الرئيسيةعريقبحث

إسماعيل باشا بن إبراهيم الحريري


☰ جدول المحتويات


الأمير إسماعيل باشا بن إبراهيم الحريري الرفاعي هو شيخ مشايخ حوران، وهو من زعماء حوران خلال وبعد مرحلة الانتداب الفرنسي، فعندما دخل الجنرال غورو بقواته واحتل مدينة دمشق بعد معركة ميسلون سنة 1920م، أصدر أوامره إلى إسماعيل الحريري - باعتباره أحد أهم وجهاء حوران - بالعمل على إمداد القوات الفرنسية الغازية برجال من قبيلته ومؤازرته في حملاته ضد الوطنيين. فرفض إسماعيل باشا الحريري ذلك، وبادر إلى اجتياز حدود حوران ترافقه قوة مؤلفة من خمسين فارساً وأقام لاجئاً في الأردن، مما دفع بالفرنسيين للانتقام منه عن طريق مهاجمة منزله وتدميره، وفي هذه الأثناء شن إسماعيل الحريري ومجموعته المجاهدة حملات متواصلة ضد القوات الفرنسية على الحدود السورية لمدة عامين، ولم يعد إلى موطنه حوران إلا بعد صدور عفو عام عنه وعن أولاده (الأمير محمد خير الرفاعي والأمير سالم الرفاعي الذين كانوا قد حكموا بالإعدام. وعاد الثوار الحوارنة إلى بيوتهم من اللجاة ومن الأردن بعد أن حملت الطائرات المناشير بالعفو عنهم وألقتها على معاقلهم في الصفا واللجاة على الحدود مع الأردن.

إسماعيل باشا بن إبراهيم الحريري
معلومات شخصية
الحياة العملية
المهنة سياسي 
الأمير إسماعيل باشا الرفاعي (شيخ مشايخ حوران) مع الملك فيصل بن الحسين (1918 م)

مواقف الامير إسماعيل باشا الرفاعي

يتحدث " سلطان باشا الأطرش " في مذكراته عن مواقف إسماعيل الحريري الوطنية بقوله:

وفد علينا ونحن في مخيم المزرعة إسماعيل الترك الحريري شيخ مشايخ حوران على رأس قوة من حوران مؤلفة من نحو مئة فارس، وأعلن استعداده للانضمام للثورة بعد أن رفض الإذعان لـ شوفلير وكيل المندوب السامي الفرنسي بدمشق الذي كان يعمل على تسليح الإخوة الحوارنة ويحرضهم على محاربتنا.

وفي 4 أغسطس 1925 طلب وكيل المندوب السامي بدمشق المسيو شوفلير، وصبحي بركات رئيس الحكومة السورية سابقاً زعماء حوران فحضر منهم إسماعيل باشا الحريري من الشيخ مسكين، وزعل بيك الرفاعي من بصر الحرير، ومنصور الحلقي من جاسم، وعبد المجيد الفيصل من داعل، وعقيل الياسين من بصر الحرير، وأحمد الرفاعي من نصيب، وعبد الرحمن الرفاعي من أم ولد ، ومحمد الزعل من المسيفرة، وفندي الحشيش العباس من تل الشهاب، وفاضل المحاميد من درعا، وبعد أن التأم شمل المدعوين، تحدث ميسو شوفلير بالقول:

أنتم تعلمون ما لفرنسا عليكم من الأيادي البيضاء وأعمال البر التي لا تصدر إلا من الأم المشفقة، والآن تسعى لاستتباب الأمن بينكم ولذا قرر فخامة الجنرال "سراي" إعفاء حوران من دفع الضريبة، والنظر لاحتياجاتكم لدفع الثوار عن أراضيكم، مع أجازة حمل السلاح ونحن نقدم لكم ألفي بندقية لتحاربوا العدو المغتصب لبلادكم، "ويقصد ثوار الجبل"، وستعلن الحكومة المنتدبة استقلال حوران.

وما إن أنهى كلامه حتى ثار في وجهه إسماعيل باشا الحريري قائلاً:

أما بخصوص المنحة الأولى فنحن نشكر السلطة الفرنسية، وأما بخصوص حمل السلاح لمحاربة "الدروز وثوار الجبل" فنحن قررنا عدم محاربتهم لأن لهم حق الجوار علينا والوطنية أيضاً، أما استقلال حوران فلا أوافق عليه لأن حوران هي جزء من سورية الكلية. وكانت صفعة مؤلمة ورائعة في وجه شوفلير.

مشاهد من بطولات رجال حوران

كانت حوران تعيش في العهد العثماني في حالة لا تحمد عليها، وكان كابوس الاستبداد والظلم يجثم على صدور أهلها.

وكانت متصرفية حوران في العهد التركي تتألف من عدة أقضية (ازرع، والمسمية، وفيق )، وكان مركز المتصرفية الرسمي في قرية الشيخ سعد

يتبع إليها منطقة ” إربد “- من الأردن.

الشيخ سعد

قرية صغيرة، يوجد فيها نبع ماء كبير، وكذلك يمر القطار الحديدي على مسافة قريبة منها، وهي في نفس الوقت قريبة من نوى.

ثم تم نقل مركز المتصرفية إلى قرية الشيخ مسكين، واستمرت المتصرفية في هذا المركز على هذا الحال حتى عهد السلطان رشاد تم نقل المركز إلى درعا.

وكان من حق متصرفية حوران تمثيل نائبين عنها في مجلس المبعوثين التركي، وقد انتخب الأهالي كل من:

فقاما بتمثيل حوران على أفضل وجه، وكانا على اتصال وثيق بزعماء دمشق من النواب، وقد اتفقت كلمتهم للعمل بما تقتضيه مصلحة البلاد، وكان الاتحاديون يقومون بنشرم دعوتهم في البلاد العربية، ويسعون لإيجاد عملاء لهم من أهل البلاد، فوجهوا أنظارهم نحو حوران، ورغم كل الإغراءات فقد رفض الحوارنة كل العروض، ولم يستطيعوا الوصول إلى غاياتهم بفضل إيمانهم بقضايا أمتهم وإصرارهم على استقلال بلادهم! وبقوا في دورات مجلس المبعوثين التركي حتى وقوع الهدنة بين الحلفاء والأتراك فعادوا إلى بلادهم.

حوران ” اهراء“ روما

من المشهور عن حوران أنها كانت ” اهراء “ روما، وكانت إمبراطورية روما في حال عظمتها تستمد التموين من حوران.. فلما أعلنت الحرب العالمية الأولى لم تكن أراضي الجزيرة مؤهلة للزراعة والإنتاج لقلة الأيدي العاملة فيها قبل نصف قرن ، وعدم انتشار الوسائل الزراعية الحديثة، لذا فقد اتجهت أنظار الدولة العثمانية إلى حوران، لتأمين إعاشة الشعب الألماني، وكانت القطارات التي تسافر من استانبول إلى القدس حاملة فرق الجنود والذخائر تعود فتنقل الحنطة من فلسطين، وحوران إلى استانبول فألمانيا.

وكان القمح الذي يكفي لجميع أهالي سورية ملقى على جانبي السكة الحديدية بانتظار شحنه إلى مراكز التموين الرئيسية، وكانت الحكومة تجمع الحبوب وتأخذها قسراً من الفلاحين وتصدرها من المحطات الواقعة على الخط الحديدي.

المجاعة في البلاد

سنابل القمح

حدثت في أوائل عام 1915م عندما أمر جمال باشا بمنع شحن الحبوب إلى لبنان، وفلسطين، بحجة أن ما لديها من الحبوب المخزونة لا يكفيها لإعاشة سكانها، ولقد أراد جمال باشا الإقلال من إرسال الحبوب إلى لبنان ليزيد من الجوع هناك.

وفي السنة الأولى كان ارتفاع أسعار القمح طفيفة بالنسبة لارتفاعها في سنة 1916 و1917، وقد نكبت سوريا بالجراد الذي قضى على الموسم الزراعي قضاءً مبرماً.

وحدثت أيام الحرب مجاعة في البلاد السورية حتى بلغ ثمن المد الواحد من القمح وزنه 20 كيلو بليرتين ذهبيتين. أما المجاعة في لبنان فقد كانت شديدة الوطأة، وفقدت لبنان ثلاثين بالمائة من السكان بسبب الجوع.

الانتقام الفرنسي

اعتبرت فرنسا ان ما وقع مسؤول عنه الأمير فيصل، لأنه عندما مر من درعا اجتمع مع زعماء حوران وحرضهم على الثورة، وأوعدهم أنه لن يتنازل عن عرشه في سورية، وقد امر غورو حكومة دمشق المعينة من قبله فرض غرامات على الحوارنة، وقد حددت دية الدروبي بعشرة آلاف ليرة ذهبية، ودية عبد الرحمن اليوسف مثلها، وخمسة آلاف دية المقتول وحيد عبد الهادي، وخمسة آلاف دية كل فرنسي برتبة ضابط وخمسمائة ليرة ذهبية عن كل جندي فرنسي، ومائة ألف ليرة ذهبية غرامة حربية، وادانة الثوار الذين نفذوا عملية القتل بأعضاء الوفد والحكم عليهم بالإعدام وهم: إبراهيم سليم الزعبي، وشقيقه فرحان سليم الزعبي وفارس أحمد الزعبي وفرحان سليم الزعبي وصلاح المصري ومحمد يوسف الحريري، وقاسم الداغر، وثلاثة غيرهم.

«وانتقاما لقتلاها، قامت الطائرات الفرنسية بالإغارة على (غزالة)وقصفت مقبرة البلدة اعتقادا منها انها دمرت القرية، ولم يقتل في هذه الغارة الا امرأة واحدة كانت تمر من جانب المقبرة، هي (صيتة أبو عرّة)، وكانت تحمل على رأسها تنكة ماء».

واعلنت الثورة من جديد، وانتشر الثوار في «معاقل اللجاة الوعرة» وأصبحت الرمثا مركزا لقيادة الثوار، وديوان الزعبي الملاذ الآمن للمطلوبين للمحاكم العرفية الفرنسية، وفي منتصف ايلول 1920م، جهز الجنرال (غوابيه) حملة عسكرية كبرى اتجهت إلى حوران لاحلال الامن وتثبيت هيبة الاحتلال، فألقت القبض على (إبراهيم سليم صالح الزعبي) وقادته مكبلا بالحديد في عربة مصفحة إلى سجن القلعة بدمشق، كما القي القبض على (محمد يوسف الحريري) و(طالب يوسف الحريري) و(قاسم الداغر) و(عبد اللطيف الداغر) وتم تنفيذ حكم الإعدام بالشهداء: محمد يوسف الحريري - طالب عيسى الحريري - زعل سليم الزعبي - صلاح الدين المصري - حسين الحاج، وكان اعدامهم في المرج الأخضر بدمشق يوم 20 ايلول 1920، اما المجاهان: إبراهيم سليم صالح الزعبي وقاسم الداغر، فقد استطاعا الفرار من السجن، وتمكنا من الوصول إلى الرمثا، واعلام الشيخ فواز باشا البركات الزعبي بكل ما يجري في سجن القلعة بدمشق

نخوة عشائر الرمثا

يقول الباحث الحوراني أحمد الزعبي في كتابه (صور مشرقة من نضال حوران) صفحة (126) ما يلي:«كانت فرنسا - بعد معركة غزالة - في امس الحاجة للظهور أمام الرأي العام العالمي بمظهر القبول، إذ انها تريد ان يعلم العالم ويشعر ان البلاد السورية قد رضيت بالانتداب الفرنسي وانها خضعت لسياسة فرنسا، واذا قبلت بالغرامات الا انها لم ترض ولم تستسلم وما ثورة حوران الا الدليل الواضح على ذلك، وقد قدم إلى قرية الطيبة في حوران المناضل فواز بركات الزعبي والتقى بمثقال علي الزعبي مختار قرية (الطيبة) واصطحبه إلى (غزالة) للتشاور في المشاركة في جمع الغرامة المالية التي فرضتها القوات الفرنسية على اهالي حوران على اعتبار ان الرمثا هي امتداد طبيعي لحوران آنذاك».

وقال الدكتور محمود الساري الزعبي (محاضرة في جامعة اليرموك) حول نخوة العشائر الرمثاوية ما يلي:«ثار الحوارنة عندما اصدر غورو قرار الغرامة الكبيرة على الحوارنة، وكانت الرمثا تابعة إلى درعا وهي قرية من قراها، ولم تضم إلى الأردن الا في عام 1921م ولما علم غورو بمقتل عملائه جهز جيشا كبيرا لتأديب الحوارنة ولكن الحوارنة لم يكونوا خنعا كما يتوقع غورو، فجهزوا جيشا تكون من القرى الحورانية وقرية الرمثا الشمالية الأردنية، وكانت أقوى هذه المعارك معركة (غباغب) حيث ابلى فرسان الرمثا من الشمال الأردني بلاء ثوريا قتلوا من الفرنسيين حسب الوثائق الفرنسية أكثر من سبعين جنديا فرنسيا.. وكان الفضل لهذه الانتصارات اهل الرمثا ولقيادته العشائرية الوطنية التي جعلت من قراها قواعد للثورة الحورانية».

وعن نخوة الشيخ فواز وعشائر الرمثا في تقديم الدعم والمشاركة في دفع الغرامات التي فرضتها سلطة الانتداب الفرنسي على القرى الحورانية، يقول الدكتور الزعبي ما يلي:«في مطلع عام 1921م قررت حكومة الانتداب الفرنسي تحصيل الغرامة من الحوارنة، ودية قتلى خربة غزالة، وكانت الغرامة باهظة قدرت بنصف مليون ليرة، وكان المبلغ وقتئذ كبيرا سيكلف اهلنا في حوران كل ارزاقهم.. وتجلت النخوة العربية عندما قامت الزعامة في الرمثا بتشكيل وفد من العشائر الرمثاوية توجه إلى قرية (نوى) يحمل معه أكثر من ربع الغرامة وهذا المبلغ كان ميزانية حكومة الرمثا المحلية التي تشكلت بعد تشكيل الحكومات المحلية في الأردن خلال عام 1920م - 1921م، برئاسة ناصر الفواز الابن الأكبر للشيخ فواز البركات..».

وعن هذا الوفد الرمثاوي الداعم مالياً للحوارنة، اعلمني الدكتور حسين الشرع (حفيد المجاهد طالب الشرع، الذي اقام في بلدة سحم الكفارات من عام 1921 - 1932م، بسبب الحكم عليه بالإعدام غيابيا)، يقول الدكتور الشرع في رسالته المطولة:«قدم الشيخ فواز بركات الزعبي إلى قرية (الطيبة) بالقرب من درعا، على رأس وفد من عشائر الرمثا، والتقى بالشيخ مثقال علي الزعبي، ثم توجهوا إلى خربة غزالة للتشاور في معظم القضايا التي تهم حوران وتحتاجها الثورة من وسائل الدعم المادي والبشري والعسكري، وبحضور مشايخ خربة غزالة، عرض فواز البركات على الحاضرين ما يلي:

1- ان أهالي الرمثا سيشاركون اهالي حوران في جمع الغرامة المالية التي فرضتها فرنسا.

2- يجب التعامل مع الرمثا على انها الامتداد الطبيعي والتاريخي والبشري لحوران، وان اهلها بكافة عشائرها هم اخوة لأهل حوران، وما يصيب حوران هو قدرنا جميعاً.

3- ان اراضينا ومنازلنا، ومزارعنا مفتوحة لأهل حوران وثوارها.

4- ان فرسان الرمثا ومن جميع حمايلها، سينتسبون للثورة الحورانية، فالعدو لا يفرق بيننا وبينكم، وسلاح ثواركم، عهدة علينا، من الفشكة (الطلقة) حتى المدفع.

وكان الشيخ فواز عند وعده للمجاهدين، فالثوار من (الغاربة الشرقية) الذين قاتلوا إلى جانب المجاهد الكبير محمد الاشمر في موقع (الدلي) و(الصبة) ومرج السلطان، وتل شهاب كانت اسلحتهم وذخيرتها مقدمة من الشيخ فواز البركات وأهالي الرمثا». ويؤكد على ذلك الباحث أحمد الزعبي في كتابه صفحة (128) حيث يقول:«وتعد الغاربة الشرقية احدى قنوات الاتصال بفلسطين وشرق الأردن، فقد استمد ثوار الغاربة السلاح من البطل فواز بركات الزعبي من الرمثا الأردنية، وتصدوا لمخفر قرية تل شهاب بالقرب من الأردن واوقعوا الخسائر الفادحة بالقوات الفرنسية بالأرواح والعتاد وعاد الثوار سالمين إلى قواعدهم داخل الأراضي الأردنية». وللحديث بقية عن نخوة أهل الرمثا وشيخها الكبير.

الحجاز وزعماء حوران

الشريف حسين بن علي

العلاقات ما بين الشريف حسين بن علي وزعماء حوران، علاقات تاريخية.. بدأت قبل الثورة العربية الكبرى، وبالتحديد في نهاية عام 1912م، وكانت الزعامات الحورانية ترى في الشريف الرجل المؤهل لقيادة الامة، وانقاذها من الظلم الاستبدادي الذي يمارسه حزب الاتحاد والترقي على البلاد الشامية، وكان الشريف يرى في هؤلاء القادة الإخلاص للوطن والامة والدين، واحتفظ بذاكرته لهؤلاء الزعماء من سهل حوران من خلال مكاتبتهم له، ومن اللقاء الذي جمعهم في جدة في نفس العام، ومن بين هؤلاء الزعماء:

الشيخ إسماعيل الحريري شيخ مشايخ حوران، طلال مرعي حريذين، سليم الصالح، مطلق المذيب، سعيد الحلقي، محمد العائدي، عرسان الحشيش النصر، محمد رجا المسالمة، الشيخ فواز بركات الزعبي، فاضل المحاميد، عبد الرحمن المحاميد، وطالب الشرع، وغيرهم.

وعندما زار الأمير فيصل سورية قبل الثورة.. اجتمع بالقيادات الحورانية، وابدى المجاهد عبد الرحمن أحمد المحاميد اقتراحه إلى الأمير فيصل بان يكون في ضيافته حينما تصل طلائع الثورة العربية لتقديم التسهيلات اللازمة لها، وقد وضع الأمير فيصل والده بصورة الموقف الحوراني، وبارك فيهم هذا الشعور القومي المتلهف للحرية والاستقلال، ومنذ ذلك الحين ظلت حوران، واهلها في ذاكرة الشريف حسين بن علي.

وعندما انطلقت الثورة الحورانية عام 1920م تجددت المكاتبات واللقاءات بين الشريف وقيادة الثورة الحورنية، وكلف الشريف حسين الشريف علي الحارثي بمتابعة الأوضاع، والثورة في حوران، وتحتفظ الوثائق الحورانية بعدد من الرسائل التي كان يبعثها الحارثي إلى قيادة الثورة.. فالوثيقة رقم (812) تؤكد ان الحارثي نقل رسالة من الشريف إلى قيادة الثورة الحورانية، يخبرهم بدعم ثورتهم ويحثهم على الصبر والمتابعة، وفي عام 1923م قدم الشيخ ناصر فواز الزعبي إلى الأمير عبد الله مجموعة من الرسائل التي كان يبعثها الشريف علي الحارثي إلى الشيخ إسماعيل الحريري وإلى والده الشيخ فواز بركات الزعبي وبعض هذه الرسائل كانت بختم الشريف علي بن الحسين..

وقبل أن تتعرض الثورة الحورانية للانتكاسة واعتقال بعض قادتها ومنهم الشيخ إسماعيل الحريري شيخ مشايخ حوران نتيجة غدر الجنرال غورو بهم بعد مفاوضات الشيخ مسكين والتي عرفت باسم معاهدة الشيخ مسكين اجمعت القيادات العشائرية، والسياسية، والحزبية من الأردنيين والسوريين على إرسال برقيات إلى الشريف حسين، يطلبون منه ايفاد أحد انجاله كي يتزعم حركة المقاومة العربية ضد الاحتلال الفرنسي، واحياء روح الثورة الحورانية، والوقوف إلى جانب الاهلين في حوران والاخذ بيدهم بالدعم، والمساندة المالية والبشرية، والعسكرية، وكانت البرقيات الأولى مرسلة وموقعة من قبل:

سعيد خير، عادل ارسلان، محمود الهندي، غالب الشعلان، الشيخ فواز بركات الزعبي، وتبعها برقيات موقعة من زعماء اربد والشمال الأردني.

وفي ايلول ارسلت برقية استغاثة من زعماء الرمثا وقراها، وقعها بالنيابة الشيخ فواز بركات الزعبي ثم تبعها برقية مؤثرة وقعها:

الشيخ فواز بركات الزعبي، ومصطفى المقداد، وعرسان الحشيش النصر، وموسى العقلة، ومطلق المذيب، ومصطفي الخليلي، الذي نقل البرقية إلى الشريف علي الحارثي.

وصلت تلك الاستغاثات إلى الشريف حسين بن علي، فارسل برقية إلى الجنرال اللنبي المندوب السامي البريطاني في القاهرة، بتاريخ 15 ايلول 1920م قال له فيها:

«ان الرسائل التي تلقيتها من زعماء القبائل السورية تنذر بالكوارث والاخطار.. وحيث انني اخشى مغبة النتائج السيئة، ابادر لاحاطتكم علما بما جرى على امل ان تتخذوا الاجراءات التي ترونها ملائمة لمنع المصيبة، خاصة وانتم تعرفون اننا دعونا السوريين إلى الثورة ومنيناهم بالوعود ».

الحوارنة في الثورة العربية الكبرى

علم الثورة العربية

عندما نشبت الثورة العربية الكبرى والتي أعلنها الشريف حسين بن علي ضد الأتراك باسم العرب جميعا.

وعندما اقتربت الجيوش من العقبة، ومعان التحق بها زهاء ستين شخصاً من منطقة حوران، واشتركوا بالأعمال الحربية ببسالة وإخلاص، وممن ورد ذكرهم في كتاب لورنس العرب، الشيخ طلال الحريديني سيد السهل المحيط بدرعا فقد اتصل مع لورنس وأخبره باستعداده للإسهام بالثورة ضد الأتراك.

الحوارنة يستقبلون الملك فيصل

الملك فيصل بن الشريف حسين

أثر معركة ميسلون، وخروج الملك فيصل من دمشق توجه بالقطار إلى الكسوة، ووقف فيها فترة ألّف خلالها الوزارة الدروبية ثم واصل سيره إلى درعا، فاستقبله الشعب الحوراني بدموع الأسى والحزن، والتف حوله الشعب بأسره، وقد بلغ به الحماس أشده، وسجل التاريخ للحوارنة ما أبدوه من ضروب الوطنية والتفاني والبطولة في ثورتهم الدامية على المستعمرين.

وقد أنذر الجنرال غورو الملك فيصل للخروج من حوران خلال عشر ساعات، وانذر الحوارنة بقصف منطقة حوران بالقنابل ودعاهم إلى تكليف الملك فيصل بمغادرة حوران، ولما رأى الملك أن بقاءه في درعا سيسبب الخراب، والدمار للحوارنة آثر السفر، وغادر حوران بقطار خاص من شهر آب سنة1920م إلى حيفا.

حبيب أسطفان في حوران

في الفترة التي أقامها الملك فيصل بن الحسين في درعا، كان يرافقه الخطيب المشهور حبيب أسطفان الذي وهب روحه ولسانه وقلمه في سبيل الدعاية لنصرة القومية العربية، ومن الغرابة، أنه رغم دعاياته العظيمة ضد فرنسا المستعمرة، فإن الجنرال غورو أصدر قائمة بالحكم على فريق من الوطنيين بالإعدام، دون أن يكون اسم حبيب أسطفان بين المحكومين.

لقد عز على الفرنسيين أن ينشق مسيحي عن طاعتهم فبذلوا كل وسيلة لإغرائه واستمالته إليهم، فأبى كل عرض بشمم وإباء، وآثر أرضه وقومه وقضيته على إغراءات الدخلاء.

وأراد قبل رحيله عن حوران أن يوجه نداء إلى شعب حوران الأبي فاحتشدت الجموع الهائلة في سهل درعا، وكل أرهف السمع إلى بيانه الساحر، ومما قاله: يا أبطال حوران... إن الاستعمار هو أشد فتكاً من الوباء ... فالوباء يأتي ويفتك بالأرواح ثم يزول... أما الاستعمار، فهو وباء عليكم، وعلى الأحفاد، والأجيال.. فبلاء الاستعمار قد خيم ظله المرعب فوق رؤوسكم، فإن لم تذودوا عن أرض الوطن بالسلاح فتك بكم وأفناكم... فلتشربوا اليوم الصاب والحنظل، لتكفوا أنسالكم مرارة.

يا أبطال حوران لا ترتجوا خيراً من الفرنسيين، فهم دخلاء مستعمرون ظالمون، وانتم لم تألفوا سوى مشق الحسام، وقد تاقت الزنود إلى فري العظام، ونثر الرؤوس، فحوطوا المستعمرين بالسيوف وكونوا كالبركان إذ يتقد، واصمدوا للنوائب والكوارث، فالحرية هي الحياة... ومن فقدها فلا حياة له.

ثم قال الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي:

يا أهل حوران... لقد سمعتم ما تذوب له القلوب أسى على حاضركم وأن مستقبل أبنائكم لفي أعناقكم... فلا تورثوهم الذل، والخنوع في أحضان المستعمرين... لقد قامت الثورات في جبال عامل، وصهيون والعلويين، والشمال.. فلقاء العدو بات قريباً.. سأقودكم وأكون أنا وأولادي وعشيرتي في الطليعة.. فداء عن الحرية والوطن.

تحديات الحوارنة للجنرال غورو

الجنرال غورو

فبعد أن هدأت أعصاب الجنرال غورو بخروج الملك فيصل من درعا، أراد اكتساب الوقت قبل أن يستعد الحوارنة لمقاومة الفرنسيين، وكان يخشى أن يتفق زعماء الحوارنة لاتخاذ درعا مقراً لخط الدفاع الثاني، وقام يراقب منطقة حوران، وما يقع فيها من أحداث ريثما يتم احتلالها، وكان يدعوا الحوارنة بشتى الوسائل للخضوع، والاستسلام، وإلا كانت حوران ميسلون الثانية وعرضة للخراب والدمار.

وقد دلت الأخبار التي تلقاها الجنرال غورو عن حالة حوران الروحية والثورية، أن الروح الوطنية تتأجج في نفوس أهلها، وأنهم تجهزوا بالأسلحة التي غنموها من أفراد الجيش التركي خلال انسحابه من البلاد العربية، وأنه سيلقى مقاومة عنيفة، وقد أخبر الجنرال غورو أن فريقاً من الذين صدرت بحقهم أحكام الإعدام ما زالوا يقيمون في درعا، وأنهم يبثون روح التمرد والعصيان بين الحوارنة ضد فرنسا، وأن مفرزة الجند السنغالي التي بعث بها الفرنسيون إلى درعا قد أجبرها الحوارنة على العودة في القطار فكان هذا بدء عمل ثوري لا يستهان به.

وتحقق لدى الجنرال غورو أن منع الحوارنة لقوات فرنسا العسكرية من الوصول إلى درعا، وإجبارها بالعودة إلى دمشق يدل على نوايا أهل حوران نحو فرنسا.

وهذا ما دعا به لأن يبعث بوفد مؤلف من رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، ورئيس مجلس الشورى، لوجاهتهم ونفوذهم ولتهدئة الخواطر، وإسداء النصح إلى الحوارنة بالطاعة والخضوع، ولكنه كان يرى أن عناصر معينة قد أحاطت بالحوارنة، وهي تعمل على إحباط مساعي الفرنسيين، بما تبثه من دعايات سيئة ضد الانتداب الفرنسي وتمنى أن لا يفشل الوفد الوزاري في مهمته.. وبات ينتظر عودة الوفد بفارغ الصبر، ليتخذ على ضوء النتائج ما يقتضي من تدابير عسكرية حازمة.وقد تحقق الجنرال غورو أن الأكثرية الساحقة من أهل حوران تقاوم فرنسا وسياستها وأهدافها.

حادثة خربة غزالة المشهورة21 آب سنة 1920

قطار الحجاز

بتاريخ 25 مايس سنة1920 وفي عهد الملك فيصل عهد إلى أبي الخير الجندي بمتصرفية حوران، وكان آنئذ يطلق على المحافظة اسم ”متصرفية “ بموجب التشكيلات الإدارية، وفي عهده وقعت حادثة خربة غزالة المروعة، وبالنظر لأهمية هذه الحادثة التاريخية البارزة وعلاقتها بمقتل السيد علاء الدين الدروبي رئيس مجلس الوزراء، وعبد الرحمن باشا اليوسف رئيس مجلس الشورى فقد آثرنا نشر تفاصيلها المستقاة من مصدر رسمي موثوق وهو المتصرف بذاته.

عقب الاحتلال الفرنسي لسورية أرسلت السلطة المنتدبة قوة رمزية مؤلفة من عشرين جندياً من السنغال إلى حوران فمانع الحوارنة مجيء هذه القوة وأجبروها على العودة في القطار إلى دمشق.اهتم الفرنسيون لهذا التحدي الذي يحول دون توطيد كيانهم الاستعماري في تلك المنطقة، ورأى السيد علاء الدين الدروبي رئيس مجلس الوزراء أن يقوم بزيارة حوران لتهدئة الخواطر، ولإقناع زعماء حوران بتلبية دعوة الجنرال غورو إلى شيوخ حوران، للبحث معهم بشأن الغرامات التي فرضها الفرنسيون على منطقتهم، والاتفاق معهم على كيفية الدفع فأبوا الحضور، وكان الوفد يتألف من رئيس الوزراء يرافقه في هذه الرحلة عبد الرحمن باشا اليوسف رئيس مجلس الشورى نظراً لما كان يظنه نفوذاً على الحوارنة بالنسبة لصلات المودة بينه وبين السيد فارس الزعبي أحد زعماء الحوارنة، والسيد عطا الأيوبي وزير الداخلية، والشيخ عبد القادر الخطيب، والسيد أحمد الخاني مرافق رئيس الدولة والسيد منير بدر خان.

خارطة مسار قطار الحجاز من دمشق

ويقول المتصرف الجندي في مذكراته أنه لما اتصل به خبر هذه الزيارة، أبرق إلى وزير الداخلية يعلمه بأن الشعب الحوراني في هياج، وأن الوضع الراهن يستوجب تأجيل الزيارة ريثما تهدأ الحالة، ولما علم بإصرار رجال الحكومة على المجيء عززها ببرقية ثانية أبان فيها خطورة الحالة، والعدول عن الزيارة مؤقتاً، فالبرقية الأولى وصلت إلى وزير الداخلية والثانية لأمر ما... تأخر تسليمها دقائق معدودات كان خلالها رجال الحكومة المشار إليهم قد ركبوا القطار بطريقهم إلى درعا.

أما الحوارنة في درعا فقد ثاروا على الحكومة، وامتطى فرسانهم الخيول وصاروا يطلقون النار إرهاباً، فهرب الموظفون، وبقي المتصرف يجابه الموقف بمؤازرة الشهيد زكي الحلبي قائد درك إذ ذاك ولكن الهياج بلغ منتهاه، وانتشرت إشاعة بين أهالي المنطقة سارت كالهشيم، بأن رجال الحكومة يحملون صناديق الذهب، وسيوزعونه على زعماء العشائر وانتشرت هذه الفكرة بين العوام، فبت الرأي بوجوب قطع الطريق على رجال الحكومة في محطة خربة غزالة ومنعهم من الوصول مهما كانت الصفة التي أتوا بها أو الأموال التي حملوها.

فلما وصل القطار الذي يقل رجال الحكومة هاجمه الحوارنة وكان أول من مزق جسمه رصاص الثوار السيد علاء الدين الدروبي رئيس مجلس الوزراء، وعبد الرحمن باشا اليوسف رئيس مجلس الشورى.

ولقد اتخذت الحكومة أثر ذلك الإجراءات المقتضية فجمعت من الحوارنة أموالاً طائلة ووزعتها على الأشخاص المنكوبين، وعوضت بمبلغ عشرة آلاف ليرة ذهبية لكل من ورثة المقتولين، و2500 ليرة ذهبية دية المقتول عبد الهادي من نابلس و500 ليرة ذهبية عن كل جندي مقتول، وفرضت مبلغ مائة ألف ليرة ذهبية غرامة حربية وبتاريخ 20 أيلول سنة 1920 أعدم في المرج الأخضر بدمشق محمد يوسف الحريري وطالب عيسى الحريري من قرية علمه وفر قاسم الداغر واثنان من أبناء عمه.

حملة عسكرية كبرى تزحف إلى حوران

جهز الجنرال غورو حملة عسكرية كبرى بقيادة الجنرال ”غوابيه “وسارت إلى حوران لإحلال الأمن والسكينة في هذه المنطقة، توطيداً لهيبة فرنسا، وخاب أمل الجنرال غورو عندما علم بأن الثائرين قد تمنعوا في معاقل اللجا الوعرة الحصينة، وأن تطهير المنطقة من العصاة”على حد تعبيره “ يستغرق وقتاً طويلاً لتعذر النقليات العسكرية، وجر المدافع بين الصخور الناتئة.

زعماء حوران يؤلفون مجلس الثورة

لما زحفت الحملة العسكرية الفرنسية على منطقة حوران في أواخر شهر آب سنة 1920 قام المجاهدون والزعماء بتأليف مجلس الثورة من السادة:

تداول مجلس الثورة أمر الحملة العسكرية الزاحفة على منطقة حوران، وهي تقوم بأقسى أعمال العنف والإرهاب وتخلف وراءها الخراب والدمار بقسوة لم يعرف لها مثيلاً.

الهجوم الصاعق على الدير علي

لقد توالت النجدات العسكرية على منطقة حوران، فقرر مجلس الثورة في أواخر شهر آب سنة 1920 الهجوم على منطقة الدير علي، وقد تطوع فريق من الضباط العرب للجهاد مع الحوارنة، وكانت أهم ناحية قررها المجاهدون، هي مهاجمة القطار المعزز بالمصفحات والرشاشات من الزوايا الجانبية بشكل صاعق مباغت، تفادياً من فتك سلاح الرشاشات والمصفحات بالمهاجمين.

وقد هاجم المجاهدون القطار في موقع الدير علي، وأبادوا الحامية التي ترافق القطار، واستولوا على كل ما يحمله من سلاح وعتاد ومؤن، وكانت كارثة كبرى بالنسبة للفرنسيين، فالحوارنة بأشد الحاجة إلى السلاح والعتاد، وقد استولوا على مقادير كبيرة تمكنهم من مجابهة الفرنسيين بسلاحهم مدة طويلة.

واستغرب الجنرال غورو كيف قام الحوارنة بهجوم صاعق وبخطة محكمة، استعملوا فيه القنابل اليدوية بشكل رهيب، وسطوا على القطار وأبادوا حاميته.

وعمد الجنرال غورو بعد ذلك إلى تسيير القطارات المصفحة، لتكشف الطريق وتحافظ على سلامة القطارات التي تتبعها وهي تحمل النقليات العسكرية كيلا تتكرر هذه الكارثة الأليمة.

مذبحة طفس وانتفام شيخ الرمثا

شعرت القوات التركية بحجم خسائرها الكبيرة في شهر ايلول 1918م، التي لحقت بها جراء عمليات (ازرع) و(خربة غزالة) و(الشيخ مسكين) و(الشيخ سعد). وقد بدت على قوات الجيش التركي معنويات منخفضة، وبخاصة بعد اسر (530) عنصرا، بينهم (30) ضابطا معظمهم من النمساويين والألمان، وقد حررت (خربة غزالة) واستولى الشيخ فواز باشا البركات الزعبي وعودة أبو تايه عليها عنوة، وتم اسر مئتي رجل، بالإضافة إلى الاستيلاء على قطار يحمل أسلحة أغلبها من المدافع، ورجع نوري الشعلان يقود أمامه أربعمائة أسير وقطيعا من البغال وعددا من الرشاشات. وعلى الرغم من امتلاك الجيش التركي والقوات الحليفة له معظم صنوف الأسلحة، إلا أنه لم يبد اية مقاومة تجاه هجمات العرب مما جعل الأتراك في حالة صعبة، بحيث كان بإمكان أي شخص ان يعلن استسلامه خوفا من القتل المحتم.

وجاء في في تقرير (لورنس) المحفوظ في الوثائق البريطانية، المنشورة عن وزارة الخارجية البريطانية لعام 1976م، تحت الملف رقم (3383/377) ما يلي: « اصبح الجيش التركي في حالة صعبة جدا، بحيث كان بإمكان اي شخص ان يحرك قطعة من القماش الأبيض، ويصرخ قائلا: انا برتبة رائد.. اننا نريد الاستسلام ». وفي 27 ايلول، اخلت آخر وحدة تركية مدينة درعا ومحيطها، بعد ذلك تحركت قوة كبيرة من الاتراك من السلط باتجاه الشمال، ودخلت (مزيريب) ثم توقفت في بلدة (طفس) وكان يكتنف هذه القوة الذعر التام لاعتقاد قادتها « باحتمال سيطرة الشعب في حوران - الذي كان بوضع ثورة مكشوفة - فقرروا استخدام العنف الدموي، ضد بعض القرى الثائرة لكي تكون عبرة لغيرها، فاختاروا بلدة (طفس)، حيث لا يتواجد فيها قوات عربية، علما بان (طفس) كانت من القرى المرشحة لتكون مركزا لتجمع قوات القرى المجاورة، فقامت القوة التركية المذكورة القادمة من السلط بذبح ثمانين امرأة وطفلا ».

ويذكر الباحث السوري أحمد الزعبي في كتابه عن نضال حوران، صفحة (61)، ان القوات التركية قامت بحملة انتقامية ضد الأهالي في بلدة (طفس)« وكسروا عظام العجزة من كبار السن، وكانت الفضائح التي ارتكبها الأتراك لا تصدق، تأثر الثوار: الشيخ فواز باشا البركات الزعبي وعودة أبو تايه ورجا المسالمة، لمقتل النساء والأطفال وكبار السن، وقرروا الانتقام من أفراد هذه القوة الهمجية، وكانت أكبر حافز لهم للأخذ بالثأر، وعدم ترك العدو يمر بدون عقاب.. ». وكان القائد التركي كمال اتاتورك هو الذي أمر جنوده باستباحة أهل القرية، فأقسم أبو تايـه على اذلاله مقابل دموع نساء وأطفال الحوارنة.

عرف الفرسان الثلاثة:الشيخ فواز باشا البركات الزعبي وعودة ووطلال، بالإجراءات التعسفية التركية بحق قرية طفس وأهلها، فتوجهوا بقواتهم تجاه تجمع قوات كمال اتاتورك، وهجموا على الرتل التركي وفرقوا شمله، وظل المجاهد طلال يقاتل ببسالة الفرسان حتى سقط شهيداً..

يقول أحمد الزعبي في كتابه صفحة (63): « لاحق الثوار جنود الأتراك حتى قرية (الغربة الغربية) والتقوا بالشيخ محمد علي الضبيطي، واخذوا يفتكون بجنود الأتراك بالسلاح الأبيض».

يقول الشيخ عايش بصوص في اوراقه: « ومثل ما فعلت قرية الغاربة فعلت قرية الطيبة بقيادة المجاهد محمد حسن كريم الزعبي، وتمكن من قتل المئات من الأتراك والألمان حيث بدأ مشهد القتلى مروعا، إذ غطى القتلى الأرض الوعرة المحيطة بمحطة السكة، وحضر القائد صبحي العمري وبرفقته نوري السعيد، وشاركوا الحوارنة فرحهم وهم يرقصون بجانب جثث الجنود.. » ثم رحل الجميع لدفن شهداء قرية(طفس)، وهم كما جاء في اوراق الزعبي: (الشيخة معيوفة الحايلة - الشيخة صفية حريذين - المجاهد يوسف الخطيب - محمد جويعد البردان - سليم العدوي - وغيرهم كثر، وقد صلى عليهم الشيخ فواز الزعبي صلاة الجنازة في مسجد القرية، وكانت هذه المعارك بوابة الدخول إلى دمشق، حيث دخلها الأمير فيصل يوم 3 تشرين الأول 1918 يواكبه حوالي (1500) شخص من أركانه وقياداته وفي مقدمتهم: الشريف ناصر وعودة أبو تايه وفواز الزعبي ومحمد الاشمر وفايز الغصين ونوري الشعلان وغيرهم).

ورأي آخر: ® صفحة 77 : (أما حملة الأمـير فيصل التي استولت على درعا فقد واصلت تقدمها حتى دخلت دمشق يوم 1 تشرين الأول، وبقيت قوات الشريف ناصر تطارد الأتراك إلى حمص وحلب حتى عقدت الهدنة مع تركيا في 31 تشرين الأول 1918).

® صفحة 41 (أصبحت شرقي الأردن مركزاً للعمليات العسكرية العربية ضد الأتراك، تلك العمليات التي استمرت حتى خريف 1918 عندما تم للجيش العربي احتلال مدينة دمشق وتحرير الأقطار السورية من الأتراك...)

الشيخ إسماعيل باشا الحريري الرفاعي يتولى قيادة المجاهدين

الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي مع الملك فيصل بن الحسين (1918)

بعد موقعة (الدير علي) تولى الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي شيخ مشايخ حوران قيادة الثائرين بنفسه، يعاونه الشيخ زعل بيك الرفاعي وفارس الأحمد الزعبي وإبراهيم السليم الزعبي وطلال أبو سليمان ومصطفى المقداد وفاضل المحاميد وغيرهم من وجوه حوران.

ورغم ما بذله الجنرال غورو من وسائل الإغراء والإيقاع والتفرقة بين زعماء الثورة، فقد ضاعت جهوده سدى... وقام الجيش الفرنسي بالتحريات الواسعة في بيوت الحوارنة على السلاح، فلم يقع على شيء منه، وتلقى الجنرال غورو صدمة هائلة، وهي انه رغم الفقر المدقع المخيم على ربوع حوران والتشويق والترغيب للتطوع في جيوش فرنسة بتعويض مغر، فقد استحال على الفرنسيين استمالتهم، فلم يتقدم أي حوراني للتطوع في خدمة الجيوش الفرنسية، وهذا ما أذهل الجنرال غورو، وأقسم أنه سيجعل الدم مهراقاً في أرض حوران ويدع الفقر والفاقة والذلة تجثم على صدور الحوارنة ما بقيت فرنسا في سورية، جزاء عصيانهم، وان فرنسا سوف لا تنسى لهم ثورتهم وهتكهم هيبتها العظمى أمام الدول الكبرى.

معركة الخيارة بجوار الكسوة

أعمال بناء الخط الحديدي

إن هجمات المجاهدين على الخط الحديدي وتدميره في مواقع شتى، قد أقضى مضاجع الفرنسيين وباتوا يوجهون إلى الحوارنة النداء تلو النداء لوقف القتال والخضوع، ولا مجيب لهم، وقرر مجلس الثورة توزيع المجاهدين ليباغتوا القوات الفرنسية بهجمات صاعقة متوالية في المراكز المرابطة فيها وأهمها الخيارة والكسوة والدير

علي لقربها من مواقع اللجاة، وفعلاً فقد أحاط المجاهدون بالقوات الفرنسية المعسكرة بجوار الكسوة من نقاط عدة وانقضوا عليها وأمعنوا فيها تقتيلاً.

ثم قامت نخبة مختارة من شباب حوران للاستطلاع على مواقع الفرنسيين في موقع الخيارة، فداهم الثائرون القوات الفرنسية المرابطة في قرية الخيارة بهجوم مباغت من جهات عدة، فتكبدت خسائر كبيرة، وارتدت إلى دمشق يسودها الفوضى والاضطراب، وكان الهجوم في ظلام الليل الرهيب بالسلاح الأبيض، فتشتت قبل أن تتهيأ للدفاع ولولا يقظة سلاح الرشاشات لحلت بالقوات الفرنسية كارثة كبرى.

معركة غباغب

رغم القوات الفرنسية المرابطة على الحدود الجنوبية فإن المتطوعين يتسربون إلى مناطق الثورة، ويلقى الحوارنة كل مؤازرة ومناصرة، وفي هذه الفترة قامت الطائرات الفرنسية بإلقاء المناشير على مواطن الثوار عسى أن يجدي التهديد والوعيد نفعاً ورابطت حملة عسكرية كبرى في قرية غباغب، لامتلاك الطرق وسهولة توزيع القوات وسوقها إلى مواقع الثائرين، ورأى الجنرال غورو أن ثورة حوران قد اتسع نطاقها، ولابد من إخمادها بأية وسيلة إشاعة الأحقاد والضغائن... وإثارة الفتن بين الحوارنة وجيرانهم من سكان جبل العرب دون أن يدري أن شعبنا قد تعود أمثال هذه الفتن وتعود أن يتغلب عليها.

لقد فادى الشعب الحوراني بالأرواح والأموال في سبيل عقائده الوطنية لكن الفرنسيين قد وصفوا ثورته بالعصيان، وجهاده بالشقاوة، وإعراضه عن الفرنسيين ضرباً من الجنون واعتبروا أنفسهم رسل الحرية والمدنية إلى أهل هذه البلاد، لكن هذا لم يفت في عضد الثوار ولم توهن من عزائم الرجال فتابعوا نضالهم وكانت الحملة الفرنسية قامت من غباغب ووصلت إلى موقع " الكتيبة " واشتبكت مع الحوارنة بمعركة ضارية، واضطرت القوات الفرنسية للتوقف أمام صمود المجاهدين واستماتتهم بالدفاع وتعرضت لأفدح الخسائر. ثم جمع الحوارنة شملهم وهاجموا الجيش الفرنسي في موقع "الدلي" وكادوا يوقعون به كارثة كبرى، لولا النجدات التي تلقاها الجيش الفرنسي من دمشق.وكان من ابرز القادة في هذه المعارك الشيخ المجاهد فواز باشا البركات الزعبي

انحلال الثورة واستسلام شيوخ حوران

في أوائل شهر تشرين الأول سنة 1920 وبعد معركة الدلي استسلم للفرنسيين كل من:

لقد اضطر هؤلاء الشيوخ إلى الاستسلام بعد ما حل بحوران من الكوارث والنوائب وفظائع القتل والنهب والسلب وكان استسلامهم تضحية شخصية منهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الغزاة المتعطشين للبطش.

وقد اعترف الجنرال غورو بأن أهل حوران قد أبدوا في المعارك التي خاضوا غمارها أمام الجيوش الفرنسية البطولات الخارقة ما يدهش العقول، ويثير الإعجاب والتقدير. وصرح بأن خطة الإيقاع والتفرقة بين العناصر والطوائف والقضاء على الروح الوطنية في نفوس الشعب، ونشر الثقافة الفرنسية لم تنجح كما كان مقدراً لها لأن الشعب الحوراني قد اشتهر بالعناد والصمود والقدرة على الاحتمال والتحدي.

معاهدة الشيخ مسكين

لقد رأى الزعماء أن يستسلم فريق منهم ليتفاوض مع الفرنسيين، ويبقى فريق آخر حراً طليقاً، يراقب الأحداث كيلا يقعوا جميعهم في الفخ الفرنسي... فلقد أقسم الجنرال غورو بتنفيذ ما قطعه على نفسه من وعود وعهود بكل أمانة وصدق.. ولكن الخيانة والغدر كانا دستور الفرنسيين في سياستهم الاستعمارية الخرقاء آنذاك.. فقد امتلأت قلوبهم حنقاً وغيظاً من الحوارنة لمواقفهم الحربية الجريئة وشدة ضغطهم على الجيوش الفرنسية.

وقد بعث الجنرال غورو من يفاوض زعماء حوران بالاستسلام على أساس الصلح، وقد أضمر في قلبه نقض العهد بالأمان للثائرين... وتوقفت الأعمال الحربية، وبدأت وفود المجاهدين المستسلمين ترد إلى مركز القيادة في "غباغب". وارتاع الجنرال غورو لما علم بأن فريقاً من زعماء الثورة قد اجتاز الحدود إلى شرق الأردن، وآخر مضى ملتجأ إلى اللجاة والصفا .

وحدد الجنرال غورو اليوم الأول من شهر تشرين الأول سنة 1920 موعداً للاجتماع بالزعماء المستسلمين في قرية (الشيخ مسكين)، وهي مقر زعامة حوران التقليدية وانتشرت القوات الفرنسية من دمشق حتى قرية الشيخ مسكين، للمحافظة على الأمن، تفادياً من المفاجآت والطوارئ كما حدث في خربة غزالة.

ورأى الجنرال غورو أن مظاهر العظمة تضفي على الموقف رهبة وقوة وخشوعاً.. فأمر معاونه الجنرال غوابيه أن يحشد أهل حوران بأجمعهم للاشتراك، وبذل الجهد لجعل هذا الاجتماع التاريخي عظيماً يظهر فيه وجه فرنسا في جبروتها المتجسم بشخص قائدها الأعلى في سورية، وتنظيم مواكب الاستقبال بشكل لائق رائع، وأن تهتف الجموع الزاخرة هتافاً لا ينقطع، بمجد فرنسا، ومآثرها في العدالة والحرية.

وقام الجنرال " غوابيه" بما يجب، فشدد المراقبة على الحدود كيلا يتسلل الثوار فيعكرون صفو هذا اليوم التاريخي الذي يعتبر انتصاراً لسياسة فرنسا في هذه البلاد، ودعا فرسان الحوارنة ليتقدموا باستقبال الجنرال غورو بأهازيجهم الترحيبية مع طبولهم وزمورهم كما هي عوائد حوران المألوفة، وأن تؤخذ مناظر الاستقبال لنشرها في الجرائد والمجلات الفرنسية، وعرضها مع التقارير التي يقدمها مندوب فرنسا في جمعية الأمم، وأن تحلق الطائرات في سماء حوران وأن ترابط الدبابات والمصفحات في مفارق الطرق إظهاراً لهيبة فرنسا.

ولما بلغ الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي شيخ مشايخ حوران ما يقوم به الجنرال غوابيه، أمر أهل حوران أن لا يخرجوا لاستقبال شيوخهم كيلا يكون ذلك وسيلة لدعاية يستثمرها الفرنسيون لصالحهم، فيزعمون أن حوران خرجت بأسرها لاستقبال الجنرال غورو. وفام الشيخ فواز باشا البركات الزعبي بالتوجه إلى قرية (الشيخ مسكين)، والشيخ طلال حريذين إلى (غباغب) والقرى المجاورة، ودعوة المجاهدين للالتحاق بالقوات المتواجدة في المناطق الجنوبية.

لقد تقرر أن يكون الاجتماع تحت المضارب التي نصبت في ساحة الشيخ مسكين، ليرى الجنرال غورو بأم عينيه التدمير والخراب الذي حل بحوران، فالمنازل التي تليق أن يستقبل فيها قد أصبحت أثراً بعد عين. واقترب الجنرال غورو من مشارف الشيخ مسكين، فلم يسمع ضجة المستقبلين ولم ير فرسان الحوارنة، ولا جموع أهل القرى، ولا الطبول والزمور وكان يعتقد أن أهل حوران سيهرعون لاستقبال شيوخهم وقد خاب أمله لما وصل شيوخ حوران وحدهم، وأيقن عندئذ أن في الأمر سراً.

وقد أثار ذلك دهشته وغضبه واضطرم قلبه حقداً على أهل حوران، ورأى في هذا الموقف السلبي أكبر دليل على انتقاص كرامة فرنسا بشخص قائدها الأعلى، ووصل الجنرال غورو إلى الشيخ مسكين ودخل مقر الاجتماع وهو مقطب الوجه، وقال الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي شيخ مشايخ حوران : لقد كنتم على خطأ فادح في موقفكم السلبي ضد فرنسا، وهي أعظم دولة وكنتم أنتم السبب في خراب حوران، وهذا ما نأسف له.... فأجابه الشيخ الرفاعي: لا مجال الآن للتحدث عن ماض تدمي مآسيه القلوب، فإن كنا أخطأنا، فقد كان النصيب الأوفر منه يقع على عاتق سيادتكم.

عقد معاهدة الصلح بين فرنسا والحوارنة

ثم دار البحث حول عقد معاهدة الصلح بين فرنسا والحوارنة وكان من شروطها:

  • عدم فرض أية غرامة حربية على حوران، فقد كفى ما حل بها من خراب ودمار.
  • عدم التعرض للشرائع الإسلامية والتقاليد الدينية.
  • عدم تجريد الأهلين من السلاح.

وبعد أن اطلع الجنرال غورو على الشروط قال للشيخ إسماعيل باشا الرفاعي:

إنك الزعيم الأعلى لشيوخ حوران، واني أعتبرك المسؤول الأول عن ثورة حوران، وأن الشروط التي عرضتها تخالف الشرائع الإنسانية لذا فإني لا أوافق عليها.

ثم تطرق البحث حول تجريد أهل حوران من السلاح فأجاب الجنرال غورو بأن مهمة حفظ الأمن في البلاد السورية منوط بالجيش الفرنسي، وان القيادة العليا قررت تجريد جميع سكان سوريا من السلاح.

وأشاد الجنرال غورو بموقف فريق من شيوخ حوران الذين أدركوا معاني السياسة الفرنسية الرشيدة وغاياتها وأهدافها، وأسف لأنه يرى النقمة على فرنسا في تصريحات الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي، وطلب منه بصفته الزعيم الأول في حوران أن يسير وفق السياسة الفرنسية فأجابه بأن الشعب الحوراني عندما يرى النوايا والمقاصد النبيلة تنبثق من سيادتكم يتبعها دون حاجة إلى إرشاد زعمائه، ولم يستطع الجنرال غورو كتم غيظه فانفجر غاضباً وقال:

من هو المسؤول الذي أوعز إلى شعب حوران أن لا يشترك باستقبالنا وقد جئنا نمنحكم العفو والحرية بصد عصيانكم على فرنسا العظيمة التي سحقت ألمانيا وهي أكبر دولة في العالم.

فأجابه الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي:

نحن ليس بوسعنا إكراه الشعب الحوراني على استقبالكم بعد أن أصبحت دياره بلقعاً وهي ليست نعمة فيحمد الله ويحمدكم عليه.

وطلب الجنرال غورو من الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي أن يتخلى عن زعامة حوران إن أبى السير وفق سياسة فرنسا الانتدابية وان في حوران من هو أجدر منه فهما للسياسة الفرنسية..........

فأجابه شيخ مشايخ حوران الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي :

أن الزعامة ليست ملك للدولة أو الحكام ينعمون بها عند السخط بل هي زعامة وراثية تقليدية في بيئتنا، وان حوران بأجمعها لا تدين بالطاعة إلا لمن يضع مصلحة البلاد العليا فوق مصالح الجميع.

الشيخ إسماعيل الحريري الرفاعي في السجن

ودار الجدل بين الجنرال غورو وبين الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي حول الغرامة المفروضة على أهل حوران وقدرها مليون ليرو ذهبية وأنها تجاوزت الحد المعقول ولا يستطيع الشعب تامين جمعها، فأصر الجنرال غورو على تنفيذ أمره وفاوض شيوخ حوران على انفراد فوجدهم قد اتفقوا على إتباع سياسة سلبية ضد فرنسا فأمر بسجن الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي والشيخ إبراهيم السليم الزعبي والشيخ طلال أبو سليمان حتى ينفذوا أمره بدفع القسط الأول من الغرامة وتلقى الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي أمر سجنه برباطة جاش وقال للجنرال غورو :

تقسم بشرف فرنسا العسكري على الأمان، والآن تنكثون بعهودكم، وتغدرون بنا بعد أن أصبحنا في قبضتكم، وتم التوقيع على معاهدة الشيخ مسكين... أهذا جزاء من وثق بأمانكم، وقسمكم؟.

فأجابه الجنرال غورو : وماذا يضيرك وأنت زعيم حوران المطاع لو أظهرت نحو فرنسا وسياستها الولاء والإخلاص.

فأجابه الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي: وما فائدة ولاء فيه إفقار لحوران، وإخلاص فيه امتصاص للدماء.

فقال الجنرال غورو : أنت المسؤول عن فريق من الشيوخ خضوعهم، واستسلامهم أين الشيخ مصطفى المقداد...؟ وأين الشيخ فاضل المحاميد، وقد أحجما عن الطاعة لفرنسا وغيرهما كثير.....؟

فأجابه الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي: لقد حسبوا لهذا الموقف حساباً فلم يثقوا بأمانكم، وقد صدق حدسهم فأصبحنا نحن تعساء في قبضتكم، وبقوا أولئك سعداء أحرارا.

ثم قال الجنرال غورو : لقد سمعت بأذنيك أقوال الخطباء، وكلهم أشادوا بعظمة فرنسا، وعدلها، وفضلها على الشعوب الضعيفة، ونعمتها على الإنسانية بالحرية، والمدنية... إلا أنتم فما زلتم لا تؤمنون بأهداف فرنسا، وسمو مقاصدها.

فأجابه الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي: أن هؤلاء الخطباء هم أغراب، وليسوا من الشعب الحوراني وإلا لعبروا عن أهدافه، وأحاسيسه، وما حل به من ظلم وإرهاق.

فاكفهر وجه الجنرال غورو بالغضب وقال: كان الحكم التركي بأعدل منا، وقد قاسيتم من ويلاته أربعة قرون مليئة بالذل، والهوان، والبطش.

فأجابه الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي: نحن لا ننكر مظالم الأتراك، ولكننا لم نر منهم بطشا وتدمير المنازل، وحرقا لحقولنا كما فعلت جيوشكم بحوران.

إطلاق سراح الشيخ إسماعيل الحريري الرفاعي

ضجت البلاد واحتجت صاخبة من اجل اعتقال زعماء حوران واعتبرت الشعب السوري ذلك خرقاً لعهد كان الفرنسيون قطعوه على أنفسهم بالأمان لهم، وقد اصدر الجنرال أمره بإطلاق زعماء حوران من السجن بعدما دفع الحورانة القسط الأول من الغرامة وظلوا في السجن بضعة أشهر لقوا خلالها من الذل والهوان الشيء الكثير.

خطة إفقار الشعب السوري

لقد قضت السياسة الفرنسية بإفقار الشعب السوري وتصفية خيراته لينعم بها الشعب الفرنسي الذي خرج من الحرب العالمية الكبرى على أسوء حال واتخذ الفرنسيون خطة إيقاع التفرقة بين زعماء حوران وشيوخها كي تشغلهم المجاعة والتنافر فلا يستطيعون النهوض بالثورة عليهم مرة أخرى وكان الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي شيخ مشايخ حوران يفسد على الفرنسيين هذه الخطة فكلما وقع الخلاف بين عشيرتين قضى على كل النزاع وأصلح بين الفريقين ورغم إقامته الإجبارية بدمشق فان بيته أصبح كعبة للحوارنة لحل مشاكلهم.

نزوح الشيخ إسماعيل باشا الحريري الرفاعي إلى الأردن سنة 1925

على اليمين :الشيخ إسماعيل باشا الحريري (شيخ مشايخ حوران) - في الوسط :الملك فيصل بن الشريف حسين.

لما وقعت الثورة السورية الكبرى عام 1925 تقرب الفرنسيون من الحوارنة وطلبوا منهم مؤازرة الجيش الفرنسي للقضاء على الثورة، وحاولوا إقناع بعض مشايخ حوران بان ثورة جبل العرب إذا نجحت ستكون تهديدا لأمن حوران غير أن الشعب في حوران حال دون تنفيذ هذه الفكرة عقيدة منه بأن الثورة العربية في جبل العرب كانت بدافع الوطنية للتخلص من الفرنسيين المستعمرين، وأنه لا فارق بين عربي وأخر على هذه الأرض بسبب انتمائه إلى هذه المحافظة أو تلك.

ومما هو جدير بالذكر أن حوران كانت تؤازر جبل العرب في ثورته وقد أفسحوا المجال للثورة للدخول إلى قرى حوران كما هو معروف ولما استعصى على الفرنسيين إقناع شيوخ حوران بمناصرتهم الجيش الفرنسي ضد الدروز عمدوا إلى الضغط على الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي وأنذره الجنرال اندريا قائد حملة جبل العرب أن يقوم الحوارنة خلال مدة ثلاثة أيام بالسير أمام القوات الفرنسية لمحاربة الثوار، وفي حالة الرفض سيكون مصيره الإعدام.

وقام الشيخ محمد خير بيك الرفاعي بمقابلة مستشار درعا الفرنسي، وطلب منه أن يمنحه مدة ثلاثة أيام يقوم من خلالها بعقد مؤتمر عائلي لإقناع والده بالسير مع الفرنسيين ومؤازرتهم في الحركات الحربية ضد ثوار جبل العرب فوافق المستشار على ذلك.

وفي فترة الأيام الثلاثة تهيأ الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي، وأسرته يرافقه الشيخ زعل بيك الرفاعي، وأسرته، واجتازوا حدود حوران إلى الأردن ترافقهم قوة مؤلفة من خمسين فارساً من أبطال حوران الأشداء، واعتبرتهم الحكومة الأردنية لاجئين سياسيين، وقد نهب الفرنسيون منازله، وهدموها....

بقي الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي في الأردن مدة سنتين وقد أقض مضاجع الفرنسيين بغارته المتواصلة على الحدود السورية وجرت محاكمته غيابياً في المحكمة العسكرية وصدر القرار ببراءته، وحكم على نجليه محمد خير، وسالم بالإعدام... ولما انتهت الثورة السورية وصدر العفو العام عاد مع أولاده إلى موطنه.

الترحيب باهل حوران في الرمثا وكرم عشائر الرمثا

لم يكن الشيخ فواز زعيما عشائريا على حوران فحسب، بل كان قائدا سياسيا وعسكريا، خطط ونفذ لعشرات المعارك في العهدين العثماني والفرنسي، وتشهد له معارك درعا، وغزالة، وغباغب، ونوى، والدالية الغربية بالإضافة إلى معركة ميسلون الشهيرة.

اما في دائرة الكرم والشهامة وطيب النفس، فكان في نصف الدائرة، ورثها عن جديه ووالده واعمامه، وهو من الذين قالوا: إذا فقدت الفروسية فقد الكرم، واذا فقدت الشهامة تجد رداءة النفس، وأسلحة العرب هي: الكرم والشهامة وطيب النفس. وهو الذي قال للشريف جميل بن ناصر، متصرف لواء حوران عام 1919م، عندما سأله عن الكرم وعلاقته بالفروسية:

كان ولا يزال كرمنا على قد حال اهلنا وديرتنا ومهما اختلفت الظروف وتغير الزمان يبقى الكرم عند اسمه (الكرم)، لانه جزء من شخصية الفارس العربي ويرافقه مثل ظله، فاذا فقدت الفروسية فقد الكرم، واذافقد الكرم، يصبح الرجل طليق ربعه وحتى طليق زوجته

اذن.. كان الكرم من العناوين المختارة لثوابت السلوك القيمي والإنساني عند الشيخ فواز بركات الزعبي.

وطنية الحوارنة وموقفهم من مشروع سورية الكبرى

خارطة سورية الكبرى

في الوقت الذي اندفعت به بريطانيا في السعي لعقد معاهدة بين سوريا وفرنسا تقضي على كل أمل في الاستقلال والحرية، قامت بريطانيا بمشروع استعماري خطير وهو سورية الكبرى وهو مشروع لا يقره المنطق، والتاريخ.

وكان مشروع سورية الكبرى وسيلة من وسائل التهديد والضغط على سوريا لعقد معاهدة مع فرنسا.. وبقي سيفاً مصلتاً على رأس سوريا والعرب للتهديد به في سبيل تحقيق الغايات الاستعمارية.

كانت عواطف الحماسة تنقد في البلاد السورية وقد تمثلت فيها جميع اتجاهاتها القومية.. وكان لموقف حوران وشبابها الوطني ابلغ الأثر في فشل هذا المشروع الاستعماري الخطير.

لقد قرر مجلس الثورة إيفاد الرسل إلى شرق الأردن، وحث أخوانهم الحوارنة فيها لنجدة المجاهدين.. فلبوا النداء، ونفروا إلى ساحات الجهاد، وبلغت قواتهم أكثر من عشرين ألف مقاتل، وكان الموقف رهيباً يقضي أن يفكر المجاهدين بالطريقة التي يستطيعون بها تموين هذا العدد الكبير من المجاهدين، وهم يعلمون ما حلّ بقرى حوران وأهلها من التدمير والقتل والتشريد.

وقد تبرع الشيخ إسماعيل باشا الرفاعي بكل ما يملكه من أموال في سبيل تأمين إعاشة المجاهدين.

حوران ملتقى الجيوش المتحاربة

في شهر حزيران سنة 1940 انهزمت فرنسا في الحرب العالمية الثانية، واحتل الجيش الألماني بلادها وكانت حكومة فيشي الفرنسية تخضع لنفوذ الألمان وحكومة أخرى مقرها لندن يرأسها الجنرال ديغول باسم حكومة فرنسا الحرة.. وظلت سوريا تابعة لحومة فيشي وعين الجنرال دانتز مفوضا ً ساميا ً في10 كانون الأول سنة 1940 وفي عهده قامت اضطرابات شديدة في البلاد السورية وفي الثامن من شهر حزيران سنة 1941 زحفت الجيوش البريطانية والفرنسية الحرة إلى سوريا قادمة من فلسطين وحجتها في هذا الاجتياح أن سوريا أصبحت قاعدة جوية للألمان تهدد سلامة الحلفاء.

واستمرت المعارك دائرة مع الفرنسيين الفيشيين حتى الثالث عشر من شهر تموز سنة 1941 حيث تمكن الحلفاء من احتلال البلاد السورية.. وكانت منطقة حوران ملتقى الجيوش المتحاربة.. ووقعت فيها المعارك ولقي أهل حوران الويلات من هذه الحروب، وتعرضت المنطقة لخسائر فادحة، وكان أول شيء اهتم به الفرنسيون هو تأسيس دائرة الميرة في دمشق ولها فروع في المحافظات والأقضية.

وتسلم إدارة شؤون الميرة ضباط وموظفون فرنسيون وبدءوا يستثمرون موارد البلاد وخيراتها ويصدونها لتغذية جيوش الحلفاء، وقد أثري فريق من القائمين على هذه المؤسسة بالتواطؤ مع بعض الإقطاعيين في حوران فكانت أسعار الحبوب تدفع بالشكل الذي يرتأونه مناسباً لمصلحتهم ويحتجون على الفلاحين بان نسبة الإجرام في الحبوب كثيرة فيدفعون لهم السعر الأدنى ويتلاعبون بأوزان القبان.. كل ذلك لمصلحة الفرنسيين وقد جنوا من وراء ذلك ملايين الليرات كلها أخذت من دماء الفلاحين.

واستمر هذا الحال حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية وإلغاء دائرة الميرة وكانت مصادرات الحبوب تجري بشكل فظيع ومحاكم الميرة تعج بالمخالفين، وكذلك كان الحال في قرى حوران، وأمعن موظفو الميرة والدك بالتسلط على الناس فكانوا عرضة للظلم والإرهاق وكانت مصلحة الميرة من أكبر المصائب على البلاد.

استسلام الحامية الفرنسية في درعا

لما وقع العدوان الفرنسي على البلاد السورية سنة 1945 هبت حوران لتصفية الثكنات العسكرية الموجودة فيها، وكان قائد الحامية في درعا آنئذ الملازم كورو، وقد تحصن في الثكنة العسكرية وأبدى مقاومة عنيفة أمام هجمات الأهلين، وقد استشهد على أبواب الثكنة العسكرية هؤلاء الأبطال وهم:

محمد شتيوي إلياس من درعا - غالب بن عبد الله المقداد من بصرى الشام - إبراهيم العقلة البرماوي من درعا - دهش بن محمود نايف مقداد من بصرى الشام.

ولما تمت تصفية الثكنات العسكرية في إزرع وفيها من الأسلحة الحديثة مالا يحصى، بعث القائمون على أمر المقاومة في إزرع كمية من الرشاشات والذخيرة الوافرة إلى مناضلي درعا، ولما رأى الملازم كورو اختلاف الأسلحة وقوتها بالنسبة للأيام الماضية واشتداد المقاومة آثر الفرار ليلاً من درعا وأتى إلى إزرع، وهناك قام الأهلون بتصفيتهم وأسر الملازم كورو وضباطه وأُحضروهم إلى منزل الأمير محمد خير بيك الرفاعي في الشيخ مسكين.

ولما انزل العلم الفرنسي عن سارية الثكنة العسكرية في درعا حيته قطعة فرنسية، وعندما رفع العلم السوري حيته قطعة سورية ثم جرى تسليم الملازم كورو، وضباطه، وجنوده الأسرى إلى القوات الإنكليزية من منزل الأمير محمد خير بيك الرفاعي بإشراف حيدر مردم بك محافظ درعا، وحسن الطباع قائم قام منطقة ازرع.

استسلام الحامية الفرنسية في ازرع

كان الكابتن لوفيك قائداً لموقع ازرع خلال العدوان الفرنسي فلما رأى أن لا فائدة من حصاره في الثكنة العسكرية في ازرع وهو لا يدري عواقبها أثر الاستسلام وبعث يفاوض في ذلك وقد جرى استسلامه بمراسيم لائقة، فأنزل العلم الفرنسي عن سارية الثكنة العسكرية وحيته قطعة عسكرية أفرنسية ورفع العلم السوري على السارية بحماس وابتهاج وحيته قطعة سورية لقد قام الأهلون بواجبهم ومن الموظفين الذين ابدوا إخلاصا واشتركوا بأعمال المقاومة المرحوم حسن الطباع قائم قام ازرع ومحمد علي الحلبي الملازم الأول قائد فيصل ازرع ومصطفى مالك مدير مال ازرع الذي حمل بندقيته واشترك بأعمال المقاومة وطلال أبو سليمان زعيم اللجاه وعبد القادر ابازيد الذي أبدى بطولة ونشاطا ً وفيصل الرفاعي ووداد الحسني والشيخ عبدو النزال، وهؤلاء قاموا بتنظيم الشباب وابلوا أعظم البلاء وقضوا على المراكز الفرنسية وكان حسني المزيد شيخ نوى ينام على مفرق الطرق مع رجاله للمراقبة وقام الأمير محمد خير الرفاعي والشيخ محمد أبو رومية والأمير أحمد الرفاعي بكل ما يجب في سبيل خدمة الوطن.

مصادر

  • كتاب "الثورة السورية الوطنية"، تأليف: عبد الرحمن الشهبندر، ترجمة وتحقيق: محمد كامل الخطيب، الناشر: منشورات وزارة الثقافة، تاريخ النشر: 01/01/1993
  • كتاب "أوراق من دفتر الوطن 1946-1961"، تأليف: سامي جمعة، تقديم: العماد أول مصطفى طلاس، تاريخ النشر:2000
  • كتاب "جبل الدروز - حوران الدامية"، تأليف: حنا أبي راشد، الناشر: مكتبة الفكر العربي، تاريخ النشر: 01/01/1961
  • كتاب "مذكرات سلطان الأطرش سوريا تاريخ 1925-1927"، تأليف: سلطان الأطرش، الناشر: مطبعة الشرق العربية، تاريخ النشر: 1979
  • كتاب "صور مشرقة من نضال حوران"، تأليف: أحمد عطا الله الزعبي، الناشر: دار الشادي، تاريخ النشر: 1993

مراجع وهوامش

موسوعات ذات صلة :