, in Luzhin" .(Fanger [2006], 21 – see also Frank [1995], 60; Ozick [1997], 114; Sergeyef [1998], 26). نسخة محفوظة 01 مايو 2014 على موقع واي باك مشين.
- Frank (1995), 100–101
* Hudspith (2003), 95 - Pisarev had sketched the outlines of a new proto-فريدريك نيتشه hero (Frank [1995], 100–101; Frank [2002], 11).
- Frank (1995), 101
- Frank (1995), 104
- Frank (1995), 107
* Sergeyef (1998), 26 - Wasiolek (2005), 55
- فلاديمير سولوفيوف (فيلسوف) quoted by McDuff (2002), xiii–xiv
* Peace (2005), 75–76 - *McDuff (2002), xxx:"It is the persistent tracing of this theme of a 'Russian sickness' of spiritual origin and its cure throughout the book that justify the author's characterization of it as an 'Orthodox novel'."
* Wasiolek (2005), 56–57 - McDuff, x–xi
- Jahn, Dostoevsky's Life and Career
* McDuff, xi–xii نسخة محفوظة 11 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
روابط خارجية
نقد
نصوص
- كتاب مجاني: الجريمة والعقاب على مشروع غوتنبرغ
- محرك بحث لنص الرواية
- النص كاملا
- كتاب إلكتروني ثنائي اللغة – الجريمة والعقاب النص بالروسية والإنجليزية جنبا إلى جنب .
- النص كاملا بالروسية الأصلية (بالروسية)
- ملف صوتي للرواية.
خرائط
مراجعات