خلافة صوكوتو
الفكرة العامة
عثمان دان فوديو مؤسس امبراطورية صوكوتو المعروف بقليل من الإنجليز، لكنه لبضعة ملايين من سكان السودان الغربي يعتبر بطلاً قومياً وقائداً روحياً يأتي بعد النبي نفسه. قصة عثمان دان فوديو هي قصة الجهاد التي نتجت عن تأسيس الحكم الفولاني (الفيلاني) لما يعرف الآن بالأقاليم الشمالية لنيجيريا.
في نهاية القرن الثامن عشر كان هذا البلد مقسماً بين عدة مملكات صغيرة، معظمها تتكلم اللسان الهوسي، وهي بالاسم محمدية، ولكنها في حرب مستمرة فيما بينها. وكان سكان هذه الممالك قد وصلوا إلى درجة من الحضارة، فقد تكونت لديهم تقنية عالية في النسج والصباغة والدباغة، وكانت أنسجتهم القطنية ومنتجاتهم الجلدية معروفة في شواطئ البحر الأبيض المتوسط. عاشوا في مدن مسورة، وكانوا يشنون حربهم بفرسان مدرعة، وكانوا قد طوروا نظاماً اقطاعياً وطريقة معقدة لجمع الضرائب. لقد وصلهم الإسلام قبل بضعة قرون، ولكن تحت غطائه الرقيق كان معظم السكان ما زالوا متعلقين بمعتقداتهم وطقوسهم القديمة.
كان يسيح في هذه المنطقة جنس من البدو الرعاة يعرفون أنفسهم باسم «بولبي» ، وأما جيرانهم الهوسيين فيعرفون باسم «الفولانيين». أصل الفولانيين ما زال غامضاً. لقد عُرِّفوا من قبل بعض الناس بأنهم من ملوك الهكسوس في مصر، وبقبائل إسرائيل المفقودة، وبقبائل الماساي في شرق إفريقية، وبغجر أوروبة. ويكفينا أن نقول أنهم ذوو شفاه رقيقة، وجنس جلده أسمر، وشعورهم مستقيمة وملامح وجوههم عادية، كانوا ومنذ قرون يجوبون المناطق مع أنعامهم من غامبية إلى بحيرة تشاد.
ومع هذا، فالفولانيون هم قوم أكثر من كونهم مجرد رعاة. هم أصحاب ذكاء وكرامة، مع شعور موروث بالقيادة وتعلق كبير بتقليد الترفع فوق الأجناس «السوداء». منذ وقت مبكر، يبدو أنهم كانوا متميّزين لدرجة ما بكونهم مسلمين متعلمين وأنهم شكّلوا طبقة من المتعلمين بين السكان الزنوج المحليين. في الوقت الذي نكتب فيه، فإن المنطقة المعروفة اليوم بمقاطعة «صكتو» كانت مقسمة بين مملكتين متنازعتين هما: مملكة غوبير وكبّي. لقد دفعت قبائل الطوارق الغازية رجال غوبير من الشمال وسيطروا على بقايا مملكة «زمفرى» القديمة. ومن الغرب مملكة كبي، وكانت أرضاً إقطاعية تابعة لإمبراطورية «سونغاي» القوية، استطاعت الانفصال عن سونغاي منذ قرنين، وحافظت بنجاح على استقلالها. ولد عثمان، المعروف بشيخو (الشيخ)، في منطقة غوبير في حوالي عام 1754م. كان أبوه فوديو فولانياً من عشيرة «توردة»، وكان شيخو وأخو عبد الله قد نشآ على تعاليم الإسلام على المذهب المالكي. كان شيخو تلميذاً نجيباً. في سن مبكرة، زار مدينة «أغاديز» الصحراوية حيث استقبله سلطانها استقبالاً حاراً وبقي فيها للدراسة لبضع سنين. وأثناء عودته من أغاديز، استقبله ملك غوبير «باوا جان غوارزو». عاش شيخو بضع سنين في ضيافة الملك في مدينة «الكَلاوا» وعمل معلماً لأبناء البيت الملكي «ياكوبا» و«يونفا».
«نفاتا»، وريث الملك باوا، اختار دين المشركين من آبائه، وعمل على وقف انتشار الإسلام. فقد أعطى أوامره بأنه لا يسمح لأي إنسان أن يصبح مسلماً، إلا أن يولد مسلماً، وعلى كل الذين أسلموا أن يرجعوا إلى دين آبائهم. وحرم «نفاتا» على الرجال أن يعتموا وعلى النساء أن يغطين وجوههن. انسحب شيخو إلى قرية «دِغِلْ» رافضاً كفر نفاتا، حيث عاش هناك منعزلاً خلال فترة حكم نفاتا ووريثه ياكوبا. في هذه الأثناء، أصبح «يونفا» -أخ ياكوبا- ملكاً على غوبير، وقام بزيارة خاصة لقرية دِغِل ليحيي سيده القديم (أي معلمه شيخو). بدأ شيخو، متشجعاً بزيارة الملك ولفتته، بجوب البلد داعياً إلى الدين الحق يحث الناس على ترك عباداتهم الشركية. كان شيخو داعياً حماسياً. الأفارقة عاطفيون ومعرَّضون لموجوات من التعصب الديني. والمحمدي متحسب دائماً لمجيء المهدي، والداعي الناهض هو دائماً مصدر قلق لحكامه، سواء كان أبيض أم أسود. إن تعاليم شيخو الحماسية قوبلت بنجاح واسع، وخصوصاً بين رجال قبيلته، وبسرعة جمَّع حوله عصابة صغيرة من المتحمسين الذين تعلقوا بكلماته واعتبروه سيدهم.
بدأ يونفا يشعر بالخطر من جراء نمو الحركة، وتزايد شعوره هذا بحادث بيَّن له القوة التي وصل إليها شيخو. اتخذ عبد السلام، أحد تلاميذ شيخو، مسكناً له في بلدة «غيمبانا». عبد السلام هذا جلب لنفسه غضب يونفا. كانت مجموعة من محاربي غوبير قريباً من غيمبانا حين طلبت من عبد السلام –بكونه رجل دين- أن يأتي ويباركها، لكن عبد السلام رفض. مضت مجموعة المحاربين في طريقها، ورجعوا إلى الكلاوا وأخبروا يونفا بما حدث. اعتبر يونفا رفض عبد السلام إهانة مباشرة له وقرر معاقبته. أرسلت حملة ضد غيمبانا. هُزِمت المدينة وقيد سكانها إلى الرق. وفي طريقهم إلى بيوتهم عبر قطاع الطريق خلال دِغِل، وجاء شيخو ليرى ما حصل. لاحظ شيخو عدداً من المسلمين من بين المساجين فاعترض مباشرة، وتساءل: «بأي حق جعلوا مِن هؤلاء المسلمين عبيداً؟» وبضربة من يده فكَّ قيودهم. تخبر الروايات كيف أن شيخو حُفِظَ بقوة معجزة. لقد صُوِّب مسدس نحوه من مسافة بضعة أقدام ولم يصبه. فتحة بئر كانت مغطاة بأوراق الذرة وفوقها وضعت سجادة. دعي شيخو ليمثل أمام يونفا، وأن يجلس نفسه، وأنذر عن طريق «ما فوق الطبيعة» فجلس عن الأرض. لم يشعر يونفا بأنه قوي إلى درجة أن يحكم على شيخو بالموت علناً، فأرسله إلى دغل، وبعدها بقليل أنذر بزيادة تعصب الفولانيين، فأعطى أوامر سرية بذبح كل الفولانيين في مملكته.
تسرب السر فوراً، وأنذر شيخو وأتباعه فهربوا إلى «غودو» حيث التف حوله الفولانيون كواحد من أفاضل جنسهم. رمي التخفي جانباً، ودعى يونفا قادة جيشه لحمل السلاح. في 21 حزيران/يونيو 1804، التقى جيش غوبير بالفولانيين على بحيرة «كُووُتو» وتلقى هزيمة نكراء، وتغنت «نانا» بنت شيخو بقصة المعركة بشعر أصبح أغنية كل بيت:
هرب يونفا أمام الرعاة الحفاة *** من لا يملكون بريداًولا فارساً
نحن مَن كنا نُلاحَق كالأرانب *** نقدرالآن أن نعيش في البيوت
في ساحة المعركة توعد الفولا *** نيون بالجهاد ضد المشركين.
اختار الفولانيون شيخو قائداً لهم وجعلوه «أمير المؤمنين» (ساركِن مُسلُمي، بلغة الهوسا)، وهو اللقب الذي يحمله اليوم سلطان صكتو الذي هو مِن نسله.
لقد وهب النصر في كووتو الإشارة للصعود العام للفولانيين. أعطى شيخو راية مباركة لمن يثق به من جنده، ومعها أعطاهم النفوذ لينطلقوا ويغزو. كانت عاصمة كبي «برنين كبي» قد أخذها أخو شيخو عبد الله في سنة 1805. وقد شهدت السنة نفسها انقلاب مملكتي الهوسا: «كانو» و«كاتسينا». حملات ثلاث ضد الكلاوا كانت قد صُدَّت، لكن في سنة 1808 نجح «بيللو» ابن شيخو أخيراً في دخولها وقتل يونفا وتحطمت قوة غوبير. في بداية سنة 1810، اكتمل الجهاد عملياً. كل ولايات الهوسا، نوبه، أداماوا وأجزاء من بورنو، كانت في أيدي الأمراء الفولانيين الذين عيَّنهم شيخو وأعطوه البيعة. وتقريباً في كل حالة فإن الحاكم الحالي للأراضي التي فتحها الأمراء الفولانيون هم من سلالتهم. بعد سقوط الكلاوا، قسم شيخو إدارة دولته، فأعطى الشرقَ لابنه بيللو، والغربَ ولأخيه عبد الله الذي اتخذ مسكناً له في غواندو في كبي؛ أما بيللوا فقد استقر في مدينة صكتو والتي أسسها قبلها بسنة على موقع طبيعي قوي بين سبخات كبي وغوبير. لقد عاش شيخو ليرى نتيجة عمل حياته. لقد وجد الإسلام تحت راية: لقد رفعها عالياً. لقد أصبح الفولاني، من قبيلة الرعاة الرحل، الجنس الحاكم في كل ولايات الهوسا. رجل مخلص في إيمانه وصاحب اعتقاد دينية قوية، لديه ثقة لا يعتريها شك في دعوته الربانية، وشخصيته أعطت لأتباعه ثقة مشابهة لثقته. عاداته البسيطة وحياته الشاقة كانت مختلفة تماماً إذا ما قورنت بحياة الحكام الوثنيين المتأثرة بمظاهر البرابرة. وشيخو لم يكن جندياً في نفسه، فقد أرجع نجاحه إلى فضل الله فقط. بعد تقسيم دولته، اعتزل شيخو عن الاتصال وسخر نفسه لحياة الدراسة، أولاً في سيفاوة، ثم في مدينة صكتو. هنا مات في سنة 1817، ودفن داخل جدران المدينة، حيث ما زال قبره مكاناً للزيارة.
قبل موته عبّر شيخو عن أمنيته في أن يكون ابنه بيللو خليفته كأمير للمؤمنين. عندما مات شيخو كان عبد الله في غواندو، على بعد ستين ميلاً. وعندما سمع بموت شيخو سار مباشرة إلى صكتو، ولكن في نفس الوقت كان بيللوا قد اختير رسمياً أميراً للمؤمنين، وأغلق بوابات المدينة في وجه عمه. عاد عبد الله إلى غواندو وهو في حالة غضب شديد، وأصبحت العلاقات بين الجانبين متشنجة. لكن جاءت فرصة للتفاهم فوراً. بلدة «كَلَمْبينا» ثارت ضد عبد الله، وحورب هو وأتباعه داخل جدران غواندو. عندما سمع بيللو بمصيبة عمه أسرع إلى نجدته. سقطت كَلَمبينا، وقضي على الثورة على يد القوات الفولانية المتحدة. كان عبد الله كريماً إلى حد اعترافه بواجبه تجاه بيللو لتدخله في الوقت المناسب. اجتمع الاثنان خارج أسوار كلمبينا. كان بيللو على فرسه، وعبد الله على مهره التي دائماً ما يركبها والتي تناسب المعلم. بيللو كشابّ جهَّز نفسه لينزل عن دابته، كما تتطلب الآداب المحلية، لكن عبد الله طلب منه أن يبقى على ظهرها، بينما أحنى نفسه ليحيي ابن أخيه كأمير للمؤمنين.
لقد اندمل الجرح، ومنذ ذلك الحين استمرت صكتو وغواندو تحت أفضل روابط الصداقة. وحسب تقسيم شيخو، فإن الإمارات الشرقية دفعت الضرائب لصكتو، بينما دفعتها الإمارات الغربية لغواندو. بقيت الإمبراطورية المزودجة أقل من مائة سنة. في الأول من كانون الثاني/يناير عام 1900، أعلنت شمال نيجيريا محمية بريطانية. وفي حزيران/يونيو من عام 1902 سارت القوات البريطانية عبر غواندو، وفي آذار/مارس من نفس السنة احتلت صكتو بعد مقاومة بسيطة. فرَّ أمير المؤمنين، أتاهيرو، وعُيِّن ابن عمه محمدو أتاهيرو أميراً للمؤمنين عن طريق المندوب السامي فريدريك لوغارد.[1]
الجانب السياسي
في حدود (1804 - 1903) دولة إسلامية تأسست في شمال نيجيريا ضمت الامبراطورية ثلاثين إمارة اعتمدت في إدارتها للقضاء، على أسس مذهب الإمام مالك، وساعدت في توحيد القبائل والممالك في غرب السودان في ظل إدارة واحدة. وتحتل صكتو موقعا فريدا في تاريخ نيجيريا، حيث بدأ فيها العالم الإسلامي ومؤسسها عثمان دان فوديو جهوده لتجديد الفكر الإسلامي وتوحيد مناطق السكان الناطقين بلغة الهوسا . تحت ظل إدارة واحدة مركزها المدينة
المواجهة
ضاق من ملوك إقليم جوبير وكانوا من الوثنيين من نشاط جماعة عثمان بن فودي، قرر أمراء 'جوبير' الوثنيون إتباع أسلوب المواجهة المسلحة .أرسل هؤلاء الأمراء يتهددون الجماعة السلفية، ويتوعدون زعيمها [عثمان بن فودي] بأشد أنواع الوعيد والتهديد، فعندها اجتمع المجاهد العظيم مع رفاقه، واستشارهم في كيفية مواجهة هذه التهديدات، فأشار الجميع وهو أولهم بوجوب إعلان 1804 ـ 1218 الجهاد سنة بمجرد أن أعلن الجهاد على الوثنيين حتى أتاه الكثير من المسلمون من شمال نيجيريا يبغون نصرته، وفي نفس الوقت جاءت مساعدات كبيرة لأمراء جوبير من باقي إمارات الهاوسا غرب نيجيريا، وانتصرت الدعوة السلفية على الجماعات الوثنية وأصبح عثمان بن فودي أميراً على المنطقة الواقعة في شمال غرب نيجيريا، وبايعه المسلمون هناك أميراً عليهم، وتلقب من يومها بالشيخ، واتخذ من مدينة صكتو في أقصى الطرف الشمالي الغربي لنيجيريا مركزا لدعوته وذلك سنة 1810م .
اتسم هذا الخطاب الإسلامي الذي تبنته جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة بثلاثة ملامح رئيسية هي:
- تبني الفهم السلفي للإسلام.
- ثانياً: انتقاد ورفض الطرق الصوفية
- عدم الموافقة على" الإسلام الشعبي" والدعوة إلى الاجتهاد، ورفض التقليد والبدع
الجانب الإصلاحي "خطاب التكفير
لقد ظهر خطاب إسلامي مناهض للإصلاح السلفي ومعبر عن الفكر الصوفي في نيجيريا. ففي عام 1963 تأسست منظمة فتيان الإسلام وذلك بعد تزايد روابط وعلاقات الطبقة الدينية والاقتصادية في مدينة كانو بالعالم الخارجي. وقد قام الشيخ مودي صالغا بدور بارز في تأسيس هذه المنظمة التي وقفت بالأساس في وجه خطاب يان ازالة. وفي عام 1980 تم تأسيس حركة جند الله في مدينة كانو بزعامة كمال الدين ناما جي. وقد ركز خطاب هذه الحركة على ما يلي:
- الدفاع عن الرسول والسنة
- الدفاع عن المجتمع المسلم
- العمل على نشر التعليم والنظام في المجتمع المسلم
- بناء المدارس الإسلامية
- الدفاع عن التيجانية والقادرية .
الجانب العسكري الجهادي
نموذج عثمان ابن فودي Uthman Ibn Fudi وبعد عام 1795 اتخذت دعوة ابن فودي منحى جديداً حيث تجاوز مرحلة التوجيه الفردي المباشر ليتناول قضايا سياسية واجتماعية أوسع نطاقاً. ثم ما لبث أن أعلن الجهاد الإسلامي عام 1804 وذلك بهدف تأسيس دولة إسلامية تقوم على تعاليم الإسلام الصحيحة وهو ما تحقق له بعد عامين حينما أسس خلافة صكتو. وعلى الرغم من وفاته عام 1817 إلا أن دولته ازدهرت على أيدي خلفائه كما أنه ألهم الكثير من الحركات الإسلامية الإصلاحية في غرب أفريقيا . ومن الملاحظ أن الشيخ عثمان ابن فودي قد درس النصوص والكتابات الإسلامية الكلاسيكية في عصور النهضة التي شهدتها الحضارة الإسلامية، وهو ما أسهم في بناء نموذج مثالي لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم وفي مقاربته للواقع الذي يعيشه المسلمون في بلاده وجد أن الهوّة واسعة بين هذا الواقع وبين المجتمع المثالي المنشود وربما يرجع ذلك إلى أمرين رئيسيين أولهما شيوع البدع والممارسات غير الصحيحة للإسلام. وثانياً: عدم العدالة الاجتماعية. لقد أضحى الإسلام في المعتقد الشعبي العام مجرد طقوس وممارسات تبعد كل البعد عن صميم الدين. فانتشرت الخرافات والبدع وانغمس كثير من المسلمين في ممارسات فاسدة وجاهلية. ولم تقتصر هذه الممارسات على المجال الخاص اي حياة الفرد والعائلة ولكنها امتدت لتشمل المجال العام اي في إطار المعاملات والحياة العامة
عندئذ كانت دعوة ابن فودي للمسلمين بضرورة الانصياع لتعاليم الإسلام الصحيحة ونبذ هذه البدع والخرافات البعيدة عن الإسلام. وكان الحل الذي اقترحه لتحقيق هذه الدعوة يتمثل في إقامة مجتمع إسلامي جديد يتفق مع النموذج الإسلامي المثالي. ومن الملفت للنظر حقاً في فكر ابن فودي هو أنه كان يركز على البعد الاجتماعي، بمعنى أنه نظر إلى الممارسات الفاسدة وغير الصحيحة باعتبارها مفضية إلى الكفر ورغم ذلك لم يهتم بقضية تكفير الناس. فالعقيدة عنده ليست غاية في حد ذاتها وإنما الغاية هي وجود مسلم تشكله هذه العقيدة. ولا شك أن هذا الموقف من قضية التسامح في التعامل مع المجتمع قد أعطى بعداً إيجابياً بنّاءاً لمفهوم الإيمان والكفر. فهو يرى أن عدم الإيمان تظهره الأعمال وليس النوايا أو ما وقر في القلوب. وقد حذر مراراً وتكراراً من اتهام المسلمين بالكفر أو تكفير المجتمع كله. وتلك أحد الخصائص المهمة التي تميز الفكر الإصلاحي لعثمان ابن فودي، والتي تميزه عن بعض الحركات الإصلاحية التي ظهرت بعد ذلك في القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي نادت بجاهلية المجتمع وكفره وضرورة إقامة الدولة الإسلامية بالقوة.
وقد اهتم ابن فودي بالتعليم وأعطاه أهمية كبرى في مشروعه الإصلاحي(18). يعني ذلك أنّ العلماء الحقيقيون المعترف بهم سوف تناط بهم مهمة إعادة إصلاح النظام الاجتماعي وفرض السلوك الإسلامي القومي. وانتقد الشيخ عثمان العلماءالذين يسعون إلى مجرد الشهرة والنفوذ دون الاهتمام يقضية تعليم المسلمين صميم الدين. كما أنه انتقد العلماء الذين لا يهتمون بدراسة اللغة العربية. وكان ابن فودي ينظر إلى المعرفة العلمية من حيث وظيفتها الاجتماعية وهو ما يعني رفضه وجود نخبة متميزة من علماء الدين لا يكون لديهم التزام بقضايا وهموم مجتمعاتهم.
وإذا كانت مرحلة الجهاد القولي التي بدأها الشيخ عثمان قد قامت على النصح والإرشاد ورفع المستوى التعليمي ومستوى الوعي الاجتماعي العام لدى المسلمين فإنها ركزت على قضية المرأة وضرورة تحريرها من مظاهر الظلم والتهميش الاجتماعي الذي تعاني منه. وقد ساهمت المرأة المسلمة في حركة الإصلاح التي قادها ابن فودي، ولا شك أن هذا النموذج الإسلامي للمرأة قد مثل تحدياً كبيراً للأفكار السائدة في المجتمع الأفريقي آنذاك ومن الملاحظ أن موقف ابن فودي من الصوفية قد يثير اللبس نظراً لكونه هو نفسه من الصوفية، لكنه لم يطرح الصوفية إطلاقاً باعتبارها جزءاً من مشروعه الفكري. وعندما كان يشير إلى الصوفية كان ذلك في سياق الحديث عن السلوك الإسلامي القويم للفرد ولا علاقة له إطلاقاً بالمكوّن الفكري. ولابن فودي كتابات كثيرة عن الصوفية لكنه لم يوجه نقداً إليها مثلما هو الحال مثلاً مع محمد بن عبد الوهاب. وتمثلت المرحلة الأخيرة من مشروع ابن فودي الإصلاحي في إقامة الدولة الإسلامية وذلك لتحقيق المثالية الإسلامية.وتضمنت استراتيجية التغيير المطروحة وجود برنامج سياسي واجتماعي راديكالي ليحل محل النظام القديم. وينبثق نموذج الدولة الإسلامية الجديدة من الصياغات النظرية الأولى في عصر النهضة الإسلامية. ويمكن القول أن خلاقة صكتو تطرح هذا النموذج المثالي الذي آمن به ابن فودي. لقد بين الشيخ عثمان في "وثيقة أهل السودان" التي يعدها البعض مانيفستو الجهاد الإسلامي في بلاد الهوسا أهمية النضال من أجل قيام الدولة الإسلامية. إذ تشير الوثيقة إلي ثلاثة مبادئ ملزمة للجماعة المسلمة :
- الأمر بالمعروف.
- النهي عن المنكر.
- الهجرة ( القتال) من أرض الكفر.
وعليه كان علي الجماعة المسلمة أن تقاتل من أجل التخلص من الفساد والظلم ولإرساء قواعد الحق والعدالة في المجتمع.
الجانب الديني
ولضمان تنفيذ الشريعة التي تمّ تطبيقها بالكامل في ولاية زمفرا في 27 يناير 2000 تمّ إنشاء المؤسسات الآتية :
- وزارة الشئون الدينية لتنسيق والإشراف على كل ما يتعلق بالأنشطة الدينية
- مجلس العلماء الاستشاري لتوجيه النصح للحكومة بما يضمن اتساق أعمالها مع أحكام الشريعة.
- لجنة الحسبة
- لجنة مكافحة الفساد
- لجنة الشكاوى العامة
- هيئة تجويد وقراءة القرآن
- مكتب الوعظ والمساجد
- مكتب تنمية وأبحاث الشريعة
- مكتب الوقف والزكاة
- لجنة رؤية الهلال .
المصادر
- حمدي عبد الرحمن حسن، التعددية وأزمة بناء الدولة في أفريقيا الإسلامية، القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي، 1996.
- انظر في تفصيلات ذلك: حورية توفيق مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، القاهرة : مكتبة الانجلو المصرية ، 2002.
- علي مزر وعي، قضايا فكرية : أفريقيا والإسلام والغرب على أعتاب عصر جديد، ترجمة صبحي قنصوة وآخرون، القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي، 1998.
- رضوان زيادة؛ سؤال التجديد في الخطاب الإسلامي المعاصر، بيروت؛ دار المدار الإسلامي، 2004.
- مكتبة الخيرية في مدرسة دار الحديث في سوكونيكو
- مكتبة خير البرية سباليبوغو
- المكتبة الشاملة
مراجع
- كتاب تاريخ سودان