الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ عيتو سُريَيتو تريصث شُبحو، هي كنيسة أنطاكيّة أرثوذكسية مشرقية، ويقع مقرها في كاتدرائية مارجرجس بباب توما في دمشق. [3]
| ||
---|---|---|
الدين | مسيحية | |
الزعيم | إغناطيوس أفرام الثاني كريم | |
مَنشأ | شمال سوريا | |
الأصل | أرثوذكسية مشرقية | |
الأماكن المقدسة | ||
العقائد الدينية القريبة | الكنائس السريانية طقسا، الكنائس الأرثوذكسية المشرقية إيمانا | |
العائلة الدينية | الأرثوذكسية المشرقية | |
عدد المعتنقين | حوالي 5.600.000 في كيرلا، الهند[1] ومليون من الشرق الأوسط منهم حوالي 300,000 في المهجر[2] | |
الامتداد | سوريا، تركيا، العراق، لبنان فلسطين،الأردن، إسرائيل، الهند المهجر: السويد، ألمانيا، هولندا، فرنسا، بلجيكا، الولايات المتحدة، |
يتمركز في منطقة الشرق الأوسط وينتشر أفرادها في مختلف بقاع العالم خصوصًا الهند، وهي تعتبر كنيسة مستقلة مرتبطة بباقي الكنائس الأرثوذكسية بوحدة الإيمان والأسرار والتقليد الكنسي. تمتد ولاية البطريركية الأنطاكية إلى سوريا ولبنان والعراق والكويت وتركيا والهند وإيران والجزيرة العربية وأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية والوسطى وأستراليا ونيوزيلندا.[4]
يطلق على هذه الكنيسة تسميات أخرى كالمونوفيزية واليعقوبية نسبة ليعقوب البرادعي، ولكن الكنيسة السريانية اليوم ترفض تلك التسميات.[5] لغة الكنيسة الرسمية هي السريانية وتستخدم الكتابة السريانية في مخطوطاتها الدينية. تتشارك هذه الكنيسة في عقيدتها مع كل من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية والكنيسة الإثيوبية والكنيسة الإريترية. ترجع جذور هذه الكنيسة إلى بدايات المسيحية وتعتبر الكنيسة نفسها إحدى أقدم الكنائس وإن تسمية أو مصطلح مسيحي أطلقت لأول مرة على تلاميذ المسيح في هذه الكنيسة في أنطاكية السورية[6].
بعد مجمع خلقيدونية (451)، حدث خلاف حول تعريف الكنيسة ل "طبيعة المسيح" ، فنتج عن ذلك انشقاق جماعة تحت اسم "أرثوذوكسية مشرقية" عن السلطة الكنسية، وكانت الأرثوذكسية المشرقية تضم عدة كنائس طقسية، بما فيها الكنيسة الأنطاكية السريانية الأرثوذكسية. ومرة أخرى في التاريخ الكنسي، ولأسباب وتطورات سياسية نتجت عن انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية والإمبراطورية الرومانية الغربية، انقسمت الكنيسة المسيحية مجدداً إلى كنيسة شرقية وكنيسة غربية، وتمركزت الغربية في روما وحدثت انشقاقات فيها لاحقا بظهور حركة البروتستانتية. بينما تمحورت الكنيسة الشرقية حول الإمبراطورية البيزنطية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية [7]، تُقسم الكنيسة الشرقية اليوم إلى العديد من الكنائس منها:
- أرثوذكسية مشرقية (أصحاب مصطلح الطبيعة الواحدة) مثل الكنيسة القبطية وكنيسة أنطاكية (الكنيسة السريانية الأرثوذكسية) والكنيسة الأرمنية والكنيسة الأثيوبية
- أرثوذكسية شرقية مثل كنيسة اليونان وقبرص وكنيسة روسيا ومعظم كنائس أوروبا الشرقية وكنيسة سيناء وغيرها.
- كنيسة المشرق (سموا كذلك بالنسطورية) وهم أصحاب مصطلح الطبيعة المنفصلة للمسيح وعرفت لاحقًا بكنيسة المشرق الآشورية أو السريان المشارقة والتي منها انشقت الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وغيرها وتقسم اليوم إلى كنيسة المشرق الآشورية وكنيسة المشرق القديمة[7].
اضطرّ بطاركة الكنيسة نتيجة اضطرابات وعنف حدثت أثناء تلك الفترة التاريخية إلى الخروج من مركزهم في أنطاكية في عام 518 واستقروا في دير الزعفران شمال الجزيرة السورية الواقعة في ماردين بتركيا، وفي فترة الحرب العالمية الأولى انتقلت الكنيسة إلى حمص في سوريا وأخيراً إلى دمشق في عام 1957 وهو مقرها الدائم [6]. تفرع عن السريان الأرثوذكس في أواسط القرن 17 السريان الكاثوليك الذين اتبعوا مذهب الكثلكة، وبهذا يصبح مصطلح الكنيسة السريانية اليوم بنظر السريان يشمل سبع كنائس وهي: كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، كنيسة المشرق الآشورية، الكلدان، كنيسة أنطاكية للروم الأرثوذكس، الكنيسة المارونية، كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، السريان الكاثوليك [8].
جذور مصطلح السريانية
السريان الأرثوذكس هم طائفة مسيحية شرقية تُرجِع جذورها -بحسب تقليدها الكنسي- إلى رسل المسيح الأوائل [5]، فسلسلة بطاركة هذه الطائفة تبدا من القديس بطرس كبير تلامذة المسيح، واسم السريان بالنسبة لمؤرخي الكنيسة السريانية يشمل بمعنى اوسع معظم المسيحيين في بلاد الشام وبلاد الرافدين بغض النظر عن عقائدهم المذهبية، الروم الأرثوذكس
مثلا يسمون أيضا بالسريان الملكيين وذلك لانهم اثروا اتباع مذهب الملك البيزنطي مارقيانوس عقب مجمع خلقيدونية عام 451 م، وكذلك الموارنة الكاثوليك تسمى كنيستهم بالكنيسة السريانية المارونية وكذلك الكلدان الكاثوليك وهكذا بالنسبة لبقية كنائس المنطقة عدا كنيستي الارمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك فهم أرمن، فالسريان (آراميو اللغة) أو السوريون هم سكان البلاد وأحفاد بناة حضارات سوريا وبلاد الرافدين (الهلال الخصيب) المتعاقبة قبل الفتوحات الإسلامية، وقد تحول بعض السريان أو السوريون إلي الإسلام بعد الفتح، فورثوا حضاراتهم القديمة قبل الإسلام بالإضافة إلي الحضارة الإسلامية التي شاركوا فيها.
السريان سميوا بهذا الاسم نسبة إلى سوريا وطنهم التاريخي Syria - Syrian فباللغة السريانية يطلق للشخص السرياني ܣܘܪܝܝܐ سوريايا/سوريويو أي سوري، أما العرب فقد استخدموا ذات اللفظة التي استعملها البيزنطيين للدلالة على الشعب القاطن بسوريا وهي سريان
(باليونانية: Συρίαη) ولا زالوا يستعملونها حتى اليوم.
يتفق أغلب الأكاديميين أن لفظتي سرياني أو سريان (ܣܘܪܝܐ وهي نفسها سوري) اطلقها الإغريق القدماء على الآشوريين[9][10][11] حيث أسقطوا الألف في آشور (Ασσυρία، آسيريا) لتصبح سوريا (Συρία، سيريا) حيث استعمل هيرودتوس لأول مرة للإشارة إلى الأجزاء الغربية من الإمبراطورية الآشورية[12] ثم امتدت لاحقا لتشمل جميع المناطق المكونة لآشور بأعالي بلاد ما بين النهرين. كان عالم الساميات الألماني ثيودور نولدكه (Theodor Nöldeke) أول من أشار إلى رجوع السريان إلى الآشوريين سنة 1881 حيث استشهد كذلك بأعمال جون سيلدون (John Selden) سنة 1617[9] تم إثبات هذه النظرية بشكل قاطع بعد اكتشاف نقوش جينكوي الثنائية اللغة والتي ترجمت "آشور" بالفينيقية إلى "سوريا" باللوية .[13]
استنادا إلى كتابات المؤرخ البير أبونا والمستندة بدورها على تفسير ايليا (974 - 1046) مطران نصيبين النسطوري هناك شبه إجماع على أن السريان هو اسم الدينية ي للكنيسة الانطاكية التي تكونت من السوريين وليس مدلول سياسي أوقومي ولم يكن يوما الاسم السرياني يشير إلى أمة بل إلى الديانة المسيحية.[14]. كما أشار المطران لويس ساكو أستاذ الالدينية
في جامعة بغداد والحاصل على دكتوراة في التاريخ المسيحي القديم، أن مصطلح "السريان" و"السريانية" أطلق منذ القرنين الثاني والثالث الميلاديّ على الآراميين وعلى الآرامية، أي على اللغة والثقافة التي سادت المنطقة في سوريا، بينما بقي الاسم الآرامي القديم غير مستحبّ ومرتبطاً بالوثنية. وبالتالي، يحسب السريان أنفسهم ورثة الآراميين مباشرة.[15]. بينما يعتبر البعض كالتنظيم الآرامي الديمقراطي أن "السريان أقلية قومية تعيش في بلدان الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا وتركيا ولبنان والعراق والأردن، دون أن يُعطى لها الحق في ممارسة وجودها القومي ودون أن تعترف دول العالم بحقوقها" [16]
بينما يعتبر حزب شورايا أو سورايا أن قوميا وسياسيا السريان هم الآشوريون وأتباع الكنيسة السريانية هم من أبناء الشعب الأشوري.
كان للسريان دور كبير في النهضة الفكرية والعلمية الإسلامية حيث اشتهر الكتاب السريان بدقتهم في الترجمة وخاصة ترجمة فلسفة أرسطو وأفلاطون وكانت لهذه الترجمات أثر كبير في بدايات الفلسفة الإسلامية حيث بدأ وتحديدا في عصر المأمون العصر الذهبي للترجمة ونقل العلوم الإغريقية والهلنستية إلى العربية مما مهد لانتشار الفكر الفلسفي اليوناني بشكل كبير وكانت المدرسة الفلسفية الأكثر شيوعا خلال العصر الهلنستي هي المدرسة الإفلاطونية المحدثة Neoplatonism التي كان لها أكبر تأثير في الساحة الإسلامية في ذلك الوقت [17].
ويشار إلى وجود جالية كبيرة في الهند تتبع هذه الكنيسة منذ القرون الأولى للمسيحية تتبعها عقائديا وروحيا إلا أنها تحتفظ باستقلالها الإداري إلى حد كبير.
تأسيس الكنيسة الأنطاكية
كانت مدينة أنطاكية
أثناء حكم الإمبراطورية الرومانية عاصمة سوريا وإحدى عواصم الإمبراطورية الثلاث إضافة إلى روما والإسكندرية، أعطتها هذه المكانة الأفضلية لتكون عاصمة المسيحية في سوريا والشرق وآسيا فكان أسقفها هو الأب العام أو البطريرك العام للمشرق أي أن سلطانه الروحي شمل جميع المسيحيين في تلك البقعة الجغرافية الواسعة على اختلاف قومياتهم وأجناسهم ولغاتهم، دخلت المسيحية أنطاكية على يد أتباع المسيح الذين وصلوا إليها بعد أن تشتتوا في كل مكان بسبب الاضطهاد الذي أثاره عليهم اليهود حوالي سنة 34 م، وزارها لاحقا الرسول بولس الذي انطلق من دمشق ومكث فيها سنة كاملة يعظ ويبشر بالدين الجديد ثم جاء إليها أيضا بطرس الرسول حيث يعتقد أنه أسس كرسيه الرسولي فيها سنة 37 م، وفي هذه المدينة أطلق اسم مسيحيين على اتباع المسيح للمرة الأولى، وفي القرن الخامس سيحصل الانشقاق في جسم الكنيسة إلا أن قادة الكنائس السورية سيحافظون على لقب بطريرك أنطاكية
، الخلفاء الشرعيين لبطرس الرسول في قيادة الكنيسة، ومنهم بطاركة السريان الأرثوذكس ولقب البطريرك الرسمي في هذه الكنيسة هو بطريرك انطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس.
عندما انقسمت بلاد الرافدين إلى قسمين، بين الاستعمارين الفارسي والروماني
تعرض السريان إلى ضغوطات سياسية وفكرية وبعد أن أصبحت المسيحية الدينية الدولة الرومانية وظهرت إلى السطح أفكار نسطور والمتعلقة بالعذراء مريم بأنها ليست والدة الإله فقام الإمبراطور الروماني بطرد نسطور وملاحقة وتعذيب أتباعه حتى اضطر أغلبهم للهروب من سوريا إلى فارس، الدولة المعادية للرومان واستمر هذا الحال حتى قدوم الإسلام في بداية القرن السابع الميلادي فعقدوا اتفاقات سلام مع الخلفاء الراشدين وبالأخص عمر بن الخطاب وحرروا عقوداً بينهم وبين السلطات الدينية للكنيسة السريانية الأرثوذكسية والنسطورية يتعهد العرب المسلمون بموجبها بحماية ديار السريانية الأرثوذكسية والنسطورية والسماح لهم بممارسة حقوقهم الدينية والثقافية وبناء دور العبادة وإعطائهم حريتهم الاجتماعية لقاء دفع جزية سنوية معينة [8].
أثناء الحملات الصليبية أبيد عشرات الآلاف من السريان وتم تدمير القرى السريانية كما عانى السريان من مذابح كبرى منذ بداية الحكم العثماني وحتى بداية الحرب العالمية الأولى، وكان أعنفها وأقساها مذابح سيفو حيث ذهب خلالها أكثر من 300.000 قتيل بحسب الوثيقة التي وجهتها اللجنة الوطنية الآشورية لعصبة الأمم عام 1919 [8]. كانت أنطاكية
مقر الكرسي السرياني الأنطاكي حتى سنة 518 م، وبسبب الاضطهادات التي عانت منها هذه الكنيسة نقل مقر رئاستها إلى اديرة اعالي بلاد ما بين النهرين واستقر في دير الزعفران في القرن الثالث عشر قرب ماردين شمال شرق سوريا وبقي هناك حتى عام 1933 م، حيث انتقل إلى مدينة حمص السورية وأخيرا انتهى به المطاف في دمشق العاصمة السورية عام 1959.
الكنيسة عقب مجمع خلقيدونية
ظهرت في المسيحية خلال عصورها الأولى آراء متباينة في العقيدة المسيحية فذهب البعض إلى أن الرب واحد في جوهره مثلث الأقانيم (الآب والابن والروح القدس إله واحد) وذهب البعض الآخر إلى أن إنكار لاهوت المسيح وأنه لم يكن إلهاً بل هو مجرد إنسان مخلوق وتم إطلاق مصطلح الهرطقة على كل ما اعتبره الأكثرية خروجا عن ما اعتبرته "تفاسير وتأويلات غير صحيحة لمفهوم آيات الكتاب المقدس فكانت تُعقد بين الحين والآخر اجتماعاتٌ تُعرف باسم المجامع لبحث هذه الهرطقات وإصدار الحكم بصددها [18].
عقد في عام 449 المجمع الرابع أو ماسمي مجمع أفسس الثاني الذي تم رفض قراراته من قبل بابا روما ودعى الإمبراطور مرقيانوس والإمبراطورة بولخيريا لانعقاد هذا المجمع بناء على طلب أسقف روما فتم عقد مجمع خلقيدونية في مدينة خلقيدونية سنة 451 وحضره 330 أسقفاً (في رواية) و600 أسقف في رواية أخرى [18]. يعتبر المجمع الرابع ومجمع خلقدونية من أكثر المجامع المثيرة للجدل فقد ذهب البعض إلى أن أوطاخي قد "دلّس به وخدع آباء المجمع الذين أقرّوا بأرثوذكسيته ، وهذه الكنائس هي التي رفضت لاحقاً مجمع خلقيدونية وإن كان آباؤها قد قاموا في ذلك المجمع (خلقيدونية) بالحكم بهرطقة أوطاخي وحرموه، أما الكنائس التي اعترفت بخلقيدونية فتطلق على مجمع إفسس الثاني وترفض كامل نتائجه وتعدّ مجمع خلقيدونية المجمع المسكوني الرابع [19]. وقد أدى نتائج مجمع خلقيدونية إلى انفصال تدريجي لكنائس مصر والحبشة وأرمينيا [20].
بعد انقضاء مجمع خلقيدونية آثار الأباطرة البيزنطيين اضهادات عنيفة ضد كل من رفض صورة إيمان ذلك المجمع وكأنه يرفض الخضوع للإمبراطور نفسه إذاما رفضها وتلك الصورة تقول أن للمسيح طبيعتين إلهية وإنسانية، بلا اختلاط ولا تغيير، وبلا انقسام ولا انفصال. وصورة الإيمان هذه تشبه في جوهرها إيمان رافضي مجمع خلقيدونية من السريان الأرثوذكس وغيرهم ولكن مسألة الخلاف بالدرجة الأولى كانت مسألة صيغة، إذ إنّ اللاخلقيدونييّن يكتفون بعبارة "طبيعة" كما استعملها كيرلس الأول (القرن الخامس)، ويرفضون الصيغة الخلقيدونيّة (طبيعتان). ولكن كما ذكرنا سابقا كانت كل تلك التهم والاختلافات اللاهوتية غطاء لفرض سيطرة المحتل البيزنطي، والذي أذاق أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية صنوف التعذيب الذي طال حتى كبار رجال الدين عندهم فقُتِل البعض ونُفِيَ البعض الآخر وتشرَّد الكثيرون منهم في كل مكان ولم يبقَ لتلك الكنيسة عام 544م سوى ثلاثة مطارنة (أساقفة).
وفي هذه الفترة العصيبة من تاريخ تلك الكنيسة ظهر يعقوب البرادعي، حيث توجه إلى القسطنطينية للقاء الملكة ثيودورة والتي كانت تتعاطف مع اللاخلقيدونين في ظروفهم القاسية التي كانوا يعيشونها، والملكة السورية ثيودوره ذات أصول سريانية من مدينة منبج في سوريا، وبرعاية الملكة ثيودورة رسم يعقوب البرادعي مطرانا عاما للسريان على يد ثيودوسيوس
بطريرك الإسكندرية الذي كان منفيًّا في القسطنطينية، وابتدأ البرادعي بعد نيله لصفة شرعية بإحياء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وأقام لها من جديد عشرات المطارنة ومئات الكهنة والشمامسة، وتوفي عام 578 م، وتمكنت كنيسة السريان في تلك الفترة من الصمود أمام عواصف الاضطهادات بفضله لذلك أطلق البيزنطيون في مجمعهم السابع في القرن الثامن اسم اليعاقبة على السريان الأرثوذكس نسبة إلى يعقوب البرادعي، وغايتهم من هذا إثبات أن البرادعي هو موجد هذه الكنيسة، بينما يرفض اتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية هذه التسمية بشكل قاطع وحجتهم بهذا أنهم لاينتمون لأي أب من آباء الكنيسة بل للمسيح ولأن تاريخهم بدأ مع تأسيس بطرس الرسول لكرسي أنطاكية فكان بحسب اعتقادهم أول بطاركتهم [5]، كما ترفض هذه الكنيسة أيضا باقي التسميات الغريبة التي نعتت بها كالموتوفيزيقية والأوطاخية لأنَّ هاتين البدعتين تخالفان إيمانها وهي تنبذ أوطاخي وتعتبره من الهراطقة. كان أوطاخي والذي سمي تيار الموتوفيزيقية نسبة إليه رئيس أحد الأديرة قرب القسطنطينية وكان من المعارضين لفكرة نسطور وكان من الداعين إلى "طبيعة واحدة إلهية في المسيح استحالت إليها الطبيعة البشرية فاختلطتا وامتزجتا حتى تبلبلت خواصهما" [19].
بسبب الاختلاف على طبيعة المسيح انقسمت الكنيسة المسيحية الموحدة إلى كنيسة شرقية وكنيسة غربية، فالشرق يقول بطبيعة واحدة والغرب يقول بطبيعتين كاملتين إلهية وإنسانية وكنيسة أنطاكية
(الكنيسة السريانية الأرثوذكسية) بدورها تأثرت بهذا الانشقاق فراح قسم مع الشرق هم السريان الأرثوذكس وقسم مع الغرب هم الموارنة نسبة إلى رهبان دير مار مارون في أفاميا زعماء الاتجاه الخلقيدوني العقيدة [21].
إيمان الكنيسة
تعترف الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بالمجامع المسكونية الثلاثة: مجمع نيقية 325 م، ومجمع القسطنطينية 381 م، ومجمع أفسس 431 م، وتقرُّ بكل ما أقرََّه الآباء الذين عقدوا تلك المجامع، وتعتبر مجمع أفسس هو المجمع المسكوني الأخير، أي أنَّها لا تعترف بشرعية المجامع اللاحقة ولا سيَّما مجمع خلقيدونية 451 م، والذي اتهمت بعده بالهرطقة المونوفيزية والابتداع في الإيمان وكان ذلك لأغراض سياسية صرفة، فالدولة البيزنطية أرادت فرض سلطته الزمنية والروحية على السوريين والأقباط، وهذا مارفضه وبشدة القسم الأكبر من الشعبين مما أدَّى إلى انقسام الكنيسة في القرن الخامس للميلاد، وكافحت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية على مرِّ السنين للحفاظ على صورة معتقدها القائل بأنَّ المسيحَ كامِلٌ في لاهوته، وكامِلٌ في ناسوته، وأنَّ هاتين الطبيعتين مُتَّحِدَتان في طبيعة واحدة هي "طبيعة تَجَسُّد الكلمة"، فالسريان الأرثوذكس إذن، يؤمنون بطبيعتين: "لاهوتية" و"ناسوتية"، وهما مُتَّحِدَتان بغير اختلاطٍ ولا امتزاجٍ، ولا تغيير"، وهاتان الطبيعتان "لم يَفْتَرِقا لحظة واحدة ولا طرفة عين". وتتشارك هذه الكنيسة عقيدتها مع كل من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية والكنيسة الأثيوبية، وهذه الكنائس تسمى الكنائس الأرثوذكسية المشرقية أو الكنائس اللاخلقيدونية.
لغة الكنيسة السريانية
- مقالة مفصلة: لغة سريانية
في فجر المسيحية كانت اللغة السريانية (الآرامية) واسعة الانتشار في المشرق القديم بل كانت لغة دولية قبل مجئ المسيح بمئات السنين تستعمل كالإنجليزية في أيامنا هذه للمعاملات الدبلوماسية بين الملوك وكلغة عملية بين التجار وفي مجالات أخرى، وكانت لغة سوريا الداخلية ويتكلمها أبناء أنطاكية
إضافة للغة اليونانية (فقد كانت أنطاكية مدينة هيلينستية).
وأيضا كانت اللغة التي يتكلمها اليهود حيث حلت محل لغتهم العبرية التي نسوها تدريجيا أثناء فترة سبيهم إلى بابل في القرن الخامس قبل الميلاد، واقتصر استعمالهم للعبرية فقط في الصلاة وفي قراءة كتبهم المقدسة، ومن المعروف أن المسيح تكلم الآرامية، فقد كانت اللغة الدارجة الاستعمال في الحياة اليومية بين اليهود.
كذلك استعملها السريان كلغة طقسية في الكنيسة منذ بداية المسيحية، كما كتب بها آباء الكنيسة السريانية مؤلفاتهم العلمية والدينية كما قاموا بنقل الكتاب المقدس إلى السريانية بعدة ترجمات أهمها البشيطتا (البسيطة)، وأيضا قاموا بترجمته للغات عديدة كالعربية والفارسية والماليالامة لغة جنوبي الهند، ولايزال أبناء هذه الكنيسة في كل مكان يقيمون طقوس صلواتهم باللغة السريانية إلى جانب لغاتهم المحلية الوطنية.
هناك تشابه بين العربية والسريانية ومنها على سبيل المثال:[22]
- ܐܒܐ آبو بالسريانيه = أب بالعربية
- ܐܬܪܚܡ أتراحام بالسريانية = يترحم بالعربية
- ܙܪܥܬܐ زروعتو بالسريانية = زراعة بالعربية
كما أثرت اللغة السريانية بشكل كبير باللغة العربية.[23]
حاضر الكنيسة
عانت الكنيسة في تاريخها الطويل الكثير من المتغيرات السياسية وكان لبعضها تأثيرات عميقة على أتباعها حتى أن بطريركها السابق إغناطيوس يعقوب الثالث في إحدى مؤلفاته اعتبر وجودها واستمرارها حتى اليوم معجزة؛ حدث أخطر تلك التحديات خلال الحرب العالمية الأولى حين قُتِلَ من السريان قرابة النصف مليون بحسب بعض المصادر السريانية، وذلك على يد الأتراك العثمانيين والميليشيات الكردية في عدَّة أنحاء بجنوب شرق الأناضول، وخاصة منطقة طور عبدين في جنوب تركيا في المذابح المعروفة بسيفو، تزامنت تلك المذابح مع مذابح الأرمن. قدم المؤرخون آراء عديدة لتحديد أسباب تلك المذابح ولكن الأرثوذكس يدَّعون أن الهدفَ الرئيسيَّ كان القضاء على الكفّار من غير المسلمين واعتبارهم بحكم الهوية الدينية عملاء للدول الغربية، مع العلم بأنَّ السريان كانوا يعيشون عيشة القرويين البسطاء ولم تتمكن أي دولة غربية من فرض الوصاية عليهم فهم يعتبرون أنفسهم كنيسة مستقلة إداريًّا خاضعة لسلطة بطريركها الأنطاكي الشرعي، أما البعض الآخر فيدَّعون تعاون بعض الأرثوذكس مع الامبراطورية الروسية في الحرب العالمية الأولى. وتذكر بعض المراجع أنَّ العرب احتضنوا المسيحيين الهاربين من قراهم وقدَّموا لهم المأوى والمساعدة اللازمة لحين انتهاء الحرب.
يبلغ عدد أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية اليوم أكثر من مليوني نسمة معظمهم هم من سكان الهند الذين ظلوا متمسكين بالبطريركية السريانية منذ دخولهم في المسيحية في القرون الميلادية الأولى، كما ينتشر السريان، حالهم حال غيرهم من مسيحيي الشرق، في بلاد الاغتراب إضافة إلى بقاء قسم منهم في أرض الوطن في الشام
وفي الكنيسة اليوم أكثر من أربعين أبرشية ويرأس كلا من هذه الأبرشيات مطران يدير أمورها الروحية والاجتماعية، وكان لهذه الكنيسة فيما مضى مئات الأديرة العامرة بقي منهم اليوم عددٌ قليلٌ، أشهرها دير مار متي قرب الموصل في العراق، ودير مار كبرئيل في طور عبدين جنوب تركيا، ودير الزعفران خارج ماردين في تركيا أيضاً، وأخيراً دير مار مرقس في القدس والذي يعتقد أنَّ فيه أقام المسيح عشاءه الأخير، ويوجد للكنيسة معاهد لاهوتية عدة أهمها معهد مار افرام اللاهوتي في دمشق - معرة صيدنايا الذي دشنه البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص عام 1996 م، وتقوم هذه المعاهد بإمداد الكنيسة بالخدام والكهنة والرهبان والراهبات.
الكنيسة السريانية الأرثوذكسية هي عضو مؤسس في مجلس كنائس الشرق الأوسط، وقد انضمت إلى مجلس الكنائس العالمي عام 1960 م وتشترك باستمرار في الحوارات اللاهوتية على كل المستويات، ونجح بطاركتها في القرن العشرين من إقامة أسس علاقات طيبة وأخوية مع باقي الكنائس المسيحية الأخرى الشرقية منها والغربية، كما أنها تلعب دورا هاما في الحوار المسيحي الإسلامي. من كبار آباء وقديسين هذه الكنيسة، مار إغناطيوس الأنطاكي، مار أفرام السرياني، مار كبرئيل، مار ميخائيل الكبير، العلامة ابن العبري وغيرهم.
يربو عدد أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية اليوم على 7 مليون نسمة،[2][24] حوالي 6 مليون منهم في الهند،[25] والبقية منتشرون في سوريا، لبنان، العراق، الأردن، الأراضي الفلسطينية المحتلة، تركيا، مصر وأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية والوسطى وأستراليا ونيوزيلندا وتتالف الكنيسة في الوقت الحالي من 24 أبرشية عدا أبرشياتها في الهند.[26]
قائمة بأسماء البطاركة السريان في أنطاكية
انظر : قائمة البطاركة السريان في أنطاكية
البطاركة السريان في العصر الحديث
البطاركة السريان الأرثوذكس في العصر الحديث | ||
---|---|---|
الاسم | الصورة |
نبذة |
إغناطيوس بطرس الرابع | -- | البطريرك من 1872 - 1894 |
إغناطيوس عبد المسيح الثاني | -- | البطريرك من (1895-1905) عزل عام 1905 م بسبب مرضه. |
إغناطيوس عبد الله الثاني | -- | البطريرك من (1906-1915) |
إغناطيوس إلياس الثالث | طالب المجتمع الدولي بضمان المستقبل القومي والديني للسريان حيث أوفد في 2 فبراير 1920 المطران (أفرام برصوم) رئيس مطرانية سوريا، على رأس وفد خاص يمثل (السريان) إلى (مؤتمر السلام) في كل من لندن وباريس ولوزان وجنيف، ليعرض عليه مذكرة من ست نقاط، تتضمن مطالب وحقوق السريان في بلاد ما بين النهرين [4] | |
إغناطيوس أفرام الأول برصوم | البطريرك من (1933-1957) | |
إغناطيوس يعقوب الثالث | البطريرك من (1957-1980) | |
إغناطيوس زكا الأول عيواص | البطريرك من (1980-2014) | |
إغناطيوس أفرام الثاني كريم | البطريرك من (2014-الآن) |
طالع أيضا
مصادر
- Gall, Timothy L. (ed). Worldmark Encyclopedia of Culture & Daily Life: Vol. 3 - Asia & Oceania. Cleveland, OH: Eastword Publications Development (1998); pg. 720-721. [1] - تصفح: نسخة محفوظة 08 يوليو 2006 على موقع واي باك مشين.
- Bishop, Peter & Michael Darton (editors). The Encyclopedia of World Faiths: An Illustrated Survey of the World's Living Faiths. New York: Facts on File Publications (1987); pg. 85. [2] - تصفح: نسخة محفوظة 08 يوليو 2006 على موقع واي باك مشين.
- [https://syrian-orthodox.com/ , الموقع الرسمي للبطريركية
- antiochpat.org - تصفح: نسخة محفوظة 02 سبتمبر 2010 على موقع واي باك مشين.
- Syriac Orthodox Resources - تصفح: نسخة محفوظة 14 نوفمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- Syriac Orthodox Church - A Brief Overview - تصفح: نسخة محفوظة 04 يناير 2018 على موقع واي باك مشين.
- CATHOLIC ENCYCLOPEDIA: Eastern Churches - تصفح: نسخة محفوظة 17 يوليو 2018 على موقع واي باك مشين.
- "التاريخ السرياني". مؤرشف من الأصل في 21 يونيو 2009.
- THE TERMS “ASSYRIA” AND “SYRIA” AGAIN، ROBERT ROLLINGER, Leopold-Franzens-Universität, Innsbruck نسخة محفوظة 10 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- Joseph, John (2008). "Assyria and Syria: Synonyms?" ( كتاب إلكتروني PDF ). مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 09 أكتوبر 2017.
- Frye, R. N. (1992). "Assyria and Syria: Synonyms" ( كتاب إلكتروني PDF ). Journal of Near Eastern Studies. 51 (4): 281–285. doi:10.1086/373570. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 10 أكتوبر 2017. pp. 281-285
- Herodotus. "Herodotus VII.63". مؤرشف من الأصل في 05 أكتوبر 2000.
VII.63: The Assyrians went to war with helmets upon their heads made of brass, and plaited in a strange fashion which is not easy to describe. They carried shields, lances, and daggers very like the Egyptian; but in addition they had wooden clubs knotted with iron, and linen corselets. This people, whom the Hellenes call Syrians, are called Assyrians by the barbarians. The Chaldeans served in their ranks, and they had for commander Otaspes, the son of Artachaeus.
- Neue Entdeckung erhöht Verbindung zwischen Suroye und Asuroye، موقع حويودو (بالألمانية) نسخة محفوظة 08 فبراير 2012 على موقع واي باك مشين.
- [dem.org/Arabic/Archev/Henyi_Bedros_Kipha/5.htm]
- "السريان". مؤرشف من الأصل في 7 يناير 2007.
- من هم السريان الآراميون؟ - تصفح: نسخة محفوظة 17 فبراير 2018 على موقع واي باك مشين.
- "عصير الرمان يعالج سرطان الرئة ويمنع انتشار المرض اكثر [الصفحة الرئيسية] - منتديات السريان". مؤرشف من الأصل في 8 يوليو 2007.
- Oops, something lost - تصفح: نسخة محفوظة 25 أبريل 2015 على موقع واي باك مشين.
- الكنائس المسيحية وتاريخها في سورية ( 3 -8 ) | الجمل بما حمل | نضع أخبار العالم بين يديك ونأتيك بـ الجمل بما حمل قبل أن يرتد طرفك إليك فقط انقر على aljaml.com - تصفح: نسخة محفوظة 13 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- https://web.archive.org/web/20140707113041/http://www.kaldu.org/1_chandean_church/patriarchate.htm. مؤرشف من الأصل في 7 يوليو 2014.
- أبنائي الموارنة سلام لكم أينما كنتم وحيثما حللتم - تصفح: نسخة محفوظة 18 يناير 2009 على موقع واي باك مشين.
- dem.org/Arabic/Tarikh_Skafe/7.htm
- الحضارات الشرقية القديمة - تصفح: نسخة محفوظة 15 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
- Adherents.com - تصفح: نسخة محفوظة 08 يوليو 2006 على موقع واي باك مشين.
- Gall, Timothy L. (ed). Worldmark Encyclopedia of Culture & Daily Life: Vol. 3 - Asia & Oceania. Cleveland, OH: Eastword Publications Development (1998); pg. 720-721. [3] - تصفح: نسخة محفوظة 08 يوليو 2006 على موقع واي باك مشين.
- Almawsem – A Blog, Full of Useful Information - تصفح: نسخة محفوظة 10 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
وصلات خارجية
- تاريخ السريان الأرثوذكس
- مجامع كنسية
- أحكـام عامــة
- الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
- الكنائس الشرقية
- السريان والسريانية
- صفحة حول السريانية
- من هم السريان الآراميون؟
- كـنيسة المـشرق بين شـطريها
- الكنائس المسيحية وتاريخها في سورية
- مار مارون وأبناء كنيسته
- تـعـلم السـريانيـة
- الحضارات الشرقية القديمة
- السريان الأرثوذكس