تأتي الفترة الأولى المبكرة من العصر الحديث بعد أواخر العصور الوسطى في التاريخ. على الرغم من صعوبة تحديد تاريخ محدد ليكون بداية التاريخ الحديث لوجود اختلاف وجدال حول الحدود الزمنية لهذا العصر، يوضح التسلسل الزمني امتداد العصر ليبدأ بعد نهاية الشطر الأخير من العصور الوسطى (حوالي عام 1500) ومع بداية عصر الثورات (حوالي عام 1800)، بينما حدد المؤرخون بداية هذا العصر مع فتح القسطنطينية من قبل الدولة العثمانية عام 1453 م ومن وجهة نظر عالمية، تُعد العولمة أهم سمة من سمات العصر الحديث المبكر؛ حيث شهدت هذه الفترة اكتشاف الأمريكيتين واستعمارهما وبدأت حلقة من الاتصالات بين أجزاء من العالم كانت معزولة عن بعضها البعض في السابق. وبدأت حلقة من التجارة الدولية بين القوى التاريخية. وبالتالي شهد كل من العالم القديم والعالم الحديث هذا النوع من التبادل التجاري العالمي للبضائع والسلع والحيوانات والمحاصيل الغذائية. كما لا يمكن إنكار ما قام به التبادل الكولومبي من دورٍ فعال ترك أثرًا وبصمةً واضحةً غيرت من مسار مجتمعات العالم بأكملها.
وعلى الصعيد العالمي، أصبحت الأنظمة الاقتصادية والمؤسسات الرأسمالية أكثر تقدمًا وتطورًا من ذي قبل. بدأ هذا التحول في دول المدن الإيطالية الشمالية للعصور الوسطى؛ خاصةً جنوة، والبندقية وميلانو. كما شهد العصر الحديث المبكر بداية ظهور وهيمنة النظرية الاقتصادية التي تعرف بالمذهب التجاري. كذلك، شهد هذا العصر ما يُعرف بالاستعمار الأوروبي، خلال القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، والذي ساعد على نشر الديانة المسيحية حول العالم
تُمثل اتجاهات العصر الحديث المبكر في العديد من بقاع العالم تحولاً ومنعطفًا بعيدًا عن الأساليب التي اتخذتها العصور الوسطى في إدارة المؤسسات سواءً كانت سياسية وفي بعض الأحيان اقتصادية. وقد شهدت أوروبا في تلك الفترة بداية تراجع وتفكك النظام الإقطاعي بالإضافة إلى ظهور حركة الإصلاح، واندلاع الحرب الكارثية المعروفة باسم حرب الثلاثين عامًا، كما شهدت أيضًا ظهور الثورة التجارية، وبداية الاستعمار الأوروبي للأمريكتين، والعصر الذهبي للقرصنة. يُعد عهد حكم أسرة مينغ للصين الذي كان في بداية الفترة الأولى المبكرة من العصر الحديث "واحدًا من أعظم العصور التي تمتعت آنذاك بحكومة فعالة مُنظمة واستقرار اجتماعي في تاريخ البشرية".[1] كما ازدهر الاقتصاد في عهد مينغ مع بداية القرن السادس عشر، حيث حرص على تنشيط حركة التجارة وتحفيزها خاصًة مع البرتغاليين والإسبانيين والهولنديين. خلال فترة حكم آزوتي-موموياما، شهدت اليابان بداية ظهور ما يُسمى بالتجارة البربرية الجنوبية بعد وصول أول بعثة استكشافية من العلماء الأوروبيين البرتغاليين.
من الأحداث البارزة الأخرى التي شهدها العصر الحديث المبكر تطور العلوم التجريبية، وتقلص المسافات النسبية بين الدول ثم تمزقها خاصًة بعد إدخال العديد من التحسينات على مجال النقل والاتصالات، والتقدم التكنولوجي السريع المتزايد، وظهور اتجاه السياسة المدنية العلمانية والدولة القومية التسلطية الاستبدادية الأولى في العديد من مناطق العالم المختلفة.
الأحداث المهمة
يتضمن العصر الحديث الحقبة المبكرة، التي يُطلق عليها اسم «الحقبة الحديثة المبكرة»، امتدت هذه للفترة من قرابة عام 1500 إلى قرابة عام 1800 (1815 على الأغلب). هناك بعض السمات المميزة للحقبة الحديثة المبكرة مثل:
- قيام الدولة العثمانية.
- الإصلاح البروتستانتي والإصلاح المضاد.
- فترة سينغوكو.
- عصر الاستكشاف.
- انتشار الإسلام في إندونيسيا.
- التبادل الكولومبي والاستعمار الأوروبي للأمريكيتين.
- التجارة الثلاثية.
- نشوء الإتجارية والرأسمالية.
- العصر الذهبي للقراصنة.
تتضمن الأحداث المهمة في الحقبة الحديثة المبكرة ما يلي:
- انتشار استعمال آلة الطباعة (قرابة عام 1440).
- حرب الثلاثين عامًا (1618–1648) وصلح وستفاليا (1648) في أوروبا.
- الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651) والثورة المجيدة (1688–1689) واتحاد بريطانيا العظمى (1707).
- حرب السنوات السبع (1756–1763) في أوروبا وأمريكا الشمالية.
- إنشاء محرك واط البخاري (1763–1775).
- حرب استقلال أمريكا من الإمبراطورية البريطانية (1775–1783).
- مؤتمر فيينا في نهاية الحروب النابليونية.
- الثورة الفرنسية (1789–1799) والحروب النابليونية في أوروبا (1803–1815).
- تصفية الاستعمار في الأمريكتين (أوائل القرن التاسع عشر تقريبًا).
غيّر خليط الأحداث المفصلية هذا من التفكير والفكر في الحقبة الحديثة المبكرة، لذا فإن تاريخ هذه الأحداث يفصل بين أنماط التفكير الحديثة والقديمة.
تسارعت التغييرات السياسية في العديد من البلدان مع بزوغ فجر عصر الثورات، التي بدأت في أمريكا وفرنسا، وقد جاءت هذه التغييرات نتيجة للاضطرابات التي رافقت الحروب النابليونية وتأثيرها المباشر على الفكر والتفكير، وامتد مؤثرًا على المفاهيم والقومية وعلى تنظيم الجيوش.[2][3][4]
انتهت الحقبة الحديثة المبكرة في وقت من التغيير السياسي والاقتصادي نتيجة للمكننة في المجتمع والثورة الأمريكية والثورة الفرنسية الأولى. كان هناك عوامل أخرى مثل إعادة رسم خريطة قارة أوروبا بعد المصادقة على المرسوم النهائي لمؤتمر فيينا إضافة إلى السلام الذي حل نتيجة توقيع معاهدة باريس الثانية التي أنهت الحروب النابليونية.[5]
الإمبراطوريات الهندية
الإمبراطوريات الإقليمية
في شبه القارة الهندية، حكم آل لودهي سلطنة دلهي في مراحلها الأخيرة. حكمت هذه العائلة، التي أُسست من قبل بهلول لودهي، للفترة من 1451 إلى 1526. دُحر إبراهيم لودهي، آخر حاكم للسلطنة من عائلة لودهي، وقُتل على يد ظهير الدين بابر في معركة باني بت الأولى.[6]
استقرت إمبراطورية فيجاياناغارا في هضبة الدكن، لكن تضاءلت قوتها بعد الهزيمة العسكرية الكبيرة على يد سلطنات الدكن في عام 1565. جاء اسم هذه الإمبراطورية من عاصمتها فيجاياناغارا.
يعود بزوغ سلطنة مغول الهند إلى العام 1526، الذي يقارب فترة انتهاء العصور الوسطى. شكلت سلطنة مغول الهند إمبراطورية إسلامية فارسية حكمت معظم مناطق شبه القارة الهندية تحت اسم «هندستان» في الفترة من أواخر القرن السابع عشر حتى أوائل القرن الثامن عشر. هيمنت هذه الإمبراطورية على مناطق جنوب وغرب آسيا، ما جعلها أكبر قوة اقتصادية وصناعية على مستوى العالم، وبلغ إجمالي الناتج المحلي لها ربع إجمالي الناتج المحلي للعالم بأسره، وأعلى من إجمالي الناتج المحلي لدول قارة أوروبا مجتمعة. انتهت «الحقبة الكلاسيكية» بموت الإمبراطور المغولي أورانجزيب، واستمرت الأسرة الحاكمة مئة وخمسين سنة أخرى. خلال هذه الحقبة، تميزت الإمبراطورية بإدارة شديدة المركزية، ما ساهم في ربط المناطق المختلفة مع بعضها. تعود جميع المعالم التاريخية للمغول، وتعود أغلب تركتهم المرئية إلى هذه الحقبة التي تميزت بتوسع التأثير الثقافي الفارسي في شبه القارة الهندية، ما كلَّلَ الحقبة بنتائج مبهرة على المستويات الأدبية والفنية والمعمارية. تمركزت إمبراطورية ماراثا في جنوب غرب دولة الهند الحالية وتوسعت بصورة كبيرة تحت حكم البيشوات، وهم رؤساء الوزراء لإمبراطورية ماراثا. في 1761، خسر جيش إمبراطورية ماراثا حرب باني بت الثالثة، ما تسبب بإيقاف توسعها الإمبريالي وتقسيم الإمبراطورية بعد ذلك وتحويلها إلى كونفدرالية لولايات ماراثا.[7][8]
الاستعمار البريطاني والهولندي
مهّد نشوء الإمبريالية الحديثة لاستحواذ القوى الاستعمارية على معظم أراضي النصف الشرقي للكرة الأرضية. اختلف المؤرخون في تاريخ بداية الاستعمار التجاري للهند، فهناك ثلاثة احتمالات لتاريخ بدايته، إما في عام 1757، بعد معركة بلاسي، عندما تخلى نواب البنغال عن إماراته لصالح شركة الهند الشرقية، أو في عام 1765، عندما امتلكت الشركة «الديواني» أو حق جمع الضرائب في منطقتي بنغال وبهار، أو في عام 1772، عندما أسست الشركة عاصمة في مدينة كلكتا وعينت وارين هاستينغز -الذي ضلع في الحكم بصورة مباشرة- بمنصب الحاكم العام للهند.[9]
استحوذت شركة الهند الشرقية البريطانية على اتحاد ماراثا بعد سلسلة من الحروب التي عُرفت باسم الحروب الإنجليزية الماراثية وتحديدًا بعد نهاية الحرب الإنجليزية الماراثية الثالثة في عام 1818. استمر حكم الشركة حتى عام 1858، وذلك بعد قيام ثورة الهند سنة 1857، وما ترتب على تشريع قانون حكومة الهند 1858، إذ تولت الحكومة البريطانية مهمة إدارة الهند بشكل مباشر في ما سُمي باسم «الراج البريطاني». أسس السير ستامفورد رافلز من سنغافورة في عام 1819 محطةً تجارية بريطانية هامة مؤثرة في منافستهم مع الهولنديين. مع ذلك، فقد هدأت هذه المنافسة في عام 1824 بعد توقيع المعاهدة الإنجليزية الهولندية التي حُدد من خلالها أراضي النفوذ التجاري لكلا الدولتين. انتقلت وتيرة الاستعمار إلى مستوى أعلى وذلك منذ خمسينيات القرن التاسع عشر فصاعدًا.[10]
حُلت كل من شركة الهند الشرقية الهولندية (1800) وشركة الهند الشرقية البريطانية (1858) من قبل حكومتيهما التي تولت حكم هذه المستعمرات بشكل مباشر. كانت تايلاند هي الدولة الوحيدة التي لم تخضع للحكم الأجنبي، لكنها تأثرت كثيرًا بالتيارات الساسية التابعة للقوى الغربية. كان للحكم الاستعماري تأثير بالغ على منطقة جنوب شرق آسيا. في حين انتفعت القوى الاستعمارية كثيرًا من موارد المنطقة ومن سوقها الكبير، ساهم الحكم الاستعماري في تطوير المنطقة على نحو متفاوت. [11]
جنوب شرق آسيا
في بداية العصر الحديث، مرّ طريق تجارة التوابل من خلال إمبراطورية ماجاباهيت، التي كانت إمبراطورية أرخبيلية واقعة في جزيرة جاوة. كانت آخر إمبراطورية هندوسية عظمى في جنوب شرق آسيا البحري، وتعتبر واحدة من أعظم الدول في التاريخ الإندونيسي. اتسع تأثيرها إلى دول في سومطرة وشبه جزيرة ملايو وجزيرة بورنيو وإندونيسيا الشرقية، لكن ما تزال فعالية هذا التأثير محط جدل واسع.[12] وجدت إمبراطورية ماجاباهيت نفسها عاجزة عن السيطرة على قوة سلطنة ملقا المتنامية التي امتدت من مستوطنات المسلمين الملايويين في بوكيت (فوكيت) وسيتول (ساتون) وبانتاي ني (باتاني) المحاذية لمملكة أيوثايا السيامية (تايلاند) في الشمال إلى سومطرة في الجنوب الغربي. اجتاح البرتغاليون سلطنة ملقا في عام 1511 وأُسست سلطنة جوهر في عام 1528 من قبل أحد الأمراء الملقيين لتخلف سلطنة ملقا.[13]
أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
سيطرت إمبراطورية سونغاي على التجارة العابرة للصحراء الكبرى في بداية العصر الحديث. استحوذت على مدينة تمبكتو في عام 1468 وعلى مدينة جني في عام 1473، وهذا ما جعلها تعتمد على الضرائب والتعاون مع التجار المسلمين في تنظيم حكمها. لاحقًا، اتخذت الإمبراطورية من الإسلام دينًا رسميًا لها وبنت الجوامع وجلبت العلماء المسلمين إلى مدينة غاو.[14]
مع بداية العصر الحديث، شكلت إمبراطورية بنين قوة تجارية مستقلة في الخط الساحلي الجنوبي الشرقي لأفريقيا الغربية، مانعةً الدول الداخلية البعيدة عن الساحل من الوصول إلى الموانئ. وصلت هذه الإمبراطورية في أوجها نحو 100,000 نسمة، ممتدة على مساحة 25 كيلومترًا مربعًا، وأُحيطت بثلاث حلقات مركزية من الحواجز الترابية. أسست إمبراطورية بنين علاقات مع البرتغال مع نهاية القرن الخامس عشر. استحوذت بنين في أوج عظمتها في القرنين السادس عشر والسابع عشر على أجزاء من يوربلاند الجنوبية الشرقية والإيغبو الغربية.
معرض صور
مقالات ذات صلة
- القوى السياسية: الإمبراطورية البرتغالية، الإمبراطورية العثمانية، إمبراطورية المغول،
المراجع
- Edwin Oldfather Reischauer, John King Fairbank, Albert M. Craig (1960) A history of East Asian civilization, Volume 1. East Asia: The Great Tradition, George Allen & Unwin Ltd.
- Crawley, C.W. (1965). The new Cambridge modern history. Volume 9., War and peace in an age of upheaval, 1793–1830. Cambridge: Cambridge University Press.
- Goldman, E.O., & Eliason, L.C. (2003). The diffusion of military technology and ideas. Stanford, Calif: Stanford University Press.
- Boot, M. (2006). War made new: Technology, warfare, and the course of history, 1500 to today. New York: Gotham Books.
- Hazen, Charles Downer (1910). Europe since 1815. American historical series, H. Holt and Company.
- Needham, J. (1956). Mathematics and science in china and the west. Science and Society, 20, 320. Retrieved from https://search.proquest.com/docview/1296937594
- Elman, Benjamin A. On their own terms: science in China, 1550–1900. Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2005. https://ebookcentral.proquest.com/lib/ucsc/detail.action?docID=3300298
- لورانس هاريسون, بيتر بيرغر (2006). Developing cultures: case studies. روتليدج. صفحة 158. . مؤرشف من الأصل في 7 يناير 2020.
- Maddison, Angus (2003): Development Centre Studies The World Economy Historical Statistics: Historical Statistics, منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية, (ردمك ), pages 259–261 نسخة محفوظة 29 فبراير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Bose & Jalal 2003، صفحة 76
- Brown 1994، صفحة 46, Peers 2006، صفحة 30
- Prapantja, Rakawi, translated by Theodore Gauthier Pigeaud, Java in the 14th Century, A Study in Cultural History: The Negara-Kertagama by Pakawi Parakanca of Majapahit, 1365 AD (The Hague, Martinus Nijhoff, 1962), vol. 4, p. 29. 34; G.J. Resink, Indonesia's History Between the Myths: Essays in Legal History and Historical Theory (The Hague: W. van Hoeve, 1968), p. 21.
- Metcalf Metcalf، صفحة 56
- Ira M. Lapidus, A History of Islamic Societies, Cambridge 1988
وصلات خارجية
- Discussion of the medieval/modern transition from the introduction to the pioneering Cambridge Modern History (1902–1912)
- Society for Renaissance Studies
- Early Modern Culture
- Early Modern Resources