قسطنطين زريق (5 نيسان 1909 – 12 آب 2000)، مؤرخ ومُفكر سوري من دمشق، كان أحد أشهر دعاة القومية العربية في العصر الحديث. عُيّن وزيراً مفوضاً للجمهورية السورية في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1946 وعضواً في وفدها المؤسس لدى الأمم المتحدة. وفي عام 1949 أصبح رئيساً لجامعة دمشق ثم رئيساً بالوكالة للجامعة الأميركية في بيروت حتى سنة 1957. كما عمل رئيساً لمجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت من 1967 وحتى عام 1983، وأستاذاً في قسم التاريخ في الجامعة الأميركية حتى عام 1977.
قسطنطين زريق | |
---|---|
معلومات شخصية | |
الميلاد | 1909 دمشق |
الوفاة | 2000 بيروت |
الجنسية | سوريا |
الزوجة | نجلاء قرطاس |
منصب | |
سبقه : ناظم القدسي خلفه: فايز الخوري
سبقه: حسني سبح خلفه: : سامي الميداني
سبقه: ستيفن بنروز خلفه: بول ليونارد |
|
الحياة العملية | |
المدرسة الأم | جامعة ميشيغان جامعة برنستون الجامعة الأميركية في بيروت |
المهنة | عالم سياسة، ومؤرخ، وبروفيسور، ودبلوماسي |
اللغات | العربية[1] |
موظف في | الجامعة الأميركية في بيروت |
البداية
ولِد قسطنطين زريق في حي القيمرية بدمشق وهو ابن عائلة أورثوذكسية متوسطة الحال. دَرس في مدرسة الآسيّة ونظراً لتفوقه العِلمي، تم ارساله إلى الجامعة الأميركية في بيروت عن طريق منحة قدمها له الدكتور فيليب حتي، مُدرّس التاريخ في تلك الجامعة.[2] كان زريق راغباً بدراسة الهندسة لا التاريخ، ولكنه غيّر مجال اختاصه في السنة الأخيرة، عندما قرر فيليب حتي مغادرة الجامعة الأميركية للذهاب إلى جامعة برنستون في الولايات المتحدة. تبناه الدكتور أسد رستم في الجامعة الأميركية قائلاً أن خلفية قسطنطين زريق بالرياضيات دربته على الدقة والموضوعية والتتبع في الاستنتاج، مما سوف يجعل منه مؤرخاً بارعاً في المستقبل.[2]
سافر زريق إلى الولايات المتحدة لإكمال اختصاصه بالتاريخ ووصل إلى جامعة شيكاغو في حزيران 1928. وبعد نيله شهادة الدكتوراة ذهب إلى جامعة كولومبيا لدراسة تاريخ الدول الهلنستية وتاريخ أوروبا القديم. وأخيراً وصل إلى جامعة برنستون، حيث دَرس التاريخ العربي على يد الدكتور فيليب حتي، الذي كان قد تبناه عِلمياً منذ أن كان طالباً مدرسياً. عاد بعدها قسطنطين زريق إلى لبنان وعُيّن استاذاً لمادة "تاريخ العرب" في الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1930.
العروة الوثقى
اهتم قسطنطين زريق بشؤون الطلاب وقدم دعماً فكرياً ولوجستياً غير محدود لجمعية العروة الوثقى الطلابية التي نشطت في الجامعة الأميركية منذ الحرب العالمية الأولى، المعنية بتشجيع الوعي القومي لدى الطلاب وحثهم على ممارسة الكتابة والخطابة باللغة العربية الفصحى. كما أصر الدكتور زريق على إعطاء كافة محاضراته باللغة العربية، رافضاً التحدث مع الطلاب باللغة الأنكليزية بالرغم من أن الجامعة كانت أميركية الإدارة والهوية، تتبع لمجلس إمناء منتخب في مدينة نيويورك.[3]
تأسيس عصبة العمل القومي
انضم قسطنطين زريق في شبابه إلى لفيف من القومين العرب الذين أسسوا عصبة العمل القومي في قرية قرنائل اللبنانية عام 1932.[4] وكان بين مؤسسيها المفكر القومي زكي الأرسوزي والسياسي الدمشقي صبري العسلي، إضافة لرئيسها الشاب، عبد الرزاق الدندشي. وقد تم تأسيس تنظيم سري لدعم عصبة العمل القومي، عُرف باسم "المجموعة القومية العربية،" وكان قسطنطين زريق في صدارته، مع العِلم أن عمله في الجامعة الأميركية في بيروت كان يمنعه من الانضمام إلى أي تنظيم سياسي. عَمل معه في هذا التنظيم درويش مقدادي من فلسطين وفؤاد المفرّج من سورية، وكلاهما من طلاب زريق المتفوقين في الجامعة الأميركية. عقدوا أول اجتماع لهم في منطقة البسطة في بيروت والثاني في داره الكائنة في شارع جان دارك القريب من مكان عمله. وقد وضعوا خلاصة أفكارهم ومبادئهم في كتاب صغير مُغلف باللون الأحمر، أطلق عليه "الكتاب الأحمر." كان هدفهم التغلغل في الجمعيات والأحزاب الرئيسية القائمة يومها في سورية ولبنان والوصول إلى قمة الهرم فيها ليتمكنوا من التأثير على قراراتها المتعلقة بالقضية العربية.
وزيراً في أمريكا
وفي أذار 1945، تم استدعائه إلى دمشق لمقابلة رئيس الجمهورية شكري القوتلي، الذي قام بتعيين قسطنطين زريق مستشاراً أولاًفي المفوضية السورية في واشنطن وعضواً في الوفد السوري المؤسس للأمم المتحدة، برئاسة رئيس الحكومة فارس الخوري. وعند استدعاء السفير ناظم القدسي إلى دمشق، أصبح قسطنطين زريق وزيراً مفوضاً لدى حكومة الرئيس الأميركي هاري ترومان، الذي قدم له أوراق اعتماده يوم 13 شباط 1946. صرف الدكتور زريق جهداً كبيراً في الدفاع عن استقلال سورية وعن القضية الفلسطينية التي آمن بها وعمل كثيراً من أجلها طوال حياته. وقد وضع كتاباً عن احتلال فلسطين سنة 1948، أدرج من خلاله عبارة "النكبة" وقام بإدخالها على القاموس السياسي العربي.[5]
رئيساً لجامعة دمشق 1949- 1952
عاد الدكتور زريق إلى لبنان لإكمال عمله في الجامعة الأميركية إلى أن تم استدعائه إلى دمشق مجدداً في نيسان 1949 من قبل حاكم سورية الجديد، الزعيم حسني الزعيم، الذي طلب منه تسلم حقيبة الخارجية في عهده ولكنه رفض، فعرض عليه رئاسة جامعة دمشق. وقد أصدر حسني الزعيم مرسوماً خاصاً بقسطنطين زريق، لكونه أول رئيس للجامعة من خارج ملاك الدولة السورية. في عملة الجديد قام الدكتور زريق بوضع قانون حديث لكلية العلوم وعمل على رفع نسة الطالبات السوريات، التي وصلت في عهده إلى 1:4 من الذكور، بالمقارنة مع الجامعة المصرية يومها، التي كانت نسبة الإناث فيها 1:13.[6] وقام بإفاد 300 طالب سوري إلى أوروبا لإكمال دراساتهم العليا على حساب الدولة، ووضع قانون للتعليم الثانوي المجاني في سورية، بالتعاون مع صديقه الدكتور عبد الوهاب حومد، نائب حلب في البرلمان السوري وأستاذ القانون في جامعة دمشق، الذي طرح القانون أمام السلطة التشريعية ليتم الموافقة عليه في جلسة 5 أيلول 1950.
ولكن قسطنطين زريق استقال من رئاسة جامعة دمشق في 8 أذار 1952، عندما حَصلت مواجه بينه وبين العسكر، عندما منعهم من دخول الحرم الجامعي بحثاً عن طالب رفض تسلّم شهادته الجامعية من رئيس الدولة في حينها العقيد أديب الشيشكلي. فقد صفعه العسكري على وجهه ودخل بالقوة إلى جامعة دمشق، في حادثة آليمة ظلّ قسطنطين زريق يتحاشى ذكرها حتى وفاته. حاول الشيشكلي إرضائه وأقام حفلاً تكريمياً على شرفه، قُلّد فيه قسطنطين زريق وسام الإستحقاق السوري من الدرجة الأولى.[7]
العودة إلى الجامعة الأميركية
عاد الدكتور زريق إلى عمله العِلمي في لبنان، وعُيّن عميداً للكليات ثم نائباً لرئيس الجامعة الأميركية في بيروت ثم رئيساً بالوكالة من 19 كانون الثاني 1955 وحتى سنة 1957. وضع الدكتور زريق خلال ولايته برنامج الدراسات العربية المعاصرة وذهب على رأس وفد رفيع من الأستاذة إلى مصر لمقابلة الدكتور طه حسين والاستفادة من تجربة جامعة فؤاد الأول في الدراسات والأبحاث. وخلال رئاسته، شهدت الجامعة الأميركية اضترابات عنيفة نتيجة انقسام الطلاب حول حلف بغداد والعدوان الثلاثي على مصر وزيارة الرئيس التركي عدنان منديريس إلى لبنان. أيد الدكتور زريق النشاط الطلابي المعادي للغرب داخل الجامعة ولم يخفي تبنيه ودعمه لجمعية العروة الوثقى التي انتسب لها وهو طالب وكانت يومها برئاسة الطالب السوري ثابت المهايني. نظمت الجمعية مظاهرة حاشدة ضد حلف بغداد يوم 27 أذار 1954، وحصلت مواجهة على أبواب كلية الطب، أدت إلى مقتل طالب من جمعية المقاصد الخيرية وأخر من الحزب التقدمي الإشتراكي الذي كان يتزعمه كمال جنبلاط. قامت القوة الأمنية باستخدام الرصاص الحي لنفريق المنتظاهرين، متحججة بأنهم اطلقوا النار من داخل الجامعة، ودخلت الحرم الجامعي بالرغم من معارضة الدكتور زريق، بحثاً عن الطلاب المنتمين إلى العروة الوثقى. شُنّ هجوم عنيف على القوة الأمنية يومها، من قبل كمال جنبلاط من داخل البرلمان اللبناني وعبر جريدة النهار التي كان يديرها الصحفي غسان تويني، صديق قسطنطين زريق.
وبالرغم من قربه من الحراك الطلابي، إلى أن الدكتور زريق لم يكن بوسعه إلا الموافقة على حلّ جمعية العروة الوثقى، وهو في سدة رئاسة الجامعة، يوم 29 أيار 1954. كما تم فصل 15 طالب أدينوا بتزعم الحراك، تحت ضغط مباشر من الأستاذة الأميركيين الموجودين في الهيئة التدريسية للجامعة. عقد الدكتور زريق مؤتمراً صحفياً يوم 30 أيار 1954، أعرب فيه عن أسفه الشديد عن الطريقة التي تمت من خلالها معالجة الأزمة مع الطلاب.[7] وكان لمواقفة القومية الدور الأكبر بعدم تسميته رئيساً للجامعة إلا بالوكالة، بتحريض من وزير خارجية لبنان شارل مالك، زميل زريق في الأمم المتحدة، المحسوب على رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون، المؤيد للغرب. وعندما رُشح الدكتور زريق لرئاسة الجامعة مجدداً سنة 1965، تم إستبعاده مرة ثانية ولنفس الأسباب.[8]
ما بعد الجامعة الأميركية
انتخب قسطنطين زريق عضوا مراسلاً في مجمع اللغة العربية في دمشق عام 1954 وممثلاً للجمهورية السورية في المجلس التنفيذي لمنظمة اليونيسكو ما بين 1950-1954 وعضواً في اللجنة العالمية للتاريخ التابعة لها حتى عام 1969. وظلّ يُدرّس في الجامعة الأميركية حتى عام 1977 ليتجه بعدها إلى الولايات المتحدة استاذاً زائراً في جامعة كولومبيا وجامعة جورج تاون وجامعة يوتا. وقد منحته جامعة ميشغن الأميركية شهادة دكتوراة فخرية وإنتخب عضواً فخرياً في الجمعية التاريخية الأميركي. كما حاضر الدكتور زريق في عدة جامعات عالمية، في أثينا واسطنبول وفينا وجينيف ولاهاي وميونخ وأوكسفودر وكامبردج، وفي عام 1977 عُيّن مستشاراً للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي ولدولة الكويت.[9] وفي عام 1967، انتخب زريق رئيساً لمجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية ثم رئيساً فخرياً لها مدى الحياة.[10] وكان له مساهمة كبيرة بحفظ وثائق المركز خلال الإجتياح الإسرائيلي لمدينة بيروت سنة 1982.
الوفاة
توفي الدكتور قسطنطين زريق في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت عن عمر ناهز 91 عاماً في 12 آب 2000،. وكان أخر لقاء صحفي أدلى به قد نُشر في جريدة الخليج بتاريخ 10 كانون الأول 1999، أي قبل ثمانية أشهر من وفاته. وصفته الجامعة الأميركية بالقول: "كان عملاقاً في عصره، ومع ذلك اتسمت شخصيته بالتواضع واللطف، وكان يعامل الجميع، طلاباً كانوا أم قادة دول، بنفس الرسمية والاحترام."[5]
الأوسمة والتكريم
وبعد نيله وسام من الرئيس أديب الشيشكلي، حصل قسطنطين زريق على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، الذي منحه ياه الرئيس شكري القوتلي عام 1956. وتلاه وسام الأرز اللبناني من درجة كومندور عام 1956 ووسام المؤرخ العربي الممنوح من قبل اتحاد المؤرخين العرب سنة 1993. وفي نفس العام حصل على وسام القديسين بطرس وبولوس من بطريركية أنطاكية وسار المشرق ووسام الاستقلال من المملكة الأردنية الهاشمية. وأطلقت بلدية بيروت اسم قسطنطين زريق على شارع في منظقة الحمرا، بالقرب من الجامعة الأميركية التي قضى فيها معظم حياته. وفي عام 2004، صدر كتاب مرجعي عن حياته ونضاله الفكري والقومي، وضعه المؤرخ السوري عزيز العظمة ونُشر في مركز الدراسات الفلسطينية.
عائلته
تزوج قسطنطين زريق من السيدة نجلاء قرطاس ورزق منها بأربع بنات، وقد اشتهرت ابنته الدكتورة هدى زريق ضمن الهيئة التدريسية للجامعة الأميركية في بيروت وأصبحت عميدة لكلية الصحة فيها.
مؤلفاته
وضع الدكتور قسطنطين زريق خلال حياته المديدة عدداً كبيراً من الأبحاث والدراسات التاريخية، بكلا اللغتين العربية والإنكليزية. وكان أول كتاب له بعنوان "الوعي القومي،" الذي صدر في بيروت عام 1939 وكان أخر مؤلفاته كتاب بعنوان "مال العمل،" صدر في بيروت أيضاً عن مركز دراسات الوحدة العربية سنة 1998. وفيما بينهما كُتب عدة يُذكر منها: "معنى النكبة" (1948) ، "أي غد" (1957)، "نحن والتاريخ" (1959)، "هذا العصر المتفجر" (1963)، "في معركة الحضارة" (1964)، "معنى النكبة مجدداً (1967)، "نحن والمستقبل" (1977)، و"مطالب المستقبل العربي" (1983). وفبل وقاته بأربع سنوات جمُعت أعماله في أربع مجلدات صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 1996. وكان الدكتور زريق قد وضع مقدمة كتاب "بين يدي الكتاب" للأديبة السورية سلمى الحفار الكزبري سنة 1961 ومقدمة كتاب "في القومية والحكم" لرئيس وزراء لبنان تقي الدين الصلح، الذي صدر عن دار النهار في بيروت عام 1999.
المراجع
وُثّق نص هذه المقالة أو أجزاء منه من قبل مؤسسة تاريخ دمشق.
رخصة CC BY-SA 3.0موسوعات ذات صلة :
- http://data.bnf.fr/ark:/12148/cb12133582h — تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2015 — الرخصة: رخصة حرة
- عزيز العظمة (2004). قسطنطين زريق: عربيّ للقرن العشرين، ص 18. بيروت: مركز الدراسات الفلسطينية.
- عزيز العظمة (2004). قسطنطين زريق: عربيّ للقرن العشرين، ص 42. بيروت: مركز الدراسات الفلسطينية.
- فيليب خوري (1987). سورية والإنتداب الفرنسي، ص 400 (باللغة الإنكليزية). الولايات المتحدة الامريكية: جامعة برينستون.
- سامي مروان مبيض (2005). فولاذ وحرير، ص464-466 (باللغة الإنكليزية). الولايات المتحدة.
- عزيز العظمة (2004). قسطنطين زريق: عربيّ للقرن العشرين، ص 66. بيروت: مركز الدراسات الفلسطينية.
- عزيز العظمة (2004). قسطنطين زريق: عربيّ للقرن العشرين، ص 71. بيروت: مركز الدراسات الفلسطينية.
- عزيز العظمة (2004). قسطنطين زريق: عربيّ للقرن العشرين، ص 83. بيروت: مركز الدراسات الفلسطينية.
- عزيز العظمة (2004). قسطنطين زريق: عربيّ للقرن العشرين، ص 85. بيروت: مركز الدراسات الفلسطينية.
- عبد الغني العطري (1996). عبقريات، ص 160-168. دمشق: دار البشائر.