بايزيد خان الثاني (بالإنجليزية:Bayezid II - بالتركية: Beyazit Han II) هو ابن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمانبنأرطغرل، ثامن السلاطين العثمانيين، عاش بين عامي ( 3 ديسمبر 1447 - 26 مايو 1512)، وتقلد الحكم بين عامي (1481 - 1512)، عرف عنه أنه كان يؤلف الشعر، والموسيقى ويتقن فن الخط العربي.
| ||
---|---|---|
(بالتركية العثمانية: بايزيد ثانى)، و(بالتركية العثمانية: Bâyezîd-i sânî) | ||
عهد | توسع الدولة العثمانية | |
اللقب | خان | |
ألقاب أخرى | الصوفي | |
العائلة الحاكمة | آل عثمان | |
السلالة الملكية | العثمانية | |
نوع الخلافة | وراثية ظاهرة | |
معلومات شخصية | ||
الاسم الكامل | بايزيد بن محمد بن مراد بن محمد بن بايزيد بن مراد بن اورخان بن عثمان بن ارطغرل | |
الميلاد | 3 ديسمبر 1447 ذيذيموتيخو، إفروس، الدولة العثمانية |
|
الوفاة | 26 مايو 1512 (64 سنة) القسطنطينية، الدولة العثمانية |
|
مكان الدفن | مسجد بايزيد، إسطنبول | |
مواطنة | الدولة العثمانية | |
أسماء أخرى | الصوفي | |
الزوجة | كلبهار خاتون الثانية كل رخ خاتون شيرين خاتون نكار خاتون بلبل خاتون حسن شاہ خاتون |
|
أبناء | سليم الأول، وأحمد بن بايزيد، وشاهزاده قورقود، وعائشة خاتون، وعين شاه خاتون، وشاهزاده عالم شاه | |
الأب | محمد الثاني | |
الأم | مُكرِّمة (ستّي مُكرِّمة) خاتون | |
أخوة وأخوات | ||
اللغات | التركية[1] | |
الطغراء | ||
ولد بايزيد في القرن التاسع الهجري، وكان أكبر أولاد أبيه السلطان محمد الفاتح.[2] حكم في عهد أبيه مقاطعة أماصيا. تولى السلطنة بعد أبيه بعد أن نازعه أخوه جم سلطان عليها. حصلت خلافات في عهده بين دولته والدولة المملوكية وتحاربت الدولتان حربا تم إبرام صلح بعدها.
وصلت الغزوات في عهده لدولة البندقية التي انتصر عليها، فاستنجدت بملك فرنسا والبابا، فقامت حروب صليبية بين الطرفين. ظهرت في عهده دولة روسيا سنة 886 هـ وأرسلت له سفيرها عام 897 هـ. أجبر من قبل الانكشارية في آخر حياته على التنازل عن الحكم لابنه سليم الأول سنة 918 هـ وهي نفس السنة التي توفي فيها وخلفه ابنه السلطان سليم الأول.
وصفه
وصف بايلو (Bailo) البندقية في إسطنبول (السفير المقيم) السلطان بايزيد الثاني في رسالته السرية التي أرسلها إلى مجلس الأعيان عام 1503م:
"قامته أطول من المتوسط، لا يتعاطى الشراب أبداً، كان يشرب في شبابه ثم تاب بضغط من أبيه، يأكل قليلاً، يسر جداً لركوب الخيل، أحب شئ إليه الصيد ورياضات الفروسية. يعظم الشعائر الدينية ويتصدق كثيراً، يهتم بالفلسفة وعلوم الفلك، وعدا الوقت الذي يقضيه في الاطلاع فإنه يخصص وقتا طويلا للاهتمام بأمور اصلاح جيشه وتنسيقه وتنميته: زاد عدد الانكشارية، جهز جيشه بالأسلحة الحديثة والنارية، أجرى إصلاحا جذريا خاصة بالنسبة للمدافعين ونَقلة المدافع. يتابع هذه الأعمال بدقة. خيالته وأسطوله هما اللذان حققا الأحداث الخارقة التي شهدناها، فقد نظمها بشكل تستطيع به التجمع والاحتشاد بسرعة" [3].
خوذة السلطان العثماني بايزيد الثاني، متحف الجيش، باريس.
خوذة السلطان العثماني بايزيد الثاني، متحف الجيش، باريس.
أسرته
خلف بايزيد الثاني 8 أبناء و 19 ابنة. بوفاة ابنه شهزاده محمود في أواخر عام 1507م في مانيسا، بقي له 4 أبناء أحياء هم: أحمد، قورقود، سليم و شهنشاه [3].
زوجاته
أبناؤه
تذكر المصادر أن أبناء بايزيد الثاني توفي منهم خمسة في صغرهم وبقي اثنان إلى جانب سليم هما "قرقود" و"أحمد".[4]
وكان هؤلاء الأمراء يختلفون في المشارب والآراء، فكان "قرقود" محبًا للعلوم والآداب والفنون ومشتغلاً بمجالسة العلماء والدراسة، لذا كان يمقته الجيش لعدم ميله للحرب، وكان "أحمد" محبوبًا لدى الأعيان والأمراء، وكان الصدر الأعظم "علي باشا الخادم" مخلصًا له. أما سليم فكان محبًا للحرب شرس الطباع ومحبوبًا لدى الجند عمومًا والإنكشارية خصوصًا.[5] وخوفًا من وقوع الشقاق بين الأمراء لاختلافهم في وجهات النظر وتباينهم في الآراء، قام السلطان بايزيد بالتفريق بين أبنائه وعيّن "قرقود" واليًا على إحدى الولايات البعيدة، و"أحمد" على أماسيا، وسليمًا على طرابزون.[6]
- قائمة تذكر 10 أبناء لبايزيد الثاني [3]:
- داماد عبد الله (1465-1483م). عاش 18 سنة.
- سلطان أحمد (1466-1513م). عاش 47 سنة.
- شهزاده سلطان قورقود (1467-1513م). عاش 46 سنة.
- ياوز سليم سلطان (1470-1520م). عاش 50 سنة.
- شاهزاده شاهنشاه (1474-1511م). عاش 37 سنة.
- شاهزاده محمود (1475-1507م). عاش 32 سنة.
- شاهزاده محمد (1476-1505م). عاش 29 سنة.
- شاهزاده عالم شاه (1477-1502م). عاش 25 سنة.
- أولو شهزاده (1481-1483م). عاش سنتان فقط.
- أولو شهزاده (أي ولي العهد) (1483-1512م). عاش 29 سنة.
بناته
- عين شاه خاتون - من زوجته شيرين خاتون
- عائشة خاتون - من زوجته نكار خاتون
- صوفية سلطان فاطمة خاتون - من زوجته نكار خاتون
- كوفهرملك شاه خاتون - من زوجته بلبل خاتون
- خديجة خاتون - من زوجته بلبل خاتون
- هوندي خاتون - من زوجته بلبل خاتون
- هوماشاه خاتون - من زوجته
- إيلالدي خاتون - من زوجته
- قمرشاه خاتون - من زوجته كل رخ خاتون
- سيلتشوك شاه خاتون - من زوجته
- شاهزاده شاه خاتون - من زوجته بلبل خاتون
- سلطان زاده خاتون - من زوجته حسن شاه خاتون
صراعاته
صراعه مع أخيه على السُّلطة
كان الأمير «جم» عندما بلغه وفاة أبيه يقيم في بروسة، وقد استطاع أن يتحصَّل على اعتراف السُّكان به سلطاناً على الدَّولة العثمانيَّة في المناطق الخاضعة له، وبعد أن استتبَّ له الأمر في بروسة وما حولها؛ أرسل إِلى أخيه بايزيد يطلب منه عقد الصُّلح، ويقترح عليه التَّنازل، أو تقسيم الدَّولة العثمانيَّة إِلى قسمين: القسم الأوربيِّ لبايزيد، والقسم الآسيويِّ له، لكن بايزيد رفض؛ وأصرَّ على أن تبقى الدَّولة موحَّدةً تحت سلطته، وأعدَّ جيشاً ضخماً سار به إِلى بروسة، وهاجمها، وفرَّ منها «جم» إِلى سلطان المماليك قايتباي في مصر فرحَّب به، وأكرمه، وأمدَّه بجميع ما احتاجه من أموالٍ للسَّفر مع أسرته إِلى الحجاز؛ لأداء فريضة الحجِّ.
ولما عاد من الأراضي المقدَّسة إِلى مصر أرسل إِليه السُّلطان بايزيد يقول له: (بما أنَّك اليوم قمت بواجباتك الدِّينية في الحجِّ، فلماذا تسعى إِلى الأمور الدُّنيويَّة، من حيث إنَّ المُلك كان نصيبي بأمر الله، فلماذا تقاوم إِرادة الله؟ فأجابه بقوله: هل من العدل أن تضطجع على مهد الرَّاحة، والنَّعيم، وتقضي أيامك بالرَّغد واللَّذات، وأنا أحرم من اللَّذة والرَّاحة، وأضع رأسي على الشَّوك؟! وقام «جم» بالاتِّصال بكبار أتباعه في الأناضول، وأثارهم ضدَّ بايزيد، وتقدَّم بأتباعه ليغتصب العرش، ولكنَّه هزم، واستأنف المحاولة، فهزم أيضاً.
والتجأ «جم» إِلى رودس حيث يوجد بها فرسان القدِّيس يوحنا، وعقد مع رئيس الفرسان اتفاقاً إِلا أنَّه نقضه تحت ضغط بايزيد، وأصبح «جم» سجيناً في جزيرة رودس، وكسب فرسان القدِّيس يوحنا بهذه الرَّهينة الخطيرة امتيازاتٍ، طَوْراً من بايزيد الثَّاني، ومرَّةً أخرى من أنصار «جم» بالقاهرة، فلمَّا تحصَّل رئيس الفرسان على أموالٍ ضخمةٍ؛ باع رهينته للبابا أنوست الثَّامن، فلمَّا مات هذا البابا ترك «جم» لخلفه إِسكندر السَّادس، ولكنَّ الأخير لم يبق على «جم» كثيراً؛ حيث قُتل، واتُّهم في ذلك بايزيد الثَّاني؛ الَّذي تخلَّص من خطر أخيه.[7]
صراعه مع أوروبا
فشل العثمانيون في فتح بلغراد، وتوطدت الصلات مع بولونيا عام 895هـ، ثم حدث الخلاف بينهما إذ كان كل من الجانبين يدعي الحماية على البغدان، وقد اعترف أمير البغدان بالحماية العثمانية، وقاتل معهم البولونيين.
وبدأت الدول تقترب من الدولة العثمانية، وتطلب عقد الحلف معها للإفادة منها في قتال خصومها، وخاصة الإمارات الإيطالية، وقد حارب العثمانيون دولة البندقية، وانتصروا عليها، فاستنجدت بملك فرنسا والبابا، وكانت حرباً صليبية بين الطرفين.
وظهرت دولة روسيا عام 886هـ حيث استطاع دوق موسكو إيفان الثالث من تخليص موسكو من أيدي التتار، وبدأ بالتوسع.
وأدرك الأعداء، أنهم لا يستطيعون مواجهة القوات الجهادية في حرب نظامية يحققون فيها أطماعهم لهذا لجأوا إلى أسلوب خبيث تستروا به تحت مسمى العلاقات الدبلوماسية لكي ينخروا في عظام الأمة ويدمروا المجتمع المسلم من الداخل، ففي عهد السلطان بايزيد وصل أول سفير روسي إلى (إسلامبول) عام (898هـ/1492م).
إن وصول السفير الروسي عام (1492م) على عهد دوق موسكو (إيفان) وما تابع ذلك، وما أعطى له ولغيره من حصانة وامتيازات، فتح الباب أمام أعداء الأمة الإسلامية لكشف ضعفها ومعرفة عوراتها، والعمل على إفسادها والتآمر عليها بعد تدميرها وإضعاف سلطان العقيدة في نفوس أبنائها.
وفي عهد بايزيد الثاني في عام (886هـ) استطاع دوق موسكو (إيفان الثالث) أن ينتزع إمارة (موسكو) من أيدي المسلمين العثمانيين، وبدأ التوسع على حساب الولايات الإسلامية.
ولا يعني ذلك أن السلطان (بايزيد) وقف موقفاً ضعيفاً أمام هذه الظروف ولكن الدولة كانت تمر بظروف صعبة في محاربتها لأعداء الإسلام على امتداد شبه جزيرة الأناضول، وأوروبا الشرقية كلها، فانشغلت بها.
وقام البابا بشراء الأمير العثمانى "جم" من فرسان القديس يوحنا، وكان مختبأ عندهم في جزيرة رودوس، وساوم عليه أخاه السلطان بايزيد الثاني من أجل وقف المساعدات عن مسلمي الأندلس، ووقف تهديدات العثمانيين لسواحل اليونان، ولكن بايزيد رفض هذه المساومة لأنه لا يهمه امر أخية بعد الحروب الطاحنة بينهما.
فما كان من إسكندر السادس إلا أن دعا إلى حلف جديد ضد العثمانيين اشتركت فيه فرنسا وإسبانيا لمواجهة الأعتداء الإسلامى العثمانى على أوروبا، وذلك سنة 1499 م ـ 905 هـ، وأرسل السلطان بايزيد اسطولا بحريا وأستطاع أن ي يننصر انتصارا بحريا كبير على البنادقة في خليج لبياتو.
وعلى العموم، فقد استطاع بايزيد أن يحرز نصراً بحرياً على البنادقة في خليج لبانتو ببلاد اليونان عام 1499م/905هـ وفي العام التَّالي استولى على مدينة لبانتو، وباستيلاء العثمانيين على مواقع البنادقة في اليونان، أقام البابا (إِسكندر السَّادس)ـ بناءً على طلب البنادقةـ حلفاً ضدَّ العثمانيِّين مكوَّناً من فرنسا، وإسبانيا. وتعرَّض العثمانيُّون لهجوم الأساطيل الثلاثة: الفرنسي، والإِسباني، والبابوي، واستطاعت الدَّولة العثمانيَّة أن تعقد صلحاً مع البنادقة.
وكان بايزيد ميَّالاً للسَّلام، ونشطت العلاقات الدِّبلوماسيَّة بين الدَّولة العثمانيَّة وأوربة، وكانت من قبل مقصورةً على البلاد الواقعة على حدودها، ولكنَّها أقيمت بينها وبين البابوية، وفلورنسا، ونابلي، وفرنسا، وعقد صلحاً مع البنادقة، والمجر.[8]
موقفه من المماليك
حدثت معارك بين العثمانيِّين، والمماليك على الحدود الشَّاميَّة، إِلا أنَّها لم تحتدم إِلى حدِّ التهديد بحدوث حربٍ شاملةٍ بينهما، وإِن كانت قد أسهمت في أن يخيِّم شعورٌ بعدم الثِّقة بينهما، الأمر الَّذي أدَّى إِلى تعثُّر مفاوضات الصُّلح سنة 1491م ومع أنَّ السُّلطان المملوكي «قايتباي» قد ساورته مخاوف من احتمال قيام حربٍ واسعةٍ بينه وبين العثمانيِّين سواءٌ لإِدراكه ما كان عليه العثمانيُّون من قوَّةٍ، أو لانشغال جزءٍ هامٍّ من قوَّاته في مواجهة البرتغاليِّين، إِلا أنَّ السلطان العثمانيَّ «بايزيد الثاني» قد بدَّد له هذه المخاوف، حيث قام بإِرسال رسولٍ من قبله إِلى السُّلطان المملوكي سنة 1491م ومعه مفاتيح القلاع الَّتي استولى عليها العثمانيُّون على الحدود: وقد لقي هذا الأمر ترحيباً لدى السُّلطان المملوكي، فقام بإِطلاق سراح الأسرى العثمانيِّين، وأسهمت سياسة بايزيد السِّلميَّة في عقد صلحٍ بين العثمانيِّين والمماليك في السَّنة نفسها (1491م) وظلَّ هذا الصُّلح سارياً حتَّى نهاية عهد السُّلطان بايزيد الثَّاني عام 1512م، وأكَّد هذا الحدث حرص السُّلطان بايزيد على سياسة السَّلام مع المسلمين.[9]
وقوفه مع مسلمي الأندلس
تطوَّرت الأحداث في شبه الجزيرة الأيبيريَّة في مطلع العصور الحديثة، فأصبح اهتمام الأسبان ينحصر في توحيد أراضيهم، وانتزاع ما تبقى للمسلمين بها خصوصاً بعدما خضعت لسلطةٍ واحدةٍ بعد زواج إيزابيلا ملكة قشتالة، وفرديناند ملك أراغون، فاندفعت الممالك الإسبانيَّة المتَّحدة قبيل سقوط غرناطة في تصفية الوجود الإِسلامي في كلِّ إسبانيا، حتَّى يفرِّغوا أنفسهم، ويركِّزوا اهتمامهم على المملكة الإِسلاميَّة الوحيدة غرناطة، الَّتي كانت رمزاً للمملكة الإِسلاميَّة الذَّاهبة.
وفرضت إسبانيا أقصى الإِجراءات التَّعسُّفيَّة على المسلمين في محاولةٍ لتنصيرهم، وتضييق الخناق عليهم؛ حتَّى يرحلوا عن شبه الجزيرة الأيبيريَّة.
نتيجةً لذلك لجأ المسلمون ـ المورسكيون ـ إِلى القيام بثوراتٍ، وانتفاضاتٍ في أغلب المدن الإسبانية والَّتي يوجد بها أقليَّةٌ مسلمةٌ، وخاصَّة غرناطة، وبلنسية، وأخمدت تلك الثَّورات بدون رحمةٍ، ولا شفقةٍ من قبل السُّلطات الإسبانيَّة الَّتي اتُّخذت وسيلةً لتعميق الكره والحقد للمسلمين، ومن جهةٍ أخرى كان من الطَّبيعي أن يرنو المورسكيون بأنظارهم إِلى ملوك المسلمين في المشرق، والمغرب لإِنقاذهم، وتكرَّرت دعوات وفودهم، ورسائلهم إِليهم للعمل على إِنقاذهم ممَّا يعانونه من ظلمٍ، وخاصَّةً من قبل رجال الكنيسة، ودواوين التَّحقيق الَّتي عاثت في الأرض فساداً، وأحلت لنفسها كلَّ أنواع العقوبات، وتسليطها عليهم.
وكانت أخبار الأندلس قد وصلت إِلى المشرق، فارتجَّ لها العالم الإِسلاميُّ. وبعث الملك الأشرف بوفودٍ إِلى البابا، وملوك النَّصرانيَّة يذكِّرهم بأنَّ النَّصارى الذين هم تحت حمايته يتمتَّعون بالحرِّيَّة في حين: أنَّ أبناء دينه في المدن الإسبانيَّة يعانون أشدَّ أنواع الظُّلم، وقد هدَّد باتباع سياسة التَّنكيل، والقصاص تجاه الرَّعايا المسيحيين؛ إِذا لم يكف ملك قشتالة، وأراغون عن هذا الاعتداء، وترحيل المسلمين عن أراضيهم، وعدم التَّعرض لهم، وردِّ ما أخذ من أراضيهم. ولم يستجب البابا، والملكان الكاثوليكيَّان لهذا التَّهديد من قبل الملك الأشرف، ومارسوا خطَّتهم في تصفية الوجود الإِسلامي في الأندلس، وجُدِّدت رسائل الاستنجاد لدى السُّلطان العثماني بايزيد الثَّاني، فوصلته هذه الرِّسالة: (..الحضرة العليَّة، وصل الله سعادتها، وأعلى كلمتها، ومهَّد أقطارها، وأعزَّ أنصارها، وأذلَّ عداتها! حضرة مولانا، وعمدة ديننا، ودنيانا السُّلطان الملك النَّاصر، ناصر الدُّنيا والدِّين، سلطان الإِسلام والمسلمين، قامع أعداء الله الكافرين، كهف الإِسلام، وناصر دين نبيِّنا محمَّد عليه السَّلام، محيي العدل، ومنصف المظلوم ممَّن ظلم، ملك العرب والعجم، والتُّرك والدَّيلم، ظلُّ الله في أرضه، القائم بسنَّته، وفرضه، ملك البرَّين، وسلطان البحرين، حامي الذِّمار، وقامع الكفَّار، مولانا، وعمدتنا، وكهفنا، وغيثنا، لا زال ملكه موفور الأنصار، مقروناً بالانتصار، مخلَّد المآثر، والآثار، مشهور المعالي والفخار، مستأثراً من الحسنات بما يضاعف به الأجر الجزيل في الدَّار الآخرة، والثَّناء الجميل، والنَّصر في هذه الدَّار، ولا برحت عزماته العليَّة مختصَّةً بفضائل الجهاد، ومجرِّدةً على أعداء الدِّين من بأسها ما يروي صدور السَّحر، والصِّفاح، وألسنة السِّلاح باذلةً نفائس الذَّخائر في المواطن الَّتي تألف فيها الأخاير مفارقة الأرواح للأجساد، سالكةً سبيل السَّابقين الفائزين برضا الله، وطاعته يوم يقوم الأشهاد).[10]
وكانت ضمن الرِّسالة أبيات قصيدةٍ يمدح صاحبُها فيها الدَّولةَ العثمانيَّة والسُّلطان بايزيد، ويدعو للدَّولة بدوام البقاء، وقد وصفت القصيدة الحالة الَّتي يعاني منها المسلمون، وما تعرَّض له الشُّيوخ والنِّساء من هتكٍ للأعراض، وما يتعرَّض له المسلمون في دينهم، وقد كانت هذه هي رسالة الاستنصار الّتي بعث بها المسلمون في الأندلس لإنقاذ الموقف هناك، وكان السّلطان بايزيد يعاني من العوائق الّتي تمنعه من إرسال المجاهدين، بالإضافة إلى مشكلة النّزاع على العرش مع الأمير «جم» وما أثار ذلك من مشاكل مع البابويّة في روما وبعض الدّول الأوربيّة، وهجوم البولنديّين على مولدافيا، والحروب في ترانسلفانيا، والمجر، والبندقيَّة، وتكوين التَّحالف الصَّليبي الجديد ضدَّ الدَّولة العثمانيّة من البابا جويلس الثَّاني وجمهورية البندقيَّة، والمجر، وفرنسا، وما أسفر عنه هذا التَّحالف من توجيه القوّة العثمانيَّة لتلك المناطق، ومع ذلك قام السّلطان بايزيد بتقديم المساعدة، وتهادن مع السّلطان المملوكي الأشرف لتوحيد الجهود من أجل مساعدة غرناطة، ووقَّعا اتفاقاً بموجبه يرسل السُّلطان بايزيد أسطولاً على سواحل صقلِّية باعتبارها تابعةً لمملكة إسبانيا، وأن يجهّز السّلطان المملوكي حملاتٍ أخرى من ناحية أفريقية.
وبالفعل أرسل السُّلطان بايزيد أسطولاً عثمانيَّاً تحوَّل إلى الشّواطئ الإسبانيَّة، وقد أعطى قيادته إلى كمال رايس الذي أدخل الفزع، والخوف، والرّعب في الأساطيل النَّصرانية في أواخر القرن الخامس عشر، كما شجَّع السُّلطان بايزيد المجاهدين في البحر بإبداء اهتمامه، وعطفه عليهم، وكان المجاهدون العثمانيُّون قد بدؤوا في التَّحرك لنجدة إخوانهم المسلمين، وفي نفس الوقت كانوا يغنمون الكثير من الغنائم السَّهلة الحصول من النَّصارى، كذلك وصل عددٌ كبيرٌ من المجاهدين المسلمين أثناء تشييد الأسطول العثمانيّ، ودخلوا في خدمته. بعد ذلك أخذ العثمانيُّون يستخدمون قوَّتهم البحريَّة الجديدة في غرب البحر المتوسط بتشجيع من هؤلاء المجاهدين، وهذا الذي كان في وسع السُّلطان بايزيد الثَّاني فعله لاشكَّ أنَّ تصرفات «جم» المشينة كانت سبباً أعاق حركة التوسُّع الإقليمي، وعرقلت السُّلطان بايزيد عن العمل الخلاق، وأصبح اهتمام السُّلطان منصبّاً على تعقُّب أخبار أخيه، والعمل على التخلص منه بكلِّ الوسائل.[11]
بايزيد الثاني والدبلوماسية الغربية
فشل العثمانيون في فتح بلغراد ، وتوطدت الصلات مع بولونيا عام 895 ، ثم حدث الخلاف بينهما إذ كان كل من الجانبين يدعي الحماية على البغدان ، وقد اعترف أمير البغدان بالحماية العثمانية ، وقاتل معهم البولونيين.
وبدأت الدول تقترب من الدولة العثمانية ، وتطلب عقد الحلف معها للإفادة منها في قتال خصومها ، وخاصة الإمارات الإيطالية ، وقد حارب العثمانيون دولة البندقية ، وانتصروا عليها ، فاستنجدت بملك فرنسا والبابا ، وكانت حرباً صليبية بين الطرفين.
وظهرت دولة روسيا عام 886 حيث استطاع دوق موسكو إيفان الثالث من تخليص موسكو من أيدي التتار ، وبدأ بالتوسع.
وأدرك الأعداء ، أنهم لا يستطيعون مواجهة القوات الجهادية في حرب نظامية يحققون فيها أطماعهم لهذا لجأوا إلى أسلوب خبيث تستروا به تحت مسمى العلاقات الدبلوماسية لكي ينخروا في عظام الأمة ويدمروا المجتمع المسلم من الداخل ، ففي عهد السلطان بايزيد وصل أول سفير روسي إلى (إسلامبول) عام (898هـ/1492م).
إن وصول السفير الروسي عام (1492م) على عهد دوق موسكو (إيفان) وما تابع ذلك ، وما أعطى له ولغيره من حصانة وامتيازات ، فتح الباب أمام أعداء الأمة الإسلامية لكشف ضعفها ومعرفة عوراتها ، والعمل على إفسادها والتآمر عليها بعد تدميرها وإضعاف سلطان العقيدة في نفوس أبنائها. وفي عهد بايزيد الثاني في عام (886هـ) استطاع دوق موسكو (إيفان الثالث) أن ينتزع إمارة (موسكو) من أيدي المسلمين العثمانيين ، وبدأ التوسع على حساب الولايات الإسلامية. ولا يعني ذلك أن السلطان (بايزيد) وقف موقفاً ضعيفاً أمام هذه الظروف ولكن الدولة كانت تمر بظروف صعبة في محاربتها لأعداء الإسلام على امتداد شبه جزيرة الأناضول، وأوروبا الشرقية كلها ، فانشغلت بها.[12]
يحكى عنه
يحكى عنه أنه كان يجمع في كل منزل حلّ من غزواته ما على ثيابه من الغبار ويحفظه ، ولما دنا أجل موته أمر بذلك الغبار فضرب منه لبنة صغيرة وأمر أن توضع معه في القبر تحت خدّه الأيمن ، ففعل ذلك ، وكان مدة ملكه إحدى وثلاثين سنة إلا أياماً.
حقيقة قتل سليم الأول لأبيه بايزيد الثاني
كل من يهتم بتاريخ الدولة العثمانية يعلم أن السلطان سليم الأول أعتلى عرش السلطنة في ظروف صعبة جدًا تحيط بالدولة خارجيًا وداخليًا، وكان من المحتم أن تُتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على الدولة؛ خاصة وأن بوادر "تشيع" الأناضول بات يلوح في الأفق. في 28 محرم 918هـ الموافق 24 أبريل 1512 أعتلى السلطان العرش، وقام بتوديع والده الذي رغب في إكمال حياته في راحة في "ديماطوقه"، حيث كان السلطان بايزيد الثاني رجل روحاني ومتدين بشدة، وكان الشعب يطلق عليه لقب "السلطان الولي"، وقد سار السلطان سليم بجوار فرس والده مترجلًا، وأبدى كل مظاهر الاحترام لوالده أثناء توديعه.
وتذكر المصادر التاريخية أن السلطان سليم قال لحاكم "القرم" عندما وعده هذا بمساعدته ضد أخيه: "لم أت إلى إسطنبول حبًا في السلطنة، بل لكون والدنا مريضًا مسنًا، وكونه قد أحال كل الأعمال للوزراء، وقد أنتهز أعداؤنا هذه الفرصة فأوقدوا نيران الفتن والثورات، أما أشقائي فقد أتبعوا أهوائهم، وهم غير قادرين على دفع بلاء الأعداء. إن غايتنا هو حفظ وصيانة الدين والدولة، غير أن بعض رجال العلم بذروا بذور الشقاق بيني وبين والدي."
وبناء على هذا الكلام، فإنه يصعب تصور أن يقوم صاحبه بتسميم والده، ولكن ما هي الآراء المطروحة حول هذا الموضوع؟
1- ورد في بعض المصادر العثمانية أن السلطان بايزيد مرض بشدة وهو في طريقه إلى "ديماطوكيا" وتوفى، وتقول مصادر أخرى أن تقدمه في السن والمشاكل الشائعات والفتن والدسائس الكثيرة التي عاشها أوهنته كثيرًا، فلم يستطع تحمل المزيد وقد بلغ من العُمر 67 عامًا، فتوفى.
2- قال بعض المؤرخين العثمانيين مثل "هزارفن حسين أفندي"، و "كاتب چلبي" أن السلطان أستُشهد، ولكن دون تعيين وتوضيح سبب هذه الشهادة، وربما كانوا يقصدون بهذه الشهادة، الشهادة المعنوية.
3- قال مؤرخون آخرون أمثال: "منعم باشي"، أن السلطان بايزيد مات مسمومًا، دون أن يذكروا أن السلطان سليم له ضلوع في هذا الأمر من قريب أو من بعيد.
4- قلة من المؤرخين من أمثال: "بجوي"، و "شمعداني زاده" رووا بأن السلطان سليم خاف أن يرجع والده إلى السلطنة مرة أخرى، لذا أمر بدس السم له، وتلقف المؤرخون اليونانيون والبيزنطيون هذه الرواية الضعيفة، ولم يدخروا جهدًا في كيل هذه التهمة للسلطان.
وتعتبر أصدق مصدر تاريخي لهذه الحادثة -حسب رأي المؤرخ الدكتور أحمد آق گوندوز- هو ما جاء في رسالة الأمير "أحمد" الأخ الأكبر للسلطان سليم ومنافسه الأول على العرش للسلطان المملوكي، والمحفوظة في أرشيف قصر "الطوب قاپي" في إسطنبول، فقد ذكر فيها أن والده مرض في منطقة "قارلي دره" ثم توفى، غير أن الشائعات أنتشرت بين الأهالي بأن السلطان سليم هو من دس له السم، ومن الطبيعي في مثل هذه الأجواء السياسية المشحونة والمتوترة أن تنتشر هذه الشائعات، فتلقفها بعض المؤرخين وروجوها على أنها حقائق وفسروها كما يحلو لهم، ومن المؤرخون المعاصرون الذين يرفضون هذه الفرية "أوزون جارشلي"، والمؤرخ "باك آلينلي".[13]
وفاته
كان السلطان بايزيد الثاني قد عين أولاده الثلاثة بقوا أحياء على الولايات ، فكان كركود والياً على شرقي الأناضول ، وأحمد على أماسيا ، وسليم على طرابزون ، كما عين حفيده سليمان بن سليم على مدينة (كافا) في شبه جزيرة القرم.
وكان سليم محارباً طموحاً فأراد أن يكون والياً على بعض المقاطعات في أوروبا ليمارس الجهاد ، ويؤيده في ذلك الانكشارية والعسكريون عامة ، ولكن السلطان قد رفض من ابنه ذلك كما رفض الولد ولاية طرابزون ، وانتقل إلى ابنه سليمان في كافا ، ثم جمع جيشاً ، وسار إلى أوروبا وحاول السلطان تهديد ولده الذي أصر على القتال ، ونتيجة حبه للسلم تراجع عن قراره وعينه على بعض المقاطعات الأوروبية عام 916 ، فطمع سليم وسار إلى أدرنه ، وأعلن نفسه سلطاناً عليها ، فحاربه أبوه وهزمه ، وفر إلى القرم ، ثم تدخلت الانكشارية فعفا السلطان عنه ، وأعاده إلى أوروبا ، فسار به الانكشارية إلى استانبول.
أما الأمير كركوت ، وهو الولد الكبير للسلطان فقد رأى أخاه سليماً يفرض رأيه لذا اتجه إلى مقاطعة صاروخان ، واستلمها دون أمر أبيه ، فحاربه وهزمه قبيل وفاته بقليل.
في 18 صفر 918هـ الموافق 125 أبريل 1512م ترك حكم الدولة لابنه سليم الأول وذلك بدعم من الجيش ، الذي كان ينظر إليه على أنه الأمل المرتجى في بعث النشاط الحربي للدولة العثمانية بصورة أوسع ودفع حركة الفتوحات إلى الأمام ، ولذلك بادر الجيش إلى معارضة والده وطلبوا من السلطان التنازل للأمير سليم عن الحكم ، فوافق واستقال عام 918 ، وانتقل السلطان ليعيش بعيداً عن الحكم فتوفي في الطريق وهو ذاهب إلى ديمتوقة فنقل نعشه إلى إسلامبول حيث دفن بجوار جامعه الشريف.
انظر أيضاً
المراجع
- Identifiants et Référentiels — تاريخ الاطلاع: 1 مايو 2020 — الناشر: Bibliographic Agency for Higher Education
- "مسجد السلطان بايزيد، القسطنطينية، تركيا". المكتبة الرقمية العالمية. 1890-1900. مؤرشف من الأصل في 05 أغسطس 201718 أكتوبر 2013.
- "تاريخ الدولة العثمانية"، يلماز أوزتونا، ترجمة عدنان محمود سلمان، المحقق: د.محمود الأنصاري. مؤسسة فيصل للتمويل. تركيا، اسطنبول 1888م. - تصفح: نسخة محفوظة 13 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
- تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 186
- Sultan Selim the Excellent - تصفح: نسخة محفوظة 7 أغسطس 2010 على موقع واي باك مشين.
- osmanli700.gen.tr - تصفح: نسخة محفوظة 02 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- 1- د. علي محمد الصلابي. الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط، الطبعة الأولى 2003م ص. ص (131- 140).
- 2- د. إِسماعيل ياغي، الدَّولة العثمانيَّة في التاريخ الإِسلامي الحديث، مكتبة العبيكان، الطَّبعة الأولى 1416هـ/1996م، ص.ص (50-51).
- 3- د. عبد اللَّطيف عبد الله دهيش، قيام الدَّولة العثمانيَّة، الطَّبعة الثَّانية، 1416هـ/1995م، مكتبة ومطبعة النَّهضة الحديثة، مكَّة المكرَّمة.، ص (57).
- 4- يوسف آصاف، تاريخ سلاطين آل عثمان، تحقيق بسام عبد الوهاب الجابي، دار البصائر، الطَّبعة الثَّالثة 1405هـ/1985م، ص (63 إلى 65).
- 6- رسالة من مسلمي غرناطة للسّلطان سليمان عبد الجليل التّميمي، المجلة المغربيّة العدد: (3) ص (38).
- 5- د. زكريَّا سليمان بيُّومي، قراءة جديدة في تاريخ العثمانيِّين، الطَّبعة الأولى 1411هـ/1991م، عالم المعرفة، ص (66).
- 'الدولة العثمانية المجهولة، 303 سؤال وجواب توضح حقائق غائبة عن الدولة العثمانية، أحمد آق گوندوز، سعيد أوزتورك، وقف البحوث العثمانية، 2008'
→ سبقه محمد الفاتح |
سلاطين عثمانيون |
خلفه ← سليم الأول |