الرئيسيةعريقبحث

الكتاب المقدس

مجموعة من النصوص الدينية من اليهودية والمسيحية

☰ جدول المحتويات


نسخة غوتنبرغ من الكتاب المقدس، وهو أول كتاب مطبوع في العالم الغربي.[1]

الكتاب المقدس ويعرف أيضًا بعدة أسماء أخرى أقل شهرة منها كتاب العهود. يتكون من مجموعة كتب تسمى في العربية أسفارًا، ويعتقد اليهود والمسيحيون أنها كتبت بوحي وإلهام. الكتب التسعة والثلاثون الأولى مشتركة بين اليهود والمسيحيين، يطلق عليها اليهود اسم التناخ أما المسيحيون فيسمونها العهد القديم، ليضيفوا إليها سبعًا وعشرين كتابًا آخر يشكلون العهد الجديد. إلى جانب هذا التقسيم العام، هناك التقسيم التخصصي، فالتناخ أو العهد القديم، يتكون من مجموعة أقسام وفروع أولها التوراة التي تؤلف أسفار موسى الخمسة، ثم الأسفار التاريخية وكتب الأنبياء والحكمة، في حين أن العهد الجديد يقسم بدوره إلى الأناجيل القانونية الأربعة والرسائل وسفر الأعمال والرؤيا.[2] ومواضيع الأسفار مختلفة، فإن اعتبر سفر التكوين قصصيًا بالأولى، فإن سفر اللاويين تشريعيًا بالأحرى، أما المزامير فسفرٌ تسبيحي، ودانيال رؤيوي.[3]

هناك بعض الاختلافات بين الطوائف في ترتيب أو الاعتراف بقانونية بعض الأجزاء، على سبيل المثال فإن طائفة الصدوقيين اليهودية المنقرضة كانت ترفض الاعتراف بغير أسفار موسى الخمسة، وكذلك حال السامريين؛[4] أما يهود الإسكندرية أضافوا ما يعرف باسم الأسفار القانونية الثانية والتي قبلها لاحقًا الكاثوليك والأرثوذكس في حين رفض يهود فلسطين والبروتستانت الاعتراف بأنها كتبت بوحي. وكذلك الحال بالنسبة للعهد الجديد، إذ دارت نقاشات طويلة حول قانونية بعض الأسفار كرسالة بطرس الثانية والرسالة إلى العبرانيين، قبل أن يستقر الرأي على التنميط الحالي في مجمع نيقية،[5] وإن وجدت بعض القوانين السابقة مثل قانون مورتوراي، علمًا أن أقدم إشارة إلى القانون تعود إلى عام 170 على يد الشهيد المسيحي يستينس.[6] هذا بخصوص تكوّن العهد الجديد، أما تكوّن العهد القديم فتكوّنه أصعب وأطول، وبحسب الأدلة الخارجية المتوافرة، فإن زمن الملكية في يهوذا ثم السبي البابلي قد شكّل منعطفًا حاسمًا في التشكيل كما نعرفه اليوم، على يد أنبياء يهود كداود وميخا.[7]

كتبت أسفار العهد القديم بالعبرية التوراتية، وأسفار العهد الجديد باليونانية القديمة، ونتيجة انقراض كلا اللغتين، يدفع بمراجعات ترجمة المعاني دوريًا، وبكل الأحوال فإنّ علماء الكتاب المقدس من مسيحيين أو يهود أو ملاحدة، اتفقوا أن النصّ الحالي مثبت إثباتًا حسنًا بضوء الأدلة الداخلية والخارجيّة،[8] بغض النظر عن بعض التراجم التي لا تتبع أحدث الدراسات الكتابيّة.

يؤمن المسيحيون واليهود، أن الكتاب معصوم، وثابت إلى الأبد، وغير قابل للنقض،[9] وبحسب تحديدات المجمع الفاتيكاني الثاني فهو «ما راق الله أن يظهر بكلام مؤلفيه»، و«اختبار البشرية لخالقها» و«الصيغة البشرية للتعبير عن كلام الله الذي لا يُعبّر عنه»؛[10] أما أحبار اليهود أمثال إيليا بن سليمان زلمان فقد اعتبر أن دراسة الكتاب هي الطريقة المثلى للتواصل مع الله، «لأن الله والتوراة واحد، فلا يمكن فصل الله عن رسالته»؛[11] في حين اعتبره الحبر يهوشوع أيونجيل «كل غاية الإنسان»،[12] كما أن الكتاب ذاته امتدح كلام الله كما كتب: «كلمتك مصباحٌ لخطاي ونور لسبيلي».[13]

إلى جانب ذلك، فإن الكتاب المقدس هو أقدم كتاب لم ينقطع تداوله في العالم، وأول كتاب تمت طباعته بطريقة التجميع لحروف المونوتيب المتحركة في العالم الغربي،[14] وأكثر كتاب يمتلك مخطوطات قديمة، والكتاب الأكثر قراءة وتوزيعًا في تاريخ البشرية،[14] والوحيد الذي ترجم لأغلب اللغات البشرية إذ ترجم لسحابة ألفي لغة، وطبع منه آخر قرنين ستة مليارات نسخة،[15] وأكثر كتاب صدر عنه دراسات وكتب وأبحاث جانبية، وأكثر كتاب أوحى برسم لوحات أو مقطوعات موسيقية أو شعر أو أدب أو مسرحيات أو أفلام أو سواها من الآثار البشرية.

التكوين

نشوء الكتاب المقدس

ينقسم الكتاب المقدس لدى المسيحيين إلى قسمين متمايزين هما العهد القديم والعهد الجديد.

أصل هذه التسمية تعود أن اللاهوتيين المسيحيين الأوائل رؤوا ما ذهب إليه بولس في الرسالة الثانية إلى كورنثس 14/3 بأن تلك النصوص تحوي أحكام عهد جديد، ما أدى في الوقت نفسه إلى إطلاق مصطلح العهد القديم على المجموعة التي كانت تسمى الشريعة والأنبياء وتشمل الكتاب المقدس لدى اليهود.[16] ويتكون العهد القديم من من تسعة وثلاثون كتابًا يطلق عليها اسم أسفار، وقد قسّمت أسفار العهد القديم حسب التقليد المسيحي إلى أربعة أقسام وفروع أولها التوراة التي تؤلف أسفار موسى الخمسة، ثم الأسفار التاريخية وأسفار الأنبياء و الحكمة؛ أما العهد الجديد فيحتوي على سبعة وعشرين سفرًا وهي الأناجيل القانونية الأربعة بالإضافة إلى أعمال الرسل وأربعة عشر رسالة لبولس وسبع رسائل لرسل وتلاميذ آخرين وسفر الرؤيا.[2] ومواضيع الأسفار مختلفة، فإن اعتبر سفر التكوين قصصيًا بالأولى، فإن سفر اللاويين تشريعيًا بالأحرى، أما المزامير فسفرٌ تسبيحي، ودانيال رؤيوي. تقبل الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية الأسفار القانونية الثانية، في حين أن الكنائس البروتستانتية فهي تتفق مع اليهودية في عدم قبولها.

إن الجماعة المسيحية الأولى، والتي انطلقت من بيئة يهودية وامتلكت قواسم مشتركة عديدة مع الديانة اليهودية، اعتبرت في البداية الشريعة والأنبياء المقدسة لدى اليهود، كتابها المقدس الوحيد،[16] وكانت الترجمة السبعينية لهذا الكتاب والتي أنجزها لاهوتيون يهود في الإسكندرية خلال القرن الثاني قبل الميلاد باللغة اليونانية النسخة الأكثر انتشارًا منه؛[16] ويعود سبب تقديس المسيحيين للعهد القديم إلى عدة أسباب: يسوع طلب ذلك صراحة،[17] ولأن نبؤات العهد القديم حول الماشيح قد تحققت في شخص يسوع حسب المعتقدات المسيحية، لذلك يلبث العهد القديم هامًا لتأكيد أن يسوع هو المسيح،[18] وكذلك لفهم البيئة التي نشأ منها يسوع، ويضاف إلى ذلك أن العهد القديم جزء من وحي الله.[19]

أما تأليف أسفار العهد الجديد، وضمها في بوتقة واحدة، فهو نتيجة تطور طويل معقد،[16] إذ يظهر العهد الجديد كمجموعة مؤلفة من سبعة وعشرين سفرًا مختلفة الحجم، وضعت جميعها باللغة اليونانية أواخر القرن الأول؛[20] إن السلطة العليا في أمور الدين كانت تتمثل لدى المسيحيين الأولين في مرجعين، العهد القديم، والمرجع الثاني الذي انتشر انتشارًا سريعًا وقد أجمعوا على تسميته الرب، ويشمل هذا المرجع على التعاليم التي ألقاها يسوع والأحداث التي تبين سلطته؛[20] لكن العهد القديم وحده كان يتألف من نصوص مكتوبة، أما أقوال يسوع وما كان يعظ به فقد تناقلتها ألسن الحفاظ شفهيًا، وربما وجدت بعض الوثائق المكتوبة لروايتي الصلب والقيامة أو بعض الأحداث الهامة الأخرى؛ ولم يشعر المسيحيون الأولون، إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة تدوين التقليد الشفهي،[20] فبدؤوا قرابة العام 120 بإنشاء العهد الجديد، مبتدئين بأسفار بولس نظرًا لما كان له من شهرة ولأنه أوصى بقراءة رسائله بنفسه،[21] وتشير كتابات آباء كنيسة القرن الثاني إلى أنهم يعرفون عددًا كبيرًا من رسائل بولس وأنهم يولونها مكانة الكتب المقدسة،[22] أيضًا فإن أقدم الإشارات التاريخية تعود للعام 140 تثبت أن المسيحيين يقرأون الأناجيل في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل أو أقله شخصيات تتصل بالرسل بشكل وثيق، وأنهم أخذوا يولونها منزلة الكتاب المقدس.[22]

الأناجيل المنتحلة

من مخطوطات وادي قمران وتشمل سفر أشعياء 17/57 إلى 9/59.

بعد عام 150 مست الحاجة في الكنيسة إلى قاعدة شاملة تنظم المؤلفات الدينية حول يسوع، تمهيدًا لإدراجها ضمن قانون الكتاب المقدس، فكان المعيار المتبع صحة نسبتها إلى الرسل،[22] وبرزت الأناجيل الأربعة نظرًا لصحة نسبها إلى الرسل من ناحية ولما تحلّت به صفات تتطابق مع التقليد الشفهي، ومع رسائل بولس التي اعتبرت قبلاً أسفارًا مقدسة،[22] وحوالي عام 170 كان قانون العهد الجديد قد اكتمل وأضيف إليه سفر أعمال الرسل كمؤلف قانوني لكون مؤلفه هو لوقا مؤلف الإنجيل الثالث نفسه،[23] ثم ضمّ إلى القانون لاحقًا رؤيا يوحنا والرسالة إلى العبرانيين إضافة إلى رسائل يوحنا الثلاث ورسالتي بطرس فضلاً عن رسالة يهوذا ورسالة يعقوب،[24] وذلك بعد نقاشات طويلة حول صحة نسبتها، إذ لم ينته ضم جميع الأسفار حتى نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع.

أما تلك الكتب التي لم يثبت صحة نسبتها، فقدت تدريجيًا حظوتها في الكنيسة ولدى المسيحيين كأسفار مقدسة، كرسالة اقلمنضس الأولى ورؤيا بطرس ومؤلف الراعي لهرماس، ومؤلفات أخرى غيرها، وهذه المؤلفات كانت ذات انتشار في مناطق محدودة خصوصًا مصر،[23] لكنها دُعيت عقب رفضها في قانون الكتاب المقدس بالمنحولة والتي تعني باليونانية مخفية، وذلك لأنه لم يسمح بقراءتها خلال إقامة الشعائر الدينية وأمر أن تبقى خفية خلالها، إلا أنه قد أوصي بقراءتها في بعض الأحوال لحسن تأثيرها في الحياة المسيحية،[24] أما أناجيل الحق وتوما وفيليبس فقد رفضت لأنها مجرد أقوال محتواه في الأناجيل القانونية ولا تحوي شيئاً من رواية الأحداث، كما أن أغلبها قد وضع بعد فترة طويلة من سائر المؤلفات،[25] في حين رفضت أناجيل مريم ويعقوب والطفولة، لكونها أقرب إلى الرؤى والقصص الشعبية منها إلى الصيغ الواقعية، فضلاً عن التوسع في جانب معجزات الرسل بهدف تعظيم شأنهم،[25] أما إنجيل برنابا فلا يعتبر من الأناجيل المنحولة والكتب الأبوكفيرية، إذ إنه كتب أواخر القرن الخامس عشر على يد راهب تحوّل إلى الإسلام،[26] وبالتالي لا يعود للفترة الزمنية المبكرة ذاتها لسائر الأناجيل المنحولة، التي كتبت خلال القرن الثاني والقرن الثالث،[25] وهي على الرغم من رفضها ضمن قانون العهد الجديد إلا أنها تلبث هامة جدًا للباحثين بقصد دراسة الفكر الديني لدى المسيحيين خلال تلك الفترة.[25]

نص العهد الجديد

إحدى نسخ العهد الجديد باللغة العربية ترقى للعام 1590 ومزودة بالرسوم والأيقونات.

إن مخطوطات العهد الجديد، والتي أنشئت في كثير من اللغات ليست كتابًا واحدًا بخط المؤلف نفسه بل هي نسخ أو نسخ النسخ للكتب الأصلية التي فقدت اليوم، إن أقدم النصوص المتوافرة للعهد الجديد ترقى إلى القرن الثالث وقد كتبت باللغة اليونانية على الرق،[27] ويعتبر المجلد الفاتيكاني أقدمها ويعود لحوالي العام 250 وسبب تسميته لأنه محفوظ في مكتبة الفاتيكان، وكذلك المجلد السينائي الذي يعود لحوالي العام 300 وقد أضيف إليه جزء من سفر الراعي لهرماس، وهو من محفوظات المتحف البريطاني في لندن وسبب تسميته اكتشافه في دير سانت كاترين في شبه جزيرة سيناء؛[27] غير أنه يوجد عدد كبير من البرديات والمخطوطات التي تعود أقدمها إلى بداية القرن الثاني وتظهر أجزاءً مختلفة متفاوتة الطول من العهد الجديد؛ إن نسخ وطبعات العهد الجديد ليست كلها واحدة بل تحوي على طائفة من الفوارق بعضها بقواعد الصرف أو النحو وترتيب الكلمات، لكن بعضها الآخر يتعلق بمعنى الفقرات،[27] إن أصل هذه الفروق يعود لأن نص العهد الجديد قد نسخ طول قرون عديدة وبلغات مختلفة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، ما يؤدي حكمًا إلى أخطاء عديدة في النسخ، سوى ذلك فإن بعض النساخ حاولوا أحيانًا أن يعدلوا بعض الفقرات التي بدت لهم تحوي أخطاءً أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي، إلى جانب استعمال نصوص فقرات عديدة من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة ما أدى أحيانًا إلى ادخال زخارف لفظية غايتها تجميل النص.[27]

إن هذه التبدلات قد تراكمت على مر العصور، فكانت النتيجة وصول عدد من النسخ المختلفة إلى عصر الطباعة مثقلة بمختلف أنواع التبديل والقراءات؛ لكنه وبدءًا من القرن الثامن عشر قد أخذ علم نقد النصوص بتمحيص الوثائق القديمة بدقة، خصوصًا المجلدين الفاتيكاني والسينائي، لوضع ترجمة جديدة للأصول القديمة:[28]

" إن النتائج التي وصل إليها علم نقد النصوص منذ 150 سنة خلت حتى الآن، جديرة بالإعجاب، وبوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصًا مثبتًا إثباتًا حسنًا، وما من داع لإعادة النظر به إلا إذا عثر على وثائق جديدة. إن هذه النتائج تظهر واضحة للمرء إذا قارن بين النسخات الحديثة والطبعات التي ظهرت سنة 1520 بفضل العمل المحكم وفق قواعد علم نقد النصوص.[8] "

ولا تعتبر هذه الاختلافات، بحسب رأي المسيحيين، تزويرًا أو تحريفًا للكتاب المقدس، إذ إن النصوص القديمة والحديثة، على حد سواء، لم تختلف في القضايا الجوهرية، كالثالوث الأقدس أو ألوهية المسيح وتعاليمه، وهي الغاية الأساس من الأناجيل.[29]، ولا تزال هناك فروق بسيطة في مختلف الترجمات العربية للكتاب المقدس.

الأناجيل الأربعة القانونية

الحيوانات الأربعة المحيطة بعرش الله، كما ورد في رؤيا يوحنا وهي ترمز إلى الإنجليين الأربعة، وفق المعتقدات المسيحية.

يطلق على القسم الأول من العهد الجديد اسم الإنجيل ويشمل أربع كتب هي: إنجيل متى، الذي كتب في جبيل أو أنطاكية للمسيحيين من أصل يهودي هم خارج فلسطين حوالي العام 80 أو 90، وينسبه التقليد الكنسي منذ النصف الأول للقرن الثاني لمتى أحد التلاميذ الاثني عشر،[30] إنجيل مرقس وهو أقدمها تاريخيًا كتب حوالي سنة 60 أو 65 في روما خلال الفترة التي شهدت اضطهاد نيرون، وقد كتب للمسيحيين من أصول وثنية؛[31] ويعتبر أقصر الأناجيل، يغلب عليه سلسلة روايات قصيرة غير مترابطة فيما بينها،[31] وقد نسب إلى مرقس أو من يدعى في سفر أعمال الرسل يوحنا مرقس ذو الأصول اليهودية،[32] وهو تلميذ ومرافق لبطرس،[33] واعتمد عليه في كتابة إنجيله؛ أما إنجيل لوقا ثالث الأناجيل، فيوضع تاريخه بعد حصار أورشليم وتدمير هيكل سليمان عام 70 أي بحدود العام 80،[34] وهو موجه بالتحديد إلى إحدى الشخصيات النبيلة اليونانية التي تدعى ثاوفيليوس،[35] ومن ثم للمسيحيين ذوي الثقافة اليونانية بشكل عام، يتميز هذا الإنجيل بأنه الوحيد الذي يفتتح بمقدمة شأنه شأن كثير من المؤلفات اليونانية في تلك الأيام.[36]

يطلق على الأناجيل الثلاثة الأولى اسم الأناجيل الإزائية، بسبب تشابهها في ترتيب الأحداث وفي الصياغة العامة،[37] ويفترض علماء اللاهوت وعلماء نقد النصوص، أن كلاً من متى ولوقا قد اطلعا على إنجيل مرقس، واعتمدا عليه كمرجع أساسي في تأليفهما، وأنهما اطلعا أيضًا على وثيقة مشتركة مجهولة حتى اليوم، يطلق عليها اسم الوثيقة ق، إذ إنه بين 1068 آية في إنجيل متى يشترك مع مرقس في 508 آيات ومع لوقا في 560 آية منها مشتركة بين لوقا ومرقس في الوقت نفسه 330 آية أي أن هذه الأخيرة مشتركة بين الثلاثة.[38] ويضاف إلى كل إنجيل مصادره الخاصة من التقاليد الشفهية، هناك 500 آية خاصة بلوقا وحده، و330 خاصة بمتى، في حين أن 53 آية فقط خاصة بمرقس، ما يؤكد ما توصل إليه الباحثون باطلاع متى ولوقا على إنجيل مرقس الأقدم تاريخيًا؛[38] وعلى الرغم من هذا الائتلاف الشديد في النصوص فإن الأناجيل تحوي وجوه اختلاف في البنية العامة وهيكلية السرد إضافة لبعض التفاسير وفقًا للرؤية اللاهوتية لكل منهم والرمز المراد منه.[38]

أما الإنجيل الرابع، فهو إنجيل يوحنا، يتميز ببنية خاصة، كذلك يغلب عليه الطابع اللاهوتي من ناحية الخطب والصلوات،[39] ولا يهتم بسرد الأحداث بقدر ما يهتم باستخلاص معانيها.[40]

لاحقًا وجد القديس إيرونيموس ما ذكر في رؤيا يوحنا 7/4 من أسماء حيوانات تحيط بعرش الله، بأنها رموز إلى الإنجيليين الأربعة، فأخذ متى رمز الإنسان لكونه يركز على الناحية الإنسانية ليسوع وكونه هو المسيح، في حين رُمز إلى مرقس بالأسد رمزًا للعظمة، أما لوقا بالعجل رمز القوة في العهد القديم، والنسر رمز يوحنا لقدرته على الارتقاء بالمفردات والتعابير البسيطة إلى تعابير وصيغ لاهوتية معقدة.[41][42]

الآراء

قال جون ريتشز أستاذ اللاهوت والنقد الكتابي في جامعة غلاسكو ما يلي بشأن مختلف التأثيرات التاريخية للكتاب المقدس:

"لقد ألهم بعضا من الآثار العظيمة للفكر البشري والأدب والفن. وقد غذى على قدم المساواة بعض أسوأ التجاوزات من الوحشية البشرية، والمصلحة الذاتية، وضيق الأفق. لقد ألهم الرجال والنساء على القيام بأعمال شجاعة عظيمة، وللقتال من أجل التحرر والتنمية البشرية؛ وكذلك وفر الوقود الأيديولوجي للمجتمعات التي استعبدت إخوانها من بني البشر وفرضت عليهم الفقر المدقع. ... لقد كان، ربما فوق كل شيء، مصدرا للأعراف الدينية والأخلاقية التي مكنت المجتمعات من التجمع مع، ورعاية، وحماية بعضها البعض. ومع ذلك، فإن هذا الشعور القوي بالانتماء قد أدى بدوره إلى توترات وصراعات عرقية وإثنية ودولية".[43]

الإسلام

في الإسلام، الكتاب المقدس يعكس وحيا حقيقيا من الله، ولكن تم تشويهه أو تحريفه (تحريف); مما استدعى إعطاء القرآن إلى نبي الإسلام، محمد، لتصحيح هذا الانحراف. ويتحدث القرآن دوما عن الإنجيل والتوراة بتوقير وتبجيل، فورد في سورة المائدة الآيتين 46 و 47:﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ۝46وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ۝47﴾ [5:46—47].

وبينما يتحاشى القرآن اتهام الإنجيل الذي بين أيدي الناس أنه محرف مباشرة، إلا أنه وفقا لسيدني جريفيث في كتابه "الكتاب المقدس في القرآن"[44]، يقوم بذلك بطريقة غير مباشرة. ففي الآية التالية 48 من سورة المائدة: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾[5:48]، يقول سيدني جريفيث أن القرآن بالرغم من أنه يصدق ويؤكد الكتب السابقة، إلا أنه يرى كذلك أنه مهيمن عليهم ومصحح لهم. فيعيد القرآن سرد بعض الحكايات الواردة في الكتاب المقدس ولكن بعد تصحيح بعض التفاصيل المهمة. فآدم، على سبيل المثال، يعلن توبته بعد طرده من الجنة ويقبل الله توبته، مفندا بذلك مفهوم الخطيئة الأصلية، ومؤكدا مفهوم أن كل إنسان يحاسب وفقا لعمله فقط. وفي نفس القصة، يغوي الشيطان آدم وحواء كليهما لا حواء فقط. وغير ذلك الكثير من القصص التي يعيد القرآن سردها مصححا، من وجهة نظره، ما طرأ عليها من تغيير.

الديانات الأخرى

يقدر أعضاء بعض الديانات الأخرى أيضا الكتاب المقدس. على سبيل المثال، ترى الراستافارية الكتاب المقدس كضروري في الدين[45] وتراه التوحيدية العالمية على أنه "واحد من العديد من النصوص الدينية المهمة".[46]

دراسات الكتاب المقدس

يشير مصطلح النقد الكتابي إلى التحقيق حول الكتاب المقدس كنص، ودراسة الأسئلة من قبيل التأليف، تواريخ التكوين والنية من التأليف. يختلف النقد الكتابي عن نقد الكتاب المقدس والذي يمثل الانتقادات ضد الكتاب المقدس مثل اعتباره مصدرا غير موثوق للمعلومات أو التوجيهات الأخلاقية أو القول بأن الكتاب المقدس قد يكون به أخطاء ترجمة.[47]

النقد العالي

في القرن السابع عشر جمع توماس هوبز الأدلة الحالية للاستنتاج بأن موسى لا يمكن أن يكون قد كتب الجزء الأكبر من التوراة. بعد ذلك بوقت قصير نشر الفيلسوف باروخ سبينوزا تحليلاً نقدياً، قائلاً بأن المقاطع التي بها مشاكل ليست حالات معزولة يمكن تفسيرها واحدة تلو الأخرى، ولكن منتشرة في جميع أنحاء الكتب الخمسة، وخلص إلى أن "الأمر أوضح من الشمس في الظهيرة، التوراة لم يكتبها موسى ..."[48]

البحوث الأثرية والتاريخية

علم الآثار التوراتي هو علم الآثار الذي يتعلق ويسلط الضوء على الكتاب المقدس العبري والكتابات المسيحية اليونانية (أو "العهد الجديد"). يتم استخدامه للمساعدة في تحديد نمط الحياة وممارسات الناس الذين عاشوا في الأوقات التوراتية. هناك مجموعة واسعة من التفسيرات في مجال علم الآثار التوراتي. يشمل التقسيم الواسع النطاق التوراتي في التوراة، والذي عادةً ما يأخذ الرأي القائل بأن معظم العهد القديم أو الكتاب المقدس العبري يستند إلى التاريخ على الرغم من أنه يتم تقديمه من خلال وجهة نظر دينية تعود إلى عصره، وهو يعتبر عكس التمسك التوراتي الذي يعتبر الكتاب المقدس مجرد تكوين (بعد القرن الخامس قبل الميلاد). لكن حتى بين هؤلاء العلماء الذين ينتمون إلى مدرسة كوبنهاغن، فإن الكتاب المقدس هو وثيقة تاريخية يحتوي على معلومات مباشرة عن الحقبتين الهلنستية والرومانية، وهناك إجماع عالمي على أن أحداث القرن السادس قبل الميلاد مثل الأسر البابلي لها أساس في التاريخ.

هناك خلافات بين الباحثين حول تاريخية رواية الكتاب المقدس حول تاريخ إسرائيل القديمة ويهوذا من القرن العاشر إلى السابع قبل الميلاد. يعتبر سرد الكتاب المقدس حول القرن الثامن إلى السابع قبل الميلاد تاريخيا على نطاق واسع، ولكن ليس بالإجماع، في حين أن الحكم حول الفترة الأقدم من مملكة إسرائيل الموحدة (القرن العاشر قبل الميلاد) وتاريخية داود غير واضح. وتعد رواية الكتاب المقدس حول أحداث الخروج من مصر في التوراة والهجرة إلى أرض الميعاد وحقبة القضاة غير دقيقة تاريخياً بالنسبة للباحثين.[49][50]

مقالات ذات صلة

المراجع

  1. Davies, Martin (1996). The Gutenberg Bible. British Library.  .
  2. موسوعة المعرفة المسيحية، أسفار الشريعة أو التوراة، مجموعة من المؤلفين بموافقة بولس باسيم النائب البابوي في لبنان، دار المشرق، طبعة أولى، بيروت 1990، ص.5
  3. موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.7
  4. التفسير التطبيقي للعهد الجديد، لجنة من اللاهوتيين، دار تايدل للنشر، بريطانيا العظمى، طبعة ثانية 1996، ص.16
  5. مدخل إلى العهد الجديد، العهد الجديد، لجنة من اللاهوتيين، دار المشرق، الطبعة السادسة عشر، بيروت 1988، بإذن الخور أسقف بولس باسيم، النائب الرسولي للاتين في لبنان، ص.18
  6. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.19
  7. موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.8-9
  8. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.26
  9. هل الكتاب المقدس كلمة الله؟، الأجوبة، 21 أكتوبر 2012. نسخة محفوظة 17 سبتمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  10. كلمة الله، الموسوعة العربية المسيحية، 23 أكتوبر 2012. نسخة محفوظة 5 ديسمبر 2013 على موقع واي باك مشين.
  11. النزعات الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام، كارين آرمسترونغ، ترجمة محمد الجورا، دار الكلمة، طبعة أولى، دمشق 2005، ص.121
  12. النزعات الأصولية، مرجع سابق، ص.281
  13. مزمور 119/ 105
  14. أساسيات المسيحية، أرسل كلمته، 23 أكتوبر 2012. نسخة محفوظة 16 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  15. تاريخ الكتاب المقدس، نيل وفرات، 21 أكتوبر 2012. نسخة محفوظة 14 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  16. مدخل إلى العهد الجديد، العهد الجديد، لجنة من اللاهوتيين، دار المشرق، الطبعة السادسة عشر، بيروت 1988، بإذن الخور أسقف بولس باسيم، النائب الرسولي للاتين في لبنان، ص.17
  17. متى 5/ 17-20
  18. انظر مثلاً متى 22/1 ولوقا 21/4
  19. كيف وصل إلينا الكتاب المقدس؟ - تصفح: نسخة محفوظة 07 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  20. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.18
  21. رسالة تسالونيكي الأولى 27/5
  22. المدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.19
  23. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.20
  24. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.21
  25. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.22
  26. إنجيل برنابا خرافة غير متقنة الأنبا تكلا، 28 أيلول 2010 نسخة محفوظة 16 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
  27. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.23
  28. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.24
  29. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.36
  30. مدخل إلى العهد الجديد مرجع سابق، ص.47
  31. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.163
  32. أعمال الرسل 12/12
  33. رسالة بطرس الأولى 13/5
  34. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.239
  35. لوقا 3/1
  36. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.233
  37. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.40
  38. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.41
  39. انظر الفصل 17 من إنجيل يوحنا، المعروف باسم صلاة يسوع الكهنوتية.
  40. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.355
  41. مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص. 1037
  42. الحيوانات الأربعة في سفر الرؤيا - تصفح: نسخة محفوظة 21 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  43. Riches 2000، صفحة 134.
  44. Harrison., Griffith, Sidney (2015). The Bible in Arabic : the scriptures of the "People of the Book" in language of Islam. Princeton, N.J.: Princeton University Press.  . OCLC 930301033. مؤرشف من الأصل في 07 ديسمبر 2019.
  45. Becoming Rasta: Origins of Rastafari Identity in Jamaica. p. 171, Charles Price. 2009
  46. Unitarian Universalism. p. 42, Zondervan Publishing, 2009
  47. "Expondo Os Erros Da Sociedade Bíblica Internacional". Baptistlink.com. 2000. مؤرشف من الأصل في 29 أكتوبر 200213 يناير 2012.
  48. نسخة محفوظة 26 يونيو 2019 على موقع واي باك مشين.
  49. Finkelstein, Israel; Silberman, Neil Asher (2001). "The Bible Unearthed: Archaeology's New Vision of Ancient Israel and the Origin of Its Sacred Texts". Simon & Schuster. New York.  . مؤرشف من الأصل في 07 ديسمبر 2019.
  50. Dever, William (2003). Who Were the Early Israelites and Where Did They Come from?. Grand Rapids, Michigan: William B. Eerdmans Publishing Company.  .

مواقع خارجية


موسوعات ذات صلة :