نابلس أو شكيم بالكنعانية، مدينة من أقدم مدن العالم يعود تاريخها إلى 5600 سنة (حوالي سنة 3600 ق.م).[1]
تأسيسها
أسست عند ملتقى أقدام جبلي جرزيم وعيبال في القسم الشرقي لمدينة نابلس الحالية على يد الكنعانيين فوق تل كبير يدعى الآن تل بلاطة، وقد أسماها الكنعانيون في ذلك الوقت "شكيم" والتي تعني المكان المرتفع، ومن ثم أصبحت من أشهر المدن الكنعانية.
سكانها
كان الحويون والفرزيون أقدم من سكن " شكيم " من العرب. صارعت نابلس الكثير من الغزاة والمحتلين عبر تاريخها الطويل، بحيث غزاها كل من الفراعنة المصريين والقبائل العبرية والآشوريين والبابليين والفارسيين واليونانيين والسلوقيين، إلى أن سقطت بيد الرومان سنة 63 قبل الميلاد.[2]
ورد ذكر شكيم في نصوص إيبلا التي اكتشفها عالم الآثار الإيطالي باولو ماتيه ضمن مدن كنعانية أخرى في فلسطين، وهي إضافة إلى شكيم بيت جبرين وأريحا وأورسالم (يبوس) ومجدو وبيت شان. ورد ذكرها أيضاً في رسائل تل العمارنة (1400 ق.م) باسم شاكمي، كما ذكرت في تقارير تحتمس الثالث أيضاً.[3][4]
تشير النصوص المصرية القديمة بأن شكيم كانت مدينةً محصنةً استراتيجية ذات أهمية دولية منذ سنة 1800 ق.م، كما كانت مركزاً للديانات الكنعانية والحياة السياسية، ويفهم من النصوص المصرية القديمة أن علاقة فلسطين أصبحت وطيدة بمصر ابتداءً من بداية هذا العصر. وتتحدث رسائل تل العمارنة (سنة 1400-1350 ق.م) عن مدينة شكيم، تحت حكم أميرها الكنعاني لابعايو كمدينة تلعب دوراً هاماً في النضال ضد السيطرة المصرية على منطقة فلسطين.
في العصور القديمة
وحسب ما ورد في التوراة فإنها أول مدينة كنعانية نزل فيها إبراهيم الخليل قادماً من مدينة أور في العراق، وكان ذلك حوالي 1805 ق.م [5] وبعده أتى يعقوب من فدان آرام على نهر الفرات في العراق، ونزل شكيم، ثم سكن مدينة كنعانية تعرف باسم بيت إيل وتعني مقر أبي الآلهة الكنعانية، وكانت مركز عبادة الإله إل الكنعاني أو إيل. ويذكر أن يعقوب عاد فيما بعد إلى شكيم.[6]
و في عصر الحديد (1200-323 قبل الميلاد) استمرت المدن الكنعانية بنفس نظام المدن المحصنة ذات القلاع خلال فترات عصر البرونز. وتشير التوراة إلى وجود حروب بين اليهود والكنعانيين الفلسطينيين.[7] وقد سيطر اليهود على مدينتين كنعانيتين:
- الأولى: مدينة يبوس (أورشاليم) مدينة اليبوسيين الكنعانيين وقلب مملكتهم منذ عصور ما قبل التاريخ، سيطر عليها بنو إسرائيل سنة 1000 ق.م بقيادة طالوت (شاؤول عند اليهود) ثم داود ، ثم سليمان سنة 963 ق.م –923 ق.م. واستمر اليهود فيها تحت اسم مملكة يهودا حتى سقطت سنة 586 ق.م على يد نبوخذ نصر.
- الثانية : مدينة شكيم، التي بدأ نفوذهم فيها عام 923 ق.م وانتهى عام 722 ق.م على يد سرجون الثاني، وبقى فيها أهلها الكنعانيون، وتشير بعض المراجع إلى إحضار كنعانيين من الدواخل، وهم العموريون.
أما السامريون فقد سكنوا مدينة شكيم وهم فئة من اليهود لا تعترف من التوراة بغير الأسفار الخمسة الأولى المنسوبة إلى النبي موسى، وتعرف هذه الفئة بالسامريين نسبة إلى السامرة. وقد ناصبهم اليهود العداء منذ ظهورهم. ويعتقد السامريون بأن إبراهيم هم بالتضحية بإبنه اسحاق على جبل جرزيم.[8] لا يزال معظم السامريين موجودون في مدينة نابلس حتى هذا اليوم ولا يتجاوز عددهم 250 نسمة، وقد خصص لهم مقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب لأول مرة في التاريخ الفلسطيني المعاصر عام 1995.
الحكم اليوناني
سقطت فلسطين سنة 332 ق.م في يد الإسكندر المقدوني وأصبحت تابعة للإمبراطورية اليونانية حتى سنة 64 ق.م. وخضعت فلسطين إلى حكم إمبراطورية البطالمة والسلوقيين، وقد تركت الهيلينية بصماتها واضحة على بعض مظاهر الحياة أيام الحكم اليوناني وذلك بسبب إنشاء سبعين مدينة ضخمة على الطراز الإغريقي في البلاد التي احتلها جيش اليونان. وقد استخدمت كمراكز ثقافية تم بواسطتها نشر الثقافة اليونانية في بلدان العالم القديم. ومن المدن الثقافية التي أنشئت في العهد اليوناني بيلاوريون (تل الأشعري)، هيبوس (قلعة الحصن) وتقعان شرق طبريا، ومدينة (فيلوتير) في الطرف الجنوبي من بحيرة طبريا، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى فيلوتير شقيقة بطليموس الثاني فيلادلفوس، ومدينة جيراز (جرش). حول الإغريق الكثير من أسماء المدن الكنعانية الفلسطينية إلى أسماء إغريقية منها عكا، حيث سميت بتولما في عهد بطليموس الثاني، وبيت شان (بيسان) سميت سكيثوبوليس، وبيت جبرين أطلق عليها اليوثيروبوليس، وإيلات سميت بيرينكة، وشكيم سميت نيابوليس. وأصبحت المدينة تشتمل على رقعة واسعة من الأراضي تحيط بها الأسوار، وبها بوابات ضخمة ذات جلال، وفي داخل الأسوار يقع القصر الملكي أو قصر الحاكم، وكذلك الساحة العامة والمدرج الضخم والمسرح وبرك السباحة والمعابد الضخمة المتعددة.
العصر الروماني والبيزنطي
وفي العصر الروماني 64 ق.م – 323 م أقيم سور حول مدينة شكيم (السامرة) طوله حوالي 170 أكد. أما بوابة المدينة فقد بنيت في الجهة الغربية من المدينة وتضم برجين دائريين عظيمين بقطر 46 قدماً، وهي مقامة على قواعد مربعة الشكل تعود للعصر الهيليني. ومبنى الباسليكا من السامرة (نابلس) يعود تاريخه إلى العصر الروماني.[9]
وفي سنة 67-69 م قرر الرومان هدمها للمرة الأخيرة وبناء مدينة جديدة إلى الغرب منها أسموها "نيابوليس" أي المدينة الجديدة والتي حرفت عنها لفظة نابلس الحالية، وقد أقاموها وفق التخطيط الروماني في بناء المدن من حيث وجود شارعين متقاطعين ينتج عنهما أربع حارات، حيث ما زالت بعض هذه الحارات الرومانية قائمة بتسميتها الرومانية إلى اليوم مثل حارة القيسارية. وفي عهد هادريان (117 م-138 م) أقام الرومان معبداً لزيوس على جبل جرزيم مكان معبد السامريين.[2]
وفي العصر البيزنطي 323 - 638 م انتصرت المسيحية فأصبحت كل فلسطين وبضمنها نابلس تدين بالمسيحية وأصبحت نابلس مركزاً لأسقفية. وفي القرن الخامس الميلادي بنى المسيحيون على قمة جبل جرزيم كنيسة تخليداً لمريم العذراء.
في عهد الإمبراطور جستنيان (527-565 م) بنى الرومان المسيحيون قلعة مسورة بالقرب من كنيسة مريم لا تزال آثارها باقية وأعادوا بناء خمس كنائس تهدمت في حروب سابقة.
العصر الإسلامي
في عام 638 م فتح العرب المسلمون نابلس بقيادة عمرو بن العاص في خلافة أبي بكر الصديق، وقد تعهد المسلمون بحماية من بقي من أهلها على دينه من المسيحيين على أن يدفعوا الجزية عن رقابهم والخراج عن أراضيهم.[10]
و بعد الفتح الإسلامي أصبحت نابلس مدينة من مدن جند فلسطين الذي كانت عاصمته اللد ثم الرملة.
فترة الحروب الصليبية
في سنة 1099 م استولى عليها الصليبيون بقيادة تنكرد صاحب أنطاكية، وبنى بالدوين الأول (1100-1118م) ملك بيت المقدس الفرنجي فيها قلعة على رأس جبل جرزيم لحماية قواته ومراقبة تحركات المسلمين.[11] في سنة 1120م عقد فيها بالدوين الثاني (1118-1130 م) مجمعاً كنسياً كبيراً. في سنة 1187 م انتصر صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين، وعادت نابلس بقراها وجبالها إلى المسلمين. أزال صلاح الدين ما أحدثه الصليبيون من تغييرات فيها أثناء الاحتلال. وقد بدأت المدينة في العودة إلى ازدهارها خاصة في زمن المماليك الذين خلفوا الأيوبيين في الحكم ثم من بعدهم العثمانيين إلى أن سقطت بيد الاحتلال البريطاني سنة 1917.
في سنة 1189 م أصاب نابلس زلزال، فتهدمت فيها مبان كثيرة، ومات تحت الأنقاض ثلاثون ألفاً من أهلها.
في عام 1228 م انطلقت الحملة الصليبية السادسة على الشام بقيادة فردريك الثاني إمبراطور ألمانيا وإيطاليا، وكانت نابلس مركز تجمع جيش المسلمين بقيادة الملك الكامل.[12]
التتار
في سنة 1260 م استولى عليها التتار، ولكنهم خرجوا في نفس السنة على يد قطز المملوكي.[13]
العثمانيون
- مقالة مفصلة: سنجق نابلس
في سنة 1517م سيطر العثمانيون على بلاد الشام وبضمنها نابلس. أسس العثمانيون سنجق نابلس الذي امتد من نهر الأردن إلى البحر المتوسط وكان يحده سنجق عكا شمالاً ومتصرفية القدس جنوباً. نتيجة لأهميتها الاقتصادية المنافسة لعكا ، تعرضت نابلس بدءاً من عام 1773 إلى حصار عسكري واقتصادي تبعه احتلال قام به ظاهر العمر وخلفه أحمد باشا الجزار لإضعاف دورها وتقوية دور عكا، ودام هذا الاحتلال حتى عام 1804.[14] في سنة 1832 دخلت نابلس تحت الحكم المصري بقيادة القائد إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا، وفي عام 1834 كانت نابلس أول من ثار على حكم إبراهيم باشا احتجاجا على التجنيد الإجباري، ولكن الثورة أخفقت. دام هذا الحكم حتى سنة 1840 حيث عادت فلسطين إلى الحكم العثماني. وفي نهاية الحكم العثماني أصبحت مدينة نابلس قضاءً يضم 101 من القرى. كانت نابلس خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أهم مدينة تجارية في فلسطين، متفوقة على القدس وعلى المدن الساحلية، وكانت أيضاً أكبر مركز لإنتاج القطن في الشام بكمية بلغت 225000 كغم عام 1837.[15]
ضرب زلزال كبير ثان نابلس في عام 1837 وأدى إلى تدمير حي كامل وإحداث أضرار كبيرة بحي آخر.[16]
أشتهرت عائلات نابلس ببعض المهن، حيث كان لكل عائلة مهنة تتميز بها مثل التجارة والزراعة والتعليم. ووفقا لما ذكره المؤرخ إحسان النمر في كتابة تاريخ جبل نابلس والبلقاء، أشتهرت عائلة حمودة بالبناء والإعمار وهي بدورها فرع من عائلة صانع الخير.
الانتداب البريطاني
وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1922 وأصبحت مجدداً مركزاً للمقاومة. فجر البريطانيون أجزاءً كبيرة من حارة القريون خلال ثورة 1936-1939 لقمع المقاومة.[15]
ضرب زلزال ثالث نابلس يوم 11 تموز من عام 1927 [17] وأدى إلى تدمير 300 بيت ومبنى في مدينتها القديمة وبضمنها جامع النصر التاريخي [16] ويمكن رؤية آثاره على بعض المباني حتى اليوم.
بعد نكبة فلسطين عام 1948 ضمت الضفة الغربية بمحافظاتها الثلاث (نابلس والقدس والخليل) إلى الأردن وأصبحت في سنة 1950 جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية.
الاحتلال الإسرائيلي
و في سنة 1967 م تم احتلالها من قبل الإسرائيليين.
إنسحبت قوات الاحتلال منها في 10 كانون الأول سنة 1995 م، قبل أربعة أيام من الموعد المتفق عليه مع السلطة الفلسطينية، وكانت الوحيدة من بين المدن الفلسطينية التي أخليت قبل موعدها.
مصادر
- السرجاني، راغب. 2008. خط الزمن: الحلقة 2- فلسطين في العصر البرونزي القديم. قصة الإسلام. [1] تاريخ الولوج 8 آب 2009 نسخة محفوظة 17 أبريل 2009 على موقع واي باك مشين.
- الدباغ، مصطفى. 1970. بلادنا فلسطين. الجزء الثاني. بيروت.
- صلاحات، مهند. 2008. «السامريون».. عداء تاريخي مع اليهود وإصرار على أن القدس عاصمة فلسطين. صحيفة العرب القطرية. العدد 7213 [2] - تصفح: نسخة محفوظة 26 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- وزارة السياحة والآثار. 1960. الحفريات الأثرية في الأردن. ص 9. عمان
- سفر التكوين 12 : 6-8
- سفر التكوين 25: 34-29، 35: 1-8
- سفر يشوع. الإصحاح 24، 12-19. [3]. تاريخ الولوج 29 تموز 2009. نسخة محفوظة 03 مارس 2014 على موقع واي باك مشين.
- الراميني، أكرم. 1978. نابلس في القرن التاسع عشر. رسالة ماجستير غير منشورة. الجامعة الأردنية
- مؤسسة قطان - تصفح: نسخة محفوظة 15 ديسمبر 2012 على موقع واي باك مشين.
- البلاذري. فتوح البلدان.
- النمر، إحسان. 1938. تاريخ جبل نابلس والبلقاء. الجزء الأول. دمشق.
- ديورانت، ول. قصة الحضارة. الباب الثالث والعشرون. ص. 5329
- الجبرتي، عبد الرحمن. عجائب الآثار في التراجم والأخبار. [4] تاريخ الولوج 27 تموز 2009. نسخة محفوظة 20 يونيو 2009 على موقع واي باك مشين.
- بازيلي، قسطنطين. 1989. سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني. دار التقدم، موسكو.
- دوماني، بشارة. 1995. أهالي جبل نابلس (1700 - 1900). مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
- واكس د. وليفيت د. 1978. (D. Wachs and D. Levitte) الأضرار الناتجة عن الانهيارات الأرضية خلال زلزالي 1837 و 1927 في منطقة الجليل [5] - تصفح: نسخة محفوظة 31 أكتوبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- عبد ربه، حسام. 2001. نبوءة إسرائيلية مخيفة: القدس تتعرض لزلزال مدمر. أخبار اليوم. العدد 3457 [6] - تصفح: نسخة محفوظة 11 فبراير 2001 على موقع واي باك مشين.