العمارة الأولى
|
في سنة (289ه/902م) وبعد موت المعتضد العباسي نصب شباك في جدار الدار يشرف منه المارة في الشارع على تلك القبور التي بداخلها، فكان بعض الناس من الشيعة الموالين يزورون الإمامين من وراء الشباك، ونستطيع القول بأن هذا الشباك كان أول منفذ يطل منه الزائرون على القبور في الدار. بقيت الدار على حالها ما يقرب من واحد وأربعين سنة دون أن تمسها يد التعاهد والإصلاح، ونظراً لخلو المنطقة من ساكنيها قياسا بما كانت عليه أيام زهوها، فقد تعين على بعض الناس من أصحاب الشهامة والإخلاص والولاء في بغداد أن يقوموا بتعهد تلك الروضة المطهرة وسدانتها، والقيام بشؤون زوارها، فكان أولئك الأفراد ينظمون القوافل في المناسبات ويرافقون الزوار إلى مدينة سامراء، ثم يعودون بهم إلى بغداد.
|
العمارة الثانية
|
في سنة (332 ه/44–945م) قام ناصر الدولة الحمداني الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبي المتوفى سنة (358ه/969م) الذي كان صاحب الموصل وما يليها، وهو الأخ الأكبر لسيف الدولة الحمداني، وكان بمنصب أمير الأمراء، قام بتشييد الدار من جديد، ورفع جدثي الإمامين وكللهما بالستور، وبنى عليهما قبة صغيرة، وأحاط سر من رأى بسور، ليأمن ساكنوها أو من يريد سكناها، كما بنى دورا حول دار الإمام وأسكنها جماعة.
|
العمارة الثالثة
|
في سنة (337ه/48–949م) أشاد معز الدولة البويهي أبو الحسن أحمد بن بويه بن فناخسرو المتوفى سنة (356ه/967م) عند دخوله سامراء أول عمارة على شكل مزار بعد أن أكمل عمارة الحمداني، وغير في طرز البناء، فأسس الدعائم، وعمر القبة التي على الضريحين وسرداب الدار، وأقام على القبرين صندوقا خشبيا، وملأ حوض الدار بالتراب بعد أن صارت كالبئر لكثرة ما أخذ الناس من ترابه للبركة، وذلك لأن الإمام العسكري عليه السلام كان يتوضأ به أحيانا، وجدد بناء صحن الدار وسوره، وأنفق في ذلك أموالا جزيلة، كما رتب معز الدولة للروضة والقوام عليها والكتـّاب مرتبات شهرية ليتعاهدوها وزوارها بالخدمات اللازمة. وفي سنة (368ه/78–979م) قام عضد الدولة البويهي أبو شجاع فناخسرو بن الحسن بن بويه الديلمي المتوفى سنة (372ه/983م) ببغداد والمدفون في النجف الأشرف، بزيارة سامراء، فأمر بوضع سياج من الساج حول المرقدين، ووسع الصحن، وعمر أروقته وستر الضريحين بالديباج، كما أشاد سورا للمرقد. في سنة (407ه/16–1017م) وقع حريق في بعض أطراف المرقد المطهر، ويبدو أن أضراره كانت طفيفة.
|
العمارة الرابعة
|
في سنة (445ه/1053م) ترك الأمير التركي أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري المتوفى سنة (451ه/1060م) وهو من مماليك بني بويه، ترك بغداد، وحل بتكريت، فأمر بعمارة المرقد الشريف عمارة عالية تليق بالإمامين العسكريين عليهما السلام، فعمر القبة والضريحين من جديد، وعمل صندوقين من الساج ووضعهما على القبرين، وجعل رماناتهما من الذهب، فكانت هذه أول قطع ذهبية تهدى إلى مرقد الإمامين عليهما السلام.
|
العمارة الخامسة
|
في سنة (495ه/1102م) كلف الملك بركياروق بن ملكشاه السلجوقي أبو المظفر ركن الدين، رابع سلاطين السلاجقة المتوفى في الثاني من ربيع الأول سنة (498ه/1104م)، كلف وزيره مجد الدولة بإجراء إصلاحات على مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام، فقام الوزير بالإيعاز لإعادة بناء سور المرقد الشريف، وتجديد جميع أبواب الروضة العسكرية من أغلى وأجود أنواع الخشب، وترميم القبة والرواق والصحن.
|
العمارة السادسة
|
في سنة (606ه/9–1210م) قام الخليفة العباسي الناصر لدين الله المتوفى سنة (622ه/1225م) بتعمير القبة فوق الضريحين، وتزيين الروضة الشريفة من الداخل، وبناء مئذنتين، وتجديد بناء سرداب دار الإمام، وكتابة أسماء الأئمة الاثني عشر مع النبي محمد وابنته فاطمة الزهراء على باب خشبي من داخله في شباك وضعه على صفة ( سقيفة ) في آخر السرداب، ولا يزال هذا الباب موجودا إلى يومنا هذا وبه آثار حريق، كما كتب عليه من الخارج آيات قرآنية واسم الناصر لدين الله، وكانت هذه الصفة في يوم ما موضع حوض ماء يتوضأ منه أو يستحم به.
|
العمارة السابعة
|
في سنة (640ه/1243م) شب حريق داخل روضة الإمامين العسكريين، فأتى الحريق على الفرش، واحترق الصندوقان اللذان أهداهما البساسيري، فأمر الخليفة العباسي المستنصر بالله، المتوفى سنة (640ه/1242م) وهو باني المدرسة المستنصرية ببغداد، باستبدال الصندوقين المحترقين بصندوقين من الساج، كما أوعز بعمارة المشهد الشريف والروضة المباركة وما يحيط بها من سياج ساجي، وإزالة ما أصابها من آثار الحريق، وكان المستنصر قد كلف السيد جمال الدين أحمد بن طاووس أن يتولى الإشراف على أعمال البناء والصيانة.
|
العمارة الثامنة
|
في سنة (750 هـ/1349م) قام الأمير أبو أويس الشيخ حسن بزرك الجلائري المتوفى سنة (757ه/1356م) (3) بتزيين الضريح الساجي، وشيد القبة والدار من جديد، وعمل بهواً أمام المرقدين، ثم أمر بنقل المقابر التي في صحن المرقد والتي أخذت تتزايد يوما بعد يوم، أمر بنقلها إلى الصحراء في مقبرة خاصة، كما قام بخدمات جليلة كثيرة.
|
العمارة التاسعة
|
في سنة (1106ه/1694م–1695م) وبعد وقوع حريق في داخل الروضة المشرفة نتيجة ترك الخدم لسراج موقد في مكان غير مناسب، مما أدى لسقوط نار منه على بعض الفرش فاحترق، فأخذت النيران تسري في الخشب حتى التهمت صندوقي المرقدين والأبواب، فوصل الخبر إلى الشاه حسين بن سليمان الصفوي المتوفى سنة (1142ه/29–1730م) (4)، وهو آخر ملوك السلالة الصفوية الرسميين، فأمر بصنع أربعة صناديق في غاية التزيين والترصيع، منهما اثنين لضريحي الإمامين العسكريين عليهما السلام، والآخران – حسب الظاهر – للسيدتين الكريمتين نرجس وحكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام، وعمل شباك فولاذي ليوضع فوق الصناديق، ودعم البناء، وزين الروضة من الداخل بخشب الساج، وفرش أرض المرقد بالرخام، وأمر السلطان جماعة من العلماء والأعيان الإيرانيين بمرافقة الصناديق والضريح والهدايا التي أرسلها معهم إلى سامراء والإشراف على عمليات النصب، وكان دخولهم يوما مشهودا، وقد كتب اسم الشاه حسين على واجهة باب الشباك الفولاذي.
|
العمارة العاشرة
|
دخلت سنة (1200ه/1786م) فتصدى الملك المؤيد الشهيد أحمد خان الدنبلي أحد أمراء خوي في آذربايجان لعمارة المشهد المقدس للإمامين العسكريين عليهما السلام، وتولى أحد علماء ذلك الوقت وأفاضلهم وهو الميرزا محمد رفيع السلماسي الإشراف على نفقات عمليات الصيانة والتعمير والبناء، وبعد رصد المبالغ اللازمة شرع بعمارة الروضة والسرداب بالحجر الصوان والرخام، وقد كان للسرداب باب من جهة القبلة يدخله الزائر بعد زيارة مرقد العسكريين عليهما السلام بأن ينزل درجا ثم يسير في ممر ضيق جدا حتى يدخل السرداب، ففي سنة (1202ه/1788م) ردم الباب من جهة القبلة وجعل للسرداب بابا من الجهة الشمالية، واستبدلت الأبواب الخشبية، ثم شمل البناء الرواق والإيوان والصحن، وجدد بناء السور، وروعي في ترتيب البناء أن يحاكي مرقد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف الأشرف في ذلك الوقت، وقد أضاف إلى البناء الجديد صحنا آخر، ورواقا ينتهي إلى السرداب، وبنيت الروضة الشريفة على أجمل طراز، وأحدث فن هندسي، كما شمل الإعمار ضريحي السيدتين نرجس وحكيمة رضي الله عنهما، وقد صرفت مبالغ طائلة على هذا المشروع التجديدي، لكن الأحداث والظروف لم تمهل الأمير أحمد خان، فقد قتل في نفس العام، ودفن في رواق الإمامين في سامراء. تولى حسين قلي خان ابن أحمد خان المتوفى سنة (1207ه/92–1793م) مقاليد الأمور، وحل محل والده، فواصل ما كان أبوه قد ابتدأه فأكمل البهو والأبواب، وزين جامع السرداب بالنقوش، وكتب الآيات القرآنية على أركانه، كما زين القبة بالقاشاني الأزرق المعرق، وأخيرا أعد لنفسه قبرا حفره إلى جنب قبر أبيه في الرواق فدفن فيه بعد وفاته. بقي الميرزا محمد رفيع بعد ذلك ينفق على مشاريع البناء والإعمار حتى تمامه عام (1225ه/1810م).
|
العمارة الحادي عشر
|
في سنة (1285ه/1868م) وخلال حكم ناصر الدين شاه القاجاري أمر بتعمير وتجديد بناء الروضة المطهرة ففرشت أرضها بالرخام الأخضر الذي جلب من إيران، وجدد الشباك الفولاذي بآخر فضي مذهب التاج، ورخم أرضه، كما أعاد فرش أرض الرواق والبهو والصحن بالمرمر، وأبدل الأبواب، ورمم السور الذي بناه الدنبلي، وأصلح بعض جوانب الصحن المتصدعة والمنهارة، ولأول مرة كسيت القبة المنورة، وأطراف المنائر بالذهب، ونصبت ساعة على السور فوق الباب الرئيس للصحن وهي الساعة الموجودة حاليا، والظاهر أن هذه آخر عمارة أساسية لمرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام، الذي كان في كل مرة يزداد اتساعا ورونقا وجمالا، حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم من الأبهة والجلال والسعة. في سنة (1287ه/1870م) قام ناصر الدين شاه بزيارة العتبات المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء وسامراء المقدستين وقد حمل معه من التحف والهدايا والأموال الشيء الكثير، ولم يُعلم مقدار ونوع الهدايا التي قدمها لحضرة الإمامين في سامراء، وقد أجريت بعد الزيارة بعض الإصلاحات والإنشاءات الخدمية، من قبيل تبديل الأبواب وتفضيض الشباك وتذهيبه، كما أنجزت مشاريع توسعة حول الصحن الشريف بعد ذلك التأريخ.
|
العمارة الثانية عشر
|
في سنة (1341ه/22–1923م) في عهد ملك العراق السابق فيصل الأول تم توسيع الطرق حول الصحن وبين الدور التي تحيط به. في سنة (1343ه/24–1925م) تم إيصال الماء عبر الأنابيب إلى الصحن المطهر وأنشأت محلات الوضوء ودورات المياه الصحية ، لتسهيل زيارة أفواج الزائرين المتدفقة باستمرار على المرقدين المطهرين. في سنة (1349ه/30–1931م) جلب مولد كهرباء يعمل بالديزل خاص بالمرقد، فنورت الروضة بالكهرباء لأول مرة ونشرت فيها المصابيح، وعلقت الثريات مما زاد المرقدين والروضة جمالا وبهاء إلى بهائها. في سنة (1352ه/1933م) في عهد ملك العراق السابق غازي الأول المولود في مكة والمتوفى في بغداد بحادث سيارة سنة (1358ه/1939م) أجريت بعض التوسعات حول الصحن الشريف. في سنة (1359ه/1940م) وفي عهد الملك فيصل الثاني بن الملك غازي الأول بن الملك فيصل الأول المولود في بغداد عام 1933م والمتوفى سنة (1377ه/1958م) في انقلاب أطاح به وحول العراق إلى الحكم الجمهوري، أجريت أيضا بعض الإصلاحات والترميمات الطفيفة وتوسعة الشوارع المحيطة بالحرم المطهر. في سنة (1360ه/1941م) نقل شباك الإمام الحسين عليه السلام الفضي من كربلاء إلى سامراء لنصبه على ضريح الإمامين العسكريين عليهما السلام بعد أن رمم وأصلح، وفي سنة (1367ه/1948م) أصلح محمد صنيع خاتم الصندوقين الذي على الضريحين. في سنة (1381ه/1961م) نصب شباك فضي مذهب جديد، وهو الموجود قبل تفجيره مع الجزء الأكبر من حرم وأروقة العتبة المقدسة والقبة الشريفة في الحادث الأثيم يوم 22/2/2006م، وكان قد تبرع به جماعة من الوجهاء العراقيين والإيرانيين بسعي الشيخ محمد حسين المؤيد والحاج علي الكهربائي وغيرهم، وتبلغ أبعاد هذا الشباك (3) أمتار عرضاً، و(6) أمتار طولاً، و(50/2) متراً ارتفاعاً. في سنة (1386ه/1966م) قدمت إلى الحرم المطهر فرش الحرم بكامله عدا الرواقات بالسجاد الثمين، تبرع به بعض المؤمنين من التجار العراقيين والإيرانيين، بسعي الحاج محمد رضا لطفي في طهران والشيخ محمد حسين مؤيد في الكاظمية المقدسة ببغداد.
|