عُرف استخدام الملح قديماً، حيث كان يُستعمل على مر العصور في الطهي والتجارة باعتباره "الصخرة" الوحيدة القابلة للأكل بالنسبة للإنسان. ويتم استخدامه الآن على نطاق واسع في جميع المطابخ في العالم، إما باستعماله كبهار أو كحافظ مُميز لبعض الأطعمة مثل اللحوم المقددة والسمك.[1]
لقد كان للملح تأثير اقتصادي كبير وأحيانًا كان سببًا في وقوع أزمات اقتصادية في بعض الحضارات[2]. يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ المعاملات الاقتصادية في تاريخ البشرية، هناك بعض الأنشطة التي تأثرت باسمه مثل "سالاريو" بمعنى الأجر، أو أسماء بعض الطُرق قبل التارخ مثل روت دو سل في فرنسا وفيا سالاريا في روما القديمة ومدينة ساليناس دي لينث في إسبانيا، كما اعتبروه رمزًا للخصوبة.
ويؤثر الملح على مذاق الأطعمة ويرجع الفضل في ذلك إلى أجهزة الاستشعار الخاصة الموجودة في اللسان والتي من شأنها تمييز الطعام المالح. وعادة ما يُستخدم في الطهي لتعزيز النكهات المختلفة. ويتم استخراج الملح في الأساس من خلال عملية تبخير مياه البحر أو استخراجه من بعض الصخور الغنية بمعدن كلوريد الصوديوم مثل (الهاليت). في الوقت الحاضر يُعتبر الملح مكونًا مشتركًا خصوصًا في الطعام، فمُنذ بدايات القرن العشرين تم ضبط وتحديد كمية الملح المُستهلكة خاصه بالنسبة للمرضى المصابين بضغط الدم المرتفع،[3]. ومن جهه أخرى يتم استخدام الملح في بعض المناطق كنوع من الأغذية الوظيفية حيث يُستخدم اليود للوقاية من الإصابة بتضخم الغدة الدرقية.[4] والأهمية الاقتصادية للملح في السابق لم تبقَ كما هي حتى أواخر القرن التاسع عشر، ويرجع السبب في ذلك نسبيًا إلى ظهور الكثير من الوسائل البديلة والفعالة في حفظ الأطعمة في مجال الصناعات الغذائية الحديثة، فضلًا عن الطُرق المتطورة في استخراج الملح وتصنيعه، ونتيجة لذلك انخفض الطلب العالمي للملح، مع إنه لازال مكونًا مُشتركاً بكونه عنصرًا أساسيًا في أي مطبخ.
بدايات اكتشاف الملح
لا توجد معلومات واضحة حول المرة الأولى التي تم استخدام الملح فيها باعتباره مكونًا أساسيًا في الطعام أو كحافظًا له. من الواضح أن هناك بعض الحيوانات قامت بلعق بعض الصخور المالحة بطريقة عشوائية ومن هنا انجذبوا إليها،[5] ويرى البعض أيضًا أن الأنسان البدائي قد لجأ إلى لعق بعض الصخور من أجل الحصول على طعم مالح، أو ربما اكتشفوا أن الأطعمة التي يغلفها الملح تكون محفوظة لمده أطول.[6]
في الحقيقة إن استخدام الإنسان للملح قد يعود إلى أزمنة بعيدة جدًا، ويجب الإشارة إلى أن قديمًا أغلب الحضارات قد اعتبرت الملح من الأشياء الثمينة والجديرة باستخدامها في المعاملات الاقتصادية.[7]
وفي أوروبا الوسطى هناك بعض المناجم التي تدل علي بدايات استخدام الملح منذ العصر الحديدي (ثقافه مدينه هالستات).[8] من المُحتمل أن اكتشاف الملح جاء من خلال تسخين مياه البحر المالحة والحصول على ماده غير قابلة للتحلل أو من خلال استخراج صخور الهاليت.[9] وفي العصر الحجري الحديث تم إنشاء بعض الطُرق التجارية التي تربط مختلف المناطق البعيدة التي تبحث عن الاستقرار، تلك الطُرق كانت مسؤولة عن توفير الطرق الآمنة للنقل البضائع بهدف تداولها بين الشعوب المختلفة، بعض هذه الطرق أصبحت فيما بعد طرقًا مُخصصة لنقل الملح مثل طريق الت سالستراب(يقع علي مسافه 100كم من ألمانيا)، والذي يربط بين مناجم الملح في لونيبورغ ولوبيك.[10] هذه الطرق التي تم من خلالها نقل مختلف البضائع أصبحت في العصر الروماني من أهم الطرق التي يتم من خلالها نقل الملح من مراكز الإنتاج إلى أسواق الاستهلاك، مثالًا على ذلك طريق ليغوريا في فرنسا وطريق ساليناي دي بيارن.
بداية الظهور في أسيا
تم العثور لأول مرة على الملح عام 2000 ق.م في القارة الآسيوية في منطقه تشونغبا(Zhongba) في وسط الصين[11] على أول نص وصفي يوثق طريقة استخراج الملح (غالبًا من المناجم)، وكذلك استخدامه في الطهي وحفظ الطعام. ودليلًا على ذلك تُوجد بعض الأواني المصنوعه من الخزف أو خزف المُستخدمه في تخزين ونقل الملح. لقد استخدم الصينيون الملح منذ زمن بعيد في الطهي وحفظ الطعام، ومن هنا انتشر استخدامه في جميع أنحاء آسيا، في صناعه بعض أنواع الصلصات والتي أصبحت من أهم السمات المميزة للمطبخ الآسيوي، حيث أصبحت الصين واحدة من أهم الدول المنتجة للملح في العالم في القرن الواحد والعشرين.
وفي عهد الإمبراطور الصيني هوان جي دي في عام 2670ق.م. تم توثيق أول استخدام للملح في الطعام. حيث كان أول اكتشاف له في الشمال، في إقليم شانسي المليء بالجبال والبحيرات المالحة.[12] في الصيف بعد تبخر مياه تلك البحيرات يقوم سكان المنطقة بجمع بلورات الملح المتكونة على السطح. ومن أوائل عمليات استخراج الملح التي تعود إلى زمن سلاله شيا في سنة 800 ق.م. باستخدام الآلات الهيدروليكية أو المعروفة بـمضخات المياه. حيث يتم وضع المياه داخل أوانِ مصنوعة من االفخار الصيني ويتم تسخينها فوق الحطب ومن ثَم الحصول على بلورات الملح بعد تبخر المياه. وأيضًا يظهر في هذا الوقت في الصين أول استخدام للملح في مجال تصنيع الغذاء مثل: صلصة الصويا والمصنوعة من فول الصويا المُخمر[13] وكذلك تم تصنيع صوص السمك والذي عُرف في وقت لاحق في مناطق البحر المتوسط[14]، بدأت عملية تصنيع فول الصويا لأول مره في سنة 700ق.م. من قِبل الرهبان البوذيين القادمين من اليابان،[15] وبعدنجاح هذه الصلصة تم الترويج لها كما استُخدمت مع أنواع أخرى من الخضروات وتُطبق عمليه مشابهة للطريقة المُتبعة في عمل فول الصويا مثل طريقه عمل الملفوف الصيني المخلل في مدينة زيجونج (المعروفة بمدينه الملح) وكذلك عمليه نخمير جذور الخردل. وهناك استخدامات أخرى للملح في الصين لحفظ بعض الأطعمة سريعة التلف مثل السمك والبيض، حيث يُعتبر البيض المحفوظ في الملح على الطريقة الصينية من الأطعمة التقليدية القديمة جدًا في الصين، وهذه الطريقة ساهمت في تسهيل عمليات التجارة والنقل هذه البضائع في المناطق الداخلية آنذاك.
خلال القرن الثالث ق.م. في محافظة سيشوان كان هناك رجل يدعى لى بينغ ،كان المهندس المسؤول في حقبة الممالك المتحاربة[16] والذي استطاع وضع نظام لاستخراج الطين المالح من الآبار المالحة التي وصل عمقها إلى ما يقرب إلى 100متر ويتم ضخ الطين باستخدام أنابيب طويلة مصنوعة من خشب الخيزران، ثم وضعها في أواني معدنية ويتم تسخينها حتى الغليان وبعد عملية التبخير يتم الحصول علي بلورات غير مُتجانسة من الملح. وجدير بالذكر أن الحرارة المستخدمة في عملية التبخير تتم من خلال استعمال الغاز الطبيعي الذي يتم استخراجه أيضًا من الأبار المالحة أثناء استخراج الملح. ذلك الملح المُستخرج خلال عملية التعدين كان يُمثل دخلًا قتصاديًا هامًا في الدولة.
ومن جهه أخرى، تم العثور على بعض النصوص التي توضح فرض ضريبة على جميع عمليات بيع وشراء الملح. ويُسمى النص الأول الذي ذكر تلك الضرائب التجارية المفروضة اسم جوانزي ,[17] ونتيجة لتلك المعاملات انتشر احتكار الملح والذي استمر لمده 300 عام[18] وبفضل هذه الضرائب تم تمويل جزء كبير من عمليه إنشاء سور الصين العظيم.
حيث اعتبر الملح في هذه الفترة من الأطعمة الفاخرة وليس بغريب أن نجده ضمن الوصفات المميزة في مآدب النبلاء من الطبقة الأرستقراطية، ومن هنا يتوقع ظهور أول هزازات للملح (ملاحات الطعام) على موائد الطعام. لقد استخدم المغول الملح منذ زمن سحيق، حيث كانوا يمتلكون العديد من البحيرات الملحيه في جميع أنحاء إمبراطوريتهم المُترامية الأطراف والتي تمد رعاياهم بالكميات الكافيه من الملح، في هذه المناطق يتم صناعة نوع من الشاي التقليدي المصنوع من صخور الملح المفتتة.[19]
جنوب شرق آسيا والهند
لقد لاقت الصلصات المصنوعه من السمك المملح رواجًا كبيرًا في الصين والفضل يرجع في ذلك إلى الملح ومن ثَم أصبحت لها شعبية كبيرة في مختلف الأكلات الآسيوية. فنجد في تايلند صلصة النام بلا، وفي الفلبين تُصنع صلصة الباجونجو ، وفي فيتنام صلصة النوك شام المُستخدمه في احتفالات أعياد الميلاد. هناك العديد من الصلصات المماثلة في طريقه تحضيرها وحازت علي نفس درجة شعبيتها مثل: عجينه الروبيان الأسيويه ، والتي تتم بنفس طريقه صلصة السمك. عندما وصلت قوات الاستعمار الفرنسية إلى فيتنام في القرن التاسع عشر وشاهدوا الشعب الفيتنامي يتناول النوك شام ادعوا أنهم يأكلون سمكًا فاسدًا، غافليين عن هذه التقاليد الساحلية المُشابهة في سواحل روما المطلة على البحر المتوسط.
أما عن المطبخ الياباني، عادةً لا يُسرفون في استخدامهم للملح ويرجع ذلك لصعوبة استخراجه، ومع ذلك يتم استخدامه في بعض الأنواع مثل التيمبورا والياكيتوري،[20] كما يُستخدم في صناعة بعض المخللات التقليدية بجانب الطحالب. الشيوياكي هو طريقة يابانية لطهي السمك مع إضافة كمية وفيرة من الملح، وبهذه الطريقة فإن استخدام اليابنيين للملح يُعتبر مُلائم لإنتاجه المحلي، فطبيعة المناخ في اليابان تكون رطبة ولذلك فإن عمليه تبخير مياه البحر تقوم على التسخينة حيث أن الاعتماد على استخراج الملح فقط من خلال عملية التعدين غير فعال نظرًا لقله النشاط التعديني في هذه الجُزر.
وفي الهند تمتلك مخزون من الملح الصخري في ولاية بنجاب، ومع ذلك، فالهنود يفضلون تبخير مياه البحر عن طريق الشمس فضلًا عن الوسائل الأخرى المُتبعة. وفي الوقت الحاضر ظهر استخدام الملح بألوان مختلفة مثل الملح الأسود والذي يُعد سمة مميزة لهذه المنطقة. وهناك أيضًا مناطق أخرى مُنتجة للملح على سبيل المثال ولاية أوديشا، حيث يُوجد بعض مناجم الملح تُسمى كالاريس وتشتهر بإنتاجها العالي الجودة من الملح. وعندما وصل المستعمرون البريطانييون إلى الهند (والتي أصبحت فيما بعد مستعمرة بريطانية)، فقد استولوا على ولاية أوديشا وأسواق الملح وأصبحت حكرًا لهم، [21] وسُرعان ما أصبح الملح رمزًا اقتصاديًا قويًا لبريطانيا في الهند، وحتى عام 1930 عندما قام غاندي باحتجاجه الشهير المعروف بـمسيرة الملح، مطالبين برفع الضرائب عن الملح وترتب على ذلك بعد عدة سنوات سقوط الاستعمار البريطاني في الهند.
ظهور الملح في الشرق
مصر القديمة
تم العثور في صحاري مصر قديمًا علي بعض المومياوات المحفوظة في الرمال المالحة (تتكون من مزيج من الملح والنترون) والتي يعود تاريخها لعام3000ق.م. وهذا وإن دل على معرفة فوائد الملح في الحفظ قديمًا منذ عهد الفراعنة. ومع ذلك، يرى بعض المؤرخين أن قدماء المصريين قد اقتصر استخدامهم للملح فقط في عمليات التحنيط كمادة مجففة وخاصه في المراحل الأولى من إجرائها،[22] كما عُرفت أيضاً استخدامات أخرى للملح في الطهي وفي الطقوس الدينية والمراسم الجنائزية،[23] ومن الاستخدامات المعروفة للملح في الطهي هناك صلصة قوامها الملح والخل والثوم والتي استخدمها الرومان فيما بعد، كما استُخدم الملح في صناعة نوع من النبيذ المصنوع من الرمان.
يُعتبر قدماء المصريين أول من حفظوا اللحوم بالملح مُنتجين بذلك أول أنواع اللحم المقدد. وبذلك يعتقد البعض أنها من أوائل الثقافات التي عرفت اللحوم والأسماك النيلية المملحة، فهم أول من أعد البطارخ المملحة، وهو طبق شهير في المدن المطلة على البحر المتوسط. وهم أيضًا أول من تناولوا ثمار الزيتون المنقوعة في الماء والكثير من الملح. بلينيوس الأكبر في كتابة التاريخ الطبيعي يسرد فيه بعض التفاصيل عن كيفية اكتشاف الملك بطليموس الثاني الملح في بعض الصحاري القريبة من الفرما.[24] ومن جهة أخرى، كان الفراعنة يحصلون على الملح من بعض الملاحات الشمسية القريبة من دلتا النيل، بالإضافة للتجارة القائمة بينهم وبين مدن البحر المتوسط لا سيما بين ليبيا وإثيوبيا. حيث تعددت أنواع الملح لدى المصريين القدماء مثل ملح الشمال والملح الأحمر المُستخرج من مدينة منفيس، حيث اشتهر الفراعنة بخبرتهم في تصدير المواد الغذائية مثل:العدس والقمح، ويرجع ذلك لاستخدامهم بعض التقنيات لحفظ الأطعمة مما ترتب عليه زيادة أنواع السلع الغذائية المصدرة مما يعود بالنفع أيضًا على التجار المصريين. وهذا هو سبب تفوق المصريين القدماء باعتبارهم أول من صدروا السمك المملح قديمًا، ونتيجة لاستهلاك المصريين الزائد للأطعمة المملحة جعلهم أيضًا مستوردين للملح مما عاد عليهم بمنافع اقتصادية كبيرة.
ولازالت هذ الطُرق التجارية موجودة حتى الآن ويتم استخدامها في نقل حاويات الملح مثل طرق يُسمى ازالاي وتعني باللغة المصرية القديمة (قوافل الملح)، وهذا الطريق الذي تمر بـالصحراء الكبرى، كان التجار ينقلون عبره كميات كبيرة من الملح بواسطة الجمال إلى العديد من المُدن المُطلة على البحر المتوسط وشمال أفريقيا، وفي عام 1960 تم تصدير عبر هذا الطريق ما يقرب من 15,000 طن من الملح.[25]
الإمبراطورية الرومانية
في أوروبا كان الملح يُستخرج من مناجم هالين (وتعني الملح) وهي مدينة تقع بالقرب من سالزبورغ (ومعناها أيضًا مدينة الملح)، يُعد هذا من أوائل إسهامات أوروبا في تجارة الملح.[26]
وتُعتبر شعوب الكلت من أوائل الثقافات في عصر الرومان التي عرفت استخدام الملح في الطهي وحفظ الطعام، بالإضافة لاستخدامه في صنع اللحوم المقددة. ونتيجة للزحف الروماني ولخضوع هذه الشعوب للحكم الروماني انتقلت لهم معرفة استخدام الملح إليهم تدريجيًا. ومنذ اللحظات الأولى في الإمبراطورية الرومانية أصدر الحُكام قوانين تثبت أحقية امتلاك كل فرد لحصة محددة من الملح (ومن هنا جاء مفهوم تحديد نسبة امتلاك الملح). العهد الروماني لم يقتصر فقط على تجارة الملح، خلافًا لما حدث في الصين في هذه الفترة، بل بالعكس ظهرت أهمية الملح عند الرومان في أنه غالبًا ما كانت تتوقف بناء بعض المدن الرومانية أو هجرها اعتمادًا علي قربها من مناجم الملح. وفي وقت لاحق تم تأسيس البنية التحتية لنقل وتجارة الملح في جميع أنحاء أوروبا، وبعض أسماء هذه الطُرق الهامة مرتبطة بأسماء أخرى للأنشطة التجارية المتعلقة بإنتاج وتجارة الملح مثل طريق فيا سالاريا. في هذا العصر كان الملح ضروريا جدًا بالنسبة للجنود والمُحاربين وكذلك الخيول، وفي بعض الأحيان كان الجنود يتقاضون رواتبهم ملحًا ومن هنا يأتي أصل كلمة سالاريو) بمعنى مُرتب، ومن جهة أخرى يرجع أصل كلمه محارب (سولدادو) في اللغة القشتالية أو الإسبانية تأتي من كلمة (سولد) الفرنسية والتي تعني يدفع.[27] اشتغل الرومان بتجارة الملح عبر البحر المتوسط حيث قاموا بإنشاء الموانئ البحرية مثل الموجودة في أوستيا أنتيكا وأفسس في ميناء بأورمو وكذلك فالاسارنا واكيليا.
ومن عادات الرومان أنهم كانوا يضعون كميات كبيرة من الملح في الأطباق التي تحتوي على أنواع عديدة من الخضروات لتعزيز المذاق الحمضي لها ومن هنا يأتي أصل كلمة السلطة انسالادا، وعلى سبيل المثال كما أوضح كاتو الأكبر في كتابة عن الزراعة قال أن الملفوف يجب أن يؤكل مع الكثير من الملح. كما يُضاف الملح إلى النبيذ لعمل نوع من النبيذ المتبل يُسمى ديفروتوم. لقد كان استهلاك الرومان للملح مُرتفعًا حيث ذكر بلينيوس الأكبر أن معدل تناول الفرد للملح يُقدر بـ25 جرام يوميًا، مُضيفًا أن الطعام كان يُباع أيضًا في الأسواق مُمملحًا على الطريقة الرومانية، حيث تعلم الرومان من السلتين طريقه تمليح لحم الخنزير ومنتجات اللحوم الأخرى، وفقًا لِما جاء عن الجغرافي والرحالة سترابو أن لحم الخنزير المصنوع في أراضي السلت والقادم من المناطق القريبة من غابات بورغوني (منطقة فرنسية)، أحد أراضي السلتيين قديمًا، هو أفضل الأنواع عند الشعب الروماني. كما استورد الرومان لحم الخنزير المقدد من مناطق أخرى كانت قديمًا تابعة لشعب السلت مثل وستفاليا في ألمانيا. وكذلك الحال في بعض المناطق في إسبانيا التي كانت دائمًا ما تقوم بتمليح لحم الخنزير وخصوصًا الأنواع المحلية مثل الخنازير الإيبيرية.[28] ومن جهة أخرى كان الرومان يستخدمون الملح كأسلوب انتقامي لتجريف الأراضي الزراعية لمنع الفلاحين من العودة للزراعة فيها مرة أُخرى.
ومن أنواع الخضروات الأخرى التي كان يتم تمليحها كان الزيتون، حيث كان النبلاء قديمًا يتناولون الزيتون المنقوع في محلول ملحي في بداية الطعام كفاتح للشهية على الرغم من أنه كان من الأطعمة المُنتشرة بين عامة الشعب. كما كان الناس يُطلقون على الأطعمة التي تحتوي على كمية كبيرة من الملح اسم المخللات، ومن بين تلك الأطعمة المُختارة نجد صلصة الجارو والتي تتكون من نوع من صلصلة السمك المملح بكمية وفيرة من الملح، ومن أجود أنواع الجارو هو السردين والذي يُصنع من البونيتو. وكانت صلصة الجارو وبعض مُشتقاتها تُستخدم كبديل للملح في الطعام،[29] وفي هذه الفترة انتشرت صناعة هذا النوع من الأسماك المُملحة في جميع البلدان الساحلية المُطلة على البحر المتوسط. بالإضافة لدخولها في صناعة أربعة أنواع أخرى من الصلصات مثل:الموريتوم واليكوامين والليك والالموريا، ولكن المكونات الأساسية لهذه الأنواع وطريقة صنعها الصحيحة قد اندثرت على مدار السنين ولم يتبقي من معرفتها إلا القليل، ماعدا ما ورد في بعض السجلات المكتوبة، يرجع بعضها للطاهي الروماني ماركو جافيو ابيكو والتي أشارت إلى أن مناطق استخراج وتصنيع الملح كانت تُوجد بشكل عام بالقرب من مناطق صيد الأسماك.[30]
ومن جهة أخرى فقد عثر الرومانيون أيضًا على مناجم للملح داخل أوروبا وتحديدًا في جرمانيا العليا، وكثير من هذه المناجم دُمرت أو أُغلقت بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية. وفي بعض الأحيان تم فتح بعض هذه المناجم التي تقع بالقرب من الأديرة ودخلت حيز الإنتاج في وقت لاحق من العصور الوسطى. وحدث ذلك في مناطق مثل جبال الألب في بافاريا والنمسا. ويمكننا مُلاحظة كيفية تقدم إنتاج الملح وأهميته في الشمال. عندما وصل إلى بريطانيا وكيف تم التفرغ لإنشاء الملاحات في مدينة نانتويش ومُدن وحصون ديفا بكتريس وستوك -أون-ترينت بالملح.[31] وهناك العديد من المدن البريطانية والتي تنتهي أسمائها بكلمه (وتش)، ومعناها إثراء باللغة الأنجلوسكسونية،[32] كانت مُدن مُنتجة للملح. ومدينة تشيشير تعتبر واحدة من تلك المدن البريطانية التي كان الملح شعارًا لها منذ العصر الروماني وحتى القرن التاسع عشر وقيام الثورة الصناعية.
أوروبا في العصور الوسطى
تركت روما بعد سقوطها عددًا كبيرًا من الملاحات التي تحوي كميات ضخمة من ملح عالي الجودة على امتداد البحر المتوسط. من أكثر المدن إنتاجًا للملح كانت مدينة البندقية التي استمرت حتى القرن الثالث عشر وتلتها مدينة جنوة. والطريقة المُتبعة حاليًا في تبخير مياه البحر ببطء في أحواض مُتتالية بفعل ثأتير أشعة الشمس والرياح قد لاقت نجاحًا كبيرًا في القرن السادس، ومن ثم زاد إنتاج الملح وسرعان ما بدأت التجارة فيه بكمات كبيرة مع بعض الموانئ الأخرى.
ومن جهة أخرى اشتهرت بعض المدن بإتقانها لبعض المنتجات الغذائية التي يكون الملح عُنصرًا أساسيًا فيها، مثل لحم الخنزير المصنوع في مدينة بارما ولحم الهام الإسباني ولحم الخنزير البايوني في مدينة بايونا، الجبن (الفرق بين الجبنه الطازجة والجبنة المحفوظ هو كمية الملح المُضافة)، وأيضًا النقانق مثل السلامي (وكلمة السلامي هنا تأتي من الكلمة اللاتينية ملح) بالإضافة مخلل الملفوف والأزلسي.[33]
منطقة ريشينهول (تقع في ولاية بافاريا بألمانيا) كانت هي أكبر مركز تجاري للملح قد تم تدميره بالكامل من قِبل أتيلا الهوني، ولكن في العصور الوسطى استعاد قوته مرة أخرى بل وأصبح مُنافسًا قويًا لـيرشتسجادن أكبر منطقة للتعدين آنذلك، حيث أصبح الملح عنصر قوة أساسي في أوروبا حتى عام 1600.[34] وفي مملكة المجر كانت عائدات الملح حكرًا فقط للملك، حيث طُبق ذلك منذ عهد الملك ستيفن الأول ملك المجر (997-1038). وعندما نظم الجيش الملكي في المجر مسيرة احتجاج ضد القائد أخيتوني، أحد القادة المحليين بإيعاز من الملك لأنه كما تروي كتب الناريخ لم يكن مُلتزمًا دينيًا، لم يستجيب للقوة الملكية وقام باحتلال المناجم التابعة للملك استيفان.
وحالياً في مدينتي زيجيد وزولنوك يوُجد اثنان من أهم مراكز التخزين في ذلك الوقت حيث كان يُنقل إليها الملح الذي تم تجميعه عبر الطريق النهري من منطقة ماروس في منطقة ترانسلفانيا، والتي تقع حاليًا في غرب رومانيا. وطبقًا لبعض المصادر التاريخية قيل أنه في العصور الوسطى كان هُناك الكثير من التجار الرومان والأترك الذين يُبحرون عبر نهر تيسا باستمرار حاملين إلى بلادهم بضائع من الملح الذي جلبوه من أراضي المجر.[35] وبسبب فرض الضرائب الباهظة على المواطنين، قام الناس في بعض المناطق في مدينة توسكانا بعمل الخبز بدون ملح ويُسمي هذا النوع (سيوكو)، وذلك منذ عام 1100 ولا زال موجود حتى الآن.[36]
سيطرت دولة المرابطين على أغلب أرض الجزيرة الإيبيرية، وكان الملح مِن أهم معادن البلاد التي سيطر عليها المرابطون في أفريقيا، وكان يصدر على شكل ألواح مقطوعة تحملُها الجمال إلى بلاد السودان وغانا، وكان الحمل الواحد يُباع بعشرة مثاقيل مِن الذهب، وكان للملح أهمية في الحياة الاقتصادية، حيث كان يقطع قطعًا صغيرة يقايضون به كالذهب والفضة. وهناك منطقة كاردونا وهي واحدة من أهم مراكز إنتاج الملح في شبه الجزيرة الأيبيرية خلال العصور الوسطى، حيث زود ميناء برشلونة على مدار قرون بالملح بالإضافة لمناطق عديدة في أوروبا، وعلى وجه الخصوص ميناء جنوة. وبمرور الوقت أصبح ميناء جنوة منافسًا لميناء البندقية، حيث كانوا روادًا في مجال التأمين البحري ويمتلكون قوارب كبيرة، كما تمكن بعضهم من عبور المحيط الأطلسي. ونتيجة لهذه المنافسة القائمة بينهم اندلعت حرب كيودجا (1376-1381) والتي ضمن أسبابها تجارة الملح في أوروبا، وانتهت أخيرًا بهيمنة ميناء البندقية على تجارة الملح في القرن الرابع عشر. مملكة بوهيميا (تقع في منطقة سيليزيا تحديدًا) من أجل التخلص من تبعيتها لبولندا بسبب الملح، دعّم الملك فرديناند الأول عام 1563 إنشاء مدينة جديدة قادرة على الإتجار في الملح، كانت المستوطنة الجديدة تُسمى (مدينة الملح الجديدة) أو (Zum Neuen Saltze) بالألمانية وفي الحاضر هي مدينة نوا سول.[37]
بدأت الأمم المتحدة في الشمال التجارة بالملح بسبب الحاجة لحفظ الأطعمة خاصة الأسماك، ومنها إيرلندا، في عقد التبادل التجاري بينها وبين ميناء كرواسيك في فرنسا. في بعض الحالات كان الملح يُستخدم في حفظ الأطعمة سريعة التلف مثل الزبد وبهذه الطريقة نتجنب تغير طعمها، وهناك أيضًا بعض المنتجات الغذائية في الوقت الحاضر مثل لحم بقر محفوظ في الملح الذي استمر بفضل هذه الطريقة حتى الآن. وسرعان ما عُرفت طريقة تمليح الأسماك والتي سهلت على البحارة السفر إلى مناطق بعيدة. ومعرفة هذه الطريقة تطورت أكثر في فترة الاستعمار الأوروبي حتى يتمكنوا من الحفاظ على الطعام في حالة جيدة أطول فترة مُمكنة.
عصر النهضة
في مطلع القرن السادس عشر ذاع صيت بعض النحاتين مثل بنفينوتو سيليني الذي اشتهر بتصميمه لبعض هزازات الملح المصنوعة من الذهب وبها بعض النقوشات لإله البحار نبتون. كان أغلب إنتاج الملح القادم من وسط أوروبا تحت تصرف آل هابسبورغ الذين كانوا يسيطرون على أغلبية المناجم هناك وبذلك أصبحوا محتكرين لتجارة الملح آنذاك. وهناك بعض المناجم التي خُصص إنتاجها لتزويد المناطق الفقيرة بالملح كما هو الحال في بولندا في مناجم جبال ويليكزيكا (القريبة من بوهيميا). وفي منطقة ألزاس يحظى الملفوف المملح بشعبية كبيرة امتدت إلى بولندا (البيجوهو الطبق الشعبي في بولندا ويتكون من الملفوف المخلل واللحم) ووصل أيضاً إلى روسيا. وفي ليتوانا هناك طريقة مقدسة لحفظ وحماية الخضروات بالملح، هذه الطريقة المميزة تُسمى ("'Roguszys)أو روجوسيز.
وفي القرن السابع عشر حظيت الأنشوجة بشعبية كبيرة جدًا في إنجلترا حيث استخدموها مفتتة مثل البهارات لعمل نوع معين من الصلصة، حيث أن الأنشوجة المملحة لاقت رواجًا كبيرة في أوروبا، وكان هذا النوع من الصلصة معروف قديمًا باسم katchp أو catchup (الكاتشب).[38] وتأتي كلمة (كاتشب) مُستهمدة من اسم الصلصة المصنوعة من السمك وفول الصويا وتُسمى كيكب ايكان، وهو اسم لبعض الصلصات الإندونيسية تحمل نفس الاسم صلصة الصويا (وهي تًنطق في إندونسيا ككلمة كاتشب). هذه الصلصة كانت تُستخدم في المطبخ الإنجليزي منذ القرن السابع عشر وقبل ذلك كانت بالفعل موجودة أيضًا في مدن البحر المتوسط المعروفة باسم صلصة الجارو . وفي الولايات المتحدة تغيرت صلصة الكاتشب الإنجليزية وبعد إضافة صلصة الطماطم إليها، وبمرور الوقت تحولت تدريجيًا من كونها صلصة مالحة إلى صلصة مُختلفة تمامًا ذات مذاق لاذع أو شبة حلو.
أدت الضرائب التي فرضها النظام الفرنسي القديم على الملح والمعروفة باسم الجباية إلى انتشار أعمال الشغب والتمرد في جميع أنحاء البلاد. وهذه الضريبة كانت تنُص على أن كل شخص يبلغ عمره ما فوق الثمانية أعوام عليه أن يدفع مسبقًا قيمة استهلاك سبعة كيلوجرامات من الملح طبقًا لما حدده الملك. وأطلقوا على هذه الضريبة (الملح الواجب)، حيث يعود تاريخ الملاحات الملكية ارك اى سينانس . وفي عام 1790، أعلن المجلس القومي أن ضريبة الملح هذه "مبغوضة" لدى الشعب وألغوا تطبيقها. ولكن بعد سنوات لاحقة رجع نابليون بونابرت وأعاد فرضها.
وفي أماكن مختلفة من العالم انتشر الحديث عن الملح، وعلى سبيل المثال في إسبانيا ألّف الكاتب والمؤرخ برناردينو جوميز مياديس عام 1579 كتاب من ثلاثه أجزاء يُسمى (Comentarios acerca de la sal) أو (آراء حول الملح).[39] هذا الكتاب يدور حول نقاش أو خطاب بين مجموعة من الشخصيات الخيالية مثل كينتانا (الذي يستهلك كثير من الملح) ومتروفيلو (معارضًا لاستخدام الملح) موضحاً للقارئ الشكوك وا الآراء المختلفة عن تناوله.
وفي أوروبا قام بعض الكيميائيين مثل جون رودولف غلوبير بمعالجة الملح وتكريره لدرجة نقاء عالية، وأطلقوا عليه اسم الملح النقي، وبهذه التركيبة السرية استطاع أن يبيعه مما عاد عليه بالكثير من الربح.[40] في إسبانيا ما بين عام 1631 و1634 اندلعت في مقاطعة بيسكاس العديد من أعمال الشغب المعروفة ب(تمرد الملح)، وكان سبب هذه الثورة هو صراع اقتصادي بسبب زيادة أسعار الملح المخزون في المقاطعة.[41]
الملح في الأمريكيتين
تنعكس أهمية الملح في الأمريكيتين من خلال بعض المقدسات في الثقافة الهندية التي تُعبر عن تقديرهم للملح. جدير بالذكر أن تاريخ الملح في أمريكا تاريخ حافل بالكثير من الحروب من أجل السيطرة على إنتاجه، حتى قبل وصول المستعمرين الأوروبيين إلى هناك. حيث أن احتلال الأوروبين للأراضي الأمريكية لم يغير فقط من نظام توزيع تجارة الملح في البلاد، بل أدت إلى زيادة الطلب عليه وتصنيعه.
أمريكا الشمالية
جذب انتباه الفاتح الإسباني إرناندو دي سوتو خلال رحلته عبر نهر الميسيسيبي عام 1541 أن قبائل الهنود الحمر كانوا يجمعون الملح على طول النهر. وعند وصول الإنجليز إلى مدينة نيوفاوندلاند في أمريكا الشمالية شرعوا في صيد سمك القد مما أثر على الطلب المحلي هناك، حيث عمل البحارة الإنجليز على استغلال مجموعة كبيرة من الملح والسمك في الأسواق إما عبر الطُرق الدبلوماسية أو عن طريق الحروب. ومن جهة أخرى كانت البرتغال في هذه الفترة تمتلك كمية كبيرة من الملح والسمك ولكنها كانت في حاجة إلى حماية الأسطول الفرنسي، وبذلك لجأت البرتغال لعقد تحالف مع إنجلترا من أجل حمايتها في مقابل الملح، وبموجب هذا التحالف كان لإنجلترا الحق في الإستيلاء على مناجم الملح في سال، الرأس الأخضر. وفي القرن السابع عشر قامت قوات البحرية الإنجليزية (المارينز) بعدة معارك حربية والإستيلاء على عدد كبير من سفن الملح الإسبانية التي كانت تُبحر في منطقة جزر جران تورتوجا (حاليًا هي جزء من فنزويلا). وفي عام 1684كانت منطقة برمودا مُستعمرة بريطانية وسُرعان ما استولوا على أسواق السمك هناك وبالتالي احتاجوا كميات من الملح لحفظه، ولكن منطقة برمودا كانت تفتقر إلى الملح نظرًا لمناخها البارد، الأمر الذي جعلهم يلجئون إلى جزر الباهاما (تُسمى في الجنوب مدينة الملح، جزر توركس)، هذه الجزر أصبحت مركزًا لصناعة الملح لصالح البوارج البريطانية. تُعتبر جزر جران تورتوجا من أبرز الجزر المنُتجة للملح.
كانت هناك ثلاث دول متنازعة على احتكار سوق الملح في أمريكا الشمالية هي:هولندا وإنجلترا وفرنسا. حيث سمح الهولنديون للمستَعمرين ببناء ملاحات قريبة من منطقة نيو أمستردام. وفي فترة الثورة الأمريكية حظيت بعض المنتجات الغذائية بشهرة كبيرة مثل لحم الخنزير المقدد المصنوع في فرجينيا (الذي يُطلق عليها في الولايات المتحدة الأمريكية اسم مدينة الهام).
لجأ المستعمرون الأمريكيون إلى حفظ الأطعمة التي جلبوها من بلادهم بالملح، وذلك تحسبًا لفترات نقص الملح الذي كان يؤثر على المنتجات المحلية من الطعام المملح. عندما بدأت موجة الاستقلال كان الملح عنصر ضغط بين البلاد على المستعمِرين. وبعد معركة بانكر هيل انقطعت نهائيًا إمدادات الملح الأمريكية. مما اضطر المستعمِرين إلى توفير احتياجتهم من الملح عن طريق غلي مياه البحر. جزيرة كيب كود كانت واحدة من أهم مراكز إنتاج الملح خلال الاستقلال الأمريكي. وبمرور الوقت تم اكتشاف مصادر ملح غاية في الأهمية مثل البحيرة المالحة الكبرى (كما يُطلق عليها بالإنجليزية Great Salt Lake أو بالإسبانية Gran Lago Salado'")، وتقع بالقرب من بونفيل شمال غرب يوتا، حيث تبلغ مساحتها 412 كم2 تقريبًا.
بموجب اتفاقية فرساي عام 1783 لم تهمل مسألة توزيع الملح في المستعمرات، جزء كبير من المراكز المُنتجة للملح كانت موالية لبريطانيا العطمى، مثل جزر توركس وكايكوس بالإضافة إلى مدينة الملح، جزر جزر توركس وكايكوس وكيب كود،[42] هذه المراكز كانت تُرسل إنتاجها من الملح إلى أوروبا بدلًا من المستعمرات الجديدة. وبهذه الطريقة بدأت أنحاء كثيرة من الولايات المتحدة إنتاج كميات كبيرة من الملح لتلبية الطلب المحلي المتزايد. ولكن بعد معركة نيو أورليانز أصبح للسكان المحليين الأولوية عن المستعمرين البريطانيين، بذلك أصبح لأول مرة للسكان نصيب من إنتاج الملح. وفي عام 1817 تم إنشاء قنال ايري بفضل الأموال التي تم تحصيلها من فرض الضرائب على الملح، حيث فتحت القناة وسيلة اتصال هامة بين المناطق القريبة من نيو يورك. وفي عام 1860 أصبح استهلاك الفرد للملح في الولايات المتحدة أكبر من أوروبا.
أمريكا الوسطى والجنوبية
كان شعب الأزتيك يقيم احتفالاً دينياً يُسمى بكستوسيات، وفيه تحضر امرأة تعمل في صناعة الملح وتقوم بتقديم رقصة للألهه.[43] كان الأزتيك تحمي طُرق تجارة الملح بقوات عسكرية.[44] وكان الإنكا أيضا من منتجي الملح، من خلال الآبار الموجودة في كوزكو. وكذلك قبيلة الموسكا (حاليًا تعيش بالقرب من بوغوتا)، كانت تحكم هذه المنطقة وعُرفوا بقدرتهم على الحصول على الملح من خلال تبخير رواسب الآبار المالحة.[45]
قبل وصول الإسبان لأمريكا الجنوبية كانوا يستخرجون الملح من حوض الملح في المكسيك. وكان هناك تُجار مختصين بتجارة الملح يكرسون أنفسهم للانتقال من سوق إلى آخر حامليين أواني مليئة بالملح مصنوعة من خزف.[46] وبعد الاستعمار الإسباني للأراضي الأمريكية استولوا علي جميع مراكز إنتاج الملح، (إرنان كورتيس أحد القادة القادم من إحدى المناطق القريبة من الملاحات الموجود في إسبانيا والبرتغال كان يرى أن ذلك هو الصواب). ومن المعروف أن قبائل الناواتل (السكان الأصليون في أمريكا الشمالية وتحديدًا في وسط المكسيك) قد حافظوا على استقلالهم بعيدًا عن بطش إمبراطورية الأزتيك من خلال تقليل استهلاكهم للملح وبذلك تجنبوا فرض الضرائب التي كانت سوف تُفرض عليهم من قبل الأزتيك.
كان شعب المايا يستخدم الملح كدواء، وأصبح أيضًا مُرتبطًا بطقوسهم الدينية في أعياد الميلاد أو المراسم الجنائزية.[47] كما أنشئ إرنان كورتيس في يوكاتان صناعات كبيرة من الملح، حيث عمل تبخير المياه البحرية منذ أكثر من 2000 عام،[48] وتُعتبر منطقة بليز من أهم مراكز إنتاج الملح هناك.[49] أو من خلال استخراج الملح من الملاحات الموجودة في منطقة التلال التسع (التي تقع الآن في غواتيمالا)، بالإضافة لاستخلاص ملح البوتاسيوم من بعض النباتات، كما هو الحال في غابات لاكندونا في المكسيك التي كانت تستخلصه من أشجار النخيل وتستخدمه في تعاملاتهم مثل النقود. وبعد وصول الإسبان إلى هناك تغيرت استخدامات الملح، حيث كانوا شغوفين باستخراج المعادن، واستعمل الإسبان الملح في تنظيف الشوائب الموجودة في الفضة، وهذه العملية تحتاج لكميات كبيرة من الملح.
وفي فنزويلا أصبحت ملاحات ارايا التي اكتشفها بدرو الونسو نينيو وكريستوفال جيررا عام 1500 من أهم مناطق إنتاج الملح. ولكن تغير الحال منذ عام 1601 عندما عرف الإسبان أهمية الملاحات الموجودة بعد توغلات القوات الهولندية في شبه جزيرة باريا بهدف الاستيلاء عليها. ولكن بعد نشوب صراعات بين الطرفين الإسباني والهولندي، قررت إسبانيا عام 1622 إنشاء قلعة ارايا من أجل الدفاع عن المنطقة. وفي عام 1648 تم توقيع معاهدة سلام بين الطرفين واستقرت عملية مرور البضائع في المنطقة. وفيما بعد أصبحت الملاحات تحت تصرف فنزويلا بدأ من عام 1872.[50]
تجارة سمك القد
تحتل صناعة الأسماك المملحة، مثل سمك القد، مكانة هامة جداً في بعض البلدان الأوروبية خاصة في المجال الاقتصادي والطهي، مثل البرتغال وشمال إسبانيا وفرنسا والنرويج وفنلندا وسويسرا وغيرها. وعملية تمليح الأسماك تهدف إلى تكريس الصيد في موسم معين ومن ثَم توفيره في الأسواق طوال العام، بالإضافة لإمكانية بيعه في المناطق البعيدة عن مناطق الصيد.[51] يُعد إقليم كاتالونيا من أكثر المناطق ٌاهتماماً بتصنيع سمك القد، فبعد سيطرتهم على مدينة نابولي عام 1443 عُرف هذا النوع من الأسماك في إيطاليا.[52]
ولكن بداية ظهور صناعة الأسماك المملحة ظهرت أولاً في المدن الساحلية في شمال أوروبا. على الرغم من أن هذه المناطق تُنتج كميات كبيرة من السمك ولكنها تعاني من عدم وفرة الملح مما جعلهم يلجئون إلى عملية التبادل التجاري من أجل توفيره. وبهذه الطريقة بدأ تجار الفايكنج وبلاد البلطيق في التجارة مع بلاد أوروبية مثل فرنسا وشمال إسبانيا بهدف الحصول على الكميات الكافية من الملح لصناعة سمك القد المملح. وترتب على هذه التجارة زيادة إنتاج الملح في ملاحات غرانتيه في فرنسا خلال حقبة العصور الوسطى، وخاصة إنتاج الملح البحري (مركب مميز من أنواع الملح البحري مثل كلوريد الصوديوم والبوتاسيوم والمغنسيوم). أما بالنسبة لإقليم الباسك فكانت السفن تخرج من موانيه محملة بالملح وتعود إليه بكميات كبيرة من سمك القد. وانضم إقليم الباسك لسوق تجارة الملح في الفترة ما بين القرنين العاشر والحادي عشر. والكثير من السواحل الأوروبية بدأت في تجارة سمك القد المملح مثل كورونيا في إسبانيا، بورتو ولشبونة في البرتغال ولا روشيل في فرنسا.
هناك بعض المناطق التي تعتبر سمك القد المملح من الأكلات الوطنية، كما هو الحال في البرتغال حيث يتم صناعته اعتماداً على الملح المُستخرج من ملاحات سيتوبال. ومن جهة أخرى هناك بعض المناطق لم تستطع تمليح سمك القد لعدم قدرتها على الحصول على الملح الأبيض. ونتيجة لذلك تم تصنيع بعض وصفات الطهي في العصور الوسطى من أجل الحصول على الملح مثل كتاب الطهي موناجور الصادر في فرنسا. وفي إنجلترا بعد انتصارها على فرنسا في المعركة البحرية في القرن السابع عشر، استطاعت أن تصل بأسطولها حتى أحواض سمك القد في أمريكا الشمالية (تقع بالقرب من جزيرة كيب بريتون. ونتج عن ذلك زيادة الطلب على الملح في إنجلترا من أجل حفظ سمك القد الذي جلبوه من المحيط الأطلسي.
سمك الرنجة والرابطة الهانزِية
سمك الرنجة هو نوع آخر من الأسماك المملحة، الذي يُحضر بطُرق مختلفة وهو نوع مشهور جدًا في شمال أوروبا. ظهر سمك الرنجة منذ زمن العصور الوسطى وأيضًا يمكن أن نجِده في الكثير من الأسواق الآن. ففي فرنسا نجد هناك محلات خاصة لبيعه، وكذلك في هولندا وألمانيا الشمالية والسويد وغيرها. وسمك الرنجة موجود بكثرة في بلدان شمال أوروبا، وعلى العكس نجده قليل في مُدن البحر المتوسط. تعتبر جزيرة نيوزيلندا (تقع في جنوب هولندا) من أهم مراكز إنتاج الملح في أوروبا. ولكن بسبب قلة سطوع الشمس هناك يتم إجراء المراحل الأخيرة من تبخير المياه البحرية باستخدام النيران وتسخين الرواسب الملحية حتى يصل لونها إلى اللون الأسود (أحيانًا تكون مختلطة بجزيئات لونها أبيض) ويتم استخدامها في عملية تمليح سمك الرنجة. وهذه هي نفس الطريقة المُتبعة في فترة العصور الوسطى في جزيرة لواسو (في الدنمارك) للحصول على الملح من خليج كاتيغات، الذي يقع بين الدنمارك والسويد. ومن المعروف أيضًا أن روسيا كانت تستمد إنتاجها الملحي من مدينة مورمانسك. وجميع هذه المناطق كانت تستخدم الملح لصناعه سمك السلمون المملح.
جدير بالذكر الإشارة إلى الكاتب ورسام الخرائط السويدي اولاس ماجني جوس الذي كان شاهدًا على العمليات والتقنيات المُستخدمة لاستخراج الملح في هذه البلدان خلال القرن القرن السابع عشر. حيث يصف لنا كيفية استخراج الملح من المياه البحرية ومن ثَم نقله في حاويات أو براميل ضخمة مصنوعة من جذوع الأشجار الخاوية، هذه العملية نتج عنه تدمير العديد من الغابات في شمال أوروبا، كما كانوا يقومون بحرق جذوع الشجر واستخدامها في تسخين المياه حتى الغليان والتبخر الكامل، حيث كان يُستهلك الكثير من خشب الأشجار للحصول على كمية قليلة من الملح.[53]
ونظرًا لأن صناعة الرنجة المقددة في هذه المناطق كانت تستهلك كميات كبيرة من الملح ارتفعت أسعار الملح، واضطر الناس إلى البحث عن طريقة للتمليح باستخدام كميات أقل من الملح، ومن هنا ظهر السلمون المدخن والمخلل أيضًا. حيث وصف بعض الكُتاب تفصيليًا طريقة لتمليح السمك بكميات قليلة من الملح، مثل الكاتب سيمون سميث الذي أشار إلى صناعة وتخزين السمك في محلول من الملح والماء في حاويات كبيرة (البراميل).[54]
ولكن الرابطة الهانزية عملت على تنظيم هذه العملية عن طريق نقل الكميات المطلوبة من الملح من المناطق الجنوبية إلى مناطق صيد أسماك الرنجة (عبر طريق الملح القديم، إلى جانب توفير براميل عالية الجودة وبإسعار رخيصة نسيبًا.[55] قامت الرابطة بتوقيع إتفاقيات تجارية حصرية مع مناطق مُنتجة للمح مثل سيتوبال (في البرتغال) وغرانتيه (في فرنسا)، بل واستطاعت أيضًا نقل ما يقرب من 200 سفينة تجارية محملة بالملح. ومن جهة أخرى قامت المراكز القائمة على صناعة سمك الرنجة (التي تقع في شمال أوروبا) مثل فستربو وسكانور ( تقع في جنوب السويد) من بناء مخازن كبيرة في العديد من السواحل لتخزين الملح ولضمان توزيعه في هذه الصناعة. ونتيجه لكفاءة رابطة الهانز أدى ذلك إلى أن الرنجة أصبحت أكثر شعبية وبإسعار منخفضة وفي متناول الطبقات الفقيرة في المجتمع. ومن الإنجازات الأخرى لهذه الرابطة استخراج الملح من جبل دورنبرج وبذلك وصل الملح إلى منطقة لونبيرغ، وكان ذلك بفضل القنوات نظام القنوات التي وضعتها ألمانيا. وفي عام 1630 دخلت الدنمارك في صراع مع الرابطة الهانزية من أجل السيطرة على سوق الأسماك المملحة والرنجة. جدير بالذكر أن الرابطة الهانزية كانت تسيطر على سوق الرنجة المملحة منذ بداية القرن الخامس عشر تقريبًا، حتى أصبحت تُهدد اقتصاد بعض المناطق الأخرى.
الملح في العصر الحديث والوقت الحاضر
في مطلع القرن التاسع عشر اكتشف العلماء التركيب الكيميائيي الحقيقي للملح ألا وهو (كلوريد الصوديوم). حيث اكتشف الكيميائي الإنجليزي سير همفري ديفي في الفترة ما بين عام 1806 و1808 عُنصرا الصوديوم والبوتاسيوم من بين عناصر كيميائية أخرى، وبعد فترة، في عام 1810، اكتشف أيضًا عنصر الكلور من عنصر الليثيوم عن طريق التحليل الكهربائي. وذلك بالإضافة لاكتشاف العالم الألماني جلوبر عام 1715 الذي توَصل لتطوير ملح ابسوم أو المعروف بـالملح الإنكليزي. وخلال هذه الفترة توصل الكيميائيون إلى أن مُسمى الملح تشمل عده مواد أخرى بما في ذلك عنصر الملح. وفي بداية القرن الثامن عشر شرع العالم الفرنسي فرانسوا جيوم في كتابة تعريف للملح بكونه عنصر كميائي ناتج من تفاعل القلويات والحمضيات (حمض+قاعدي >> مياه مالحة).
بعد اكتشاف نيكولاس ابير، الطباخ والحلواني الفرنسي، طريقته الجديدة لحفظ الأغذية، قام نابليون بونابرت عام 1803 بتطبيق هذه الطريقة على بعض أنواع الحساء المصنوع من اللحوم والخضروات التي يتم تحضيرها للجنود الفرنسية في حملاتة (كانت تشمل كمية كبيرة من الملح أكثر من 60%). وعد نجاح طريقة ابير، قام رجل الأعمال الإنجليزي بريان دونكن بتجربه فكره الطعام المُعلب، وفي عام 1830 تم تصنيع لأول مره السردين المُعلب في أحد المصانع التي تقع في ميناء تربل في فرنسا.[56] في عام 1826 ظهر استخدام آخر للملح في مجال التصوير الفوتوغرافي، حيث قام الفيزيائي والمُخترِع الفرنسي نسيفور نيبس مُستلهمًا من تجارب العالموهان هاينريش شولتز، بعمل أول صورة فوتوغرافية موضوعة في محلول ملحي، ومن هنا توصل فيما بعد إلى فكرة الألواح الفضية الموجودة الداجيرية وفي آلة التصوير الحديثة.
ساعدت الثورة الصناعية في أوروبا على ظهور طُرق جديدة لإنتاج الملح وكذلك الحال بالنسبة للأغذية المحفوظة. على سبيل المثال ظهرت في بدايات القرن التاسع عشر فِكره الأطعمة المُجمده وبمرور الوقت تطورت الاختراعات التي نتج عنها أداء أفضل. وكان العالم بيردسي كلارنس هو أول من قام بتنفيذ فكرة تجميد الطعام بهدف الحفاظ عليه لمدة طويلة عام 1925، وبفضل ذلك انخفض سعر الملح في الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي عام 1928 تم بيع كميات كبيرة من منتجات الأطعمة المُجمدة والتي كانت تُحفظ من قبل بواسطه الملح. هذا الاتجاه الجديد في حفظ الطعام جعل سعر الملح ينخفض وكذلك استخدامه في الصناعة وكونه من السلع الاقتصادية. وفي مطلع القرن العشرين أصبح من الممكن نقل الأسماك لأماكن بعيدة عن الساحل ومناطق الصيد دون الحاجة لحفظها بالملح.
نتيجة للتقدم الذي حدث للصناعات الغذائية والذي أدى إلى تراجع الطلب العالمي على الملح، شمل ذلك التقدم أيضًا طُرق صناعة الملح. وفي مطلع القرن العشرين ظهرت أجهزة التبخير التي تعمل على تحسين إنتاج الملح، وبالتالي الحصول على مُنتج عالي الجودة، وإستُخدمت هذه الطريقة بشكل متزايد في فترة العشريناتت، وأصبحت الآن هي الطريقة الوحيدة المُتبعة، أما الطريقة التقليدية فلا تجدها إلا في المناطق الساحلية والمُشمسة فقط. وبمرور آلات التبخير أصبحت أكثر حداثة وذات كفاءة عالية مقارنةً بالطُرق التقليدية.
مما لا شك فيه أن عملية نقل الملح دائمًاً كانت تجارة مُربحة، لذلك ظهرت عام 1848 شركه متعددة الجنسيات تُسمى مورتون كو (Morton Co) نسبة لصاحبه شاب يُدعي جوي مورتون (Joy Morton) لصناعة ونقل الملح. وفي عام 1911 تم إستحداث طريقة وضع كربونات المغنسيوم (MgCO3) إلى الملح للبقاء على حبيباته غير متكتلة لتسهيل استخدامها، وفيما بعد استُبدلت كربونات المغنسيوم بسليكات الكالسيوم. شركه مورتون المُتحده كانت أول شركة تستخدم الملح المُعالج باليود في مُنتجاتها عام 1924، وكذلك كانت من أوائل الشركات التي أعلت في حملاتها الأعلانية توفير الملح المفتت. وتُعتبر شركة مورتون المتحدة لأن من أكبر الشركات الموزعة للملح في العالم.
أدت الضرائب التي فرضتها بريطانيا على سكان مستعمراتها في الهند إلى قيام احتجاج الهنود عام 1930 المعروف بـمسيرة الملح بزعامة المناضل والزعيم الهندي مهاتير غاندي والتي نتج عنها استقلال الهند في النهاية. بدأت الاحتجاجات في مدينة صغيرة تُسمى داندي اعتراضًا على الضرائب المفروضة على الملح.[57] وبعد عام من مسيرة الملح انتهي هذا التمرد بعد توصل غاندي إلى معاهده غاندي_إيروين، ومنذ ذلك الوقت تم بيع الملح بالسعر المعروف محليًا وقامت الحكومة المستقلة بتولي مهمة توزيعه على الجمعيات التعاونية الصغيرة. وفي الوقت الحاضر يُوجد أكبر مركز لإنتاج الملح في الهند في مدينه غوجارات، بالإضافة إلى صحراء طهار.
في مطلع القرن الحادى والعشرين اتجهت بعض الدول إلى إقرار بعض النُظم الغذائية التي تُوصي بإستهلاك الفرد اليومي لحوالي 6 جرامات من الملح، وبالطبع يمكن في هذا النظام المُتبع تجاوز الكمية المفروضة فيه.[58] حيث اتجهت غالبية الناس لتقليل استهلاكهم من الملح بعد معرفة أضراره بالصحة لذلك يجب التقليل من تناوله وأدى ذلك إلى انخفاض الطلب على الملح، ليس فقط الملح الخام ولكن شمل ذلك أيضًا باقي المنتجات المملحة. ومن جهة أخرى بعد اكتشاف أضرار الملح على الصحة قامت بعض الدول بإطلاق حملات توعية للمواطنين من أجل خفض استهلاكهم اليومي من الملح مما يزيد من متوسط أعمارهم بحوالي 1-8 أشهر بالنسب للرجال و1-4 أشهر بالنسبة للنساء.[59] في الوقت الحاضر هناك بعض الوصفات التقليدية التي كانت تقوم في الأصل علي عملية التمليح أصبحت بالكاد يُستعمل فيها الملح كما هو الحال في لحم الخنزير أو الباكون، وحل محلها آلات التبريد الصناعية، ولكن هذا الاتجاه أثر على منتجات سمك القد المملح والأنشوفة.
كان الناس قديماً في الثقافات الماضية وخلال عدة قرون يُفضلون الملح الأبيض الشفاف أو المعروف بـ(الملح المُكرر) على الأنواع الأخرى داكنة اللون وكانوا يدفعون الكثير من المال من أجل الحصول عليه. أما الآن فقد اختلف هذا المنظور بل بالعكس، أصبح الناس يبحثون عن الأنواع الداكنة أو المخلوطة بتوابل أخرى، مثل ملح ألايا الأيا الموجود في جزر هاواي، وهو نوع من أنواع الملح أحمر اللون (بسبب رواسب الطين البركاني التي تحتوي على عنصر اكسيد الحديد الطبيعي الذي يُستخلص منه). ومن العجيب أن هذا النوع من الملح كان المستعمرين يرفضون استخدامه قديمًا، أما الآن فأصبح غالي الثمن ويُستخدم فقط في المطابخ الراقية. وفي القرن العشرين انخفض سعر الملح واليوم أصبح سعره في متناول الجميع، وعلى الرغم من ذلك ستظل أهميته لدى الإنسان في الطعام والصناعة. في الآونة الأخيرة زاد استخدام الملح في مجال الصناعة خاصةً بعد ظهور استعمالات أخرى له مثل مُفاعل الملح المُنصهر أو كما يٌطلق عليه (MSR) أو (Molten salt reactor)، حيث يتم استخدام الملح المُنصهر في عملية التبريد.[60] ومن جهة أخرى لا زالت بعض الدول مُستمرة في عمليات استخراج الملح بكونه مركب زهيد الثمن من أجل الحصول على عنصري الكلور والصوديوم.
مقالات ذات صلة
مصادر
- a b Barber, Elizabeth Wayland (1999) (في الإنجليزية). The Mummies of Ürümchi. Nueva York: W. W. Norton & Co.. ISBN
- (بالإنجليزية) a b c d e f Kurlansky, Mark (2003) Salt: A World History. Penguin. .
- Arye Lev-Ran: "Salt and hypertension: a phylogenetic perspective". En Diabetes/Metabolism Research and Reviews, الجزء 21, العدد 2, صفحات 118 - 131, publicado en la red: 9 de marzo 2005 (بالإنجليزية)
- Denton, O., The Hunger for Salt: An Anthropological, Physiological, and Medical Analysis. Nueva York: Springer, 1984
- Denton, O., The Hunger for Salt: An Anthropological, Physiological, and Medical Analysis. Nueva York: Springer, 1984(بالإنجليزية)
- (بالإنجليزية) (a b Jacques A. E Nenquin, "Salt; a study in economic prehistory (Dissertationes archaeologicae Gandenses)", De Tempel (1961)
- a b c Samuel Adrian M., Adshead (1992) (بالإنجليزية). Salt and Civilization. Palgrave Macmillan. 0312067852.
- Michael Grabner, "Bronze age dating of timber from the salt-mine at Hallstatt, Austria", Dendrochronologia, volumen 24, números 2-3, 9 de febrero de 2007, págs. 61-68 (بالإنجليزية)
- a b Jacques A. E Nenquin, "Salt; a study in economic prehistory (Dissertationes archaeologicae Gandenses)", De Tempel (1961) (بالإنجليزية)
- Fernand Braudel, "The Wheels of Commerce", en Civilisation and Capitalism 15th-18th Century (vol. 2). Nueva York: Harper & Row, 1982: 178 (بالإنجليزية).
- Rowan Flad, Jiping Zhu, "Archaeological and chemical evidence for early salt production in China", PNAS, 12618–12622, 30 de agosto de 2005, vol. 102, nº. 35 (بالإنجليزية)
- Liu, L. & Chen, X: State Formation in Early China. Londres: Duckworth, 2003 (بالإنجليزية)
- Bogdan Belic, "Soybeans: The Success Story, Advances in New Crops", Ed. por Jules Janick & James Simon, Timber Press, Portland, Oregon, 1990, pag. 159-163 (بالإنجليزية)
- a b Laszlo, Pierre (2001) (بالإنجليزية). Salt: Grain of Life. Columbia University Press. 0231121989,.
- Joseph Needham, Francesca Bray, "Science and Civilisation in China: Agriculture", Cambridge University Press, 1984 (بالإنجليزية)
- Sage, Steven F., Ancient Sichuan and the Unification of China. Albany, Nueva York: State University of New York Press (1992). 148 (بالإنجليزية)
- Rickett, W. Allyn, tr. Guanzi. Princeton University Press. 1998 (بالإنجليزية)
- Baudry-Weulersse, Delphine, Jean Levi, & Pierre Baudry (trs.). "Dispute sur le sel et le fer". Yantie lun. Presentation par Georges Walter. Seghers, París, 1978 (بالفرنسية)
- (بالإنجليزية) A. N. Egorov, "Mongolian salt lakes: some features of their geography, thermal, patterns, chemistry and biology",Hydvobiologia 267: 13-21, 1993
- Richard Hosking, "A Dictionary of Japanese Food", Tuttle Publishing, 1997 (بالإنجليزية). Nota: Posee una entrada sobre el uso de la sal en la comida japonesa.
- (في الألمانية) a b En 1875 un botánico alemán denominado Matthias Jacob Schleiden escribió un libro titulado "Das Saltz" (La sal) en el que describe una relación directa entre los impuestos y los déspotas.
- Eve Cockburn, Theodore Allen Reyman, "Mummies, Disease & Ancient Cultures",Cambridge University Press, 1998 (بالإنجليزية)
- Heródoto refiere que "los gatos, después de muertos, son llevados a sus casillas sagradas, y adobados en ellas con sal, van a recibir sepultura a la ciudad de Bubastis". En Los nueve libros de la Historia, Libro II, LXVI.
- Maria Rosa Guasch-Jané et al.: "The origin of the ancient Egyptian drink Shedeh revealed using LC/MS/MS", en el Journal of Archaeological Science 33 (2006) (بالإنجليزية)
- Onbekende Wereld por Wim Offeciers (basado en Doucan Gersi's travels)
- (بالإنجليزية) Thomas Stöllner, "The economy of Dürrnberg-bei-Hallein: An iron age salt-mining centre in the Austrian", The antiquaries journal, 2003, vol. 83, págs. 123-194
- Bloch, David. «Economics of NaCl: Salt made the world go round» (بالإنجليزية). Mr Block Archive. Consultado el 04-10-2008.
- Jesus Ventanas, "El jamón ibérico: De la Dehesa al paladar", Mundi-Prensa Libros, 2006(بالإسبانية)
- Joan P. Alcock: "Around the Table of the Romans: Food and Feasting in Ancient Rome". En Gastronomica, invierno de 2004, vol. 4, n.º 1, págs. 103–104 (بالإنجليزية).
- D. W. Rathbone, "Garum and salsamenta: production and commerce in materia medica", Med Hist. julio 1992; 36(3): 356–357 (بالإنجليزية)
- Rankov, Hassall, & Tomlin (1980), pág. 352 (بالإنجليزية)
- Charles Frederick Lawrence (1936) (بالإنجليزية). The story of bygone Middlewich: In the County Palatine of Chester and Vale Royal of England.
- كلمة "ألزاس" تعني بلهجة أهل المنطقة "أرض الملح".
- Vivian S. Hall, Mary R. Spencer, "Salt, Evaporites, and Brines: An Annotated Bibliography", Universidad de Michigan, 1984 (بالإنجليزية)
- (لغة مجرية) Szikszai Mihály: A máramarosi só továbbszállítása a Jászkunságban
- Carla Capalbo, "The Food and Wine Lover's Companion to Tuscany", Chronicle Books, 2002, (بالإنجليزية)
- Weczerka, Hugo. "Handbuch der historischen Stätten Deutschlands, Schlesien". Stuttgart: Alfred Kröner Verlag (1977). págs. 699. (باليونانية: {{{1}}})
- Eliza Smith, "The compleat Housewife", 1758 (بالإنجليزية)
- Bernardino Gómez Miedes, Comentarios sobre la sal, Introducción, edición crítica, traducción, notas e índices a cargo de S. I. Ramos Maldonado, Instituto de Estudios Humanísticos – Ed. Laberinto -C. S. I. C., Alcañiz, Madrid, 2003, 3 vols.
- Herman Skolnik in W. F. Furter (ed) (1982) A Century of Chemical Engineering (بالإنجليزية)
- (بالإسبانية) García de Cortázar, F. y Lorenzo, J.M (1988) Historia del País Vasco: de los orígenes a nuestros días, Txertoa, San Sebastián
- William P. Quinn, "The Saltworks of Historic A Record of the Nineteenth Century Economic Boom in Barnstable County", Orleans: Parnassus Imprint, 1993, (بالإنجليزية)
- (بالإسبانية)Bernardino de Sahagún, Carlos María de Bustamante, José Servando Teresa de Mier, "Historia general de las cosas de Nueva Espanã", Impr. del ciudadano A. Valdés, 1829
- ↑ Prescott, William Hickling, 1796-1859. "History of the Conquest of Mexico" (بالإنجليزية)
- "Archaeological Views of Aztec Culture",Journal of Archaeological Research, volumen 6, número 3 / septiembre de 1998 (بالإنجليزية)
- Michael E. Smith, "Long-Distance Trade under the Aztec Empier", Ancient Mesoamerica, 1 (1990), págs. 153-169 (بالإنجليزية)
- ↑ Michael E. Smith, "Long-Distance Trade under the Aztec Empier", Ancient Mesoamerica, 1 (1990), págs. 153-169 (في الإنجليزية)
- ↑ Andrews, Anthony Parshall, "Salt-making. Merchants and marmets: the role of a critical resource in the development of maya civilization", Thesis (Doctor of Philosophy)- University of Arizona, 1980 (في الإنجليزية)
- ↑ Susan Kepecs, "Salt: White Gold of the Ancient Maya", Ethnohistory, volumen 51, número 2, primavera de 2004 (في الإنجليزية)
- (بالإسبانية) Manuel Herrero Sánchez, "La explotación de las salinas de Punta de Arraya. Un factor conflictivo en el proceso de acercamiento hispano-neerlandés (1648-1677)", Cuadernos de Historia Moderna, nº14, 173-194 Editorial Complutense. Madrid, 1993 artículo
- a b c Kurlansky, Mark (1998) (بالإنجليزية). Cod: A Biography of the Fish That Changed the World. Penguin (Non-Classics). 0140275010.
- Cavalcanti, Ippolitto (1787) (في الأيطاليه). Cucina casereccia in dialeto Napoletano. Ed. Clasico.
- Olaus Magni Gothus, "Historia of gentium septentrionalium variis conditionibus statibusue & of morum, rituum, superstitionum",1555, Ed. Princenps (في اللأتينيه)
- Simon Smith, "The herring-busse trade", 1641 (في الإنجليزية)
- P. Dollinger The German Hansa (1970; reimpr.1999) (في الإنجليزية)
- Nicolas Appert, "The Art of Preserving All Kinds of Animal and Vegetable Substances For Several Years", 1809 (بالإنجليزية)
- "Mass civil disobedience throughout India followed as millions broke the salt laws", from Dalton's introduction to Gandhi's Civil Disobedience. Gandhi & Dalton, 1996, pág. 72 (في الإنجليزية)
- Dahl, Lewis K. "Salt Intake and Salt Need" New England Journal of Medicine 258: 1152-7. 1958 (في الإنجليزية)
- Randi M Selmera, Ivar Sønbø Kristiansen, "Cost and health consequences of reducing the population intake of salt", J Epidemiol Community Health 2000;54:697-702 (septiembre) (في الإنجليزية)
- E. Merle-Lucotte, "Molten Salt Reactors and Possible Scenarios for Future Nuclear Power Deployment", PHYSOR 2004 - The Physic of Fuel Cycles and Advanced Nuclear Systems: Global Developments, Chicago, Illinois, 25-29 de abril de 2004 (في الإنجليزية) [editar]