الرئيسيةعريقبحث

رحمة الله الكيرواني

كاتب هندي

☰ جدول المحتويات


رحمت الله الهندي الكيرواني عالم مسلم مشهور ولد في كيروانة في الهند 1818 وتوفي في مكة 1891.[1][2][3] اشتهر لمناظرته القس فندر وتأليفه كتاب إظهار الحق.

الشيخ
رحمتَ الله الهندي الكيرواني
الحنفي
معلومات شخصية
الميلاد 1233 هـ
1818م
كيروانة  الهند
الوفاة 1308 هـ
1 مايو 1891 (73 سنة)
مكة المكرمة Flag of the Third Saudi State-01.svg الدولة السعودية الثانية
مكان الدفن مكة  السعودية
الإقامة  الهند
Flag of the Third Saudi State-01.svg الدولة السعودية الثانية
الجنسية هندي
الديانة مسلم سني
المذهب الفقهي حنفي - سلفي
الحياة العملية
المهنة فيلسوف،  وكاتب 
سبب الشهرة كتاب إظهار الحق
أعمال بارزة المدرسة الصولتية
📖 مؤلف:رحمة الله الهندي

اسمه ونسبه

هو محمد رحمت الله (بالتاء المفتوحة)بن خليل الرحمن الكيرانوي الهندي الحنفي ونسبه ينتهي إلى عثمان بن عفان عند الجد الرابع والثلاثين.

مولده وأسرته

ولد الشيخ رحمت الله بحي (دربار كلان) أي الحي الكبير في قرية كيرانه، التابعة لمحافظة (مظفر ناجار) من توابع دلهي عاصمة الهند. في غرة جمادى الأولى سنة 1233هـ، الموافق:التاسع مارس سنة 1818م. في عهد السلطنة المغولية. وقد أشتهر أفراد أسرته بالعلم والطب والمناصب العليا، وكان والده خليل الرحمن عالما فاضلا ومن ذوي المناصب العالية في الحكومة، ومن أجداده الحكيم الطبيب عبد الكريم (المعروف بحكيم بينا ووالد الحكيمين محمد حسن وعبد الرحيم) ولما مرض الإمبراطور جلال الدين محمد أكبر ولم يحسن الأطباء علاجه، طلب الحكيم من (باني بت) فاشترك مع ابنه الحكيم محمد حسن في معالجة الإمبراطور، ولما شفاه الله على أيديهما منحهما أرضا زراعية واسعة بمقاطعة كيرانه بمرسوم سلطاني مؤرخ بشهر ذي القعدة سنة 915هـ ولَقّبَ الحكيم عبد الكريم بشيخ الزمان واتخذه طبيبا خاصا له، فانتقلت أسرة العثمانيين من (باني بت) إلى (كيرانه) وبنت القصور والأسوار العالية والبوابات الكبيرة حسب نظام العمران في ذلك العهد، ووسعت القرية ونظمتها وأقامت فيها دور القضاء والهيئات الحكومية. وكان من أطباء القصر المغولي كذلك الحكيم ديوان عبد الرحيم (من أجداد الشيخ رحمت الله) وشقيقه الحكيم محمد حسن والحكيم رزق الله محمد حسن، وقد تقلبوا في حكم ولايات الهند المختلفة، وإلى أسرتهم ينتمي الحكيم وجيه الدين مؤلف كتاب (مخزن الحكمة) في الطب عام 1196هـ والذي ما زال مخطوطا في المكتبات الأوروبية، وكان الحكيم علي أكبر (شقيق الشيخ رحمت الله) متخصصا في الطب.

في هذه الأسرة التي امتازت بالعلم والحكمة والأدب والوظائف الكبيرة طيلة العصور الإسلامية الزاهرة في الهند، ولد العلامة الشيخ رحمت الله بن خليل، وتزوج من ابنة خالته عام 1256 هـ، ولم يكن له أبناء ذكور.

دراسته وأساتذته

نشأ الشيخ رحمت الله في كنف أسرة واسعة الثراء والجاه، وفي السادسة من عمره بدأ تعليمه في بلدته على يد والده وكبار أفراد العائلة المشهورين بالعلم والفضل والدين حسب النظام المتبع في ذلك العهد، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره حفظ القرآن الكريم وأتقن اللغة الفارسية وقرأ كتب الشريعة الإسلامية واللغة العربية على يد آبائه، ثم ارتحل إلى دلهي عاصمة العلم وملتقى الفطاحل لطلب التعليم العالي، فالتحق بمدرسة الأستاذ محمد حيات، وسكن في مبناها حتى أخذ حظا وافرا من العلوم أبانت عن ذكائه وقدمته على أقرانه ثم سافر إلى لكهنو مدينة العلم والحضارة، فتتلمذ على المفتي سعد الله المراد آبادي، وتخصص في آداب اللغة الفارسية على يد الشيخ إمام بخش الصهبائي الدهخلوي المقتول سنة 1857، كما درس الطب على يد الطبيب البارع محمد فيض ودرس العلوم الرياضية والهندسية، على يد الأستاذ صاحب نظرية (لوكارثم) وصاحب المؤلفات الرياضية الشهيرة. ولما ظهر نبوغه وتفوقه في العلوم الشرعية تصدر مجالس الدرس والإفتاء ولما ازداد إقبال الطلاب على دروسه أسس مدرسة شرعية في كيرانه، تخرج منها كبار المدرسين والمؤلفين ومؤسسي المدارس في أرجاء الهند. ولكنّ ازدياد النفوذ التنصيري في الهند شغله عن مواصلة التدريس في مدرسته فتفرغ للتأليف والرد على المنصرين، وقد ألف في ذلك مؤلفات كثيرة نترك ذكرها الآن.

اشتراكه في الثورة وقيادته لفرق الجهاد

كان للعلماء في الهند دور كبير في إشعال الثورة ضد الإنجليز سنة 1857 هـ، وكانوا يُفتون بوجوب الجهاد وأن الإنجليز يُعدون محاربين للإسلام، وقد أصدروا في ذلك البيانات الكثيرة، وألقوا الخطب ووزعوا المنشورات الداعية لذلك. كان الشيخ رحمت الله الذي انتصر على المنصرين في الهند أول المجاهدين بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله، لإخراج المستعمر من أرض الهند، فقام بإعلان الثورة على الإنجليز وحث المسلمين على بذل أرواحهم وأموالهم، ولما ثار الجنود في حامية (ميرت) بسبب إجبار الضباط الإنجليز لهم على استعمال دهن الخنزير والبقر في تشحيم البنادق (لأن المسلمين يحرمون الخنزير، والهندوس يحرمون البقر فثاروا معا ضد الإنجليز) اتصل بهم الشيخ رحمت الله ووضع لهم خطة الوصول إلى دلهي، وكان يعاونه في ذلك د/محمد وزير خان ومولوي فيض أحمد بدايوني، كما كان يعاونه العالم العلامة إمداد الله الفاروقي لتنظيم الثورة في مديرية (شاملي وكيرانه).

لما تضايق الثوار في دلهي تحرك إليها الشيخ رحمت الله من معسكره في (نجيب آباد) ومعه مئتا جندي، وكان له دور كبير في قيادة مجاهدي (شاملي وكيرانه) حيث نظمت فرق الجهاد ووزعت الأسلحة وأقيمت التحصينات القوية في وجه الجيش الإنجليزي، وكان مساعده فيهما (عظيم الدين) لأن الحاج إمداد الله تولى قيادة المجاهدين في منطقة (تهانة بهون) بمساعدة الأستاذ عبد الحكيم التهانوي. كانت أسلحة المجاهدين بسيطة لا تقاس بأسلحة الإنجليز، لكن أعنف المعارك وأكثرها خسارة في الجيش الإنجليزي تلك المعارك التي خاضها المجاهدون والعلماء، باذلين أرواحهم دفاعا عن دينهم، وقد اعترف الإنجليز بذلك في كتاباتهم وفي رسائلهم لأهليهم، وقد كان (حنقهم شديدا على المسلمين وأهل الخطر منهم، ومن له شأن في المجتمع الهندي، يعلقونهم على المشانق، ويقتلونهم بتعذيب وإهانة، ويبحثون عن كل من كان له كلمة مسموعة أو نفوذ في المجتمع، وكان من ضمنهم وفي مقدمتهم الشيخ رحمت الله الكيرانوي الذي انتصر عليهم في المعركة الدينية، وأسهم في الكفاح ضدهم.

مصادرة أمواله وهجرته إلى مكة

بعد أن فشلت الثورة تعرض المسلمون لسخط الإنجليز الموتورين الذين يعدون المسلمين هم أصحاب الفكر والقيادة في الثورة والمواطنون تابعون لهم، ونصبت أعواد المشانق للعلماء والمجاهدين في قرية بنجيت، لذلك كله اضطر الشيخ رحمت الله إلى الاختفاء مع بعض المجاهدين في قرية (بنجيت) وجاء الإنجليز إلى قرية كيرانه وفتشوها بيتا بيتا، ولما فشلوا في العثور على الشيخ رحمت الله توجهوا إلى بنجيت فطلب عمدتها من الشيخ رحمت الله أن يتزي بزي الفلاحين ويخرج للعمل في الحقول فعمل الشيخ بمشورته ومرت قوات الإنكليز على الشيخ رحمت الله فسألوه وزملاءه عن الشيخ رحمت الله ولم يعرفوه، ثم سألوا النساء والأطفال فأنكروا معرفتهم لهذا الاسم ثم قاموا بتفتيش القرية واستفزاز أهلها بالنهب والتهديد بالقتل، وقبضوا على أربعة عشر شابا كرهائن، فأراد الشيخ أن يسلم نفسه للإنكليز لكن العمدة أخبره بعدم مبالاة أهل القرية ولو أعدموا كلهم، ولما يئسوا من العثور عليه أطلقوا سراح المعتقلين، وقبضوا على العمدة بتهمة إخفاء الشيخ، ورفعوا أمر الشيخ إلى المحكمة بتهمة قيادته للثورة وإحداث الشغب والخروج على القانون، وأعلنوا عن جائزة مقدارها ألف روبية هندية لمن يأتي بالشيخ حيا أو ميتا (وكان ذلك المبلغ كبيرا في ذلك الوقت) ولكن بلا جدوى فزادت نقمتهم على المسلمين وبالذات في مقاطعة كيرانه لا لشيء إلا لأن الشيخ ينتسب إليهم، وبثوا عيونهم للتحري عن الشيخ، لكن الله هداه لأن يغير اسمه باسم مصلح الدين، ويخرج مارا بالقرى والفيافي إلى سورات، ثم إلى مومباي (بومباي سابقا) وقد رأى فتك الإنجليز بالمسلمين وذبحهم للعلماء على قارعة الطريق، ومن مومباي ركب زورقا شراعيا إلى الميناء اليمني (مخا) لأن السفينة التي تبحر من (بومباي) إلى جدة قد فاتته، بالإضافة إلى أن ميناء بومباي يغص بالموظفين والجنود الإنجليز.

ولما وصل إلى مدينة مخا اليمنية المطلة على البحر الأحمر سافر برا إلى مكة المكرمة فوصلها بعد سنتين من السفر المضني بين البر والبحر، سنة 1278 هـ مهاجرا إلى الله، تاركا ممتلكاته الثابتة والمنقولة التي قام الإنجليز بإحصائها وإعلانها للبيع بالمزاد العلني، فبيعت بألف وأربع مئة وعشرين روبية وقيمتها الحقيقية عشرات الألوف لما فيها من القصور والمزارع.

تدريسه في المسجد الحرام

بينما كان الشيخ رحمت الله في طواف العمرة التقى بالحاج إمداد الله الذي وصل إلى مكة قبله فأكملا السعي معا، ثم اصطحبه إلى سكنه في رباط داود قرب باب العمرة وأقام معه. وكانا يترددان على الحرم للعبادة ولسماع دروس العلم، وكان الشيخ رحمت الله يفتي على المذهب الحنفي، فسمع الشيخ رحمت الله الشيخَ أحمد بن زيني دحلان (إمام وخطيب المسجد الحرام آنذاك) ينتصر لمذهب الشافعي ويضعِّف أدلة غيره، فسأله بتواضع طلاب العلم عن سبب انتصاره لمذهب الشافعي وطال النقاش بينهما فأدرك الشيخ دحلان أن السائل من كبار العلماء، فأخذ بيده وطلب منه التعرف عليه، فاختصر له ظروفه وسبب مجيئه إلى مكة، ثم اصطحبه إلى بيته وعمل وليمة كبيرة دعا إليها العلماء وطلب من الشيخ رحمت الله الحديث عن المناظرة وما يلاقيه المسلمون في الهند من جور الإنجليز، ثم أعطاه إجازة التدريس في المسجد الحرام وسجل اسمه في السجل الرسمي لعلماء الحرم.

وفي مكة طلب الأستاذ العلامة السيد أحمد بن زيني دحلان من الشيخ رحمت الله أن يترجم للعربية مسائل المباحث الخمسة السابقة جامعا إياها من الكتب والرسائل التي ألفها في هذا الباب. ولما رأى الشيخ أن الدراسة في المسجد الحرام ليس لها منهاج ثابت وأنها تقتصر على العلوم الدينية واللغة العربية، أراد إدخال علوم جديدة كالهندسة والرياضيات وعلم المناظرة والعلوم الفكية، وأحضر الكتب اللازمة من الهند، وكان يوما مشهورا في تاريخ التدريس في المسجد الحرام عندما أخذ الشيخ رحمت الله يدرس كتاب حجة الله البالغة في حكمة التشريع، وشرح الجغميني في علم الفلك، ومقدمة ابن خلدون، وقد فصل في تدريسه بين علمي النحو والصرف بعد أن كانا يدرسان معا، وكان يقوم بتدريس هذه العلوم في داره حتى تخرج على يديه كثير من العلماء والقضاة وكبار الموظفين الذين كان لهم دور كبير فيما بعد تاريخ مكة والجزيرة.

تأسيسه للمدرسة الصولتية

لم يكن في مكة تدريس إلا في المسجد الحرام وفي الكتاتيب، حيث يجمع المدرسون طلابهم في حلقات على اختلاف أعمارهم في أروقة المسجد ويعطونهم دروسا في علوم الدين واللغة بغير منهاج ثابت وإذا أكمل الطالب دراسة الكتب التي يشرحها المدرسون حسب تضلع كل في مادته، تقوم هيئة العلماء بفحص هذا الطالب لمنحه إجازة التدريس ولما رأى الشيخ رحمت الله أن الأوضاع التعليمية في مكة المكرمة ما زالت على الطريقة القديمة، أقدم على إحداث أول مدرسة بترتيب ونظام جديد على نفقته الخاصة في شهر رجب سنة 1285 هـ رجاء أن تخدم طلاب العلم من الهند وسائر أنحاء العالم الإسلامي، لكن هذه المدرسة التي كانت في محيط الحرم بباب الزيادة لم تحقق الغرض من تنظيم الدراسة المنهجية وإتمام سائر الترتيبات المدرسية، فنقلها إلى دار أحد أثرياء الهند المهاجرين المعروفة بدار السقيفة عند مطلع جبل هندي بمحلة الشامية، وعرفت بمدرسة الشيخ رحمت الله أو المدرسة الهندية، وسرعان ما غصت بطلابها فنقل قسم الحفاظ إلى المسجد الحرام ثانية وأبقى قسم العلوم وكان يدعوا الله أن يحقق أمنيته في إنشاء بناء خاص بالمدرسة.

قدوم صولت النساء

قدمت امرأة هندية من كلكتا في عام 1289 هـ للحج اسمها صولت النساء بيغم وكانت عازمة على إنشاء رباط في مكة المكرمة على عادة أهل الخير في ذلك الزمان لسكنى الحجاج وحفظ أمتعتهم، وكانت تسمع بصاحب المناظرة المشهورة الشيخ رحمت الله، لكنها لا تعرفه فتوصلت إليه عن طريق زوج ابنتها الذي كان يحضر دروس الشيخ واستشارته في أمر الرباط فأخبرها بكثرة الأربطة وأن أبناء مكة بحاجة إلى مدرسة، وبها يحصل الأجر والثواب العظيم، وفوضت الشيخ بشراء الأرض والإشراف على البناء فاشترى أرضا بمحلة الخندريسة وبوشر في البناء ووضع الشيخ بيده حجر الأساس لأول مدرسة دينية نظامية في الحجاز بجانب البيت العتيق صباح يوم الأربعاء 15 شعبان سنة 1290 هـ وتم افتتاح وانتقال الطلاب والمدرسين إليها في الرابع عشر من محرم سنة 1291 هـ في احتفال كبير حضره علماء مكة وأعيانها وانتظمت فيها الدراسة وسائر الترتيبات كما كان يريد الشيخ، ورفض أن يطلق اسمه على المدرسة وأطلق عليها اسم (الصولتية) إكراما للمحسنة الفاضلة، وكان أول درسين أعطيا في هذه المدرسة هما:

هذا وقد حاولت القنصلية الإنجليزية في جدة إغلاق المدرسة بإيحائهم إلى الوالي العثماني أنها تشكل حركة أجنبية تعمل داخل البلاد، وبذلوا كل جهد لإيقافها فلم يفلحوا لأن الخطة التي رسمها الشيخ للمدرسة ضمنت استمرارها. وملخص هذه الخطة وجوب ابتعاد الطلاب والمدرسين عن الأمور السياسية والخلافات المذهبية والعصبيات القومية، وكانت لهذه الخطة التي ما زالت المدرسة سائرة عليها إلى اليوم الأثر الفعال في إبعاد الطلاب عن كل ما يشغلهم عن العلم، مما ساعد على دوامها رغم أنقراض غيرها من المدارس التي أنشئت بعدها.

كان يتبع للمدرسة الصولتية قسم داخلي للطلاب الفقراء والغرباء يوفر لهم المسكن والمأكل مجانا، كما يتبع لها مسجد بناه الشيخ رحمت الله من حجارة مكتبة الحرم سنة 1302 هـ، عندما هدمتها الحكومة العثمانية لقربها من زمزم ومضايقتها للحجاج، وكان الشيخ قد طلب الحجارة من والي مكة عثمان نوري باشا، ولما وافق باع الشيخُ داره لإتمام بناء المسجد والقسم الداخلي، وللمدرسة مكتبة علمية كبيرة تضم آلاف الكتب العربية والفارسية والأردية والإنجليزية.

بتخرج الفوج الأول من طلاب هذه المدرسة زادت حلقات العلم في المسجد الحرام، كما زاد عدد القراء والعلماء الذين تخرجوا منها ورجعوا إلى بلادهم يؤسسون المدارس الدينية ودور القرآن الكريم في إندونيسيا والهند وماليزيا ومختلف أنحاء العالم الإسلامي، وقد شغل المتخرجون منها من جميع الأفواج مناصب هامة في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية.

جعل الشيخ رحمت الله خليفته ونائبه في إدارة المدرسة الشيخ محمد سعيد ابن أخيه علي أكبر، وفي عهده زار الملك عبد العزيز آل سعود هذه المدرسة في 28 جمادى الآخرة سنة 1344 هـ وبرفقته الشيخ محمد نصيف والشيخ يوسف ياسين وتفقد فصولها وأقسامها وبناياتها وأثنى على القائمين عليها وقال: (إن الصولتية هي أزهر بلادي). ولما توفي الشيخ محمد سعيد في 17/11/1357هـ خلفه ابنه الشيخ محمد سليم وفي عهده تمت معادلة شهادة المتخرجين التي تمنحها هذه المدرسة واعترف بها الأزهر بتاريخ 17/7/1964م، وهي تعادل الثانوية العامة وتؤهل المتخرجين للالتحاق بالجامعات السعودية والكليات الأزهرية، وقد توفي الشيخ محمد سليم في 2/8/1397هـ فخلفه ابنه الشيخ محمد مسعود المولود عام 1352 هـ وفي عهده قال الأستاذ عبد الوهاب أحمد عبد الواسع وكيل وزارة المعارف السعودية:(وإذا أردنا أن نقرر واقع الحركة التعليمية رغم سوئه، فإن بداية القرن التاسع عشر كانت بداية إرهاصات تعليمية ظهرت في الأفق على يد أبناء البلاد وبعض الجاليات الإسلامية وأهمها المدرسة الصولتية بمكة). وقد توفي الشيخ محمد مسعود في 27/8/1412هـ فخلفه ابنه الشيخ ماجد سعيد وما زال مديرا للمدرسة وهو يبذل جهده وعمره في خدمة أبناء المسلمين وفقه الله.

رحلاته الثلاث إلى القسطنطينية

الرحلة الأولى سنة 1280 هـ: أصيب السلطان عبد العزيز خان بغم شديد لسماعه أكاذيب فندر عن المناظرة، فكتب رسالة عاجلة إلى شريف مكة عبد الله بن عون للاستفسار من الحجاج الهنود عن قصة المناظرة والثورة سنة 1857م وإعلام الباب العالي بحقيقة الأمر، فأخبره الشريف بأن الشيخ رحمت الله موجود في مكة، فطلبه السلطان كضيف خاص، وودعه والي مكة كضيف ملكي. وعند وصوله إلى الآستانة في رجب سنة 1280هـ الموافق ديسمبر لعام 1863م استقبله السلطان عبد العزيز خان في موكب رسمي، وأنزله بالقصر الهمايوني، وأقام له حفلة كبيرة حضرها الوزراء والعلماء وكبار رجال الدولة، وثم طلب من الشيخ أن يحدثهم عن المناظرة والثورة ودور العلماء فيها والمذابح الوحشية على يد الإنجليز.

كان فندر قد فر من تركيا عندما سمع بوصول الشيخ رحمت الله إلى الآستانة وإكرام السلطان له، ولما اطلع السلطان على الحقيقة، أمر بالقبض على المنصرين ومصادرة كتبهم وإغلاق مراكزهم سدا لباب الفتنة، ثم طلب السلطان من الشيخ في هذه الزيارة تأليف كتاب في الرد على النصرانية فألف كتابه (إظهار الحق).

وكان الشيخ رحمت الله يلتقي بالسلطان بعد صلاة العشاء يتبادلان الحديث وكان يحضر اجتماعات المجلس الأعلى لشؤون الدولة مع رئيس الوزراء خير الدين باشا التونسي وشيخ الإسلام أحمد أسعد المدني وكبار رجال الدولة، وقد عين له السلطان راتبا شهريا قدره خمسمائة مجيدي، وعينه عضوا بمجلس الوالي بمكة، وأنعم عليه بالخلعة السلطانية والوسام المجيدي من الدرجة الثانية، تقديرا لجهوده في مقاومة التنصير والاستعمار ثم استأذن السلطان في العودة إلى مكة المكرمة لمواصلة تدريسه في الحرم الشريف فأذن له وودعه بنفسه.

أما الرحلة الثانية فكانت سنة 1301هـ: وذلك أنه لما عُين عثمان نوري باشا واليا على الحجاز سنة 1299 هـ وكان رجلا عسكريا قاسيا راودته الشكوك في المدرسة الصولتية ومؤسسها، بسبب وشايات الإنجليز وإقناعهم إياه بأنها حركة تعمل لهدم الخلافة العثمانية، ولما سمع السلطان عبد الحميد الثاني بالتوتر الشديد بين الشيخ والوالي أرسل يطلب حضور الشيخ إلى دار الخلافة وظن عثمان نوري أن الشيخ سيلقى جزاءً قاسيا، لكنه قوبل بالتكريم منه ومن كبار رجال الدولة، وأنعم عليه السلطان عبد الحميد بالخلعة الملكية الذهبية وبالوسام المجيدي قبل أن يقابله، كما منحه شيخ الإسلام أحمد أسعد المدني (سند رؤوس) من المشيخة الإسلامية وهي وثيقة الشرف والامتياز للعلماء المجاهدين. ولما قابل السلطان اعتذر له السلطان عن تأخر المقابلة بينهما ومنحه لقب (فايا حرمين شريفين) - أي ركن الحرمين الشريفين _ وألبسه عباءة هذا اللقب، كما منحه سيفا من ذهب منقوش عليه العبارات التمجيدية منها (السلاح زينة لمن يجاهد في سبيل الله) وأهداه هدايا كثيرة وقرر له راتبا شهريا مقداره خمسة آلاف قرش.

أقام الشيخ في دار الخلافة مدة التقى فيها بالسلطان عدة مرات تبادلا فيها الرأي في الأمور الدينية والسياسية الهامة، وقد اقترح على السلطان أن يمنع دخول الإنجليز إلى عدن خشية تغلغلهم في البلاد الإسلامية، ولما أراد العودة إلى مكة أراد السلطان تقرير هبة مالية سنوية للمدرسة الصولتية لإعانتها على أداء رسالتها، لكن الشيخ اعتذر بكفاية إعانات المحسنين لنفقاتها، فودعه السلطان وداعا رسميا واستقبله أهل مكة وعلى رأسهم أميرها عثمان نوري الذي اعتذر للشيخ عما بدر منه، ودامت المراسلات بينه وبين السلطان عبد الحميد بالعربية والفارسية.

أما الأوسمة والألقاب فلم يستعملها الشيخ طيلة حياته زهدا منه وورعا، وترفعا عن الظهور بمظهر يؤثر على مكانته الدينية والعلمية. ولما علم السلطان بأن الشيخ أصيب بضعف في بصره حتى عجز عن القراءة والكتابة، طلبه على عجل للعلاج، فكانت رحلته الثالثة سنة 1304 هـ استجابة لرغبة السلطان رغم المرض وصعوبة السفر، ورافقه في هذه الرحلة تلميذه الأستاذ (عبد الله جي) الذي قيد أحوال الرحلة مشيرا إلى التكريم الذي لقياه وأنهما كانا يفطران مع السلطان وبصليان معه العشاء والتراويح، وأن السلطان دعا خمسة أطباء مع طبيبه الخاص لفحص عيني الشيخ، فقرروا إجراء عملية جراحية بعد شهرين ريثما يخف نزول الماء في عينيه، لكن الشيخ اعتذر عن إجراء العملية لصعوبتها في ذلك الزمان، كما اعتذر عن طلب السلطان الإقامة بجواره، لأنه يريد أن يموت في مكة، فودعه السلطان ووصل الشيخ إلى مكة في ذي القعدة سنة 1305 هـ وبعد شهور من وصوله إليها عمل له أحد أطباء مكة العملية الجراحية ولم تنجح، وكان حفيده محمد سعيد _ المدير الثاني للمدرسة الصولتية - يقرأ له الرسائل الواردة ويكتب له الردود عليها بإملائه رحمهما الله.

تلامذته في مكة وكتبه

ليس من السهل حصر جميع من تلقوا العلم على يديه، ولكن نذكر بعضا منهم:

  • الملك الشريف حسين بن علي الهاشمي مؤسس الدولة الهاشمية بالحجاز.
  • حجة الأمة قاضي القضاة الشيخ عبد الله سراج مفتي الحنفية وشيخ العلماء بمكة ورئيس مجلس الوزراء بالدولة الهاشمية.
  • العلامة الشيخ أحمد الدين جكوالي مؤسس مدرسة مظهر العلوم بكراتشي.
  • العلامة الشيخ أحمد أبو الخير مرداد المدرس بالمسجد الحرام وشيخ الخطباء والعلماء.
  • أمين محمد علي مرداد المدرس والإمام والخطيب بالمسجد الحرام ونائب رئيس محكمة مكة.

مؤلفات الشيخ رحمت الله

لرحمت الله الهندي عدة مؤلفات باللغة الفارسة والأردية والعربية ذكر بعضها ضمن كتاب إظهار الحق، وذكر السيد عبد الله الهندي في وقائع المناظرة بعضها أيضا، فهي: ـ

  • إظهار الحق، وهو من أهم الكتب المؤلفة في بابه، يتضمن الكلام عن المسائل الخمس: التحريف والنسخ والتثليث وحقية القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك عن كتب العهد القديم والجديد.ولها عدة طبعات ومن طبعاتها طبعة الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض المملكة العربية السعودية، وعرف أيضا عن هذا الكتاب أن من قرأه صار مسلما وارتد عن دينه السابق، وقد كان هذا الكتاب هو نقطة البداية التي جعلت الشيخ أحمد ديدات يبحث في كتب النصارى.
  • إزالة الشكوك.
  • إعجاز عيسوي.
  • البروق اللامعة.
  • تقليب المطاعن.
  • معدل اعوجاج الميزان.
  • إزالة الأوهام.
  • أحسن الأحاديث في إبطال التثليث.
  • البحث الشريف في إثبات النسخ والتحريف.
  • معيار التحقيق.
  • ترجمة التحفة الإثنى عشرية، ما تزال مخطوطة في المدرسة الصولتية.
  • آداب المريدين، مطبوع بالأردية.
  • المحبوب إلى القلوب، ما يزال مخطوطا بالأردية.
  • رسالة في وقت صلاة العصر، ما تزال مخطوطة بالعربية.
  • رسالة في الحشر وهي كتابه (التنبيهات).
  • رسالة في رفع اليدين في الصلاة.

وفاته

توفي الشيخ رحمت الله الهندي ثم المكي العثماني في مكة المكرمة ليلة الجمعة 22 من شهر رمضان المبارك عام 1308 هـ ودفن في المعلاة مقبرة مكة المكرمة بالقرب من أم المؤمنين السيدة خديجة، عن عمر يقارب خمسا وسبعين سنة،.

مراجع


موسوعات ذات صلة :