Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4
مساهمات اللغويين العرب القدامى في تطوير اللغة العربية كلغة فلسفية ومنطق وعلوم ولسانيات أصبحت اللغة العربية التي كتبت بها كل العلوم في الأعم الأغلب ... هي لغة الثقافة العالمية، وإن كان لغيرها من لغات لغات العالم الإسلامي من ذلك حظ ضئيل، وانتسب إلى هذه الحركة المباركة كل رعايا الدول الإسلامية؛ عربا كانوا أو غير عرب، المسلمون منهم ومن كانوا على غير عقيدة الإسلام، فجاء العلم العربي في زمانه كما ينبغي أن يجيء العلمتراثا عالميًّا([1]). اللغة العربية والفلسفة والمنطق كان للعرب شغف خاص بلغتهم، وكانت هذه اللغة بما حوت من كثرة المفردات ووفرة في صور التعبير، وبما في طبيعتها من قبول للاشتقاق خليقة أن تتبوأ مكانها بين لغات العالم، ولو قارنها باللغة اللاتينية في ثقلها وقلة مرونتها، أو باللغة الفارسية في فرط إسهابها لوجدناها تمتاز بما فيها من صور لفظية قصيرة المعاني المجردة، وهذه خاصية عظيمة النفع في ممارسة العلوم، فنحن نستطيع أن نعبر بهذه اللغة عن أدق الفروق بين المعاني ... وإن لغة فيها من جمال البيان وقوة الدلالة ومن الصعوبة أيضًا ما في اللغة العربية كان من المحتم أن تهيئ الدواعي إلى أبحاث كثيرة عندما صارت لغة العلم عند السريان والفرس([2]). يقال إن أهل البصرة قد جعلوا للقياس شأنًا كبيرًا في الأحكام المتعلقة بأمور اللغة، كما فعل البغداديون فيما بعد، على حين أن نحاة الكوفة ترخصوا في أمور كثيرة تشذ عن القياس؛ ولهذا سمي نحاة البصرة "أهل المنطق"([3]). وقام جدل كبير من بعد حول مسألة البلاغة أهي في اللفظ أم في المعنى؟ ثم دار البحث في اللغة أهي توفيقية فطرية أو من وضع الإنسان، وبالتدريج رجحت كفة الرأي الفلسفي القائل بأنها اصصطلاح من وضع الإنسان([4]). مفهوم الفلسفة في الإسلام أقرب كلمة مستخدمة في النصوص الإسلامية الأساسية (القرآن والسنة) لكلمة فلسفة هي كلمة (حكمة)؛ لهذا نجد الكثير من الفلاسفة المسلمين يستخدمون كلمة (حكمة) كمرادف لكلمة (فلسفة) التي دخلت إلى الفكر العربي الإسلامي كتعريب لكلمة [[Philosophy]] اليونانية، وكثيرًا ما استخدم العديد من أعلام الصوفية لقب (حكيم) لكبار شخصياتهم مثل الحكيم الترمذي، وظل لقب (فيلسوف/ فلاسفة) ظل حصرًا على من عمل في الفلسفة ضمن سياق الفلسفة اليونانية؛ ومن هنا كان أهم جدل حول الفلسفة هو كتابي (تهافت الفلاسفة للغزالي وتهافت التهافت لابن رشد). بدايات الفلسفة الإسلامية بدايات الفلسفة في الحضارة الإسلامية بدأت كتيار فكري في البدايات المبكرة للدولة الإسلامية بدأ بعلم الكلام، ووصل الذروة في القرن التاسع عندما أصبح المسلمون على اطلاع بالفلسفة اليونانية القديمة والذي أدى إلى نشوء رعيل من الفلاسفة المسلمين الذين كانوا يختلفون عن علماء الكلام. علم الكلام كان يستند أساسًا على النصوص الشرعية من قرآن وسنة وأساليب منطقية لغوية لبناء أسلوب احتجاجي يواجه به من يحاول الطعن في حقائق الإسلام، في حين أن الفلاسفة المشائين، وهم الفلاسفة المسلمين الذين تبنوا الفلسفة اليونانية، فقد كان مرجعهم الأول هو التصور الأرسطي أو التصور الأفلوطيني الذي كانوا يعتبرونه متوافقًا مع نصوص وروح الإسلام. ومن خلال محاولتهم لاستخدام المنطق لتحليل ما اعتبروه قوانين كونية ثابتة ناشئة من إرادة الله، قاموا بداية بأول محاولات توفيقية لردم بعض الهوة التي كانت موجودة أساسًا في التصور لطبيعة الخالق بين المفهوم الإسلامي لله والمفهوم الفلسفي اليوناني للمبدأ الأول أو العقل الأول. تطورت الفلسفة الإسلامية من مرحلة دراسة المسائل التي لا تثبت إلا بالنقل والتعبّد إلى مرحلة دراسة المسائل التي ينحصر إثباتها بالأدلة العقلية، ولكن النقطة المشتركة عبر هذا الامتداد التأريخي كان معرفة الله وإثبات الخالق، بلغ هذا التيار الفلسفي منعطفًا بالغ الأهمية على يد ابن رشد من خلال تمسكه بمبدأ الفكر الحر وتحكيم العقل على أساس المشاهدة والتجربة. أول من برز من فلاسفة العرب كان الكندي الذي يلقب بالمعلم الأول عند العرب، من ثم كان الفارابي الذي تبنى الكثير من الفكر الأرسطي من العقل الفعال وقدم العالم ومفهوم اللغة الطبيعية، وأسس الفارابي مدرسة فكرية كان من أهم أعلامها: الأميري والسجستاني والتوحيدي. كان الغزالي أول من أقام صلحًا بين المنطق والعلوم الإسلامية حين بيّن أن أساليب المنطق اليوناني يمكن أن تكون محايدة ومفصولة عن التصورات الميتافيزيقية اليونانية، توسع الغزالي في شرح المنطق واستخدمه في علم أصول الفقه، لكنه بالمقابل شن هجومًا عنيفًا على الرؤى الفلسفية للفلاسفة المسلمين المشائين في كتاب "تهافت الفلاسفة"، رد عليه لاحقًا ابن رشد في كتاب "تهافت التهافت". في إطار هذا المشهد كان هناك دومًا اتجاه قوي يرفض الخوض في مسائل البحث في الإلهيات وطبيعة الخالق والمخلوق وتفضل الاكتفاء بما هو وارد في نصوص الكتاب والسنة، هذا التيار الذي يعرف "بأهل الحديث" والذي ينسب له معظم من عمل بالفقه الإسلامي والاجتهاد كان دومًا يشكك في جدوى أساليب الحجاج الكلامية والمنطق الفلسفية، وما زال هناك بعض التيارات الإسلامية التي تؤمن بأنه "لا يوجد فلاسفة للإسلام"، ولا يصح إطلاق هذه العبارة، فالإسلام له علماؤه الذين يتبعون الكتاب والسنة، أما من اشتغل بالفلسفة فهو من المبتدعة الضُّلال". في مرحلة متأخرة من الحضارة الإسلامية، ستظهر حركة نقدية للفلسفة أهم أعلامها: ابن تيمية الذي يعتبر في الكثير من الأحيان أنه معارض تام للفلسفة وأحد أعلام مدرسة الحديث الرافضة لكل عمل فلسفي، لكن ردوده على أساليب المنطق اليوناني ومحاولته تبيان علاقته بالتصورات الميتافيزيقية (عكس ما أراد الغزالي توضيحه) وذلك في كتابه (الرد على المنطقيين) اعتبر من قبل بعض الباحثين العرب المعاصرين بمثابة نقد للفلسفة اليونانية أكثر من كونه مجرد رافضًا لها، فنقده مبني على دراسة عميقة لأساليب المنطق والفلسفة ومحاولة لبناء فلسفة جديدة مهدت للنقلة من واقعية الكلي إلى اسميته.
دور الفارابي في الفلسفة الكثير من الدراسات تعتبر الفارابي أهم من استطاع إيصال وشرح علوم المنطق بالعربية، من خلال "كتاب الحروف": يحتل كتاب الحروف للفارابي أهمية خاصة بين أعماله ويعتبر الكتاب بحثًا في الفلسفة الأولى، إضافة إلى نقاش علماء اللغة والكلام حول الكثير من الإشكاليات التي كانت تتعلق أساسًا بعلاقة اللغة والمنطق وإشكالية اللفظ / المعنى عن طريق محاولة استنتاجية منطقية لتأسيس مفهوم الكلي وتشريع دور المنطق في البيئة الإسلامية التي كانت رافضة لها. يحاول الفارابي بداية شرح كيفية تكوّن المعرفة بدءًا من الإحساس فالتجربة فالتذكر فالفكرة من ثم نشأة العلوم العملية والنظرية، وبين الفكرة ونشأة العلوم يضع الفارابي مرحلة نشوء اللغة: فبعد تولد الفكرة عند الإنسان تأتي الإشارة، ثم التصويت (إخراج أصوات معينة)، ومن تطور الأصوات تنشأ الحروف والألفاظ (و يختلف النطق حسب الجماعات البشرية وفيزيولوجيتها وبيئتها) وهكذا تتشكل الألفاظ والكلمات: المحسوس أولا ثم صورته في الذهن ثم اللفظ المعبر عنه. في مرحلة لاحقة تتكون العبارات والتعابير من دمج الكلمات والألفاظ لتعبر ليس فقط عن الأشياء بل عن العلاقات التي تربط بينها. الفارابي هنا يستخدم أسلوبًا برهانيًّا ليحدد العلاقة بين اللفظ والمعنى ويقرر أسبقية المعنى على اللفظ (مخالفًا بذلك لمدرسة أهل الكلام الذين يعطون الأسبقية للفظ على المعنى)، وبنفس السياق أيضًا يقرر أن نظام الألفاظ (اللغة) هي محاولة لمحاكاة نظام الأفكار (في الذهن) وما نظام الأفكار في الذهن إلا محاولة لمحاكاة نظام الطبيعة في الخارج من علاقات بين الأشياء الفيزيائية المحسوسة. إضافة إلى ذلك فقد تقرر نتيجة تحليل الفارابي أن هناك نظامين: نظام للألفاظ يحاول محاكاة ترتيب العلاقة بين المعاني في النفس، ونظام آخر مستقل للمفهومات والمعقولات تحاول محاكاة ترتيب الأشياء الحسية في الخارج الفيزيائي. ومن هنا ضرورة وجود علمين: @@ · علوم اللغة أو علم اللسان الذي يعني بَصَرَ ألفاظ اللغة وعلاقاتها مع مدلولاتها ومعانيها. · وعلم المنطق الذي يعني بترتيب العقل للمفاهيم وطرق الاستنتاج السليم للقضايا من البدهيات أي قواعد التفكير السليم. يلي ذلك حسب ترتيب الفارابي مرحلة جمع اللغة وصون الألفاظ من الدخيل والغريب، ثم تقنين اللغة عن طريق وضع القواعد التي تضبط طريقة كتابتها ونطقها (نشأة علوم النحو)، وهكذا تتطور ما يمكن تسميته بالعلوم العامية([5]).
مساهمات العلميين القدامى في تطوير اللغة العربية إن أية لغة لكي تصير لغة علم لا بد أن تكون كل مستوياتها الصوتية والصرفية والأسلوبية سهلة طيعة وغنية بالدلالة والاشتقاق وصولا إلى كتابة النظرية، وهذا ما كانت عليه اللغة العربية في القديم في كل العلوم التي برع فيها العرب، فتطوير اللغة ليس قاصرًا على اللغوي فقط، بل صاحب العلم أيًّا كان هو لغوي؛ لأنه هو الذي يعطي الألفاظ دلالاتها ومعانيها، وهو الذي يصوغ تجاربها وفروضها، ويصك نظرياتها، وهو الذي يعاني أفكارها. في علم الكيمياء استطاع الكيميائي العربي أن يختار ويشتق أسماء لأدوات مختبره مثل: 1- الكور والموقد. 2- البودقة (البوطقة). 3- الماشق (الماشة). 4- الراط (المسبكة)([6]). 5- الزق. 6- القضيب. 7- الموقد. 8- آلة بوط (بربوط)([7]). 9- القرع والأنبيق (الزق)([8]). 10- الملعقة. 11- المقراض. 12- الهاون. 13- المرجل. 14- الأحواض الزجاجية. 15- القوارير([9]). 16- مكسر. 17- مبرد. 18- قمع. 19- منخل. 20- راووق من خيش (مصفاة)([10]). 21- آلة التكليس. 22- الميزان([11])... إلى آخر ما هو مسطور في كتب العلوم العربية. لم يقف الكيمائيون العرب عند الألفاظ فقط، بل استطاعوا أن يصوغوا من اللغة العربية مصطلحات تعرف العمليات التي يقومون بها، فقد عرف الجواهرعنصر وقسموها قسمين: 1- الأجساد (المعادن [[Metals]]) وسميت بالأجساد لأنها تثبت على النار، وهي سبعة: الذهب، والفضة، والحديد، و النحاس، والأسرب (الرصاص)، والقلعي (القصدير)، والخارصين([12]). 2- [[الأرواح]] (أشباه المعادن [[Non metals]]) وسميت بالأرواح لأنها تطير إذا مستها النار فتتحول إلى الحالة الغازية بتأثير الحرارة التي تفك جزيئاتها، والأرواح الأربعة هي: الكبريت، والزرنيخ، والزئبق، والنوشادر([13]). كذلك عرفوا بعض العمليات التي كانت معروفة وما زالت، والتي كان يطلق عليها التدابير بمعنى التجارب ومنها: التقطير [[Distillation]] وهو مثل صنعة ماء الورد، وهو أن يوضع الشيء في القرع ويوقد تحته فيصعد ماؤه إلى الأنبيق، وينزل إلى القابلة ويجتمع فيه، وهذه العملية يعبر عنها بتحويل المادة الخام إلى الحالة السائلة بالتسخين، ثم تبريدها تدريجيًّا بواسطة الهواء Air – cooling، أو بواسطة تيار من الماء البارد Water – cooling في مكثف ... وهذه العملية تستعمل لفصل السوائل عن المذيبات separating([14])، وأيضًا تكلموا عن التصعيد، والترجيح، والتحليل أو الحل، والتشوية، والتشميع، والتصدنة([15]). ولأن العمل العلمي في المختبر دقيق ومحسوب فقد استخدموا ألفاظًا دالة على الأوزان والمعايير، فاستخدموا ألفاظًا مثل: المنا، والرطل، والأوقية، والأستار، والمثقال، والدرهم، والدانق، والقيراط، والطسوج والحبة([16])، واستخدموا معايير أخرى منها: اليوم، والجزء، والقنطار، والمرة والكسور([17]). لم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصلت بهم اللغة العربية إلى حد كتابة المنهج، فكتب جابر بن حيان مثل: "الإيضاح"و"البحث والتجريد" و"الخواص الكبير" و"الميزان" وغيرها تجعلنا نعتقد أن جابر بن حيان يمتاز عن غيره من العلماء بكونه في مقدمة الذين عملوا التجارب على أساس علمي، وهو الأساس الذي نسير عليه الآن في البحث العلمي([18]). ونستطيع أن نوجز هذا المنهج التجريبي لدى جابر بن حيان في النقاط الآتية: 1- على صاحب التجربة العلمية أن يعرف علة قيامه بالتجربة التي يجريها. 2- على صاحب التجربة العلمية أن يفهم الإرشادات فهمًا جيدًا. 3- ينبغي اجتناب ما هو مستحيل أو عقيم. 4- يجب أن يتخذ الكيمائي أصدقاء ممن يثق فيهم. 5- لا بد أن يكون المعمل في مكان معزول. 6- لا بد أن يكون لديه الوقت الكافي الذي يمكنه من إجراء تجاربه. 7- أن يكون صبورًا كتومًا. 8- أن يكون دؤوبًا. 9- ألا تخدعه الظواهر فيشرع في الوصول بتجاربه إلى نتائجها([19]). وصلت اللغة إلى قمة النضج العلمي في صياغة النظرية، فجابر بن حيان وضع نظريته عن تكوين الفلزات من الكبريت والزئبق([20])، ومنها نظريته عن تحويل العناصر([21]). كذلك ابتكر العرب مركبات كيمائية نسبت إليهم واشتقوا لها أسماء مثل: الكحول وهو ما كان يعرف عند العرب بالغول([22])، ونترات الفضة أو حجر جهنم، وكذلك القلويات التي ما زالت تستخدم بنفس الاسم([23]). وإذا ما تركنا الكيمياء وذهبنا إلى فرع آخر من العلوم وهي ا'''لرياضيات''' فسنجد للعرب مآثر لا تعد منها: في الحساب: قسم العرب الحساب العلمي إلى قسمين: الغباري: وهو الحساب الذي يحتاج استعماله إلى أدوات كالقلم والورق. والهوائي: وهو الحساب الذهني الذي لا يحتاج استعماله إلى أدوات([24]). وضع العرب مؤلفات كثيرة في الحساب ... وفي هذه المؤلفات كانوا يقسمون الحساب إلى أبواب منها ما يتعلق بحساب الصحاح، ومنها ما يتعلق بحساب الكسور، ويذكرون في كل منها أعمالا مختلفة ويضعونها في فصول: الأول في الجمع والتضعيف، والثاني في التصنيف، والثالث في التفريق (الطرح)، والرابع في الضرب، والخامس في القسمة، والسادس في التجذير واستخراج الجذور([25]). وكان لهم أسلوب خاص في إجراء هذه العمليات ويذكرون لكل منها طرقًا عديدة، ومن هذه الطرق ما هو خاص بالمبتدئين، وما يصح أن يتخذ وسيلة للتعليم([26]). وتوسعوا في بحوث النسبة، وقالوا بأنها على ثلاثة أنواع: العددية، والهندسية، والتأليفية، وأبانوا كيفية استخراج الأنغام والألحان من الأخيرة، وكذلك أجادوا في موضوعات التناسب وكيفية استخراج المجهول بوساطتها، وعدوا بعض خاصيات النسبية فيما يتعلق بالأبعاد والأثقال([27]). وأخذوا الأعداد وتعمقوا في نظرياتها وأنواعها وخواصها، وقالوا بأن لكل عدد صحيح خاصية تختص به دون غيره، وقد قسموها إلى قسمين: أزواج، وأفراد، وبينوا معنى كل منها، وذكروا أنواعها بالتفصيل ... وكذلك عرفوا المتوالية الحسابية والهندسية على أنواعها([28]). في الجبر: كان العرب أول من ألف في الجبر بصورة علمية منظمة، وقد كان كتاب الخوارزمي في "الجبر والمقابلة" منهلا نهل منه علماء العرب وأوروبا على السواء، واعتمدوا عليه في بحوثهم، وأخذوا عنه كثيرًا من النظريات([29]). استعمل بعض علماء العرب الرموز في الأعمال الرياضية، وسبقوا الغربيين في هذا المضمار؛ مثل مؤلفات القلصادي([30]). حل العرب معادلات من الدرجة الثالثة كالمعادلات التكعيبية([31])، وبحثوا في نظرية ذات الحدين([32])، وعنوا بالجذور الصماء([33])، ومهدوا لاكتشاف اللوغارتمات([34])، وكانت أعمال ثابت بن قرة من الأعمال التي مهدت لإيجاد التفاضل والتكامل([35]). في '''الهندسة''': ترجم العرب كتاب إقليدس في الهندسة وشرحوه واختصروه وبينوا عليه الشكوك، وأضافوا له، وللعرب مؤلفات عديدة في المساحات والحجوم وتحليل المسائل الهندسية، والتقدير العددي، وفي التحليل والتركيب الهندسيين على جهة التمثيل للمتعلمين، وفي موضوعات أخرى كتقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، ورسم المضلعات المنتظمة وربطها بمعادلات جبرية وفي محيط الدائرة([36]).
الرياضيات والأدب لقد امتاز العرب عن غيرهم في الجمع بين الفروع المختلفة من الأدب والعلوم الرياضية، وفاقوا بذلك غيرهم من الأمم ... ومن يطلع على كتاب "الجبر والمقابلة" يجد أن المؤلف جمع بين الجبر والأدب ... فالمادة الرياضية موضوعة في أسلوب أخاذ لا ركاكة فيه ولا تعقيد ... وكتب البيروني يتبين منها أنها تعانق الأدب ... فأسلوبه سلس خال من الالتواء يخرج منه القارئ بثروتين أدبية وعلمية، ويشعر بلذتين: لذة الأسلوب الأدبي، ولذة المادة العلمية([37]). لقد وجد في العرب من استطاع أن يضع كثيرًا من الطرق والقوانين التي تتعلق بالأرقام والأعمال الأربعة والكسور والجبر شعرًا، فابن الهائم وضع رسالة مؤلفة من 52 بيتًا من الشعر في الجبر، وقد شرحها في رسالة أخرى خاصة، وله أيضًا رسالة "التحفة القدسية" وهي منظومة في علم الفرائض([38]). وكذلك ابن الياسمين وضع أرجوزة في الحساب والجبر، وقد شرح بعض أقسامها المارديني، وفي هذه الأرجوزة نجد خلاصة كثير من المبادئ والقوانين والطرق التي تستعمل في الحساب وحل المعادلات الجبرية التي تشتمل عليها كتب الجبر الحديثة، وهي تدل على تضلع الناطم من الحساب والجبر وبعد غوره فيهما، وعلى أن ثروته الأدبية لا يستهان بها، كما تدل أيضًا على شاعرية قوية قد لا نجدها في كثيرين من شعراء زمانه، ولولا إحاطته بالحساب والجبر والشعر إحاطة كلية لما استطاع أن يتوفق في الجمع بينهما في قالب سلس يدل على سيطرته على فنون الشعر بأوزانه وقوافيه ومعانيه وعلى هضم مبادئ العلوم الرياضية هضمًا نتج عنه أرجوزته التي هي الحجة الدامغة على الذين يقولون باستحالة الجمع بين الأدب والرياضيات وما يتفرع عنهما([39]). فلو استعرضنا بعض ما جاء المنظومة للبرهان على ما سلف من القول فنجدها تبدأ بمقدمات للعدد الصحيح وأبواب في الجمع والطرح والضرب والقسمة، وحل العدد إلى أصوله، ثم مقدمة في الكسور وأبواب تتناول الجمع والطرح والضرب والقسمة، ثم باب الجبر (الكسور) والحط (وهي عكس جبر الكسور) والصرف وطرق استخراج المجهولات، وأخيرًا ينتقل إلى علم الجبر والمقابلة وهو أهم أبواب الأرجوزة، فيقول: على ثلاثة يدور الجبر *** المال والأعداد ثم الجذر ثم يفسر كل واحد من هذه الأشياء بقوله: فالمال كل عـدد مربـع *** وجـذره واحد تلك الأضلع والعدد المطلق ما لم ينسب *** للمال أو للجذر فافهم تصب فالمال كل عدد مربع، والجذر أحد ضلعيه، والعدد المطلق هو الذي لم ينسب إلى جذر ولا إلى مال ولا إلى غيرهما، فالاثنان عدد والجذر والشيء بمعنى واحد *** كالقول في لفظ أب ووالد ثم يبحث ابن الياسمين في المعادلات وأقسامها وأنواعها: فتلك ستة نصفها مركبة *** ونصفها بسيطة مرتبة أولها في الاصطلاح الجاري *** أن تعدل الأموال بالأجذار وإن تكن عادلت الأعدادا *** فهي تليها فافهم المرادا وإن تعادل بالجذور عددا *** فتلك تتلوها على ما حددا([40]) ثم أخذ يذكر كيفية حل كل مسألة من هذه المسائل ويوضح الخطوات المؤدية إلى معرفة المجهول، فقال في المعادلات الثلاثة المركبة: واعلم هداك ربنا أن العدد *** في أول المركبات انفرد ووحدوا أيضًا جذوره الثانية *** وأفردوا أموالهم في التالية وقال في حل المعادلة الرابعة: فربع النصف من الأشياء *** واحمل على الأعداد باعتناء وخذ من الذي تناهى جذره *** ثم انقص التنصيف تفهم سره فما بقي فذاك جذر المال *** وهذه رابعة الأحوال([41]) ثم يأتي على حل المسألتين الخامسة والسادسة؛ شارحًا طريقة استخراج المجهولات من المعادلات التي يكون فيها معامل (س2) غير الواحد، وهي تقترب من الطريقة الموجودة في كتب الجبر الحديثة: فاجـمع إلى أعدادك التربيعا *** واستخرجن جذرهما جميعا واحمل على التنصيف ما أخذتا *** فذلك الجذر الذي أردتا ولم ينسَ أن يذكر معنى كلمتي (جبر) و(مقابلة) فقال: وكل ما استثنيت في المسائل *** صيره إيجابًا مع المعادل وبعـد مـا يجبر فلـيقابل *** بطرح ما نظيره يماثل فكلمة جبر تعني نقل الحدود من طرف إلى الطرف الثاني. والمقابلة تعني جمع الحدود المتماثلة، فمثلا: 7س – 10 = 5س فبالجبر تصبح: 7س – 5س = 10 وبالمقابلة تصبح: 2س = 10 وتنتهي الأرجوزة بالصلاة والسلام على النبي الكريم([42]). ولم يقتصر الأمر على ما سبق في الرياضيات فقط، بل وُجِدَ في كل فروع المعرفة الإنسانية التي برع فيها العرب من طب وفلك وهندسة وجغرافيا ... إلخ، بالإضافة إلى ما هو معروف للكافة في علوم اللغة والشرع، وإنما ضربت مثلا بالرياضيات لأنه قد يتبادر إلى الذهن استحالة الجمع بين لذة اللغة وأدبها وبين لذة الرياضيات والتفكير العقلاني، وإنما أردت ضرب المثل على سعة العربية في تدوين الأفكار الرياضية التي هي عقل محض في قوالب أدبية شعرية موزونة مقفاة لا تخلو من رونق الشاعرية والبلاغة وليست نظمًا ميتًا كما يدعي البعض. فمن منا لم يسمع عن الخيام؟! ولم يقرأ رباعياته؟! فقد كان شاعرًا وفيلسوفًا وأديبًا، وفوق كل هذا كان رياضيًّا وفلكيًّا من الطبقة الأولى ... لقد بلغ من هيام العرب في الناحيتين درجة جعلت بعضهم ينظم القوانين الرياضية والمعادلات العويصة والظواهر الفلكية شعرًا([43]). إن لكل علم مصادر وهي متنوعة في تراثنا العربي الإسلامي، فتتنوع المصادر حسب مستوياتها وموضوعاتها بين مصادر عامة تتناول تصنيف العلوم والمفاهيم المتداولة في كل علم أو مجال معرفي، ومصادر متخصصة في علم محدد تتناول موضوعاته المعرفية والمنهجية بالتحليل والتفنيد والبرهان، وهذه الأخيرة تتنوع بدورها بين مصادر أصيلة غير مسبوقة في مجال معرفي معين، ومصادر شارحة عربية أو مترجمة إلى العربية أو إلى لغات أخرى غير العربية([44]). ويقسم أستاذي أحمد فؤاد باشا هذه المصادر إلى: أولا: المصادر العامة([45])، ويضرب أمثلة بـ: 1- كتاب "للخوارزمي([46]). 2- كتاب "مفتاح السعادة" لطاش كبري زادة([47]). 3- كتاب "الحيوان" للجاحظ([48]). ثانيًا: المصادر المتخصصة وقسمها إلى: أ- مصادر علمية وتقتية أصيلة([49])، وضرب أمثلة بـ: 1- كتاب "الجبر والمقابلة" للخوارزمي([50]). 2- كتاب "المناظر" لابن الهيثم([51]). 3- كتاب "الجوهرتين العتيقتين" للهمداني([52]). 4- كتاب "إنباط المياه الخفية" للكرجي([53]). 5- كتاب "أزهار الأفكار" للتيفاشي([54]). 6- كتاب "مادة البقاء" للتميمي([55]). 7- كتاب "الآثار الباقية" للبيروني([56]). 8- كتاب "التصريف" للزهراوي([57]). كل هذه المصادر تحتوي على شرح وبسط واكتشافات ونظريات، كل هذا مكتوب باللغة العربية، ولولا أننا ملتزمون بشروط معينة في البحث لفصلنا في كل كتاب منها موضحين مدى العبقرية والكفاءة، وكيف اتسعت اللغة العربية لكل ذلك. ب- مصادر علمية تقنية شارحة([58])، ويضرب أمثلة على ذلك بـ: 1- كتاب "شكوك ابن الهيثم على بطليموس"([59]). 2- كتاب "تنقيح المناظر" للفارسي([60]). 3- كتاب "ميزان الحكمة" للخازني([61]). لم يتوقف العلماء العرب والمسلمون عند ذلك، بل قام العرب بعد ذلك بمحاولات عديدة لتصنيف العلوم من أجل إحصائها والسيطرة عليها، وسأعرض محاولة الخوارزمي والفارابي. الخوارزمي صنف العلوم إلى: 1- علوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم (6 أبواب) وهي: الفقه، الكلام، النحو، الكتابة، العروض والشعر، والأخبار. 2- علوم العجم من اليونانيين وغيرهم (9 أبواب) وهي: الفلسفة، المنطق، الطب، الأرثماطيقي، الهندسة، علوم النجوم، الموسيقى، الحيل، الكيمياء([62]). ثم مضى يفصل في هذه الأبواب. أما الفارابي في "إحصاء العلوم" فقسمها إلى خمسة أقسام: 1- علم اللسان وأجزائه (علم الألفاظ). 2- علم المنطق (المقولات). 3- علوم التعاليم (عدد – هندسة – مناظر – النجوم – التعليم، الموسيقى – الأثقال – الحيل). 4- العلم الطبيعي (ثمانية أقسام)، العلم الإلهي (ثلاثة أقسام). 5- العلم المدني وأجزائه: الأخلاق والسياسة، وعلم الفقه، وعلم الكلام([63]). الترجمة: قضية لسانية لعبت دورًا هامًّا في صرح الحضارة العربية الإسلامية، فقد كان لها دواعٍ اقتضاها التحضر والأخذ بأسباب الحياة الجديدة لمواجهة مشكلات الحكم والإدارة وما استلزمته إجراءات توزيع الزكاة والمواريث وجباية الأموال ومعرفة أوقات الفروض وتحديد مواضع القبلة في الصلاة ... مما أدى إلى الاهتمام بترجمة المعارف النافعة في ذلك من قبيل علوم الطب والفلك والكيمياء والنبات والميكانيكا والرياضيات ... إلخ([64]).
ترجمة المصطلح العلمي عند الجاحظ يجدر بنا التوقف عند كتاب مهم وهو كتاب "الحيوان" للجاحظ، فالكتاب لا تقتصر أهميته على أنه موسوعة علمية تشمل شتى المعارف، بل يصلح أن يكون مصدرًا عامًّا من مصادر اللغة والبحث في المصطلح العلمي؛ ذلك أن أبا عثمان قد أفاد كثيرًا من ثراء اللغة العربية الزاخرة بالألفاظ والتعابير عن الأشياء والألوان والأصوات بجميع هيئاتها وأشكالها ودرجاتها، ولم يدخر وسعًا في البحث في الأصول العربية عن أنسب الألفاظ والتعابير التي يمكن أن تخدم العالم الطبيعي، خاصة وأن عامة المترجمين الأوائل لم يكونوا يتقنون العربية إتقانًا كافيًا لتأدية المعاني المطلوبة لترجمة المصطلح العلمي([65]). فالعالِم بحاجة ماسة إلى علم دقيق باللغة التي يعبر بها عن علمه، وقد استطاع الجاحظ أن يوسع إطار العربية ليشتمل على كثير مما جدَّ في عصره، لكن دون تضييق على نفسه أو على العلم الذي هو بصدده، فما لا يوجد له مقابل في العربية من أسماء أجنبية يضعه بلفظه الأجنبي وبحروف عربية، وهو المنهج الذي يتبعه العلماء الآن عند ترجمة المصطلحات العلمية إلى العربية أو تعريبها([66]).
اللسانيات العربية العربية أو علـم العربية أو النحو أو علم اللغة أو علم اللسان، عدد من المصطلحات تترد في التراث اللغوي العربي للدلالـة على دراسة اللغـة العربيـة أو بعض جوانبها دراسـة علمية منظمـة، وإذا أردنـا ترتيب هذه المصطلحات حسب الظهور، وجدنا أن مصطلـح "العربية" أقدم هذه المصطلحات، يلي ذلك مصطلح "اللغة" أو "متن اللغة"، أما مصطلحات "علم اللسان" و"علم اللغة" فلم يظهر إلا بصورة ضئيلــة في كتب تصنيف العلـوم، وعند بعض المؤلفين في القرون المتأخرة مثل: السيوطي (ت 911 هـ) وطاش كبري زادة (ت 968 هـ) والفارابي في كتابه "إحصاء العلوم". وسنعرض فيما يلي لمفهـوم وحدود كل مصطلـح من المصطلحـات وما يدل عليه في التراث اللغوي عند العرب: (1) العربية وعلم العربية: إن مصطلح "العربية" كان أسبق إلى الظهـور من "علم العربية" وقد ظهر مع مصطلحات لغوية في النصف الثاني من القرن الأول الهجري للدلالة على الذين اشتغلوا بدرس اللغة العربية كأبي الأسود الدؤلي وطبقة من قراء القرآن الكريم، وقال أبو النضر: "كان عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع العربية"، ثم استقر هذا المصطلح مع طبقة من علماء العربية مثل عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت 117 هـ)، وعيسى بن عمر (ت 149 هـ)، وأبي عمرو بن العلاء (ت 154 هـ) ويونس بن الحبيب (ت 189 هـ)، والخليل بن أحمد (ت 175 هـ)، وتلميذه سيبويه (ت 180 هـ). هؤلاء العلماء الذين درسوا اللغة العربية دراسة علمية منظمة، تقوم على جمع المادة اللغوية وتحليلها واستقرائها من خلال رؤية وصفية ثم استخلاص النتائج وصياغتها في شكل قواعد فيما بعد من طرف النحويين، كما اتسمت هذه الدراسة بالشمول أي دراسة اللغة العربية صوتيًّا وصرفيًّا ونحويًّا ودلاليًّا. ومن خلال هذه النظـرة الشاملـة القائمة على أصول ومبادئ نظريـة وتحليلية أضيف مصطلح "علم" إلى مصطلح "عربية" فأصبح "علم العربية"، وقد ظهر هذا المصطلح في القرن الثاني الهجري. (2) النحــو: أغلب الظن أن مصطلح "النحو" ظهر بعد مصطلح " العربية" أو "علم العربية"، وذلك عندما ظهـرت فئة أو طبقة من المعلمين الذين أخذوا يعلمون الناس قواعد العربية لكي تستقيم ألسنتهم بعد تفشي اللحـن فيهم، وكـان هذا المصطلـح -أول ما ظهر- يشير إلى القواعد التعليمية التي تعلمها الناس لكي يلحقوا بالعرب الفصحـاء في إجادتـهم العربية، كما تدل كلمة "نحويين" على تلك الطبقة من الناس التي أخذت تشتغل بتعليم النحو أي القواعـد التعليميـة، وهو يختلف عن العربية أو علم العربية الذي كان يشير إلى الدراسة العلمية للغة العربية، إلاّ أننا نجد من يسوي بينهما كأبي حيان الذي يرادف بينهما مستدلا بقول سيبويه: "هذا علم ما الكلم من العربية". (3) علم اللغة: كان مصطلح "اللغة" يدل على نوع من الدراسة المنظمة بخاصة تلك التي تتصل بعمل المعاجم وتأليف الرسائل اللغوية، وبصورة عامة فإنه يدل على دراسة المفردات ومعرفة الدلالات، وتنظيم ذلك في صورة كتب أو معاجم، وهو بهذا يختلف عن مصطلح "العربية" أو "علم العربية"، كما يختلف عن مصطلح "النحو" أيضًا. واستبدل هذا المصطلح فيما بعد بمصطلح جديد وهو "علم اللغة" الذي يشمل دراسة الجوانب التالية: 1 – العلاقة بين اللفظ والمعنى. 2 – الأصوات أو الحروف التي تتألف منها المفردات. 3 – الصيغ الصرفية. 4 – الدلالة الوضعية للمفردات. أما الموضوعـات التي كانـت تدل عليها مصطلحات "اللغة" أو "علم اللغة" أو "علم اللغات" فتتمثل فيما يلي: 1 – جمع المادة اللغوية المتمثلة في المفردات وترتيبها. 2 – عمل المعاجم وبعض الرسائل اللغوية في تنظيم المادة. 3 – دراسة نص الجوانب (صوتية، صرفية، اشتقاقية). 4 – معرفة اللهجات العربية القديمة والفروق بينهما. 5 – البحث في نشأة اللغة. (4) علم اللسـان: يعد هذا المصطلـح من المصطلحـات النادرة الاستخدام في الدلالة على دراسة اللغة في التراث اللغوي العربي، ويعـد "الفارابي" (ت 339 هـ) أقدم من استخدمه في كتابه "إحصاء العلوم" والذي قسمه إلى خمسة فصول وهي: 1 – في علم اللسان وأجزائه. 2 – علم المنطق وأجزائه. 3 – في علوم التعاليم (العدد، الهندسة، علم المناظر ...). 4 – في العلم الطبيعي وأجزائه. 5 – في العلم المدني وأجزائه وفي علم الفقه وعلم الكلام. ونلاحظ أن الفارابي قد وضع في مقدمة هذه العلوم "علم اللسان" كأنما هذا العلم عنده هو مفتاح العلوم الأخرى ومصرفها. أما ما يقصـده الفارابي بمصطلح "علم اللسان" وتصوره لموضوعاته ومنهجه، فنجد ذلك في الفصل الأول، حيث يرى أن علـم اللسان ضربـان: أحدهما: حفـظ الألفاظ الدالـة عند أمـة ما، وعلم ما يدل عليه شئ منها. والثاني: علم قوانين تلك الألفاظ. أي أن علم اللسان يتفرع عنده إلى فرعين هما: علم اللسان الإجرائي ذي الغرض التعليمي. وعلم اللسان النظري الذي يعنى بالقضايا العامة في البنية اللغوية. أما فروع علم اللسان وهي عنده تقع في سبعة فروع أو علوم -كما أسماها- بعضها عام يشمل كل اللغات، وبعضها خاص للغة معينة وهي: 1- علـم الألفـاظ المفـردة. 2- علم الألفاظ المركبة. 3- علم قوانين الألفاظ المفردة. 4- علم قوانيـن الألفـاظ عندما تتركب. 5-علم قوانين الكتابة. 6- علم قوانين تصحيح القراءة. 7- علم الأشعــار. من خلال ما سبق نستطيـع القول أن الفارابي في عرضه لفروع "علم اللسان" يوسع من دائرة هذا العلم بحيث يشتمـل عنده على علوم خاصة وعلوم أخرى عامة، كما أدخل في هذا العلم جوانب تعليمية تطبيقية تنتمي الآن إلى فرع مستقل في اللسانيات الحديثة يطلق عليه اسم اللسانيات التطبيقية. وما هذه إلا إطلالة سريعة على التراث اللغوي عند العرب الذي قدم لنا عددًا من المصطلحات التي تدل في مجملها على طرق ومناهج متعددة في دراسة اللغة العربية وهي النحو واللغة أو علم اللغة، في حين قدم لنا التراث الفلسفي أو المفهوم العلمي لدراسة اللغة عامة واللغة العربية خاصة كما يتمثل في مصطلح علم اللسان. قطاعات البحث اللساني عنـد العـرب: البحث اللغـوي قديم في التـراث العربي، بدأ مع قيـام الحركة العلميـة في القرن الثاني الهجـري، ولقد نشأت الدراسة اللغوية العربية في رحاب التحول الفكري والحضاري الذي أحدثه القرآن الكريم في البيئة العربية، انطلاقًا من الشعور بمعجزة البناء اللغوي على المستويين التركيبي والدلالي. ولم يكن البحث اللغوي عند العرب من الدراسات المبكرة التي خفوا لها سراعـًا، لأنهم وجهـوا اهتمامهم أولا إلى العلوم الشرعية الإسلامية، وحين فرغوا منها أو كادوا اتجهـوا إلى العلوم الأخرى، ومنذ منتصف القرن الثاني الهجري بدأ العلماء المسلمون يسجلون الحديث النبوي الشريـف، ويؤلفـون في الفقه الإسلامي والتفسير القرآني وبعد أن تم تدوين هذه العلوم اتجـه العلماء وجهة أخرى نحو تسجيل العلوم غير الشرعية ومن بينها اللغة والنحو. وسنعرض فيما يلي لأهم المستويات اللسانية التي تناولها اللغويون العرب بالدراسة، وهي على الترتيب: 1- المستوى الصوتي. 2- المستوى الصرفي والنحوي. 3- المستوى المعجمي. 4- المستوى الدلالي. 5- المستوى البلاغي. 1- المستوى الصوتي: إن أقل الناس إلمامًا بالرصيـد اللساني في التراث العربي يدرك أن الجانب الصوتي قد حظي باهتمام خاص لدى الدارسين الأقدمين على اختلاف توجهاتهم العلميـة، منهم: القـراء، والنحاة، وعلماء الأصول، والفلاسفـة، وأحسـن دليـل علـى ذلك أن الاهتمـام بالظاهـرة الصوتية كان هو الأساس الأول المعوّل عليــه في وضع المعايير التأسيسية للنحو العربي، ويبدو أن أصفى صورة لتبرير ما نحن بسبيله قصة أبي الأسود الدؤلي (ت 68هـ) مع كاتبه حينما همّ بوضع ضوابط لقراءة القرآن إذ قال له: "إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، فإن ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن أتبعت شيئًا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين". ولقد اهتم النحويون بعدة قضايا صوتية وصرفية، وشغلت الفصول الصوتية عدة صفحات في أمهات كتب النحـو، وكتاب سيبويه وهو أقدم كتاب وصل إلينا في النحو العربي يضم صفحات قيمة في الدراسات الصوتية؛ إذ جعل البحث الصوتي وسيلة من وسائل التحليل الصوتي بالدرجة الأولى؛ ولذلك كان البحث الصوتي عند سيبويه أساسًا لتفسير عدد من الظواهر في مقدمتها ظاهرة الإدغام، وكان عند الخليل مدخلا للإعجـام، وعند مؤلفي كتـب القراءات وسيلـة لوصف ظواهرهـا الصوتية، أما الكتاب الوحيد الذي ألف في الدراسات الصوتية وحدها فهو كتاب "سر صناعة الإعراب" لابن جني، ومن أهم الموضوعات الصوتية التي ركز عليها ابن جني في كتابه "سر صناعة الإعراب" ما يلي: 1- عدد حروف الهجاء وترتيبها ووصف مخارجها. 2- بيان الصفات العامة للأصوات وتفسيرها باعتبارات مختلفة. 3- ما يعرض للصوت في بنية الكلمة من تغيير يؤدي إلى الإعلال أو الإبدال أو الإدغام أو النقل أو الحذف. 4- نظرية الفصاحة في اللفظ المفرد ورجوعها إلى تأليفه من أصوات متباعدة المخارج. أما أهم النتائج الصوتية التي توصل إليها العرب وهي باختصار: 1- وضع أبجدية صوتية للغة العربية، رتبت أصواتها بحسب المخرج ابتداء من أقصى الحلق حتى الشفتين. 2- تسمية أعضاء النطق بأسمائها (رئة، حلق، حنجرة ... ) وتقسيم الحلق إلى: (أقصى، وسط، أدنى) . واللسان إلى: (أصل، أقصى ووسط، ظهر، حافة، طرف). 3- تقسيم الأصوات إلى: شديدة ورخوة باعتبار مجرى الهواء ووضع قائمة بأصوات كل نوع . 4- تقسيم الأصوات إلى: مطبقة ومفخمة. 5- تقسيم الأصوات إلى: مجهورة ومهموسة باعتبار وجود رنين يصحب نطق الأصوات. 6- تقسيم الأصوات إلى: صحيحة ومعتلة على أساس اتسـاع المخرج مع العلة دون الصحيحة، كما اهتدوا إلى الصفات التي تميز بعض الحروف كاللام الذي وصفوه بالمنحرف، والراء التي وصفوها بالمكرر وغيرها. 7- قسموا حروف العلة (اوى) إلى: قصيرة وطويلة وأصول. 8- تحدثوا عن الائتلاف بين الحروف وكيفية بناء الكلمة العربية. إن الرقي الذي بلغه الفكر العربي في مجال الدراسة الصوتية منذ القرن الثاني للهجرة، جعل بعض الباحثين الغربيين يفترض وجـود اقتباس واسع عن حضـارات سابقـة تتمتع بمفاهيم لسانية متطورة، كالحضارة اليونانية، والهنديـة، وفي هذا السبيل حاول الباحـث (فولرز- K-Volers) تبييـن بعض نقاط التقاطـع بين جهود (يانيني) في مجال الدراسة الصوتية والعلوم الصوتية العربية التي أنشأها الجيل الأول من النحويين العرب أمثال الخليل، وأما (بروكلمان) فقد رفض هذا الرأي القائل بتأثر العرب بالدراسات النحوية والصوتية للحضارات القديمة وعد علم الأصوات عند العرب ظاهرة قائمة بذاتها. 2- المستوى النحوي والصرفي: إن تفشــي اللحن في العربية وخوف العـرب من وقوعه في القرآن لم يكـن وحده هو الذي دعاهم إلى وضع النحو، بل هناك بواعث أخرى، ففهم النص القرآني الكريم والتعرف على أسراره كان هدفًا يتوخاه كل مسلم، وعلم النحو هو أقرب العلوم اللغوية إلى هذه الغاية، ونشأة العلوم الإسلامية تدعم هذا إذ نشأت كلها لهذه الغاية، كما أن حاجة المسلمين من غير العرب إلى تعلم العربية والتعبـد بكتابها الخالد، والحرص أول الأمر على تعلمها دعاهم إلى وضع القواعد التي تضبط الاستعمال اللساني للغة العربية الصحيحة. وتكاد الروايات تتفق على أن أبا الأسود الدؤلي هو الذي وضع النحو بعد أن أخذه عن علي بن أبى طالب -كرم الله وجهه-، وعلم النحو يعرف به أواخر الكلم إعرابًا وبناءً، وهو ما يعرف بعلم الإعراب، وهي نظرة ضيقة جدًّا سادت في العصور المتأخرة، أما علم الصرف فيبحث فالتغيرات التي تلحق بنية الكلمة لغرض معنوي أو لفظي، ويراد ببنية الكلمة هيئتها أو صورتها الملحوظة من حيث حركتها وسكونها وعدد حروفها، وقد كان من الطبيعي أن يبدأ علمــاء العربية في جمع ألفاظها قبل أن يضعوا قواعدها؛ ولهذا يرجع المؤرخون البحث النحوي -بالمعنى الفني لكلمة نحو- قد بدأ متأخرًا عن جمع اللغة، لأن تقعيد القواعد ما هو إلا فحص لمادة لغوية تم جمعها بالفعل ومحاولة لتصنيفها واستنباط الأسس والنظريات التي تحكمها، ويعد سيبويه المقنن الأول لمنظومة النحو العربي من خلال كتابه "الكتاب" الذي يشيد بقيمته المازني في قوله: "من أراد أن يعمل كتابًا في النحو بعد كتاب سبويه فليستحِ"، وعده الإمام الشاطبي عالم الأندلس الأصولي موجهًا منهجيًّا للمفكر العربي بقوله: "هذا كتاب يُتَعَلَّم منه النظر والتفتيش في المسائل"، وعلى الرغم من نسبة الكتاب إلى سيبويه فإن دور الخليل فيه لا يجحد، حتى أن هناك من قال إن الأوفق أن ينسب الكتاب للخليـل، يقول ثعلــب: "اجتمع على صنعـة الكتاب اثنان وأربعون إنسانًا منهم سيبويه". اعترف جميع الدارسين بمدرستي الكوفة والبصرة، وأقروا بأسبقيتهمـا في الدراسات النحوية تنظيرًا وتطبيقًا، وأضاف آخرون من أمثال مهدي المخزومي وبروكلمان وشوقي ضيف وطه الراوي وغيرهم مدارس أخرى في بغداد والشام ومصر والأندلس والمغرب([67]). 3- المستـوى المعجمـي: يقول ابن جني في مقدمة كتابه "سر صناعة الإعراب" : «اعلم أن (عَ -جَ -مَ) إنما وقعت في كلام العرب للإبهـام و الإخفاء، وضد البيان والإيضاح من ذلك قولهم: رجل أعجم، امرأة عجماء ، إذا كانا لا يفصحان ولا يبينان كلامهما، والعجمة في اللسان بضم العين لكنة وعدم فصاحة». إن حركة التأليـف في المعاجم بدأت انطلاقًا من رسائل الموضوعات وهي رسائل صغيرة من حيث كم المادة اللغوية التي تتوافر عليها ساهمت في نشأة المعاجم الكبيرة مساهمة فعالة وذلك في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري ويطلق عليها معاجم المعاني أو المعاجم المبوبة، وقد جاءت هذه الرسائل بخاصة مستقلة أو خصصت لها أبواب وفصول في الكتب العامة، وهي عبارة عن معاجـم بنيت على المعاني، و الموضوعات المألوفة، وقد تبلور المعجم الذي نعرفه اليوم على يدي الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، وتابع بعده التأليف في المعاجم إلى العصر الحديث خلق كثير، وبدت ظاهرة التقليد في صناعة المعاجم جلية واضحة إلى حد بعيد في المنهج وطريقة التبويب والمادة المعجمية نفسها([68]). ظهرت المعاجم العربية بمعناها العام والشامل لمفردات اللغة العربية في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وفيما يلي بعض المعاجم العربية وطريقة التبويب والتصنيف التي اتبعها مؤلف كل معجم: المعجم المؤلف ترتيب المفردات العين الخليل بن أحمد طريقة المخارج البارع في اللغة أبو علي القالي طريقة المخارج تهذيب اللغة أبو منصور الأزهري طريقة المخارج تاج اللغة وصحاح العربية (الصحاح) أبو العباس الجوهري الطريقة الألفبائية بحسب الأواخر أساس البلاغة الزمخشري الطريقة الألفبائية بحسب الأوائل لسان العرب ابن منظور الطريقة الألفبائية بحسب الأواخر القاموس المحيط الفيروز آبادي الطريقة الألفبائية بحسب الأواخر أنواع المعاجم تتنوع المعاجم بتنوع أهدافها ومناهجها ومن حيث مادتها بحسب العموم والخصوص...إلخ. وفيما يلي ذكر لأهم أنواع المعاجم: المعاجم بحسب الهدف وتعني بذلك تصنيف المعاجم بحسب ما يحتاجه الدارس:أهو يبحث عن معنى لفظ معين أو معرفة لفظ مناسب لمعنى ما يرديه وهي تنقسم بدورها إلى ثلاثة أنواع هي: المعجم نوعه الصحاح والقاموس المحيط، ولسان العرب. معاجم الألفاظ «المخصص» (ابن سيده)، « البئر» لابن الأعرابي، و«الوحوش» للأصمعي . معاجم المعاني «ديوان العرب» (أبو إبراهيم الفارابي)، «أبنية الأفعال» لابن القطاع معاجم الأبنية المعاجم بحسب المنهج تختلف المعاجم باختلاف ترتيب مفرداتها وهناك أكثر من طريقة لترتيب المفردات، وللمعاجم العربية أربعة طرق رئيسة في ترتيب المفردات وهي: المعجم المنهج المتبع العين الصوتي التقليبي حيث يتم ترتيب المفردات بحسب مخارج الأصوات، فالمفردات التي تحتوي على أعمق صوت تذكر أولا، ثم الأقل عمقًا وهكذا. الجمهرة الألفبائي التقليبي مثل سابقها، ولكن لكل صوت يتم ترتيب حروفه هجائيًّا وليس بالضرورة صوتيًّا، فإذا تشابه حرفان في الصوت يتم ترتيبهما هجائيًّا. لسان العرب الألفبائي بحسب الأواخر، وتسمى معاجم القافية، ويتم ترتيب المفردات بها حسب الترتيب الهجائي ولكن ابتداءً من الحرف الأخير للمفردة، فالكلمات التي تنتهي بحرف الهمزة يتم الابتداء بها. أساس البلاغة الألفبائي بحسب الأوائل، وهي المعاجم التي ترتب مفرداتها هجائيًّا، وبحسب أول حرف من الكلمة، ويتم وضع الكلمات التي تبدأ بنفس الحرف في باب يحمل نفس الحرف. أهمية المعاجم ترجع أهمية المعاجم إلى أنها تحمل العديد من ألفاظ اللغة ومعانيها، وهذا ما لا يمكن أن يحيط به أي شخص مهما كان واسع الاطلاع، كما أن مفردات اللغة تختلف بين أبنائها بحسب ثقافتهم، فهناك الكلمات التي تستخدم بشكل عامي ويومي وهناك الكلمات الأدبية والكلمات المتخصصة، كما أن الاحتكاك والتداخل مع اللغات الأخرى تحت أي ظرف يولد مفردات جديدة لم تكن في أصل اللغة، ويكاد أن يكون هناك جزم بأنه لا توجد لغة حية الآن إلا وقد استعارت مفردات من لغات أخرى. فكان لا بد من وجود المعاجم لأجل ترتيب وتصنيف مفردات اللغة وتبيين معانيها في أسلوب سهل وميسر على أبناء اللغة نفسها ومن هنا يمكن أن نقول بأن مهمة المعاجم تندرج بتوفير ثلاث معلومات عن أي مفردة أو لفظ وهذه المعلومات هي: 1- اللفظ والهجاء بحيث إنه من المعروف أنه ليس كل ما يكتب ينطق، فكان على المعاجم مهمة تقديم معلومات عما يكتب ولا ينطق، وتوضيح أي خطأ في نطق مفردة ما. 2- التحديد الصرفي حيث يقوم المعجم بتحديد نوع الكلمة: اسم، فعل، صفة ... والمذكر منها والمؤنث وتوضيح تعديها ولزومها وصورها الاشتقاقية وما إلى ذلك من أمور الصرف. 3- الشرح وهو بيان معنى الكلمة وهي الوظيفة الأساسية لأي معجم، ويمكن أن يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى فيتم توضيح ذلك بأمثلة فعلية أو على الأقل بالإشارة إلى مجال استخدامها([69]). 4- تحديد مكان النبر في الكلمة([70]). 4- المستوى الدلالـي كانت الدراسة الدلالية من أولى فروع البحث اللساني العربي ظهورًا عندما جاءهم الإسلام (القرآن) يتحداهم في بيانه و إعجازه، حاملا في طياته ثورة أدبية، اجتماعية، وأخلاقية ومعرفية ولغوية فتحداهم في أعز ما يملكون ويتفاخرون، فقامت الدراسات حول هذا الكتاب المعجز، تبحث في دلالات ألفاظه، فتنوعت وتعددت، وكان منها البحث في غريب ألفاظه، وقد تأسست هذه الدراسات على منهج وصفي استقرائي يتتبع اللغة في ألفاظها ومواضعاتها قصد تحديد المعاني والتي يتوقف على فهمها فهم الكتاب، وتمتد البحوث الدلالية العربية من القــرون الثالـث والرابع والخامس الهجرية إلى سائر القرون التالية لها، وهذا التاريخ المبكر إنما يعني نضجًا أحرزته اللغة العربية وثقافتها. وكان البحث في دلالة الكلمات من أهم ما لفت نظر اللغويين العرب وأثار اهتمامهم، وتعد الأعمال اللغوية المبكرة عند العرب من مباحث علم الدلالة مثل: تسجيل معاني الغريب في القرآن، و الحديث عن مجاز القرآن، والتأليف في الوجـوه والنظائر في القرآن، وإنتاج المعاجم الموضوعية ومعاجم الألفاظ، وحتى ضبط المصحف بالشكـل يعـد في حقيقتـه عملا دلاليـًّا؛ لأن تغيير الضبط يؤدي إلى تغيير وظيفة الكلمة، وبالتالي إلى تغيير المعنى. وتنوعت اهتمامات العرب بعد ذلك فغطت جوانب كثيرة من الدراسة الدلالية ومن ذلك: أ- اهتمامات اللغويين والتي تمثلت فيما يلي: - محاولة ابن فارس الرائدة في معجمه "المقاييس" ربط المعاني الجزئية للمادة بمعنى عام يجمعها. - محاولة الزمخشري في معجمه "أساس البلاغة" التفرقة بين المعاني الحقيقية والمعاني المجازية. - محاولة ابن جني ربط تقلبات المادة الممكنة بمعنى واحد. ب- اهتمامات الأصوليين وعلماء الكلام والفلاسفة و التي تمثلت في: - عقد الأصوليين أبوابًا للدلالات في كتبهم وتناولت موضوعات مثل: دلالة اللفظ، دلالة المنطوق والمفهوم، تقسيم اللفظ من حيث الظهور والخفاء، العموم والخصوص، التخصيص والتقييد والترادف والتضاد والاشتراك ودلالة التضمن والالتزام والمطابقة. - دراسات وإشارات كثيرة للمعنى في مؤلفات الفارابي وابن سينا وابن رشد والغزالي والخوارزمي وابن حزم وغيرهم. ج- اهتمامات البلاغيين: تمثلت في دراسـة الحقيقة والمجاز، وفي دراسة كثير من الأساليب كالأمر والنهي ... وفي نظرية النظم للجرجاني التي تعد بؤرة الدرس الدلالي العربي، بالإضافة إلى عنايتهم الفائقة بالمعنى السياقي وعلاقة المقال بالمقام([71]). ([1]) [1] ([2]) [2] ([3]) السابق ص: 63. ([4]) السابق ص: 64. ([5]) http://ar.wikipedia.org/wiki. ([6]) [3] ([7]) السايق، ص: 20. ([8]) السابق: 22. ([9]) السابق: 26. ([10]) السابق: 27. ([11]) السابق: 28. ([12])السابق ص: ص: 34. ([13]) السابق: 35. ([14]) السابق، ص: 52- 53. ([15]) السابق ص: 54. ([16])السابق ص: 61. ([17]) السابق ص: 62. ([18]) السابق ص: 66. ([19])السابق ص: 67 – 68. ([20]) السابق: 84. ([21]) السابق: 88. ([22])السابق، ص: 118. ([23]) السابق ص: 120. ([24]) [4] ([25]) السابق ص: 23. ([26]) السابق ص: 23. ([27])السابق ص: 25. ([28]) السابق ص: 27. ([29]) السابق ص: 29. ([30]) السابق ص: 32. ([31]) السابق ص: 35. ([32])السابق، ص: 38. ([33]) السابق ص: 40. ([34]) السابق ص: 41. ([35]) السابق ص: 43. ([36]) السابق ص: 47. ([37])السابق ص: 69 – 70. ([38]) السابق ص: 71 – 72. ([39]) السابق ص: 72. ([40])السابق، ص: 72- 73. ([41])السابق ص: 73. ([42]) السابق، ص: 74. ([43]) السابق : 71. ([44]) [5] ([45]) السابق ص: 59. ([46]) السابق ص: 61. ([47]) السابق ص: 67. ([48]) السابق ص: 70. ([49])السابق ص: 78. ([50]) السابق ص: 78. ([51]) السابق ص: 85. ([52]) السابق، ص: 96. ([53]) السابق ص: 109. ([54]) السابق ص: 120. ([55]) السابق ص: 126. ([56]) السابق ص: 138. ([57]) السابق ص: 150. ([58]) السابق ص: 166. ([59]) السابق ص: 172. ([60]) السابق ص: 179. ([61]) السابق ص: 185. ([62])السابق ص: 63. ([63]) [6] ([64]) [7] ([65]) [8] ([66]) السابق ص: 77. ([67]) http://ghilous.hooxs.com/t24-topic، الموضوع: الدراسات اللسانية العربية من الجذور إلى عصر اللسانيات الحديثة. ([68]) http://ghilous.hooxs.com/t25-topic، الموضوع: الدراسات اللسانية العربية من الجذور إلى عصر اللسانيات الحديثة. ([69]) http://www.mojtamai.com/books/component/k2/item/24321 ([70]) http://ghilous.hooxs.com/t25-topic، الموضوع: الدراسات اللسانية العربية من الجذور إلى عصر اللسانيات الحديثة. ([71]) http://ghilous.hooxs.com/t25-topic، الموضوع: الدراسات اللسانية العربية من الجذور إلى عصر اللسانيات الحديثة.
مراجع
- د. مصطفى لبيب عبد الغني، تاريخ العلوم عند العرب مقدمات وبحوث، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008، ص: 14.
- ت ج دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثانية، 2010، ص: 62.
- محمد جمعة الطوري، الكيمياء عند المسلمين في العصر الوسيط دراسة مقارنة، القاهرة، دار الكتاب الجامعي، 1411هـ - 1990م، ص: 17.
- قدري حافظ طوقان، تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الثانية، 2008م، ص: 23.
- أحمد فؤاد باشا، آفاق المعاصرة في تراثنا العلمي.. ضرورات إحيائه.. تنوع مصادره.. خصوصيات تحقيقه، القاهرة، مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1431هـ - 2010م، ص: 59.
- د. مصطفى لبيب عبد الغني، تاريخ العلوم عند العرب مقدمات وبحوث، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008، ص: 81 - 85.
- مصطفى لبيب عبد الغني، تاريخ العلوم عند العرب مقدمات وبحوث، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008، ص: 52.
- أحمد فؤاد باشا، آفاق المعاصرة في تراثنا العلمي.. ضرورات إحيائه.. تنوع مصادره.. خصوصيات تحقيقه، القاهرة، مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1431هـ - 2010م، ص: 76.