الرئيسيةعريقبحث

الأيقونة السورية

تاريخ الأيقونة في سوريا

☰ جدول المحتويات


صورة للرسومات الجدارية في مدفن الأخوة الثلاثة، العائد للقرن الثاني. في مدافن تدمر، سوريا

الأيقونة السورية وَتُعْرَفُ أَيْضًا بالأَيْقُونَةِ المَلَكِيَّة، وَ يُقْصَدُ بهَا أَيْقُونَةُ بطريركية أَنْطَاكِيَّة المُمْتَدَّةِ عَلى رُقْعَةِ سُوريَّة وَ بِلادِ مَا بَيْنَ النَّهْرين، وُصُولاً إلى الشَّرقِ. ظَهَرَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ خِلاَلَ العُهُودِ البيزَنْطِيَّة الأُوْلَى، غَيْرَ أَنَّ صُنَّاعَهَا كَانُوا دَائِمًا سُوريِّيْنَ وَ عَلى الأَرْضِ السُّوريَّة، وَ كَانَتْ نَتَاجَ فَنٍ دِيْنِيٍّ ازْدَهَرَ فِي أَنْحَاءَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ الإمْبَرَاطُوْرِيَّة البيزَنطِيَّة وَلاسِيَمَا فِي سُوريَّة وَ مِصْر،[1] وَ ازْدَهَرَتِ الأَيْقُونَةُ السُّورِيَّةُ بِسُقُوطِ القُسْطَنْطِيْنِيَّة وَ تَطَوَّرَتْ فِي الكَنِيْسَة الأَرْثُوذُكْسِيَّة،[1] وَ كَانَ لَهَا دَوْرٌ تَعْلِيْمِيٌّ هَامٌ فِي شَرْحِ الكِتَابِ المُقَدَّسَ وَ مَضَامِيْنِهِ، كَمَا شَكَّلَتْ رُمُوزُ الأَيْقُوْنَةِ بأَلْوَانِهَا رِوَايَةً مُفْعَمَةً بالحَيَوِيَّةِ.[2]

شَكَّل المَنْشَأُ التَّدْمُرِيّ لِهَذَا الفَنِّ البِدَايَات الأُوْلَى لِفُنُونِ الأَيْقُونَةِ المَسِيْحِيَّة التي شَكَّلَت امْتِدَادًا طَبيْعِيَّا وَ زَمَنِيًا وَ فَنِيًّا لِلْبيئَةِ الفَنِيَّةِ السَّائِدَةِ آَنَذَاكْ.[3] حَيْثُ أَنَّ نُشُوءَ الفَنِّ المَسِيْحِيّ فِي سُوريَّة كَانَ بَعْدَ القرن الثالث الميلادي، بانْحِلاَلِ القُيُودِ التي كَانَتْ تُحَرِّمُ هَذَا الفَنْ الذي عَمِلَ بهِ الفَنَّانُونَ مُنْذُ ظُهُورِ المَسِيْحِيَّة، وَ بَعْدَ دُخُوْلِ الإسْلامِ إلى بلادِ الشَّامِ أَيْضًا. شَكَّلَتِ المَنْحُوتَاتُ المَصْدر الرئيس لمَعْنَى الأيْقُونَاتِ، لاسِيَمَا أنَّهَا كَانَتْ ذَاتَ مَضْمُونٍ فِي إِطَارِ صُورَةٍ مُقَدَّسَةٍ تَتَعَلَّقُ بالعِبَادَاتِ. كَمَا تَقَاطَعَتِ الفُنُونُ المَسِيْحِيَّة مَعَ الفُنُونِ التَّدْمُرِيَّةِ التي عُثِرَ عَلَيْهَا فِي المَعَابدِ التَّدْمُرِيَّةِ القَدِيْمَةِ قَبْلَ ظُهُورِ المَسِيْحِيَّةِ، وَلاسِيَمَا فِي دورا أوربوس في بادية الشام، وَ مَدْفَنِ الإخْوَة الثَّلاثَةِ فِي تَدْمُر وغيرها.

ثَمَّة وُجُودٌ لِتَعْريفَاتٍ كَثِيْرَةٍ فِي تِبْيَانِ مَاهِيَّةِ الأيقونة وَكَيْنُوْنَتِهَا، وَأَجْمَعَتْ كُلُّهَا تَقْريْبًا عَلى أَنَّ أصْلَهَا مِنَ الكَلِمَة اليُوْنَانِيَّةِ لِلْفِعْل إيكو (باليونانية: εἰκών)‏-(باللاتينية: Eiko)، وَمَعْنَاهَا شَابَه أَوْ مَاثَلَ، بَيْدَ أَنَّ الأَيْقُوْنَةَ عِنْدَ الكَنِيْسَةِ الشَّرْقِيَّةِ اسْتُخْدِمَتْ لِلدَّلالَةِ عَلى الصُّوَرِ المُقَدَّسَةِ،[4] وَ وُظِّفَتْ فِي العَصْرِ الكَلاسِيْكِي «اليُونَانِي، الرٌّومَانِيّ و البِيْزَنْطِيّ» فِي شَرْحِ مُحْتَوَى الفِكْرِ السَّائِدِ عَنْ الفِدَاء، الخَلاصْ، وَالرَّجَاء، الأمْرُ الذي نَرَاهُ مُسْتَمِرًا فِي الكَنِيْسَة الشَّرْقِيَةِ إلى يَوْمِنَا هَذَا.[2]

سورية

خريطة سوريا الكبرى أو سوريا الطبيعية

اخْتَلَفَ البَاحِثُوْنَ تَارِيْخِيًا  فِي أَصْلِ وَفَصْلِ اسْمِ سُوْرِيَّة، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الكِتَابَ المُقَدَّسَ أَوْرَدَ اسْمَ سُوْرِيَّة عَلَى أَنَّهَا آرَامْ نِسْبَةً إِلَى آرَامْ أَحْدِ أَبْنَاءِ سَام بنُ نُوْح، لِأَّنَ أَكْثَرَ سُكَّانِهَا القُدَمَاءِ كَانُوْا مِنْ صُلْبهِ.[5][6] وَيُعْتَقَدُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمَّاهَا سُوْرِيَّة هُمْ اليُوْنَان،[7][8] وَقَالَ أَحَدُ المُؤَرِّخِيْنَ فِي التَّارِيْخِ القَدِيْمِ لِشُعُوْبِ المَشْرِقِ أَنَّ «توتمس بن امنهوتاب» الذِي خَلَفَهُ فِي المُلْكِ كَانَ أَوَّلَ مَنْ اقْتَادَ المِصْرِيِّيْنَ إِلَى فَتْحِ آَسْيَا وَالبلَادِ التِي وَصَلُوْا إِلَيْهَا بَعْدَ خَلِيْجِ السُّوَيْسِ كَانَت تُسَمَّى حِيْنَئِذٍ سُوْرِيَّة [7][8]، وَعِنْدَ تَتَبُّعِ النَّاحِيَةِ الجُغْرَافِيَّةِ نَجِدُ أَنَّ القُدَمَاءَ يَقْسِمُوْنَهَا إِلَى سُوْريَّة بحَصْرِ اللَّفْظِ، وَيُرِيْدُوْنَ مِنْ ذَلِكَ قِسْمَهَا الشِّمَالِيّ وَبَعْضِ الشَّرْقِي، وَإِلَى فِيْنِيْقِيَّة، وَهِيَ عَلَى الأَصَّحِ مِنْ أَرْوَادَ إِلَى جَبَلِ الكَرْمِل مَعْ بَعْضِ لُبْنَان، وَإِلَى فِلِسْطِيْن، وَهِيَ مَا يَلِي فِيْنِيْقِيَّة إِلَى الجُنُوْبِ وَإِلَى نَهْرِ الأُرْدُن.

وَكَانُوْا يَقْسِمُوْنَ سُوْرِيَّةَ أَيْضًا إِلَى كُوْمَاجَان،[9][10] وَهِي مَا فِيْهَا حَلَبْ إِلَى نَهْرِ الفُرَاتِ، وَإِلَى سُوْرِيَّةَ المُجَوَّفَةِ،[10] وَيُرِيْدُوْنَ بهَا السُّهُوْلَ الوَاقِعَةَ بَيْنَ لُبْنَان الغَرْبيِّ وَلُبْنَان الشَّرْقِي.[10] وَيُعَبِّرُوْنَ أَحْيَانًا عَنْهَا باسْمِ سُوْرِيَّةَ الأُوْلَى إِلَى الشِّمَالِ، وَهِيَ بمَا فِيْهَا أَنْطَاكِيَّةَ،[10] وَدِمَشْقَ وَجَبَلُ لُبْنَان؛ وَهَذِهِ البلَادُ تَشْمُلُ الآَنَ القِسْمَ الأَكْبَرَ مِنْ وِلَايَةِ حَلَبْ وَ وِلَايَتَيْ دِمَشْقَ أَوْ سُوْرِيَّة وَبَيْرُوْت وَمُتَصَرِّفِيَّتَي لُبْنَان وَالقُدْس الشَّرِيْفَ[10] وَبهَذَا، يَتَبَيَّنُ أَنَّ سُوْرِيَّة كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى مَا يُعْرَفٌ اليَوْمَ بسُوْرِيَّةَ الطَّبِيْعِيَّة، وَلَيْسَتِ السِّيَاسِيَّة. كَذَلِكَ أَعْطَى العَرَبُ لِهَذِهِ البلَادِ اسْمَ الشَّامِ لِوُقُوْعِهَا إِلَى اليَسَارِ مِنَ الحِجَازِ،[7] أَمَّا اسْمُ سُوْرِيَّة فَهُوَ عَرَبيٌّ، اسْتَعْمَلَهُ البَابلِيُّوْنَ وَأَطْلَقُوْهُ عَلَى إِقْلِيْمٍ فِي الفُرَاتِ الأَعْلَى باسْمِ سُوْرِي.[7] وَيَظْهَرُ هَذَا الاسْمُ فِي الكِتَابَاتِ الأَدَبيَّةِ المُكْتَشَفَةِ بمَدِيْنَةِ أُوْغَارِيْت[7]. وَعَلَيْهِ، تَكُوْنُ سَوْرِيَّةُ مَكَانًا حَاضِنًا لِلأَفْكَارِ التِي أَدَّتْ إِلَى إِنْتَاجِ الفُنُوْنِ المَسِيْحِيَّةِ، ذَلِكَ المَكَانُ الذِي أَثَّرَتْ وَتَأَثَّرَتْ بهِ الفُنُوْنُ الأُخْرَى، وَالذِي يُسَمَّى بسُوْرِيَّةَ الطَّبيْعِيَّةَ التِي ظَهَرَت عَلَيْهَا وَانْتَشَرَت مِنْهَا الحَضَارَة المَسِيْحِيَّةُ إلى العَالَمْ.

النشأة والجذور

خريطة سوريا يظهر فيها مواقع كل من تل حالولة، تل ممباقة، تل بقرص، تل المريبط، تل أحمر، تل حلف، تل العشارة
تل حالولة
تل حالولة
تل ممباقة
تل ممباقة
بقرص
بقرص
تل المريبط
تل المريبط
حلب
حلب
دير الزور
دير الزور
تل حلف
تل حلف
العشارة
العشارة
تل أحمر
تل أحمر
دمشق
دمشق
حمص
حمص
تدمر
تدمر
خريطة سوريا يظهر فيها مواقع كل من تل حالولة، تل ممباقة، تل بقرص، تل المريبط، تل أحمر، تل حلف، تل العشارة

تَطَوَّرَتِ العَدِيْدُ مِنَ الوَسَائِلِ المُسْتَخْدَمَةِ فِي نَشْرِ العَقِيْدَةِ المَسِيْحِيَّة وَخُصُوْصًا بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَت الدِّيْنَ الرَّسْمِي للإمْبَرَاطُورِيَّة الرُّوْمَانِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ فِي سُوريَا، وَانْطَلَقَ هَذَا الفَنُّ بَدْءًا مِنَ الرَّسْمِ عَلى الخَشَبِ فِي العَصْرَيْن اليُونَانِيِّ وَالرُّوْمَانِيِّ، وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِم المَصْرِيُّونَ الأَقْبَاطْ[11] وَجَارَاهُمْ فِي ذَلِك الفَنَّانُونَ السُّوْرِيُّون، وَتُشِيْرُ الرُّسُوْمَاتُ التَّصْوِيْرِيَّةُ التي عُثِرَ عَلَيْهَا فِي حَوْضِ الفُرَاتِ الأُوْسَطِ «تَلّ المْرِيْبِط» وَالرُّسُوْمَاتُ الجدَارِيَّةُ فِي تَلِّ بقرص بالقُرْبِ مِنْ مَدِيْنَةِ دِيْر الزُّوْر،وَالتي تَعُوْدُ إلى الأَلْفِ الثَّامِنِ قَبْلَ المِيْلادِ، إِلى الجٌّهُوْدِ الأُوْلى فِي هَذَا الفَنِّ، كَمَا عُثِرَ فِي تل حالولة فِي مُحَافَظَةِ حَلَب عَلَى رُسُوْمَاتٍ صَوَّرَتْ مَشْهَدًا طَقْسِيَّا، وَفِي تل ممباقة الذي عُثِرَ فِيْهِ عَلَى رُسُوْمَاتٌ جِدَارِيَّةٌ مُلَوَّنَةٌ، وَكَذَلِك اللَوْحَةٌ الجِدَارِيَّةٌ التي صَوَّرَتْ وَجْهَ إِنْسَانٍ فِي «تَلِّ حَالوْلَة» العَائِدِ إلى فَتْرَةِ الأَلْفِ الثَّالِثِ قَبْلَ المِيْلادْ.[12][13]

مشهد يصور عملية الصيد، منحوت على حجر بازلتي، عثر عليه في تل حلف، سوريا
مشهد يصور عملية الصيد، منحوت على حجر بازلتي، عثر عليه في تل حلف، غربي مدينة رأس العين، سوريا

كَمَا قَدََمَتِ المَوَاقِعُ الآَرَامِيَّةُ نَمَاذِجَ مَنْ آَثَارِ مَنْحُوْتَاتٍ نَافِرَةٍ حَمَلَتِ الطَّابَعَ الآرَامِيّ المَحَلِيّ، وَتَمَثَّلَتْ بنَحْوِ 200 مَنْحُوْتَةٍ، عُثِرَ عَلَيْهَا فِي تَلِّ حَلف، نُقِشَتْ كِتَابَاتٌ عَلَى بَعْضِهَا، وَسِتِّ لَوْحَاتٍ كَبيْرَةٍ كَانَتْ تُزَيِّنُ مَدْخَلَ القَصْرِ.[a][14] كَمَا تُعَدُّ المِسَلَّاتُ إِحْدَى نَمَاذِجِ المَنْحُوْتَاتِ الآرَامِيَّةُ التي احْتَوَتْ عَلَى مَوَاضِيْعَ دِيْنِيَّةٍ وَعَسْكَرِيَّةٍ، وَعَلَى سَبيْلِ المِثَالِ نَصْبُ الإِلَهَةِ عَشْتَرُوْت الذي عًُثِرَ عَلَيْهِ فِي تل أحمر، وَنَصُبِ تَلِّ العَشارة الوَاقِعَةِ عَلَى نَهْرِ الفُرَاتِ بسُوْرِيَا.[15][16] وَالمَنْحُوتَاتٌ الجدَارِيَّةٌ التي وُجِدَتْ فِي تَلِّ بَرْسِيْب [b] وَعَيْن دَارَة. وَمِمَّا لاشَكَّ فِيْهِ أَنَّ الفَنَّ تَأَثَّرَ بالبيْئَةِ التي وُلِدَ فِيْهَا، وَاسْتَوْحَى مُقَوِّمَاتِهِ مِنْ عَادَاتِ وَتَقَالِيْدِ شُعُوْبهَا، وَظَلَّ هَذَا الفَنُّ ثَابتًا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَكَانَ الاعْتِقَادُ السَّائِدُ أَنَّ الفَنَّ البيْزَنْطِيّ كَانَ قَدْ نَشَأَ فِي آسيَا الصُغْرَى وَأَخَذَ عَنِ الفُنُوْنِ اليُونَانِيَّةِ وَلَمْ يَتَأَثَّرْ بالفُنُوْنِ الشَّرْقِيَّةِ.[18]

الفن المسيحي في سورية

صورة لوحة جدارية تظهر تضحية النبي إبراهيم بابنه إسحاق، في مدينة دورا أربوس التاريخية بالقرب من دير الزور، سوريا

تَشَبَّعَ السُوْرِيُّوْنَ مِنَ البُعْدِ الرُّوْحِي الجَدِيْدِ الذي أَعْطَتْهُ المَسِيْحِيَّة لِلشَّرْق، هَذَا الشَّرْقُ الذي اعْتَادَ تَصْوِيْرَ آَلِهَتِهِ وَأَوْجَدَ فَنَّا دِيْنِيَّا أَصِيْلًا انْسَجَمَ مَعَ كُلِّ مَا وَرَثُوْهُ مِنْ الحَضَارَاتِ وَالعِبَادَاتِ وَالفُنُوْن، بَعْدَ أَنْ غَيَّرُوْا وَبَدَّلُوْا فِيْهِ وَ أَلْبَسُوْهُ السِمَةَ الشَّرْقِيَّة وَصَدَّرُوْهُ إلى العَالَمِ عَلَى أَنَّهُ فَنٌ سُوْرِيٌ مُتَكَامِلُ الهُوِيَّةِ.[19] وَكَانَ القَاسِمُ المُشْتَرَكُ لِلْفُنُوْنِ الرَّافِدِيَّةِ وَالفِيْنِيْقِيَّة هُوَ اهْتِمَامُ الفَنَّانِيْنَ بالوَجْهِ، وَمِنْ ثُمَّ الجَسَدْ لِيَتَلائَمَ مَعَ الوَجْهِ فِي الحَرَكَةِ وَالأَدَاءْ.[20] كَمَا أَبْدَعَ الآَرَامِيُّوْنَ فِي سُوْرِيَّة فَنَّا رَمْزِيَّا لِتَعْلِيْمِ العَقَائِدِ المَسِيْحِيَّةِ.[20]

أَخَذَ الفَنُّ المَسِيْحِيُّ عَادَاتٍ فَنِيَّةٍ كَانَتَ رَاسِخَةً فِي المَاضِيْ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهَا السِّمَةَ المَسِيْحِيَة، كَمَا جَرَتِ العَادَةُ بتَمْثِيْلِ تَضْحِيَةِ النَّبِي إبْرَاهِيْم بابنه إسماعيل، وَالنَّبيّ دَانْيَالْ فِي فَمِ الأَسَدْ، وَ طُفُوْلَةِ المَسِيْحِ وَمُعْجِزَاتِهِ وَالتي كَانَتْ مِنْ أَكْثَرِ المَوَاضِيْعِ تَمْثِيْلًا. وَمِنْ ذَلِكَ الرُّسُوْمَاتُ الجدَارِيَّةُ فِي كَنَائِسِ دُوْرَا أُوْربوس وَالتي تُعَدُّ مِنْ أَهَمِّ الرُّسُوْمَاتِ الجدَارِيَّةِ المَسِيْحِيَّةِ المَوْجُوْدَةِ فِي سُوْرِيَّة، وَالتي تُشَكِّلُ الجُذُوْرَ الأُوْلَى لِفَنِّ الرَّسْمِ المَسِيْحِيّ، كَمَا أَنَّهَا أَعْطَتِ الأُصُوْلَ الحَضَارِيَّةَ المُبْكِرَة لِلنَهْضَةِ المَسِيْحِيَّة اللَّاحِقَةِ بالفن البيْزَنْطِيّ، وَالتي شَكَّلَتْ امْتِدَادًا طَبيْعِيَّا وَزَمَنِيَّا وَفَنِيَّا لِلبيْئَةِ الفَنِّيَّة السَّائِدَة آَنَذَاك بسُوْرِيَّة خِلالَ القُرُوْنِ المَاضِيَة، وَبَدَا ذَلِكَ جَلِيَّا بشَكْلٍ خَاصٍ فِي رُسُوْمِ المَدَافِنِ التَدْمُرِيَّةِ وَلا سِيَمَا مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي مَدْفَنِ الأُخْوَةِ الثَلاثَةِ العَائِدِ إلى حِقْبَةِ القرن الثاني الميلادي.

بيت القديس حنانيا الرسول بين باب توما و باب شرقي، تعتبر كنيسة حنانيا الأقدم في دمشق بعد الكاتدرائية المريمية، ومن أقدم الكنائس التي تعود للحقبة الرومانية.

كَمَا اعْتُبرَ فَنُّ الأَيْقُوْنَةِ التَدْمُرِيَّةِ بمَا فِيْهِ مِنْ تِقَنِيَّاتِ مَزْجِ الأَلْوَانِ وَأََسَاسَاتِهَا المُكَوَّنَةِ مِنَ الجَصّ وَالرَّمْلِ وَالمَعَادِنِ، عَلى صِلَةٍ وَثِيْقَةٍ بالرُّسُوْمَاتِ الجِّدَارِيَّةِ المُعْتَمَدَةِ فِي دُوْرَا أُوْرُبوس، وَالتي كَانَتْ تِقَنِيَّاتُ تَنْفِيْذِهَا بَعِيْدَةً عَنْ نُمُوْذَجِ «الفريسك الروماني» عَلَى الرّغْمِ مِنْ التَّشَابُهَاتِ الوَاضِحَةِ فِي تَوْظِيْفِ أَدَوَاتِ الرَّسْمِ كَالإِبْرَةِ وَالفِرْجَار. وَكَانَ مِنْ نَتَاجِ مُقَارَنَةِ الرُّسُوْمَاتِ المَسِيْحِيَّةِ البيْزَنْطِيَّةِ الأُوْلَى مَعَ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي رُسُوْمَاتِ المَدَافِنِ التَّدْمُرِيَّةِ تَأْكِيْدٌ عَلَى وَحْدَةِ التَّأَثُّرِ المُسْتَوْحَى فِي الأُسْلُوْبِ وَالتِّقَنِيَّاتِ الفَنِّيَّةِ المُتَّبَعَةُ فِي سُوْرِيَّة وُصُوْلًا إِلى رُسُوْمِ الأَيْقُوْنَاتِ التي تَجَلَّتَ فِيْمَا بَعْدُ بالفَنِّ القِبْطِيّ المِصْرِيّ.[21]

وَكَانَتْ مِنْ بَيْنِ أَهَمِّ الرُّسُوْمَاتِ الجدَارِيَّةِ التي جَسَّدَتْ فَنَّ الأَيْقُوْنَةِ السُّوْرِيَّةِ مِنْ حَيْثُ المَوَاضِيِعِ وَالأَحْدَاثِ المُصَوَّرَةِ قَدْ رُسِمَتَ مَا بَيْنَ القرن الحادي عشر الميلادي وَ القرن الثالث عشر الميلادي، وَاخْتَفَتْ هَذِهِ الرُّسُوْمَاتُ لِتَظْهَرَ مُجَدَّدًا فِي مَطْلِعِ القرن السابع عشر الميلادي، لِيُطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمُ «الأَيْقُوْنَةِ المَلَكِيَّةِ»، التي حَمَلَتْ سِمَاتٍ جَدِيْدَةٍ مِنْ نَاحِيَةِ الشَكْلِ وَالزَّخْرَفَةِ وَالكِتَابَاتِ العَرَبيَّةِ، وَيُعْتَبَرُ فَنُّ الأَيْقُوْنَةِ المَلَكِيَّةِ بدَايَةَ النَهْضَةِ الرُّوْحِيَّةِ التي رَافَقَتْهَا نَهْضَةُ فَنِّ الأَيْقُوْنَةِ السُّوْرِيَّةِ التي ذَاعَ صِيْتُهَا فِي الغَرْب.[22]

واشْتَهَرَ الفَنُّ المَسِيْحِيّ الكَنَسِيّ فِي سُوْرِيَّة باحْتِوَائِهِ عَلى الأَيْقُوْنَات التي تَتَصَدَّرُ هَيْكَلَ الكَنِيْسَةِ، وَمَوْضُوْعُهَا المَسِيْحُ وَمَرْيَمُ العَذْرَاء وَالحَوَارِيِّيْن، وَكَانَ يُوْحَنَّا الدِّمَشْقِيّ قَدْ شَجَّعَ عَلَى تَصْوِيْرِ الأَيْقُوْنَاتِ. وَكَانَ المُصَوِّرُوْنَ السُّوْرِيُّوْنَ قَدْ اهْتَمُّوْا بإبْدَاعِ أَيْقُوْنَاتٍ تَمَيَّزَتْ بطَابَعِهَا السُّوْرِيّ، وَمِنْ بَيْنِهَا أَيْقُوْنَةُ المَسِيْحِ وَالقِدِّيْسِ مِيْنَاس، المَحْفُوْظَةِ فِي مَتْحَفِ اللُّوْفْر بفَرَنْسَا.[24]


فن الأيقونة واللاهوت

صورة للوحة يسوع وهو يداوي أحد المصابين بالشلل، تعود إلى حوالي عام 232 م، اقتطعت من جدار المعمودية في كنيسة دورا أوربوس، بالقرب من دير الزور، سوريا. وهي واحدة من أقدم الصور البصرية للمسيح. محفوظة الآن في معرض الفنون بجامعة يل

تُعْتَبَرُ الأَيْقُوْنَةُ وَسِيْلَةَ تَمْجيْدٍ وَتَسْبيْحٍ وَتَعْلِيْم، فَهِيَ تُظْهِرُ الأَشْيَاءَ المُقَدَّسَةَ التي تُوْحِي بالمَاوَرَائِيَّاتِ، دُوْنَمَا الاقْتِصَار عَلَى جَمَالِيَّةِ اللَّوْحَةِ أَوْ دَلالَتِهَا الدِّيْنِيَّةِ، وَالتي اكْتَسَبَتْ قِيْمَتَهَا الفَنِّيَّة مِنْ خِلاَلِ إِطَارِهَا الدِّيْنِيْ، لِذَلِكَ تُعْتَبَرُ الأَيْقُوْنَةُ لاهُوْتًا جَمَالِيَّا، لا يُهِمُِ رَاسِمَهَا الجَمَالَ الفَنِّيّ فَحَسْب، بَلْ يَسْتَخْدِمُ الجَّمَالَ لِيُثِيْرَ الانْفِعَالاتِ الرُّوْحِيَّةِ وَيُحَرِّكَ العَوَاطِفَ الكَامِنَةَ مُوَلِّدًا الإِيْمَانَ فِي قَلْبِ المُشَاهِدِ وَالمُصَلِّيْ مَعًا.[25]

تَتَجَلَّى فَلْسَفَةُ رَسْمِ الأَيْقُوْنَةِ عَبْرَ مَا يَسْتَقِيْهِ الفَنَّانُ مِنْ تَعَالِيْمِ الإنجيل، وَرُؤْيَتُهَا لِلْخَلْقِ وَالخَالِقِ فِي آَنٍ مَعًا، فَمَنْ يَنْظُرُ إلى أَيْقُوْنَةِ العَشَاءِ السِرِّي عَلَى سَبيْلِ المِثَالَ، سَيَرَى النُّوْرَ مُنْبَثِقًا مِنْ شَخْصِيَّاتِ الأَيْقُوْنَةِ التي تَضُمُّ المَسِيْحَ وَتَلامِيْذَهُ، عَلَى نَقِيْضِ التَّصْوِيْرِ العَادِيّ الذِي يَأْخُذُ بعَيْنِ الاعَتْبَارِ ظِلَّ الأَشْيَاءِ وَأَبْعَادَهَا، لكَوْنِ مَصْدَرِ النُّوْرِ خَارِجيًا وَليْسَ دَاخِلِيَّا، كَمَا هُوَ الحَالُ فِي الرُّسُوْمَاتِ المُقُدَّسَةِ التي يَنْتَصِرُ فِيْهَا النُّوْرُ عَلَى الظُلْمَةِ، وَهَذَا مَا يُدْعَى بالِإشْرَاقِ الذي لا يَنْدَرِجُ فِي مَكَانٍ وَلا زَمَانْ، بَلْ يَتَخَطَّاهُمَا،[26] لِتَبْدُوَ الصُّوْرَةُ المُقَدَّسَةُ بمَظْهَرَيْن: مَظْهَرٌ خَارِجيٌّ طَبيْعِيٌ وَاضِحٌ لِلْعَيَانِ، وَمَظْهَرٌ رَمْزِيٌّ سِرِّيٌ يُحَاكِي النَّفْس، وَتَبْرُزُ مَعَانِيْهِ مِنْ خِلالِ لُغَةِ الأَلْوَانِ الرَّمْزِيَّة. وَمِنْ هُنَا تَجْدُرُ الإشَارَةُ إِلى أَنَّ المَسِيْحِيِّينَ الأَوَائِلَ قَدْ اسْتَفَادُوا مِنْ مَصَادِرَ عَدِيْدَة اسْتَخْدَمَت هَذِهِ الرُّمُوْز، وَاعْتَمَدُوْهَا فِي التَّعْبيْرِ عَنْ إِيْمَانِهِمْ، فَمِنَ الوَثَنِيَّةِ مَثَلًا أَخَذُوْا السَّفِيْنَةَ رَمْزًا لِلْكَنِيْسَةِ، وَالطَّاوُوْسَ رَمْزًا لِجَمَالِ الفِرْدَوْس، وَرَمْزُ السَّمَكَةِ الذي يَدُلُّ عَلَى المَسِيْح، وَمِنْ هَذِهِ الرُّمُوْزِ أَيْضًا المِرْسَاةُ وَالحَمَامَة.[27][d][e]

كَمَا يَنْشُدُ الفَنُّ الكَنَسِيُّ إِيْصَالَ حَقَائِقِ الإِيْمَانِ وَتَفَاصِيْلِهِ إلى البُسَطَاءِ مِنَ المَسِيْحِيِّيْنَ مِنْ خِلاَلِ تَكْوِيْنِ مَجْمُوْعَةٍ بَصَرِيَّةٍ تُحْفَظُ فِي الذِّهْنِ تَلْقَائِيًا، وَمِنْهَا يَسْتَقِي الإِنْسَانُ تَعْرِيْفَاتِ وَمُحَدِّدَاتِ الإِيْمَانِ دُوْنَمَا الحَاجَةُ إِلَى بَذْلِ جُهْدٍ فِي تَحْلِيْلِهَا، فَالأَيْقُوْنَةُ هِي أَدَاةٌ لِشَرْحِ اللَّاهُوْتِيَّاتِ لِلْبُسَطَاءِ، وَتَتَلَقَّىَ تِلْكَ الرُّسُوْمَاتُ مُعْطَيَاتِهَا مِنَ النُّصُوْصِ الكِتَابِيَّةِ وَالنُّصُوْصِ الآَبَائِيَّةِ، فَضْلًا عَنْ الإسْتِنَارَةِ الخَاصَّةِ بالفَنَّانِ، وَالتي تَطْبَعُ عَمَلَهُ برُوْحَانِيَّةٍ تُقَرِّبُ مَسَافَاتِ الفَنِّ إلى القَلْبِ وَالوُجْدَانْ.[28] إلّا أَنَّ تِلْكَ الحَقِيْقَةُ لا تَعْنِي أَنَّ الأَيْقُونَةَ أَدَاةٌ لِلْبُسَطَاءِ فَحَسْب، لَكَوْنِهَا أَدَاةَ تَوَاصُلٍ لِمَنْ يَمْلِكُوْنَ خَيَالًا خِصْبًا وَذِهْنًا جَمَالِيًا، وَمَنْطِقًا لا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ الحَقِيْقَةِ المُجَرَّدّةِ. فَإِنْ كَانَ النَّصُ أَدَاةَ العَقْلانِيِّيْنَ فِي التَّوَاصُلِ مَعَ الله وَفَهْمِ الحَقَائِقِ اللَّاهُوْتِيَّةِ، فَإِنَّ الأَيْقُوْنَةَ تَبْقَى أَدَاةَ ذَوِي الخَيَالِ الرَّحْبِ لِمَعْرِفَةِ الله وَطَبيْعَتِهِ.[29]

مكونات الأيقونة وعناصرها

لِكُلِّ أَيْقُوْنَةٍ مَدْلُوْلَاتٍ عَقَائِدِيَّةٍ وَتَعْلِيْمِيَّةٍ انْعَكَسَتْ مِنْ خِلَالِ العَنَاصِرِ المُشَكِّلَةِ لَهَا وَهِي الخَلْفِيَّة، الوَجْه، الأَنْف، الفَمُ وَالشِّفَاهْ، العَيْنَانْ، الأُذُنَانْ، اللِّحْيَة، اليَدَانْ وَالجَّسَدْ. كَمَا حَرَصَ فَنُّ الأَيْقُوْنَاتِ عَلَى الالْتِزَامِ بمَبَادِئِ الرَّسْمِ وَالأَلْوَانِ انْطِلَاقًا مِنَ الخَلْفِيَّةِ المُذَهَّبَةِ، وَالتي تَرْمُزُ إلى مَجْدِ المَلَكُوْتِ، وَعَالَمِ القَدِّيْسِيْنَ، حَيْثُ يُعَدُّ اللُّوْنُ الذّّهًبيُّ سَيِّدَ الأَلْوَانْ.[30] أَظْهَرَتِ الأَيْقُوْنَاتُ القَدِيْمَةُ ثِيَابَ المَسِيْحِ وَالقِدِّيْسِيْن بِأَلْوَانٍ ذَهَبِيَّةٍ، كَمَا كَانَ فَنُّ الأَيْقُوْنَةِ البيْزَنْطِيّ يُبَالِغُ فِي اسْتِخْدَامِ اللَّوْنِ الذَّهَبيْ لإِظْهَارِ عَظَمَةِ المَسِيْحِ وَبَهَائِهِ لِلْمُؤْمِنِيْن.[31]

كَمَا اعْتَمَدَ فَنَّانُوْا الأَيْقُوْنَةِ عَلى الرَّمْزِ وَالدِّلالَةِ فِيْ إِظْهَارِ قُدْسِيَّةِ الوُجُوْهِ، وَأَظْهَرُوْا أَنْفَ المَسِيْحِ وَالقِدِّيْسِيْنَ عَلَى شَكَلْ خَطٍ مُضِيْئٍ، دُوْنَمَا ظِلَالٍ لأَنَّ النُّوْرَ الإِلَهِيّ يُلْغِيْ كُلَّ ظِلٍ.[32] وَحَمَلَ الفَمُ وَالشِّفَاهُ دِلَالَاتٍ قُدْسِيَّةٍ مُكَمِلَةً المَشْهَدَ الرَّمْزِيّ لِلْوَجْهِ ذُوْ الفَمِ الصَّغِيْرِ وَالمُغْلَقِ لِكَوْنِهِ مُخْتَصًا بجَسَدٍ رُوْحِيّ لَا يَعْنِيْهِ الطَّعَامُ وَلَا الشَّرَابْ، وَفِي صَمْتِهِ دِلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ التَّأَثُّرِ بالأَحْدَاثِ لأَنَّ فَمَ القِدِّيْسِيْنَ مُطْبِقٌ عَلَى السِرِّ الإِلَهِيّ ، وَبشَكْلٍ عَام كَانَتْ كُلُّ السِّمَاتِ مَعْنَوِيَّةً مُجَرَّدَةً عِن التُّرَابْ.[33]

كَمَا حَرَصَ فَنَّانُوْا الأَيْقُوْنَةِ عَلَى أَنْ تَبْدُو العُيُوْنُ لَوْزِيَّةً وَمُسْتَدِيْرَةً فِي إِشَارَةٍ إِلَى الزُّهْدِ وَالنَّفْسِ التي أَيْقَنَتَ وَأَدْرَكَتِ الصَّفَاءَ فِي الله، وَكَانَتْ تُرْسَمُ باسْتِدَارَةٍ أَكْبَرَ لِلإِشَارَةِ إَلَى تَوَتُّرٍ مَا يَعِيْشُهُ القِدِّيْسْ، أُو نِصْفَ مُغْلَقَةٍ عِنْدَمَا يَكُوْنُ مُرَادُهَا الإِشَارَةُ إِلَى السُّكُوْنِ وَالرَّاحَةِ.[34] وَكَثِيْرًا مَا كَانَتِ العَيْنَانِ بَارِزَتَانِ وَنَظْرَتُهُمَا ثَاقِبَةٌ فِي الأَيْقُوْنَاتِ، وَمُحَاطَةٌ بقَوْسَيْ الحَاجِبَيْنِ لِتُظْهِرَ النَّظْرَةَ ثَابتَةً فِي تَحْدِيْقِهَا.[35] تَجَلَّتْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الرَّمْزِيَّةِ عِنْدَ رَسَّامِي الأَيْقُوْنَةِ لَدَى رَسْمِهِم لِلْأُذُنَيْنِ، وَحَرَصُوْا عَلَى أَنْ تَبْدُو الأُذُنَانَ عَلَى الْتِصَاقٍ بالخَدَّيْنِ فِي حَالَةِ عَدَمِ إِصْغَاءٍ لِصَوْتِ هَذَا العَالَمِ، وَإِنَّمَا تَسْتَمِعَانِ إَلَى صَوْتِ الله فِيْهِمَا، وَالصَّوْتِ الدَّاخِلِيّ لِلْقِدِّيْسِ المُنْشَغِلِ بالأَبَدِيَّةِ وَالخُلُوْد.[35]

يُعْتَبَرُ القِدِّيْسْ لُوْقَا الرَّسَّامَ الأَوَّلَ فِي المَسِيْحِيَّةِ،[36] وَالمُؤَسِّسَ الأَوَّلَ لِفَنِّ الأَيْقُوْنَةِ برَمْزِيَّتِهِ وَقُدْسِيَّتِهِ التي أَخَذَ عَنْهَا المُتَأَخِّرُوْنَ حَتَّى وَقْتِنَا هَذَا، وَاسْتَطَاعَ الفَنَّانُوْنَ تَجلِّيَ اللًّاهُوْتِ عِبْرَ وَجْهِ المَسِيْحِ، وَارْتَقَوْا عَبْرَ ذَلِكَ الوَجْهِ المُقَدَّسِ إَلَى اللَّامَنْظُوْرِ الذِي يَتَبَدَّىَ بجَمَالِهِ السَّمَاوِيِّ جَاذِبًا مَجَامِعَ أَعْيُنِ المُؤْمِنِيْنَ إِلَيْه.

أَمَّا بالنِسْبَةِ لِلْأَيْدِي، فَغَالِبًا مَا كَانَتْ تَنْطَبِقُ المَعَايِيْرُ الفَنِّيَّةُ لِرَسْمِ الوَجْهِ عَلَى الأَجْزَاءِ العَارِيَةِ مِنَ الجِّسْمِ، وَالتي تَنْبَثِقُ عَنْ مِثَالٍ رُوْحِيٍّ فِي أَغْلَبِ الحَالاتِ كَمَا حَرَصَ الفَنَّانُوْنَ عَلَى الحِفَاظِ عَلَى التَّوَازُنِ بَيْنَ تَقَاسِيْمِ الوَجْهِ وَاليَدَيْن. فَعِنْدَمَا يَكُوْنُ الوَجْهُ قَاسِيًا وَصُلْبًا تَأْتِي اليَدُ صُلْبَةً، وَالعَكْسُ صَحِيْح. فَالفَنَّانُ يُوْحِي برَسْمِهِ هَذَا إِلَى القُوَّةِ وَالعَظَمَةِ بنَاءً عَلَى مَا حَدَّدَهُ الإِنْجيْل، كَمَا تَهْتَمُّ نَظْرَةُ الأَيْقَنَةِ الأَرْثُوْذُكْسِيَّةِ فِي إِبْرَازِ مَعَالِمِ الجَّمَالِ الرُّوْحِي عَبْرَ الوَسَائِلِ الفَنِيَّةِ التي تُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ العَالَمِ دُوْنَمَا أَنْ تَتَطَرَّقَ إِلَى وَصْفِه، فَصَوَّرَتِ القَدِّيْسِيْنَ وَالأَشْخَاصَ السَّمَاوِيِّيْنَ بطَرِيْقَةٍ يُحْذَفُ فِيْهَا الحَجْمُ وَالثِّقَلُ بقَدَرَ المُسْتَطَاعِ لإِظْهَارِ الرُّوْحِ وَ القَدَاسَةِ فِي آَنٍ مَعًا، فِيْمَا صَوَّرِتِ الأَشْخَاصَ المَحْرُوْمِيْنَ مِنْ رُوْحِ المَوْهِبَةِ الإِلَهِيَّةِ عَلَى شَكْلِهِمُ المَادِّي وَالطَبيْعِيّ لإِحْدَاثِ تَمَايُزٍ بَيْنَ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ البَشَرْ.[37]

حرب الأيقونات

تَنْقَسِمُ حرب الأَيْقُوْنَاتِ إِلَى مُدَّتَيْنِ مُنْفَصِلَتَيْن، الأُوْلَى فِي الفَتْرَةِ المُمْتَدَّةِ بَيْنَ عَامَي 726780 م، وَانْتَهَتْ بالمَجْمَعِ المَسْكُوْنِي السَّابعْ، وَالثَّانِيَةُ فِي الفَتْرَةِ المُمْتَدَّةِ بَيْنَ عَامَي 813843 م، وَانْتَهَتْ بإِرْجَاعِ الأُرْثُوْذِكْسِيَّةِ إِلَى حَالَتِهَا الأُوْلَى. وَاخْتَلَفَ البَاحِثُوْنَ فِي أَسْبَابِ هَذِهِ الحَرْب، فَبَعْضُهُم يَرَى أَنَّ أَسْبَابَهَا كَانَتْ دِيْنِيَّةً، وَالبَعْضُ الآَخَرُ رَآهَا سِيَاسِيَّةً.

ما قبل حرب الأيقونات

أيقونة مار سركيس، معلولا ، سوريا

كَاْنَتْ حَيَاةُ المَسِيْحِيِّيْنَ اللّذِيْنَ عَاصَرُوْا المَسِيْحَ بَسِيْطَةٌ، وَتَوَاجَدُوْا مَعَهُ وَحَوْلَهُ فِي كُلِّ الأَثْنَاءِ، كَمَا كَانُوْا عَلَى جَانِبٍ عَظِيْمٍ مِنَ المَحَبَّةِ وَالأُخُوَةِ وَالتَّعَاضُدِ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُمْ وَلَا عَنْ مُعَلِّمِهِمُ المَسِيْحْ أَنَّهُمْ قَدْ حَمَلُوْا صَلِيْبًا أَوْ أَيْقُوْنَةُ أَوْ أَيَّ رَمْزٍ آَخَرَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانْ، وَهَذَا مَا نَجدُهُ عِنْدَ كَتَبَةِ العَهْدِ الجَّدِيْد. كَمَا حَافَظَ تَلَامِذَةُ المَسِيْحِ عَلَى الكَثِيْرِ مِنْ عَادَاتِهِمْ كَالخِتَانِ وَالامْتِنَاعَ عَنْ أَكْلِ اللُّحُوْمِ المُحَرَّمَةِ وَتَابَعَ تَلَامِذَةُ المَسِيْحِ فِي اليَهُوْدِيَّةِ نَشْرَ أَفْكَارِ المَسِيْحِ عَلَى الرُّغْمِ مِنْ بَعْضِ الاعْتِرَاضَاتِ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ المَجَامِعِ اليَهُوْدِيَّةِ، ذَلِكَ لأَنَّ يَهُوْدِيَّتَهُمْ كَانَتْ عِبْرَانِيَّةً - اللُّغَةَ العِبْرَانِيَّةَ- ذَاتِ الأَصْلِ الآَرَامِيّ.[38]

كَمَا عاَنىَ المَسِيْحِيُّوْنَ مِنَ الاضْطِّهَادِ الإِمْبَرَاطُوْرِيّ لَهُمْ إِذْ كَانَ الإِمْبَرَاطُوْرُ يَعُدُّ نَفْسَهُ حَاكِمًا سِيَاسِيَّا وَإِلَهًا عَلَى شَعْبهِ، وَحِيْنَ رَفَضَ المَسِيْحِيُّوْنَ عَبَادَتَهُ اعْتَبَرَهُمْ خَارِجيْنَ عَنْ القَانُوْنِ الرُّوْمَانِيّ وَ أَخَذَ باضْطِّهَادِهِمْ وَ مُحَارَبَتِهِمْ وَ أَفْكَارَهُمْ وَ بَدَأَ بمُطَارَدَتِهِمْ وَالتَنْكِيْلِ بهِمْ.[39] وَمِنْ ذَلِكَ مَا لاقَاهُ بُوْلُسْ الرَّسُوْلْ مِنَ السَّجْنِ وَالتَّعْذِيْبِ حَتَّى اسْتِشْهَادِه.[40][f] وَ رَافَقَ ذَلِكَ هُرُوْبُ المَسِيْحِيِّيْنَ إَلَى مَنَاطِقِ الغَابَاتِ وَالعَيْشِ فِيْهَا وَاتَّخَذُوْا مِنَ الدَّيَامِيْسِ مَسَاكِنَ عَيْشٍ وَعِبَادَةٍ لَهُم،[g] وَدَامَتْ هَذِهِ الفَتْرَةُ حَوَالَيْ ثَلاثُمَائَةِ سَنَةٍ إِلَى أَنْ صَدَرَ مَرْسُوْمُ مِيْلاَنُو سنة 313 م.[42][h] وَبهَذَا التَّشْرِيْعِ الجَدِيْدِ انْتَهَى عَصْرُ الاضْطِّهَادِ وَاعْتَرَفَتِ السُّلُطَاتُ الرُّوْمَانِيَّةُ بشَرْعِيَّةِ وُجُوْدِ الدِّيَانَةِ المَسِيْحِيَّةِ،[42] كَمَا أَصْبَحَتِ الكَنَائِسُ المَسِيْحِيَّةُ تَتَمَتَّعُ بحَقِّ التَّمَلُّكِ، لَكِنَ المَسِيْحِيَّةَ لَمْ تُصْبحْ فِي ذَلِكَ الحِيْنِ الدِّيَانَةَ الرَّسْمِيَّةَ لِلدَوْلَةِ الرُّوْمَانِيَّةِ، بَلْ صَارَتْ مُتَسَاوِيَةً مَعَ الأَدْيَانِ الوَثَنِيَّةِ الرُّوْمَانِيَّة.

المسيحيون بعد مرسوم ميلانو

كَانَ لإِمْبَرَاطُوْرِ الغَرْبِ قُسْطَنْطِيْنُ الكَبيْرْ الأَثَرَ الأَكْبَرَ فِي إِصْدَارِ هَذَا المَرْسُومِ،[42] كَمَا كَانَ مُتَأَثِّرًا بتَسَامُحِ وَالِدِهِ قَسْطَنِيْنُوس الأَوَّلْ كلُورُس وَ وَالِدَتِهِ المَسِيْحِيَّةِ هَيْلانَة. وَ وَقَّعَ عَلَى هَذَا المَرْسُوْمِ كُلٌّ مِنَ الإِمْبَرَاطُوْرِ قُسْطَنْطِيْن الكَبيْر وَالإِمْبَرَاطُوْر الشَّرْقِي لِيْسِيْنيُوس الأَوَّل، إِلَّا أَنَّ الإِمْبَرَاطُوْر لِيْسِيْنيُوس الأَوَّل كَانَ قَدْ تَرَاجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعَدَمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى اقْتِتَالٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمْبَرَاطُوْر قُسْطَنْطِيْن الكَبيْر وَالذي انْتَهَى بهَزِيْمَةِ لِيْسِيْنيُوس الأَوَّل وَمَقْتَلَهِ سَنَة 324 م.[44] وَبذَلِكَ أَصْبَحَ قُسْطَنْطِيْن الكَبير الحَاكِمَ الفِعْلِيَّ الوَحِيْد للإِمْبَرَاطُوْرِيَّةِ الرُّوْمَانِيَّةِ بشِقَّيْهَا الشَّرْقِيّ وَالغَرْبيّ،[45] وَ وَحَّدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَعْلَنَ المَسِيْحِيَّةَ الدِّيَانَةَ الرَّسْمِيَّةَ لِلْبلادْ.

بناء القسطنطينية

جانب من أسوار القسطنطينية التي بنيت في القرن الخامس الميلادي

دَأَبَ قُسْطَنْطِيْنُ وَتِبْعًا لِدَوَاعِيْ الحَرْبِ وَالسِّلْمِ عَلى التَّحَرُّكِ فِي يَقْظَةٍ تَامَةٍ عَلَى حُدُوْدِ مَمْلَكَتِهِ الشَّاسِعَةِ وَكَانَ دَوْمًا عَلَى أُهْبَةِ الاسْتِعدَادِ لِمُلَاقَاةِ أَيِّ عَدُوٍ خَارِجيٍّ أَوْ دَاخِلِيّ، وَعِنْدَمَا تَقَدَّمَتْ بهِ الأَيَامُ بَدَأَ يَتَدَبَّرُّ مَشْرُوْعًا تَسْتَقِرُّ بهِ قُوَّةُ العَرْشِ الإِمْبَرَاطُوْرِي فِي مَكَانٍ أَشَدِّ ثَبَاتًا مِنْ رُوْمَا، وَبَدَأَ فِي التَّفْكِيْرِ فِي بنَاءِ عَاصِمَةٍ جَدِيْدَةٍ للإِمْبَرَاطُوْرِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ القُسْطَنْطِيْنِيَّة هُوَ المَوْضِعُ الأَوَّلُ الذي اخْتَارَهُ قُسْطَنْطِيْنُ أَوَّلَ ذِي الأَمْرِ،[46] فَقَدْ طَرَأَتْ عَلَى ذِهْنِهِ عِدَّةُ أَمَاكِنَ لِتَكُوْنَ مَقَرًا لِحُكْمِهِ الجَدِيْد، فَنَجدُ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى مَسْقَطِ رَأْسِهِ مَدِيْنَةِ نِيْش الوَاقِعَةِ عَلَى نَهْرِ مُوْرَافَا شِمَالِيّ جَزِيْرَةِ البَلْقَانْ وَمَدِيْنَةِ سَرْدِيْكَا «صُوفْيَا حَاليًّا»، وَمَدِيْنَةِ نِيْقُوْمِيْديَا التِي اتَّخَذَهَا دقليانوس مِنْ قَبْل.[46]

وَلَمَّا كَانَ قُسْطَنْطِيْنُ يُفَضِّلُ مِنْطَقَةَ الحُدُوْدِ بَيْنَ أُوْرُوْبَا وَ آسْيَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ ضَرْبِ البَرَابرَةِ[i] الذِيْنَ كَانُوْا يَقْطُنُوْنَ الدَّانُوْبَ وَيُرَاقِبُ بعَيْنٍ سَاهِرَةٍ تَحَرُّكَاتِ الفُرْسِ،[46] كَانَتْ نِيْقُوْمِيْديَا أَنْسَبَ المُدُنِ لِتَكُوْنَ عَاصِمَةَ الإِمْبَرَاطُوْرِيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ قُسْطَنْطِيْنُ لا يُرِيْدُ أَنْ يَرْبطَ مَدِيْنَتَهُ الجَّدِيْدَةَ بذِكْرَى دِقْليَانُوْس، فَآَثَرَ اخْتِيَارَ مَوْضِعٍ آَخَرَ يُرَاقِبُ مِنْهُ تَحَرُّكَاتِ الفُرْسِ وَالبَرَابرَةِ، وَكَانَ هَذَا المَوْضِعُ هُوَ قَرْيَةُ «بيْزَنْطُوْم» التِي بَنَى عَلَى أَنْقَاضِهَا مَدِيْنَةَ القُسْطَنْطِيْنِيَّة بَيْنَ سَنَتَي 324330 م.[48]

وَكَانَ مَوْقِعُ المَدِيْنَةِ الجَّدِيْدَةِ عَلَى شَكْلِ مُثَلَّثٍ يَقَعُ فِي خَلِيْجِ البُوسْفُوْر، وَيَلْتَقِي طَرَفُهُ المُنْفَرِجُ الذِي يَمْتَدُّ شَرْقًا إِلَى شَوَاطِئِ آسْيَا بأَمْوَاجِ البُوْسفُوْر،[46] وَيَحُدُّ المِيْنَاءَ الجُزْءُ الشَّمَالِيُّ مِنَ المَدِيْنَةِ، أَمَا الجُّنُوبُ فَتَحُدُّهُ مِيَاهُ بَحْرِ مَرْمَرَة، وَمِنْ نَاحِيَةِ الغَرْبِ تَقَعُ قَاعِدَةُ المُثَلَّثِ بمُوَاجَهَةِ قَارَّةِ أُوْرُوبَا.[46] وَاكْتَسَبَ مِيْنَاءُ القُسْطَنْطِيْنِيَّة اسْمَ «القَرْنِ الذَّهَبِيّ» لأَنَّ الانْحِنَاءَ الذِي يَرْسُمُهُ يُمْكِنُ تَشْبيْهُهُ بقَرْنِ الغَزَال،ِ وَلَفْظَةُ ذَهَبيٍّ لِلتَعْبيْرِ عَنْ الثَّرْوَةِ التي تَدَفَّقَتْ عَلَى المَدِيْنَةِ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ إِلَى ثَغْرِ المَدِيْنَةِ الوَاسِعِ الآَمِن.[46]

المسيحية دين الإمبراطورية الرسمي

لوحات جدارية من كنيسة دير مار موسى الحبشي، بالقرب من النبك، سوريا

أَثَّرَتِ الوَثِنِيَّةُ وَالفِكْرُ الفَلْسَفِيّ اليُوْنَانِيْ وَاليَهُوْدِيّ فِي المَسِيْحِيَّةِ وَكَانَتْ المُجْتَمَعَاتُ الرِّيْفِيَّةُ حِيْنَذَاك تُكَرِّمُ القُوَى التي تُعْطِي الخِصْبَ لِلطَّبيْعَةِ وَلِلأَرْضِ وَلِلحَيوَان، مُعْتَبرِيْنَ أَنَّهَا آلِهَةٌ تَحْفَظُ المَزْرُوْعَاتِ وَالقِطْعَان وَاليَنَابيْع، وَحِيْنَ اهْتَدَتِ الأَرْيَافُ إِلَى المَسِيْحِيَّةِ فِي القَرْنِ الخَامِسِ دَخَلَتْ بَعْضُ عَنَاصِرِ هَذِهِ الدِّيَانَاتِ القَدِيْمَِةِ فِي المَسِيْحِيَّةِ، وَغَزَتِ الفُلُكْلُوْر المَحَلِّي، كَمَا فِي مَوْتِ الطَّبيْعَةِ وَقِيَامَتِهَا، أَمَّا بالنِّسْبَةِ لآلِهَةِ المُدُنِ اليُوْنَانِيَّةِ وَالرُّوْمَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَقَدْ كَانَ لِكُلِّ مَدِيْنَةٍ آلِهَتُهَا، وَبَعْدَ دُخُوْلِ النَّاسِ المَسِيْحِيَّةِ فَقَدْ بَقِيَ بَعْضُهُمْ أَمِيْنًا لَهَا لأَنَّهَا تُمَِثِّلُ العَادَاتِ المُتَوَارَثَةِ عَنِ الأَجْدَادْ.[49]

وَكَانَتْ الفَلْسَفَةُ الرُّوَاقِيَّةُ تُطَالِبُ بالخُضُوْعِ لِنِظَامِ الكَوْنِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَى طُقُوْسٍ وَمُمَارَسَاتٍ خَاصَّةٍ بهَا، تُشَدِّدُ عَلَى التَّطْهِيْرِ البَاطِنِيّ.[50] وَهَذَا مَا نَادَتْ بهِ الفَلْسَفَةُ الرُّوَاقِيَّةُ وَمَانَادَتْ بهِ المَسِيْحِيَّةِ بأَنَّ «الله رُوْح، وَ بالرُّوْحِ يُعْرَف».[j] أَمَّا الفِرْقَةُ الثَانِيَةُ التِي هَرَبَتْ مِنَ القُدْسِ إِبَّانَ فَتْرَةِ الاضْطِّهَادِ،[51] وَتَوَجَّهَتْ شَمَالًا ثُمَّ اتَّخَذَتْ مِنْ أَنْطَاكِيَّةَ مَرْكِزًا لَهَا فِي بَادِئِ الأَمْرِ وَدُعِيَتْ بالمَسِيْحِيَّةِ، هَذِهِ الفِرْقَةُ ذَاتُ الأَصْلِ اليَهُوْدِيِّ الهِلِّيْنِيّ وَالثَّقَافَةِ اليُوْنَانِيَّةِ قَدْ بَصَمَتِ المَسِيْحِيََةَ بالكَثِيْرِ مِنْ بَصَمَاتِهَا الفَلْسَفِيَّةِ، وَبهَذَا الانْقِسَامِ المَسِيْحِيّ بَدَأَتِ المُشَادَّاتُ بَيْنَ الجَّمَاعَتَيْنِ وَاعْتِمَادًا عَلَى المُشَادَّاتِ التِي دَاْرَتْ بَيْنَ الفِرْقَتَيْنِ وَلِدُخُوْلِ الكَثِيْرِ مِنَ الوَثَنِيِّيْنَ إِلى المَسِيْحِيَّةِ، خَاصَّةً عَلَى أَيْدِي الفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ انْقِسَامُ المَسِيْحِيَّةِ إِلَى مَا يُسَمَّى أَنْصَارَ الطَّبيْعَةِ الوَاحِدَةِ وَأَنْصَارُ الطَّبيْعَتَيْن. فَاعْتَبَرَ أَسْقُف لِيُوْنْ ايريناوس أَنَّ أفَكَارَ مرقيون[52] نَافِيَةً لِعَوْدَةِ الرَّبِ ثَانِيَةً، وَأَنَّ الخَلاصَ الذِي لا يَكُوْنُ إِلًّا بتَعَالِيْمِهِ، أَيْ أَنَّ الخَلاصَ لِلنُّفُوْسِ وَلَيْسَ لِلجَسَد، مَاهِي إِلَّا بدَعٌ، وَهَاجَمَهُ كُلٌّ مَنْ يُنَادِي بذَلِكَ، كَالفَيْلَسُوْفِ مَانِي أَيْضًا فِي مَقَالاتِهِ الرَّدُ عَلَى البِدَعْ.[53] وَمِنْ هُنَا بَدَأَتْ فِكْرَةُ حَرْبِ الأَيْقُوْنَاتِ لَكِنْ بشَكْلٍ فِكْرِيٍّ وَدُوْنَمَا تَدَخُّلِ السِّيَاسَةِ وَرِجَالِهَا فِي ذَلِكْ، عِلْمًا أَنَّ المَسِيْحِيِّيْنَ شَتَّتَهُمْ الاضْطِّهَادُ لِيَعِيْشُوا فِي الغَابَاتِ وَالدَيَامِيْسِ، وَبذَلِكَ لَمْ تَأْخُذْ هَذِهِ الحَرْبُ الفِكْرِيَّةُ أَكْثَرَ مِنْ الرَّأَيِ وَالرَّأْيِ المُعَاكِسْ.

المجامع الدينية

أَدَّى ظُهُوْرُ المَسِيحِيِّيْن إَلَى عَالَمِ الحُرِّيَّةِ إِلَى أَنْ تَأْخُذَ رُمُوْزُهُم الدِّيْنِيَّةِ مُجَارَاةِ وَمُنَافَسَةِ أُبَّهَةِ العَصْرِ الرُّوْمَانِيّ. فَالسَّمَكَةُ التِي كَانَ يَرْسُمُهَا المَسِيْحِيُّوْنَ عَلَى الأَشِجَارِ فِي الغَابَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ لِلدَلَالَةِ عَلَيْهِمْ أَصْبَحَتْ ذَاتَ صِبْغَةٍ قُدْسِيَّةٍ، وَأَصْبَحَ الفَنُّ الكَنَسِيّ يُحَاكِي الفَنَّ الذِي عَاصَرَهُ وَسَبَقَهُ، فَتَزَيَّنَتِ الكَنَائِسُ الضَّخْمَةُ بصُوَرِ المَسِيْحِ وَأُمِّهِ مَرْيَمُ العَذْرَاء وَالقِدِّيْسِيْنَ وَالشُّهَدَاء، وَأَصْبَحَتْ مِنْ ضُرُوْرَاتِ الكَنَائِسِ وَالعِبَادَة، وَأَصْبَحَتْ هَذِهِ الرُّمُوْزُ وَسَاطَةً بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالله، وَكَانَ أَنْصَارُ هَذَا العَمَلِ هُمْ أَصْحَابُ الطَّبيْعَتَيْنِ، إِذْ جَسَّدُوْا المَسِيْحَ وَأُمُّهُ العَذْرَاء وَغَيْرَهُمْ بمَا هُوَ مَرْئِيٌّ، إِضَافَةً لِلتَأَمُّلِ الرُّوْحِيّ، وَسُمِّيَتْ تِلْكَ الرُّمُوْزُ وَالرُّسُوْمَاتُ بالأَيْقُوْنَاتِ، وَهَذَا مَا دَعَا أَسَاقِفَةَ الطَّبيْعَةِ الوَاحِدَةِ لِشَنِّ الحَرْبِ الكَلَامِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ لِإبْطَالِ ذَلِكَ، وَكَانَ عَلَى رَأْسِ هَذِهِ المَجْمُوْعَةِ الأُسْقُف نُسْطُوْر،[54] وَمُعَارِضَهُ أُسْقُف الإِسْكَنْدَرِيَّةِ كِيْرلُوس، الذِي نَادَى بأَنَّ المَسِيْحَ هُوَ الله، فَعَارَضَهُ نُسْطُور وَاشْتَدَّ بَيْنَهُمَا الخِلافُ، وَأَخَذَ يَتَفَشَّىَ وَيَسْرِيْ بَيْنَ النَّاسِ، وَهُنَا تَدَخَّلَ الإِمْبَرَاطُوْر وَدَعَا إِلَى عَقْدِ مَجْمَعِ أَفْسُس سَنَة431 م.[55]

أَصَرَّ كِيْرلُوس وَأَنْصَارُهُ بأَنَّ المَسِيْحَ هُوَ الله،[56] فِي حِيْنَ قَالَ نُسْطُورْلا أَدْرِي كَيْفَ أَدْعُوا الله مَنْ كَانَ طِفْلًا عُمُرُهُ شَهْرَانِ أَوْ ثَلاثَة، وَلِهَذَا فَإِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِكُمْ وَلَنْ أَكُوْنَ بَيْنَكُمْ مِنَ الآن فَصَاعِدًا»،[57] وَكَانَ نَتِيْجَةَ المَجْمَعِ عَزْلُ نُسْطُوْر وَالبَلْبَلَةُ فِي كَنِيْسَةِ القُسْطَنْطِيْنِيَّة.[57] وَكَانَ قَبْلَهُ قَدْ تَمَّ فَصْلُ أَرْيُوس وَأنْصَارِهِ سَنَةَ 318 م مِنَ المُؤسَّسَةِ الكَنَسِيَّةِ حَيْثُ كَانَ رَأْيُ أَرْيُوس «تَنْزِيْهَ الوَاحِد الأَحَد الذِي لا بَدْءَ لَهُ»، بَيْنَمَا الابْنُ وَالكَلِمَةُ خَاضِعَانِ لِلتَغْيِرِ جَسَدِيَّا وَأَدَبيَّا، فِي حِيْنِ كَانَ رَأْيُ ألكْسَنْدرس عَدَمُ الفَصْلِ بَيْنَ الكُلِّ مِنْ طَبيْعَةٍ وَاحِدَةٍ.

أيقونة مجمع نيقية الأول الذي عقد سنة 325 م

أَمَّا فِي مَجْمَعِ نِيْقِيَا الذِي عُقِدَ فِي سَنَةَ 325 م،[58] كَانَ للإِمْبَرَاطُوْر قُسْطَنْطِيْنُ الكَبيْرُ دَوْرًا هَامًا فيْه، لأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَنْصَارِ الطَّبيْعَتَيْنِ لِلْمَسِيْحِ. وَتَتَالَتِ الاخْتِلافَاتُ، وَعُقِدَتِ المَجَامِعُ، فَبَعْدَ مَجْمَعِ نِيْقِيَا الذِي حَرَّمَ أَرْيُوْس وَنَفَاه،[59] عُقِدَ مَجْمَعُ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ الأَوَّلِ سَنَةَ 381 م،[60] وَفِيْهِ حُرِّمَ مَقْدِنْيُوس بَطرِيرْك القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ ، وَالذي عَزَلَهُ الإِمْبَرَاطُوْر قُسْطَنْطِيْن مِنْ مَنْصِبِهِ لأَنَّهُ أَنْكَرِ لاهُوْتَ الرُّوْحِ القُدُسْ، كَمَا تَمَّ فِي مَجْمَعِ خَلْقِيْدُوْنيَة الذِي عُقِدَ سَنَة 451 م مِنْ حِرْمَانِ الرَّاهِبِ اليُوْنَانِيِّ أُوْطِيْخَا الذِي عَاشَ فَي القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ لأَنَّهُ قَالَ بوَحْدَةِ الطَّبيْعَةِ لَدَى المَسِيْح،[61] وَتَتَالَتْ هَذِهِ التَّحْرِيْمَاتُ حَتَّى مَجْمَعِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ الثَّالِثِ الذِي عُقِدَ سَنَةَ 681 م، وَالذِي كَانَتْ أَغْلَبُ قَرَارَاتِهِ تَحْرِيْمُ أَصْحَابِ المَشِيْئَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ الكَنِيْسَة.

وَقَدْ أَدَّتْ هَذِهِ الصِّرَاعَاتُ الفِكْرِيَّةُ المَبْنِيَّةُ عَلَى العَوَامِلِ الدِّيْنِيَّةِ إِلَى حَرْبٍ وَقَفَ خِلَالَهَا أَنْصَارُ الطَّبيْعَتَيْنِ إِلَى جَانِبِ الأَيْقُوْنَاتِ وَدَافَعُوْا عَنْهَا لإِيْمَانِهِمْ بالتَجْسِيْدِ، وَ وَقَفَ أَنْصَارُ الطَّبيْعَةِ الوَاحِدَةِ ضِدَّ الأَيْقُوْنَاتِ لِعَدَمِ إِيْمَانِهِمْ بالتَجْسِيْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ بَدَأَ فِي عَهْدِ الإِمْبَرَاطُوْر بَارْدَانس فِيْلِيْبيكُوس الأَرْمَنِي الذي حكم بين عامي 711713 م -وَكَانَ مِنْ أَنْصْارِ مَذْهَبِ الطَّبيْعَةِ الوَاحِدَةِ- رَفْعُ الأَيْقُوْنَاتِ ذَاتِ الرَّمْزِ الدِّيْنِي، بهَدَفِ تَنْقِيَةِ الدَِّيْنِ مِمَّا عَلِقَ بهِ، فَعَارَضَ الأَسَاقِفَةُ الأَرْثُوذُكْس رَفْعَ الأَيْقُوْنَاتِ وَاعْتَمَدُوْا عَلَى المَجْمَعِ المَسْكُوْنِيّ السَّادِسِ[k] الذِي يَعْتَبرُ أَنْصَارَ المَشِيْئَةِ الوَاحِدَةِ هَرَاطِقَة، لا يَمُتُّوْنَ لِلأَرْثُوذُكْسِيَّة، فَرَدَّ الإِمْبَرَاطُور بأَنَّ هَذَا المَذْهَبَ هُوَ المَذْهَبُ الوَحِيْدُ الذِي يُمَثِّلُ الأَرْثُوْذِكْسِيَّة.[62]

وَكَتَعْبيْرٍ عَنْ رَفْضِ مُقَرَّرَاتِ المَجْمَعِ المَسْكُوْنِيّ السَّادِسِ وَإِعْلاءِ شَأَنِ مَذْهَبِ المَشِيْئَةِ الوَاحِدَةِ، أَمَرَ الإِمْبَرَاطُوْر فِيْلِيْبيكُوس بهَدْمِ نَصُبٍ تِذْكَارِيٍّ يُخَلِّدُ ذِكْرَى هَذَا المَجْمَع،[62] كَمَا أَمَرَ برَفْعِ الكِتَابَةِ المَوْضُوْعَةِ عَلَى إِحْدَى بَوَّابَاتِ القَصْرِ التِي تُشِيْرُ إِلَى عَقْدِ جَلَسَاتِ هَذَا المَجْمَع. وَ وُضِعَتْ صُوَرُ للإِمْبَرَاطُوْرِ وَالبَطْرِيَرْك سَرْجيُوس مَكَان هَذَيْنِ الأَثَرَيْن. وَسَارَ عَلَى نَفْسِ هَذَا النَّهْجِ أَبَاطِرَةُ عَصْرِ الصِّرَاعِ مِنْ أَجْلِ الأَيْقُوْنَاتِ، فَرَفَعُوْا الأَيْقُوْنَاتِ التِي لَهَا صِفَةٌ أَوْ رَمْزٌ دِيْنِيَّين، وَاسْتَبْدَلُوْهَا بصُوَرِهِمْ.[62] وَ رُغْمَ أَنَّ آَرَاءَ الإِمْبَرَاطُوْرِ بَارْدَانس فِيْلِيْبيكُوس المُؤَيِّدَةِ لِمَذْهَبِ المَشِيْئَةِ الوَاحِدَةِ لَمْ يُتَحْ لَهَا أَنْ تَنْتَشِرَ انْتِشَارًا وَاسِعًا، وَ رُغْمَ أَنَّ سِيَاسَاتِهِ الدِّيْنِيَّةِ بشَكْلٍ عَام قَدْ أَثَارَتْ مُعَارَضَةَ الكَثِيْرِيْنَ وَعَجَّلَتْ بانْهَاءِ حُكْمِهِ، إِلَّا أَنَّهُ وُجدَ بَعْضُ المُؤَيِّدِيْنَ لَهَا وَلَا سِيَمَا بَيْنَ بَعْضِ رِجَالِ الدِّيْنِ وَمِنْ بَيْنِهِم البَطْرِيَرْك جرْمَانُوس .[62]

وَقَدْ كَانَ لِهَذِهِ الهَرْطَقَةِ الدِّيْنِيَّة التِي أَحْيَاهَا الإِمْبَرَاطُوْرُ الجَدِيْدُ أَصْدَاءَ سَيِّئَةَ فِي كَثِيْرٍ مِنْ أَصْقَاعِ الإِمْبَرَاطُوْرِيَّة وَلا سِيَمَا فِي رُوْمَا، حَيْثُ لَقِيَتْ أَشَدَّ المُعَارَضَة. وَكَانَ الإِمْبَرَاطُوْرُ الجَدِيْدُ حِيْنَ تَسَلَّمَ العَرْشَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى البَابَا قُسْطَنْطِيْن الأَوَّل قَرَارًا دِيْنِيَّا صُبغَ بلَهْجَةٍ اتَّضَحَتْ مِنْ خِلالِهَا أَفْكَارُهُ فِي اتِّبَاعِ المَشِيْئَةِ الوَاحِدَةِ، وَأَرْفَقَ مَعَهُ صُوْرَةً شَخْصِيَّةً لَه. وَقَدْ رَفَضَ البَابَا اسْتِلامَ صُوْرَةِ الإِمْبَرَاطُوْرِ الهِرْطِقِي، كَمَا رَفَضَتِ السُّلُطَاتُ هُنَاك أَنْ تَنْقُشَ صُوْرَتَهُ عَلَى العُمْلَةِ، وَحُذِفَ اسْمُهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالوَثَائِقِ الدِّيْنِيَّةِ وَالحُكُوْمِيَّة.[62] وَهَكَذَا وَقَبْلَ أَنْ تَبْدَأَ أَزْمَةُ الأَيْقُوْنَاتِ بَدَأَ الصِّرَاعُ بَيْنَ الإِمْبَرَاطُوْرِ الهِرْطِقِي وَبَيْنَ البَابَا الذِي مَثَّلَ دَوْرَ حَامِي السُنَّةِ وَالمَذْهَبِ الأَرْثُوْذُكْسِي. وَمِنَ الوَاضِحِ أَنِّ نُقْطَةَ الخِلاَفِ فِي هَذَا الصِّرَاعِ كَانَتِ الأَيْقُوْنَات، وَبذَلِكَ أَصْبَحَ قُبُوْلُ الصُّوَرِ أَوْ رَفْضُهَا هُوَ المِحْوَرُ الرَّئِيْسُ الذِي دَارَتْ حَوْلَهُ أَحْدَاثُ السِّنِيْن القَادِمَة.[63] انْتَهَتْ حَياةُ الإِمْبَرَاطُوْر فِيْلِيْبيكُوس بثَوْرَةِ الجُّنْدِ عَلَيْه وَأَسْرِهِ وَالتَمْثِيْلِ به، وَذَلِكَ سَنَة 713 م.[63]

جَاءَ بَعْدَ الإِمْبَرَاطُوْر فِيْلِيْبيكُوس اثْنَانِ مِنَ الأَبَاطِرَة، لَكِنَّ الدَّوْرَ الرَّئِيْسَ كَانَ لِلحَاكِمِ العَسْكَرِيّ لِمُقَاطَعَةِ الأَنَاضُوْل لِيُون أَو لاوْن الأَيْصُورِيّ،[64] الذِي اسْتَطَاعَ برُؤْيَتِهِ أَنْ يَسْتَفِيْدَ مِنْ مَوَازِيْنِ القُوَى دَاخِلَ نَفُوْذِ إِمْبَرَاطُوْرِيَتِهِ مَعَ دُوَلَ الجوَار، فَتَحَالَفَ مَعَ الأَقْوِيَاءِ فِي الدَّاخِلِ أَمْثَالِ أَرْتِبَاسْدُوس، الحَاكِمِ العَسْكَرِيّ لِمُقَاطَعَةِ أَرْمِيْنيَا البيْزَنْطِيَّة، وَمَعَ العَرَبِ فِي الخَارِج. وَدَخَلَ لِيُوْن القُسْطَنْطِيْنِيَّة سَنَةَ 717 م سِلْمًا، بَعْدَ أَنْ تَنَازَلَ لَهُ الإِمْبَرَاطُوْر ثِيُودُوْسْيُوسْ الثَالِثْ،[65] وَتُوِّجَ بَعْدَهَا إِمْبَرَاطُوْرًا فِي كَنِيْسَةِ القِدِّيْسَةِ آيَا صُوْفيَا، وَحَكَمَ مَابَيْنَ عَامَي 717741 م.[65] أَمَّنَ لِيُون حُدُوْدَهُ البَرِيَّةَ وَالبَحْرِيَّة مِنْ هَجَمَاتِ العَرَبِ بالتَّحَالُفِ مَعَ القُوَى المُجَاوِرَةِ،[66] وَنَشَرَ العَدْلَ بوَاسِطَةِ مَجْمُوْعَةٍ تَشْرِيْعِيَّةٍ سُمِّيَتْ «الإيكلوغا»[l][67]، كَمَا أَزَالَ طُمُوْحَ الطَّامِعِيْنَ فِي العَرْشِ بأَنْ قَسَّمَ بلادَهُ إِلَى مُقَاطَعَاتٍ،[68] وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ المُقَاطَعَاتِ القَوِيَّةِ حُلََفَاءَ لَهُ، وَبخَاصَّةٍ صِهْرَهُ أَرْتَباسْدُوس.[64][68]

أصول حرب الأيقونات

إِنَّ النِزَاعَ حَوْلَ الأَيْقُوْنَاتِ يُعْتَبَرُ صَفْحَةً جَدِيْدَةً وَخَطِيْرَةً مِنْ صَفَحَاتِ التَّارِيْخِ البيْزَنْطِيّ.[69] وَقَدْ بَدَأَ هَذَا الصِّرَاعُ بسَبَبِ مُعَارَضَةِ لِيُون الثَّالِث لِعِبَادَةِ الأَيْقُوْنَات. وَقَدْ طَبَعَ هَذَا النِّزَاعُ تَارِيْخَ بيْزَنْطَة فِي هَذِهِ الحِقْبَةِ بطَابَعِه. كَمَا نَتَجَ عَنْهُ مُنَازَعَاتٌ دَاخِلِيَّةٌ شَدِيْدَةٌ دَامَتْ لأَكْثَرَ مِنْ قَرْن.[69] وَ اتَّخَذَتِ الأَزْمَةُ شَكْلَ نِزَاعٍ حَوْلَ الصُّوَرِ وَ مَا كَانَ لِهَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ مَعَانٍ رَمْزِيَّةٍ جَعَلَتْهَا مَوْضِعَ التَّقْدِيْسِ وَالاحْتِرَامِ فِي نَظَرِ بَعْضِ الكَنَائِس، وَ كَانَتِ الكَنِيْسَةُ اليُونَانِيَّةُ مِنْ أَكْثَرِ الكَنَائِسِ تَقْدِيْسًا للِأَيْقُوْنَاتِ، وَمَعَ مُرُوْرِ الزَّمَنِ ازْدَادَ هَذَا التَّقْدِيْسُ حَتَّى أَصْبَحَ عُنْوَانًا لِلتَقْوَى البيْزَنْطِيَّةِ.[69] وَكَانَ هُنَاكَ بالمُقَابلِ أُنَاسٌ آخَرُوْنَ يُعَارِضُوْنَ تَقْدِيْسَ الأَيْقُوْنَاتِ وَيَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ المَسِيْحِيَّةَ -وَهِيَ دِيْنُ الصَّفَاءِ الرُّوْحِي- يَجبُ أَلَّا تُشَوَّهَ بعِبَادَةِ الأَيْقُوْنَاتِ.[69]

وَكَانَ مَقَرُّ هَذِهِ المُعَارَضَةِ فِي المُقَاطَعَاتِ الشَّرْقِيَّةِ حَيْثُ كَانَتْ فِئَةُ البُولصيِّين -وَهِيَ فِئَةٌ دِيْنِيَّةٌ كَانَتْ تُعَارِضُ كُلَّ أَنْوَاعِ العِبَادَاتِ الكَهَنُوْتِيَّةِ - تَتَقَوَّى وَتَكْسَبُ الأَنْصَار.[69] يُضَافُ إِلَى هَذَا أَنَّ مُعَارَضَةَ تَقْدِيْسِ الأَيْقُوْنَاتِ مُرْتَبِطَةٌ إِلَى حَدٍّ كَبيْرٍ بالاتِّصَالِ الذِي تَمَّ بَيْنَ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ وَبيْزَنْطَة، وَالأَثَرُ الذِي تَرَكَهُ هَذَا الاتِّصَالُ فِي تَغْيِيْرِ نَظْرَةِ مَسِيْحِيِّي بيْزَنْطَة نَحْوَ هَذِهِ الأَيْقُوْنَاتِ.[69] وَقَدْ نَسَبَ بَعْضُ النَّاسِ مَوْقِفَ لِيُون الثَّالِث المُعَارِضِ للأَيْقُوْنَاتِ إِلَى تَأَثُّرِهِ بالأَفْكَارِ اليَهُوْدِيَّةِ وَالإِسْلامِيَّة.[69]

وَرَغْمَ أَنَّ هَذَا الإِمْبَرَاطُوْر اضْطَّهَدَ اليَهُوْدَ وَأَجْبَرَهُمْ عَلَى أَنْ يَتَعَمَّدُوْا،[70] فَإِنَّ القَوْلَ بأَنَّ مُعَارَضَتَهُ لِلأَيْقُوْنَاتِ مُتَأَثِّرَةٌ برَفْضِ اليَهُوْدِ لِعِبَادَةِ الصُّوَرَ وَكُرْهِهِمْ لَهَا قَوْلٌ لا يَخْلُوْا مِنَ الصَّحَةِ.[69] كَمَا أَنَّ صِلاتِهِ بالعَالَمِ الإِسْلامِيّ وَحُرُوبهِ مَعَ المُسْلِمِيْن قَدْ جَعَلَتْهُ يَتَأَثَّرُ بالثَّقَافَةِ الإسْلامِيَّةِ، وَبالتَّالِي سَاعَدَتْ عَلَى تَبَنِّيْهِ مَوْقِفًا عَدَائِيًا مِنْ قَضِيَّةِ تَقْدِيْسِ الأَيْقُوْنَات.[70] كَمَا كَانَ مُعَاصِرُوْا هَذَا الإِمْبَرَاطُوْر يُلَقِّبُوْنَهُ «ذِي العَقْلِ العَرَبيّ».[71] وَطَبيْعِيٌّ أَنَّ العَرَبَ الذِينَ هاَجمَوُاْ آسْيَا الصُغْرَى خِلاَلَ سَنَوَاتٍ طَوِيْلَةٍ، وَاحْتَلُّوْا أَجْزَاءَ مِنْهَا، لَمْ يَحْمِلُوْا مَعَهُمْ إِلَى هَذِهِ البلادِ السَّيْفَ فَقَطْ، بَلْ حَمَلُوْا مَعَهُمْ أَفْكَارَهُمْ وَحَضَارَتَهُمْ وَكُرْهَهُمْ لِتَمْثِيْلِ الجَّسَدِ البَشَرِيّ بصُوَرَ وَتَمَاثِيْلَ وَمَاشَابَهْ.[71]

وَيُمْكِنُ القَوْلُ أَنَّ أَزْمَةَ الأَيْقُوْنَاتِ التِي قَامَتْ فِي المُقَاطَعَاتِ الشَّرْقِيَّةِ مِنَ الإِمْبَرَاطُوْرِيَّةِ البيْزَنْطِيَّةِ كَانَتْ نَتِيْجَةً لِلصِّرَاعِ الذِي قَامَ بَيْنَ أُوْلَئِكَ الذِيْنَ كَانُوْا يُرِيْدُوْنَ لِلدِّيْنِ المَسِيْحِيِّ الصَّفَاءَ الرُّوْحِي الخَالِصْ، وَالذِي تَشُوْبُهُ هَرْطَقَاتٌ وَعِبَادَاتٌ لا تَمُتُّ إِلَى أَصَالَتِهِ بسَبَبْ،[71] وَبَيْنَ آَخَرِيْنَ كَانُوْا مُتَأَثِّرِيْنَ ببَعْضِ الأَفْكَارِ الغَرِيْبَةِ عَنْ العَقِيْدَةِ المَسِيْحِيَّةِ.[71] فَالتَّحَدِّيْ العَرَبيّ لِبيْزَنْطَة لَمْ يَكُنْ تَحَدِّيًا عَسْكَرِيًا فَحَسْبْ، بَلْ كَانَ تَحَدِّيًا فِكْرِيًا أَثَّرَ فِي العَقِيْدَةِ نَفْسِهَا وَأَثَارَ أَزْمَةً حَوْلَ اسْتِعْمَالِ الأَيْقُوْنَاتِ فِي الكَنِيْسَةِ وَقُدْسِيَّةِ هَذِهِ الأَيْقُوْنَات،[71] وَكَانَ الإِمْبَرَاطُوْر لِيُون الثَّالِث أَوَّلَ إِمْبَرَاطُوْرٍ تَقُوْمِ فِي عَهْدِهِ هَذِهِ الأَزْمَة.[71][72]

بَعْدَ أَنْ ضَمِنَ الإِمْبَرَاطُوْر لِيُون أَو لاوْن الأَيْصُورِيّ المِلاَحَة َالبَحْرِيَّةَ لِبِلادِهِ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ دَاخِلِيّ وَخَارِجيّ،[70] أَرْسَلَ إِلَى البَابَا لِيُعْلَمَهُ أَنَّهُ يَعْتَبرُ نَفْسَهُ إِمْبَرَاطُوْرًا وَكَاهِنًا،[73] وَمِنْ ثُمَّ أَمَرَ برَفْعِ صُوْرَةِ المَسِيْحِ التِي كَانَتْ فِي إِحْدَى أَحْيَاءِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ، الأَمْرُ الذِي أَثَارَ اشْمِئْزَازَ النَّاسِ وَغَضَبَهُمْ مِنْ سِيَاسَةِ الإِمْبَرَاطُوْر،[73] وَامْتَدَّ هَذَا الغَضَبُ إِلَى اليُوْنَان، فَخَلَعُوا الإِمْبَرَاطُوْر وَأَعْلَنُوْا الوَلاءَ لإِمْبَرَاطُوْرِهِم الجَدِيْد، ثُمَّ أَرْسَلُوا أُسْطُوْلًا لِضَرْبِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ،[73] لَكِنَّ الإِمْبَرَاطُوْر لِيُوْن نَجَحَ فِي إِخْمَادِ هَذِهِ الفِتْنَةِ إِلّا أَنَّهَا كَانَتْ نَذِيْرًا لَهُ، نَبَّهَهُ إِلَى خُطُوْرَة التَّمَادِي فِي سِيَاسَةِ مُعَادَاةِ الصُّوَرِ وَالأَيْقُوْنَات.[73][70]

أيقونة يوحنا الدمشقي، تعود للقرن التاسع عشر، دمشق

دَافَعَ يُوْحَنَّا الدِّمَشْقِيّ برَسَائِلِهِ الثَّلاثِ عَنْ الأَيْقُوْنَات،[m][74][75] بحَيْثًُ رَبَطَ بشَكْلٍ مُتَمَاسِكٍ قَضِيَّةَ الأَيْقُوْنَاتِ بفِكْرَةِ الخَلاصِ التِّي بَشَّرَ بهَا المَسِيْح، وَاعْتُبرَتْ هَذِهِ الرَّسَائِلُ مَنْبَعًا لِكُلِّ مَنْ جَاءِ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ المُفَكِّرِيْنَ الدِّيْنِيِّينْ.[74] وَمِنْ ثُمَّ لَجَأَ الإِمْبَرَاطُوْر لِيُوْن الثَّالِث بَعْدَ فَشَلِ المُفَاوَضَاتِ لِفَرْضِ تَحْرِيْمِ الأَيْقُوْنَاتِ بالقُوَّةِ،[76] بهَدَفِ إِضْفَاءِ نَوْعٍ مِنَ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى قَرَارِهِ قَبْلَ الشُّرُوْعِ باسْتِخَْدَامِ القُوَّةِ، وَعَقَدَ اجْتِمَاعًا لِكِبَارِ رِجَالِ الدِّيْنِ وَالدُّنْيَوِيِّيْنَ سَنَةَ 730 م، دُعِيَ باجْتِمَاعِ سَايْلِِينْتيُوم (باللاتينية: Silentium)،[76] وَطَلَبَ فِيْهِ مِنَ الحُضُوْرِ تَأْيِيْدَ قَرَارِهِ، فَكَانَ المُعَارِضُ العَلَنِيُّ وَالوَحِيْدُ هُوَ بَطْرِيَرْك القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ جرْمَانُوْس، فَعَزَلَهُ الإِمْبَرَاطُوْر عَنْ مَنْصِبهِ وَعَيَّنَ أَنَاسْتَازْيُوْس عِوَضًا عَنْهُ.[76][77] وَبعَزْلِ المُعَارِضِ الوَحِيْدِ نَالَ الإِمْبَرَاطُوْر شَرْعِيَّةَ تَحْطِيْمِ الأَيْقُوْنَاتِ وَمُلاْحَقَةُ مُؤَيِّدِيْهَا.[76]

أَدَّى ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ كُلٍ مِنَ البَابَا غرِيْغُوْرْيُوس الثَّانِي وَ غرِيْغُوْرْيُوس الثَّالِثْ، بالتَّنْدِيْدِ بهَذِهِ السِّيَاسَةِ المُعَادِيَةِ لِلأَيْقُوْنَاتِ،[76][77] وَكَانَ مِنْ أَهَمِّ نَتَائِجِ ذَلِكَ أَنْ انْفَصَلَ النِّظَامُ الدِّيْنِيُّ وَالسِّيَاسِيُّ فِي الإِمْبَرَاطُوْرِيَّةِ بحَيْثُ لَمْ يَعُدْ لِبيْزَنْطَةَ نَفُوْذٌ سِيَاسِيٌّ فِي رُوْمَا وَلا لِرُوْمَا نَفُوْذٌ سِيَاسِيٌّ فِي بيْزَنْطَة.[78] لَمْ تَطُلْ حَيَاةُ الإِمْبَرَاطُوْر لِيُوْن الثَّالِث بَعْدَ ذَلِكَ كَثِيْرًا، وَخَلَفَهُ ابْنُهُ قُسْطَنْطِيْن الخَامِس الذِي حَكَمَ بَيْنَ عَامَي 741775 م،[78] وَسَارَ عَلَى نَهْجِ سِيَاسَةِ وَالِدِهِ المُعَادِيَةِ للأَيْقُوْنَات.[79]

تَمَرُّدِ أَرْتَابَاسْدُوْس عَلَى قُسْطَنْطِيْن الخَامِس،[78] وَسَارَ بجَيْشِهِ مِنْ أَرْمِينيَا وَاشْتَبَكَ مَعَ الإِمْبَرَاطُوْر قُسْطَنْطِيْن الخَامِس فِي مُقَاطَعَةِ أُوْبزِيْكيُون سَنَة 742 م، وَانْتَصَرَ عَلَيْهِ،[78] وَدَخَلَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ وَأَعَادَ للأَيْقُوْنَاتِ اعْتِبَارَهَا، وَتُوِّجَ إِمْبَرَاطُوْرًا عَلَى يَدِ البَطْرِيَرْك أَنَاسْتَازيُوْس الذِي تَرَكَ سَيِّدَهُ السَّابقْ وَانْحَازَ لِلْمُنْتَصِرِ الجَّدِيْد.[80] وَبدَوْرِهِ قَامَ قُسْطَنْطِيْنُ الخَامِسُ بتَنْظِيْمِ جَيْشٍ وَعَاوَدَ الحَرْبَ وَانْتَصَرَ فِي مَعْرَكَةِ سَارْدِس سَنَةَ 743 م عَلَى أَرْتَابَاسْدُوْس،[80] وَأَوْقَعَ بخُصُوْمِهِ أَشَدَّ العُقُوْبَات.[79]

التَفَتَ قُسْطَنْطِيْنُ الخَامِسُ إِلَى الجَّبْهَةِ الخَارِجيَّةِ مَعَ العَرَبِ شَرْقًا وَالبَلْغَارِ غَرْبًا،[81] وَمِنْ ثُمَّ اهْتَمَّ بالجَّبْهَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَأَخَذَ قُسْطَنْطِيْنُ الخَامِسُ يُجْرِي بنَفْسِهِ إِجْرَاءَاتٍ كَنَسِيَّةٍ وَقَمْعِيَّةٍ كَيْ يُنْجِحَ قَضِيَّةَ نَسْفِ تَقْدِيْسِ الأَيْقُوْنَات. وَمِنَ أَجْلِ ذَلِكَ دَعَا إِلَى عَقْدِ مَجْمَعٍ كَنَسِيٍّ[n][82] بَعْدَ أَنْ عَيَّنَ أَنْصَارَهُ فِي المَنَاصِبِ الدِّيْنِيَّةِ وَمِنْ ثُمَّ قَمَعَ المُخَالِفِيْنَ لَهُ بشِدَّةٍ،[72] ثُمَّ أَخَذَ بنَفْسِهُ يُنْكِرُ إِمْكَانِيَّةَ تَمْثِيْلِ المَسِيْحِ تَمْثِيْلًا حَقِيْقِيَّا،[82] مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ الطَّبِيْعَةَ الإِلَهِيَّةَ فِي المَسِيْحِ لا يُمْكِنُ أَنْ تُمَثَّلَ،[82] بَيْنَمَا اعْتَبَرَ خُصُوْمُهُ مِثْلُ البَطْرِيَرْك جرْمَانُوس وَيُوْحَنَّا الدِّمَشْقِيّ أَنَّهُ وَبالرُّغْمِ مِنْ طَبيْعَتِهِ الإِلَهِيَّةِ إِلَّا أَنَّ فِيْهِ صِفَةُ التَّقَمُّصْ،[82] وَ هَكَذَا رَبَطَ الطَّرَفَانِ، أَعْدَاءُ الأَيْقُوْنَاتِ وَمُحَبِّذُوْهَا، خِلافَهُم بالعَقِيْدَةِ المَسِيْحِيَّةِ ذَاتِهَا، وَاسْتَمَرَّ الخِلافُ العَقَائِدِيُّ القَدِيْمُ وَأَخَذَ قَالَبًا جَدِيْدًا.[82] اجْتَمَعَ المَجْمَعُ الكَنَسِيُّ الذِي دَعَا لَهُ الإِمْبَرَاطُوْر قُسْطَنْطِيْنُ الخَامِسُ فِي قَصْرِهِ الإِمْبَرَاطُوْرِيّ عَلَى الشَّاطِئِ الآَسْيَوِيِّ لِلبُوسفُور سَنَة 754 م، وَحَضَرَهُ 338 أَسقُفًا.وَقَدْ تَرَأَّسَ جَلَسَاتِ المَجْمَعِ الأَسْقُفْ ثِيُودُوسْيُوس، وَلَمْ يُرْسِل البَابَا وَلَا بَطَارِكَةُ المُقَاطَعَاتِ الشَّرْقِيَّةِ مُمَثِّلِيْنَ عَنْهُمْ لِحُضُوْرِ المَجْمَع[82]. كَانَتْ قَرَارَاتُ المُؤْتَمَرِ تَدُوْرُ حَوْلَ فِكْرَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَمْثِيْلِ المَسِيْحِ فِي صُوَرٍ،[83] كَمَا تَجَنَّبَتْ هَذِهِ القَرَارَاتُ إِثَارَة مَسَائِلَ قَدْ تَتَعَارَضُ مَعَ مَا صَدَرَ مِنْ قَرَارَاتٍ عَنِ المَجَامِعِ الدِّيْنِيَّةِ السَابقَة.[83]

كَانَ عَلَى الإِمْبَرَاطُوْرِ قُسْطَنْطِيْنُ الخَامِسُ بَعْدَ صُدُوْرِ قَرَارَاتِ المَجْمَعِ أَنْ يَضَعَ هَذِهِ القَرَارَاتِ مَوْضِعَ التَّنْفِيْذِ، وَبَدَأَ برَفْعِ جَمِيْعِ الأَيْقُوْنَاتِ وَ وَضَعَ مَكَانَهَا صُوَرًا عَادِيَّة،[84] وَبذَلِكَ بَدَأَ يَزْدَهِرُ فِي بيْزَنْطَة فَنٌّ دُنْيَوِيٌّ إِلَى جَانِبِ الفَنِّ الدِّيْنِيّ الذِي كَانَ مِنْ أَقْوَى مَظَاهِرِ النَّشَاطِ الفَنِّيّ.[84] وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُثِيْرَ تَعَصُّبُ الإِمْبَرَاطُوْرِ ضِدَّ الأَيْقُوْنَاتِ تَعَصُّبًا مُعَاكِسًا عِنْدَ مُؤَيِّدِيْهَا،[84] الأَمْرُ الذِي أَدَّى إِلَى نُشُوْبٍ صِرَاعٍ طَوِيْلٍ بَلَغَ ذُرْوَتَهُ سَنَةَ 760 م،[84] وَالْتَفَّ أَنْصَارُ الأَيْقُوْنَاتِ حَوْلَ الأَبْ ستِيْفِن، وَهُوَ رَئِيْسُ دَيْرٍ مِنْ أَدْيِرَةِ آسْيَا الصُغْرَى، وَفِي سَنَةِ 765 م هَاجَمَتْهُ مَجْمُوْعَةٌ مِنَ الغَوْغَاءِ وَمَزَّقَتْهُ إِرَبًا فِي أَحَدِ شَوَارِعِ القُسْطَنْطِيْنِيَّة.[84]

لوحة تمثل مجمع نيقية الثاني الذي عقد عام 787 م

بَعْدَ مَوْتِ قُسْطَنْطِيْن الخَامِسْ حَكَمَ ابْنُهُ لِيُوْن الرَّابعِ مَا بَيْنَ عَامَي 775780 م،[85] وَالذِي أَعَادَ الأُمُوْرَ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَبْل، وَتَرَكَ سِيَاسَةَ مُعَادَاةِ الرَّهْبَنَةِ وَاضْطِّهَادِهَا التِي اتَّبَعَهَا أَبُوْه،[86][87] إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّى تَمَامًا عَنْ سِيَاسَةِ مُعَادَاةِ الأَيْقُوْنَاتِ.[86] تُوُفِّيَ لِيُوْن الرَّابعُ عَامَ 780 م،[88][89] وَحَلَّ بَعْدَهُ ابْنُهُ قُسْطَنْطِيْنُ السَّادِسُ الذِي لَمْ يَكُنْ يَتَجَاوَز العَاشِرَةَ مَنْ عُمُرِهِ، وَأَصْبَحَتْ وَالِدَتُهُ إِيْرِيْن -الوَصِيَّةَ عَلَى وَلَدِهَا- صَاحِبَةُ السُّلْطَةِ الوَحِيْدَة.[88][89] سَارَتَ إِيْرِيْن بسِيَاسَةٍ بَطِيْئَةٍ لإِعَادَةَ الاعْتِبَارِ لِلأَيْقُوْنَاتِ، آَخِذَةً بعَيْنِ الاعْتِبَارِ قُوَّةَ الجُّذُوْرِ الرَّاسِخَةِ فِي المُجْتَمَعِ،[88] فَأَبْعَدَتْ أَوَّلًا البَطْرِيَرْك بُطْرس، بَطْرِيَرْك القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ عَنْ مَنْصِبهِ المُقَدَّس، وَعَيَّنَتْ تَارَازْيُوس عِوَضًا عَنْه،[90] كَمَا عَقَدَتْ مَجْمَعًا جَدِيْدًا فِي كَنِيْسَةِ الرُّسُلِ المُقَدَّسَةِ فِي القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ سَنَةَ 786 م لإِعَادَةِ الاعْتِبَارِ لِلأَيْقُوْنَاتِ،[90][91] فَرَحَّبَ البَابَا وَبَطَارِكَةُ المُقَاطَعَاتِ الشَّرْقِيَّةِ بهَذَا المَجْمَع، وَأَوْفَدُوْا إِلَيْهِ مُمَثِّلِيْنَ عَنْهُم،[90] إِلَّا أَنَّ المَجْمَعَ دُوْهِمَ فَجْأَةً مِنْ فَوْجِ حَرَسِ العَاصِمَةِ الكَنَسِيَّةِ وَتَفَرَّقَ المُجْتَمِعُوْن.[90][91] وَأَبْعَدَتَ إِيْرِيْن الفُوْجَ بَعْدَ ذَلِكَ إَلَى المَنَاطِقِ الحُدُوْدِيَّةِ مَعَ العَرَبِ فِي آسْيَا، وَاسْتَبْدَلَتْهُ بحَامِيَةٍ جَدِيْدَةٍ، وَبذَلِكَ ضَمِنَتْ عَوْدَةَ انْعِقَادِ المَجْمَعِ الذِي دَعَتْ إِلِيْهِ ثَانِيَةً فِي نِيْقِيَا سَنَةَ 787 م.[92][91]

أَقَرَّ المَجْمَعُ سِيَاسَةً مُتَسَامِحَةً مَعَ المُعَادِيْنَ لِلأَيْقُوْنَاتِ شَرْطَ التَّوْبَةِ، وَاعْتَبَرَ المَجْمَعُ أَنَّ رَفْضَ اسْتِعْمَالِ الأَيْقُوْنَاتِ وَاحْتِرَامَهَا هَرْطَقَةٌ دِيْنِيَّةٌ،[93] وَعَادَ الرُّهْبَانُ لِيُمَارِسُوْا تَقَالِيْدَهُم وَخَدَمَاتِهِمْ كَمَا كَانُوا، وَبهَذَا المَجْمَعِ طُوِيَتْ صَفْحَةُ حَرْبِ الأَيْقُوْنَاتِ وَعَادَ لَهَا التَّكْرِيْمُ بَعْدَ أَنْ أَزْهَقَتْ الكَثِيْرِ مِنَ نُفُوْسِ الرُّهْبَانِ الذِيْنَ كَانُوْا الأَكْثَرَ رَفْضًا لِلابْتِعَادِ عَنْ احْتِرَامِ الأَيْقُوْنَات.

نتائج حرب الأيقونات

لوحة جدارية تدمرية من دورا أروبوس، يظهر فيها النبي موسى وهو يشق البحر، وغرق جنود فرعون

إِنَّ الحَرْبَ التِي نَالَتْ الشَّرْعِيَّةَ المَسِيْحِيَةَ بَعْدَ قَرَارَاتِ مَجْمَعِ سَايْلِِينْتيُوم عَامَ 730 م، وَالتِي قَادَهَا الإِمْبَرَاطُوْر لِيُوْن الثَّالِثُ الأَيْصُوْرِيَ قَدْ انْتَهَتْ بقَرَارَاتِ مَجْمَعِ نِيْقِيَّة عَامَ787 م، عَلَى يَدِ الإِمْبَرَاطُوْرَةِ إِيْرِيْن التِي أَعَادَتْ الشَّرْعِيَّةَ لِلأَيْقُوْنَاتِ،[89] وَكَان مِنْ أَهَمِّ نَتَائِجهَا زَهْقُ عَشَرَاتِ الأُلُوْفِ مِنَ النُّفُوْسِ، وَكَانَ الرُّهْبَانُ مِنْ أَكْثَرِ الفِئَاتِ تَضَرُّرًا مِنْ تِلْكُم الحَرْبُ لِكَثْرَةِ قَتْلَاهُمْ وَلِتَخْرِيْبِ أَدْيِرَتِهِم وَحِصَارِهَا وَنَهْبِ مُمْتَلَكَاتِهِمْ، وَ وَصَلَ الأَمْرُ إِلَى مَنْعِ الرَّهْبَنَةِ.[94] وَكَذَلِكَ تَكْرِيْسُ انْقِسَامِ الكَنِيْسَةِ[87] الذِي بُدِئَ بهِ بنَقْلِ العَاصِمَةِ مِنَ الغَرْبِ الرُّوْمَانِي إِلَى الشَّرْقِ، حَيْثُ أَسَّسَ الإِمْبَرَاطُوْر قُسْطَنْطِيْنُ الأَكْبَرُ مَدِيْنَةَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ سَنَةَ 330 م، وَأَصْبَحَ هُنَالِكَ كَنِيْسَتَانِ، غَرْبيَّةٌ لاتِيْنِيَّةٌ تَتْبَعُ رُوْمَا وَسُمِّيَتْ بالكَنِيْسَةِ الكَاثُوْلِيْكِيَّةِ أَوْ الجَّامِعَة، وَكَنِيْسَةٌ شَرْقِيَّةٌ يُوْنَانِيَّةٌ تَتْبَعُ القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَسُمِّيَتْ بالكَنِيْسَةِ الأُرْثُوْذُوْكسِيَّة. وَمَا جَاءَ مِنْ تَكْرِيْس الانْقِسَامِ السِّيَاسِيِّ حَيْثُ التَجَأَ البَابَا لِقُوَّةِ الجرْمَانِ وَالتِي أَصْبَحَت هِيَ الحَامِيَةُ لِلْبَابَا وَالمُدَافِعَةُ عَنِ الكَنِيْسَةِ اللَاتِيْنِيَّةِ، وَبهَذَا أُبْعِدَتِ السُّلْطَةُ السِّيَاسِيَّةُ لِلْقُسْطَنْطِيْنِيَّةِ التِي كَانَتْ هِي الحَامِيَةَ لِلْبَابَا وَلَمْ يَعُدْ لَهَا مِنْ نُفُوْذٍ فِي رُوْمَا. وَعَلَى صَعِيْدِ الأَيْقُوْنَاتِ التِي تَمَّ تَدْنِيْسُهَا وَانْتِهَاكُ حُرْمَتِهَا وَالتَّشْنِيْعُ بهَا وَتَحْطِيْمُهَا وَحَرْقُهَا وَطَلْيُهَا بالكِلْسِ، مَا أَدَّى إِلَى إِتْلَافِ الكَثِيْرِ مِنْهَا.

سورية مهد الأيقونة

لوحة تدمرية من دورا أوروبوس، سوريا، يظهر فيها حزقيال، كاتب سفر حزقيال، أحد أسفار العهد القديم

شَكَّلَتْ سُوْرِيَّةُ بامْتِدَادَاتِهَا الطَّبيْعِيَّةِ بَيْنَ فِلَسْطِيْنَ وَشَرْقِيِّ الأُرْدُنِ جُنُوْبًا، إِلَى كِيْلِيْكِيَّةَ وَخَلِيْجِ الإِسْكَنْدَرُوْنَةِ شَمَالًا، الحَاضِنَ الحَقِيْقِيَّ لِلْمَسِيْحِيَّةِ التِي انْبَثَقَتْ مِنَ القُدْسِ وَانْتَشَرَتْ إِلَى العَالَمِ القَدِيْمِ بفِكْرِهَا الجَّدِيْدِ الذِي تَبَنَّاهُ مُنْذُ البَدْءِ الكَثِيْرُ مِنْ سُكَّانِ هَذِهِ المَنْطِقَةِ، وَحَلَّ إِلَى جَانِبِ الفِكْرِ الوَثَنِيِّ المُنْتَشرِ آَنَذَاك، الأَمْرُ الذِي وَلَّدَ صِرَاعًا فِكْرِيًا بَيْنَ القَدِيْمِ وَالجَّدِيْد، الذِي افْتَدَاهُ مَسِيْحِيُّوْ تِلْكَ الفَتْرَةِ بالدَّمِ.[95][75] مَا أَنْتَجَ شُهَدَاءَ تَدَاوَلَ النَّاسُ قِصَصَهُمْ وَبُطُوْلَاتِهِم،[95] فَانْبَرَى الفَنَّانُوْنَ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ لِيُجَسِّدُوْا المُعَانَاةِ وَالمَأْسَاةِ التِي تَجَرَّعَهَا كَهَنَةُ وَ رِجَالُ هَذَا الفِكْرِ الجَّدِيْدِ الذِيْنَ كَرَّسَتْهُمُ الأَيْقُوْنَةُ كَقِدِّيْسِيْن، وَدَخَلُوْا فِي التُّرَاثِ وَالطَّقْسِ الكَنَسِيْ بمَدْلُوْلَاتِهِمُ الإِيْمَانِيَّةِ وَالخَلَاصِيَّةِ[75] بَدْءًا مِنَ المَسِيْحِ وَحَوَارِيِّيْهِ وَمَنْ سَارَ مَعَهُمْ وَخَلَفَهُمْ بجِهَادِهُمُ الجَسَدِيِّ وَالرُّوْحِيّ، وَشَكَّلُوْا عَلَامَاتٍ بَارِزَةٍ فِي الثَّقَافَةِ وَالإِيْمَانِ المَسِيْحِيِّ مُنْذُ عُصُوْرِهِ الأُوْلَى حَتَّى المُعَاصِرِ مِنْه، ضِمْنَ مَعَاييْرَ كَنَسِيَّةٍ أَيْقَنَتْ صُوْرَةَ البَطَلِ الشَّهِيْدِ مُمَثَّلَةً بالمَسِيْحِ أَوَّلًا، وَشَمُلَتِ المُتَصَوِّفِيْنَ وَالقِدِّيْسِيْنَ وُالمُفَكِّرْيْنَ أَيْضًا.[96] فَصَوَّرِتِ الأَيْقُوْنَةُ شُخُوْصَهَا بهَيْئَاتِهُمُ الإِنْسَانِيَّةِ التِي تَعِيْشُ فِي عَالَمِ الدَّيْمُوْمَةِ وَالخُلُوْدِ،[96] دُوْنَ النَّظَرِ إِلَى مِقْدَارِ التَّشَابُهِ وَالتَّشْخِيْصِ العَادِيِّ المُجَسَّمِ، مُكْتَفِيَةً برَسْمِ المَلَامِحِ بخَطٍ مُبَسَّطٍ وَأَلْوَانٍ مُجَرَّدَةٍ لِتُصْبحَ مَجْمُوْعَةً مِنَ الرُّمُوْزِ التِي نَقْرَأُهَا وَالتِي تَسْتَدْعِي التَّأَمُّلَ الذِي يَقُوْدُ الحَالَةَ التَأَمُّلِيَّةَ الإِيْمَانِيَّةَ وَالقُدْوَةَ الحَسَنَة.[96][75]

مكانة الأيقونة السورية التاريخية

أَسَّسَ فَنُّ الأَيْقُوْنَةِ فِي سُوْرِيَّةَ تُرَاثًا اقْتَبَسَهُ الغَرْبُ مِنْهَا، وَغَدَا تُرَاثًا عَالَمِيًا يَرْتَكِزُ فِي أُسْلُوْبهِ التَّعْبيْرِيِّ وَالفَنِيِّ عَلَى أُصُوْلٍ تَأَثَّرَتْ بهَا المَدَارِسُ الفَنِيَّةُ فِي القُرْوْنِ اللَّاحِقَة، وَبَرَزَتْ فِي آثَارِ تَدْمُرَ وَأَنْطَاكِيَّةَ، وَاتَّصَفَتْ بتَمْثِيْلِ المُحْتَوَى النَّفْسِيِّ التَّعْبيْرِيِّ لِلإِنْسَانِ فِي العَيْنَيْنِ اللَّوْزِيَتَيْنِ الكَبيْرَتَيْنِ وَالوَجْهِ البَيْضَاوِيّ الذِي يَمِيْلُ إِلَى الاسْتِطَالَةِ وَإِيْمَاءِ اليَدِ، وَحَجْمُ الرَّأْسِ بالنِّسْبَةِ لِلْجِذْعِ وَالأَطْرَافِ مَعَ إِهْمَالِ تَفَاصِيْلِ البَدَنِ الأُخْرَى. وَكَانَ لانْشِغَالِ الفَنَّانِ الشَّرْقِيِّ بالرَّمْزِ وَالدِلَالَةِ التَعْبيْرِيَّةِ أُسْلُوْبُهُ المُمَيَّزُ فَعَبَّرَ عَنْ عَالَمِ المَجْدِ وَالخُلُوْدِ باللَّوْنَيْنِ الذَّهَبيِّ وَالفِضِيِّ، وَاسْتَخَدَمَ اللَّوْنَ الأَحْمَرَ المُعَبِّرَ عَنِ الشَّهَادَةِ، فِيْمَا عَبَّرَ عَنْ رَمْزِيَّةِ الأَرْضِ وَالدِّلَالَاتِ المَادِيَّةِ بالأَخْضَرَ وَالأَزْرَقِ التُّرَابيِّ.

لِهَذَا نَرَى أَنَّ فَنَّ الأَيْقُوْنَةِ المَسِيْحِيِّ تَرَعْرَعَ فِي بلادِ الشَّامِ وَأَخَذَ عَنْ سَلَفِهِ - الفَنُّ السُّوْرِيّ الوَثَنِيّ - أُسْلُوْبَ التَّصْوِيْرِ وَالرَّسْمِ، لِيُعَلِّمَ أَتْبَاعَهُ شَعَائِرَ وَطُقُوْسَ الدِّيْنِ الجَّدِيْد، بسَرْدِ حَكَايَا القِدِّيْسِيْن بَعْدَ أَنْ نَزَعَ عَنْ هَذَا الفَنِّ تَعَالِيْمَهُ وَرُمُوْزَهُ الوَثَنِيَّةِ لِيُسْبغَ عَلَيْهِ تَعَالِيْمَهُ وَرُؤَاهُ الجَّدِيْدَةِ[97] النَاتِجَةِ عَنْ مَزِيْجٍ حَضَارِيٍّ أَنْتَجَتْهُ شُعُوْبُ هَذِهِ المَنْطِقَةِ وَتَمَيَّزَ بتَآلُفِهِ وَتَنَاسُقِهِ وَمُوَاءَمَتِهِ بَيْنَ مَوَاضِيْعَ وَعَنَاصِرَ مُرَكَّبَةٍ، أَسَّسَتْ لِتَقَالِيْدَ أَخَذَهَا الغَرْبُ عَنْ السُّوْرِيِّين الذِيْن شَكَّلُوْا مَرْكِزَ ثِقَلِ العَالَمِ القَدِيْم وَمَخْبَرَهُ الفَنِيَّ وَالحَيَاتِيّ، فَأَنْتَجُوْا فَنَّا مَسِيْحِيًا فِي سُوْرِيَّة، انْسَجَمَ مَعَ كُلِّ مَا أُوْرِثُوْهِ مِنْ عِبَادَاتٍ وَفُنُوْنٍ وَأَعَادُوْا إِنْتَاجَهُ بحُلَّةٍ رُوْحِيَّةٍ مِثَالِيَّةً مُفْعَمَةٍ برُوْحِ الشَّرْقِ، وَتَمَّ تَصْدِيْرُهُ إِلَى العَالَمِ المَسِيْحِيِّ كَفَنٍّ سُوْرِيٍّ مُتَكَامِلُ الهُوِيَّة.[19]

الفن التصويري السوري

لوحة جدارية تظهر صموئيل يرسم داوود ملكا، من كنيسة دورا أوروبوس، سوريا
لوحة جدارية تعود إلى القرن الثالث ق.م.، تظهر النبي صموئيل يُرَسِّمُ داوود ملكا، من كنيسة دورا أوروبوس، سوريا

تَمَيَّزَ الفَنُّ التَصْوِيْرِيُّ السُّوْرِيُّ بعَدَدٍ مِنَ المُمَيِّزَاتِ الهَامَّةِ التِي مَنَحَتْهُ صِفَةَ الخَاصِيَّةِ، وَمِنْهَا قَصْدُ الفَنَّانِ اسْتِخْدَامَ الخُطُوْطُ الأَسَاسِيَّةِ لإِظْهَارِ الشَّكْلِ دُوْنَ التَّعَمُّقِ فِي إِحْدَاثِ الخُطُوْطُ الدَّقِيْقَةِ التِي تَهْدُفُ إِلَى إِبْرَازِ المَلَامِحِ الجَّمَالِيَّةِ لِلْجسْمِ، وَذَلِكَ بهَدَفِ الابْتِعَادِ عَن الوَاقِعِيَّةِ، وَلاهْتِمَامِهِ بالتَّعْبيْرِ عَن الحَيَاةِ الدَّاخِلِيَّةِ الرُّوْحِيَّةِ، أَمَّا فِيْمَا يَخُصُّ مَضْمُوْنَ الوَجْهِ فَهُنَالِكَ التَّرْكِيْزُ عَلَى الخُطُوْطُ التَّعْبيْرِيَّةِ لِلْوَجْهِ وَاليَدَيْنِ باعْتِبَارِهِمَا نَافِذَةً لِلرُّوْح،[98] وَالتَسْطِيْحُ حَيْثُ عَمَدَ الفَنَّانُ إِلَى الابْتِعَادِ عَنْ اسْتِخْدَامِ البُعْدِ الثَّالِثِ، وَالتَّظْلِيْلِ وَالتَّلْوِيْنِ الذِي يُعْطِي العُمْقَ وَالوَاقِعِيَّةَ،[99] بهَدَفِ اسْتِخْدَامِ أُسْلُوْبِ التَّرْمِيزِ التَّعْبيْرِيِّ الذي يَتْرُكُ لِلنَاظِرِ حُرِّيَّةَ اسْتِنْبَاطِ الفِكْرَةِ مِن الخُطُوْطُ الرِّئِيْسَةِ، وَتَرْجَمَتُهَا بمَا يَتَوَافَقُ وَمَضْمُوْنُهُ الفِكْرِيُّ وَالنَّفْسِيّ. وَاهْتِمَامُ الفَنَّانِ بتَمْثِيْلِ الأَشْخَاصِ وِفْقًا لِقَاعِدَةِ الجَّبْهَةِ، لإِضْفَاءِ الإِجْلَالِ وَالتَّرَفُّعِ عَلَى شُخُوْصِهِم، وَمُحَاوَلَةً مِنْهُمْ بالإِيْحَاءِ بمَا وَرَاءَ الطَّبيْعَةِ مِن قُوى تُخْفِيْهَا تِلْكَ الشُّخُوْص، وَالآلِهَةُ التِي آَمَنَ بهَا إِنْسَانُ هَذَا الشَّرْقِ بنُزُوْعِهِ إِلَى الاسْتِمْرَارِ وَالخُلُوْدِ بَعْدَ المَوْت. وَكَذَلِكَ النَّزْعَةُ الشَّخْصِيَّةُ التِي تَمَثَّلَتْ فِي رَسْمِ إَطَارَاتٍ لِلْأَشْخَاصِ وَتَحْدِيْدِ الوُجُوْهِ وَإِظْهَارِ التَّبَايُنِ فِيْمَا بَيْنَهَا بدِلَالَةِ نَوْعِيَّةِ اللِّبَاسِ وَالشَّارَاتِ وَالأَدَوَاتِ المُسْتَعْمَلَةِ وَالرُّمُوْز.[100] وَقُدْرَةِ الرَّسَامِ وَالنَّحَاتِ السُوْرِيِّ عَلَى نَشْرِ عَقَائِدِ الحَضَارَاتِ وَتَفْسِيْرِ عَوَالِمِهَا الرُّوْحَانِيَّةِ، حَيْثُ سَاهَمَ بتَعْلِيْمِهَا لِعَامَّةِ النَّاسِ مُسْتَفِيْدًا مِنْ قُوَّةِ تَأْثِيْرِهَا وَإِيْحَاءَاتِهَا الحِسِّيَّةِ عَلَى البَصَرِ أَوَّلًا، وَالتَّبَصُّرِ المَعْرِفِيِّ المَبْنِيِّ عَلَيْهَا ثَانِيًا.

وَتَبَلْورَتِ هُوِيَّةُ الأَيْقُوْنَةِ البيْزَنْطِيَّةِ مَعَ بدَايَاتِ القرن الرابع الميلادي، بكُلِّ مَكْنُوْنَاتِهَا الفَنِيَّةِ وَدِلَالَاتِهَا الرَّمْزِيَّةِ، وَتَمَيَّزَتْ بالتَّشَابُهِ بَيْنَ الفَنِّ المَسِيْحِيِّ وَالفَنِّ التَدْمُرِيِّ المُتَدَاخِلَيْنِ تَارِيْخِيًا، وَاللَّذَيْنَ سَرَتْ جُذُوْرُهُمَا فِي ذَاتِ البيْئَةِ الشَّرْقِيَّةِ المُتَأَثِّرَةِ بالثَّقَافَتَيْنِ اليُوْنَانِيَّةِ وَالرُوْمَانِيَّة. فَلَمْ تَتَعَرَّفْ تَدْمُر عَلَى الثَّقَافَةِ اليُوْنَانِيَّةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ امْتَزَجَت بالثَّقَافَةِ الشَّرْقِيَّةِ التِي عُرِفَت بالهِلِنِسْتِيَّة،[101] وَذَلِكَ فِي مَدِيْنَةِ سُلُوْقِيَّة - أَيْ دِجْلَة - وَغَيْرِهَا مِنَ المَرَاكِزِ الهِلِنِسْتِيَّةِ التِي كَانَت عَلَى احْتِكَاكٍ مُبَاشِرٍ مَعَهَا،[102] وَأَثْبَتَتِ المَنْحُوْتَاتُ المَادِيَّةُ لِلآلِهَةِ أَنَّ تَقَالِيْدَهَا الفَنِيَّةَ وَدِلَالَاتِهَا الرَّمْزِيَّةَ تَعُوْدُ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ أَلْفَي عَامٍ قَبْلَ المِيْلَاد، وَأَنَّ تَأَثُّرَهَا بفُنُوْنِ بلَادِ الرَّافِدَيْنِ وَفَارِس كَانَ أَكْثَرَ وُضُوْحًا وَتَرَابُطًا مِنْ تَأَثُّرِهَا باليُوْنَان عَلَى وَجْهِ الخُصُوْص، وَحَضَارَاتِ الغَرْبِ بشَكْلٍ عَامْ.[103]

تأثير الفن التصويري التدمري على الفن المسيحي

أيقونة المسيح الضابط الكل، كنيسة دير مار تقلا، معلولا، سوريا

يَتَقَاطَعُ الفَنُّ المَسِيْحِيُّ مَعَ الفَنِّ التَدْمُرِيِّ بكَثِيْرٍ مِنْ سِمَاتِهِ التِي وُجدَتْ فِي الرُّسُوْمَاتِ وَالمَنْحُوْتَاتِ التِي زَيَّنَتْ المَعَابدَ الوَثَنِيَّةَ وَالمَسِيْحِيَّةَ فِي ذَلِكَ العَصْرِ، وَمِنْهَا مَا وُجدَ فِي مَعْمُوْدِيَّةِ دُوْرَا أُوْرُوْبُوس[104] وَكَذِلِكَ فِي مَدْفَنِ الأُخْوَةِ الثَّلَاثَةِ فِي تَدْمُر، كَوْنُهُ نَشَأَ وَتَرَعْرَعَ فِي بيْئَةٍ مَحَلِيَّةٍ أَصْلِيَّةٍ اسْتَخْدَمَت عَنَاصِرَهُ وَأُسْلُوْبَهُ وَهَنْدَسَتَهُ وَالتِي شَكَّلَتْ التُّرْبَةَ الصَّالِحَةَ لِلْوَاقِعِ الدِّيْنِيِّ الجَّدِيْد - المَسِيْحِيَّة - عِبْرَ الفُنُوْنِ التِي بَدَأَتْ مُتَقَشِّفَةً ثُمَّ أَخَذَتْ بالاعْتِنَاءِ تَدْرِيْجيًا بالزَّخَارِفِ البيْزَنْطِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ.[105] وَمَا مِنْ مُبَالَغَةٍ فِي اعْتِبَارِ أَنَّ الفَنَّ المَسِيْحِيّ السُّوْرِيَّ المُبْكِر قَدْ وُلِدَ مِنْ رَحِمِ الفَنِّ التَدْمُرِيِّ الوَثَنِيِّ فِي نُسْخَتِهِ البيْزَنْطِيَّةِ، إِذَا مَا أُخِذَ بعَيْنِ الاعْتِبَارِ التَّتَابُعُ التَّارِيْخِيُّ لِهَذَيْنِ الفَنَّيْنِ كَأَسَاسِ الاقْتِبَاسِ وَوَسَائِلِهِ، وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ ازْدِهَارُ تَدْمُرَ وَغِنَاهَا اللَّافِتِ الذِي تَزَامَنَ مَعَ مَسِيْحِيَّةٍ تَعِيْشُ أَصْعَبَ المَرَاحِلِ خَوْفًا وَاضْطِّهَادًا، وَتَعْمَلُ بسِرِيَّةٍ وَدَأَبٍ لَا مَثِيْلَ لَهُمَا كَيْ تُثْبتَ احْتِرَامَهَا فِي تِلْكَ المَنْطِقَةِ الغَارِقَةِ بوَثَنِيَّتِهَا.[106]

وَبَدْءًا مِنَ القرن الرابع الميلادي تَحَوَّلَتْ سُوْرِيَّة تَدْرِيْجيًا إِلَى المَسِيْحِيَّةِ، فَبَنَى السُوْرِيُّوْنَ كَنَائِسَهُم مَكَانَ الهَيَاكِلِ الوَثَنِيَّةِ، التِي عُوْمِلَتْ بقَسْوَةٍ وَخُصُوْصًا بَعْدَ صُدُوْرِ أَوَامِرَ إِمْبَرَاطُوْرِيَّةَ تَقْضِي بإغْلَاقِهَا وَتَخْرِيْبهَا، حَيْثُ تَحَوَّلَ مَعْبَدُ جُوْبيْتَر إِلَى كَنِيْسَةِ يُوْحَنَّا المَعْمَدَان، وَهَيْكَلُ حَدَدْ الآَرَامِي إِلَى كَنِيْسَةِ حَنَانْيَا، وَمَعْبَدُ سَاتُوْرن إِلَى كَنِيْسَةِ القِدِّيْسِ بُوْلُس، وَكَنِيْسَةُ مَارْ سَرْكِيْس فِي مَعْلُوْلَا التِي بُنِيَتْ عَام 313 م فَوْقَ مَعْبَدٍ وَثِنِيِّ لَا تَزَالُ آَثَارُهُ قَائِمَةً مِنْ خِلَالِ الجُّرْنِ المُجَوَّفِ الذِي كَانَ يُسْتَخْدَمُ لِجَمْعِ دِمَاءِ الأَضَاحِي، وَالكَنِيْسَةُ الكُبْرى فِي يَبْرُوْد وَالتِي بُنِيَتْ فَوْقَ مَعْبَدِ جُوْبيْتَر أَيْضًا.[104]

دياميس القرن الرابع الميلادي

بقايا رسومات جدارية من داخل قلعة الحصن، حمص، سوريا

انْتَقَلَ الفَنُّ برُسُوْمِهِ الجدَارِيَّةِ المَسِيْحِيَّةِ إِلَى الدَّيَامِيْسِ بدُخُوْلِ القرن الرابع الميلادي،وَ بَدَأَ المَسِيْحِيُّوْنَ مُنْذُ نَحُوِ عَامِ 100 م باتِّبَاعِ العَادَاتِ السُّوْرِيَّةِ التَّدْمُرِيَّةِ فِي دَفْنِ مَوْتَاهُم دَاخِلِ سَرَادِيْبٍ رَغْبَةً فِي الاقْتِصَادِ بالأَمْكِنَةِ وَالنَّفَقَاتِ، فَحَفَرُوا طُرُقَاتٍ طَوِيْلَةٍ تَحْتَ الأَرْضِ لَوَضْعِ المَوْتَى فِيْهَا عَلَى الطَّرِيْقَةِ التَّدْمُرِيَّةِ. وَانْتَشَرَتِ الدَّيَامِيْسُ المَسِيْحِيَّةُ البيْزَنْطِيَّةُ فِي سُوْرِيَّة، إِلَّا أَنَّ أَشْهَرَهَا فِي تَدْمُرَ وَحِمْصَ وَقَارَة، حَيْثُ عٌثِرَ عَلَى تِلْكَ الدَّيَامِيْسِ التِي تَتَضَمَّنُ رُسُوْمًا مُلَوَّنَةً ذَاتِ مَوَاضِيْعٍ وَمَشَاهِدٍ دِيْنِيَّةٍ، وَاسْتَقَرَّتْ أَعْمَالُ التَّنْقِيْبِ عَلَى إِثْبَاتِ أَنَّهَا تَعُوْدُ إلى القرن الرابع الميلادي، وَاسْتُخْدِمَتْ فِيْهَا الرُّمُوْزُ المَسِيْحِيَّةُ كَالحَمَامَةِ وَالصَّلِيْبِ وَعَنَاصِرُ زُخْرُفِيَّةٌ نَبَاتِيَّةٌ مُلَوَّنَةٌ بالأَسْوَدِ وَالخَمْرِيِّ وَالأَصْفَر، وَكَانَتْ هَذِهِ الرُّمُوْزُ تَعْبيْرًا عَنْ رِسَالَةِ المَسِيْحِيَّةِ القَائِمَةِ عَلَى البشَارَةِ وَالرَّجَاءِ وَرَغْبَةِ الخَلاصِ المُسْتَوْحَاةِ مِنَ الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَالتِي عٌثِرَ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهَا فِي تِلْكَ الدَّيَامِيْسِ، فَنَجدُ رَمْزَ الكَرْمَةِ التِي تَدُلُّ عَلَى مَلَكُوْتِ الله، وَصِلَةِ المَسِيْحِ بالمُؤْمِنِيْن. وَبَلَغَ الفَنُّ التَصْوِيْرِيُّ الجدَارِيُّ أَوْجَهُ مَا بَيْنَ القرن الحادي عشر الميلادي وَ القرن الثالث عشر الميلادي، وَتَمَيَّزَتْ بهِ سُوْرِيَّةُ دُوْنَ سِوَاهَا، وَاعْتُبرَتِ الأَغْنَى وَالأَوْفَرَ، وَلَا تَزَالُ نَمَاذِجُهُ مَحْفُوْظَةً إِلَى اليَوْمِ، وَتَتَمَثَّلُ فِي دَيْرِ مَارْ يَعْقُوْب، إِضَافَةً إِلَى قَلْعَةِ الحِصْن وَقَلْعَةِ المَرْقِب.

أيقونات دير مار موسى الحبشي

إحدى اللوحات الجدارية داخل دير القديس مار موسى الحبشي، النبك، سوريا

بُنِيَ دَيْرُ مَارْ يَعْقُوْب وَاسْمُهُ الآخَرُ دَيْر مَارْ مُوْسَى الحَبَشِي، فِي مَوْقِعِ بُرْجٍ رُوْمَانِيِّ يَتَمَيَّزُ بشَكْلِهِ المَهِيْبِ المُرْتَكِزِ عَلَى جبَالِ القَلَمُوْن، وَيُشْرِفُ بإطْلَالَةٍ سَاحِرَةٍ خَلَّابَةٍ عَلَى سَهْلٍ فَسِيْحِ الأَرْجَاءِ، يَتَّصِلُ ببَادِيَةِ تَدْمُرَ مِنْ جِهَةٍ، وَبفِلِسْطِيْنَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.[107]، يَعُوْدُ بنَاؤُهُ إِلَى مُنْتَصَفِ القرن السادس الميلادي، وَجُدِّدَ بنَاؤُهُ فِي عَامِ 1556 م. يَضُمُّ الدَيْرُ مَكْتَبَةً زَاخِرَةً وَغَنِيَّةً بالمَخْطُوْطَاتِ السِّرْيَانِيَّةِ التَّارِيْخِيَّةِ وَمِنْهَا إِنْجيْلٌ نَفِيْسٌ كُتِبَ بالخَطِّ السَّطْرَنْجيْلِيّ السِّرْيَانِيّ.[108] تُعْتَبَرُ الجِدَارِيَّاتُ المَرْسُوْمَةُ فِي كَنِيْسَةِ دَيْرِ مَارْ مُوْسَى الحَبَشِيِّ مِنَ اللَّوْحَاتِ الأَثَرِيَّةِ النَّادِرَةِ التِي اخْتَصَّتْ بأُسْلُوْبٍ دِيْنِيِّ فَرِيْدٍ وَرُمُوْزٍ مَسِيْحِيَّةٍ أَصِيْلَةٍ أَصْبَحَتْ مَثَارًا لِلدَهْشَةِ وَمَبْعَثًا لِلإِعْجَابِ وَالتَّقْدِيْر.[109] وَتَتَأَلَّفُ مِنْ ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ مُتَوَضِّعَةٍ فَوْقَ بَعْضِهَا البَعْضِ، وَقَدْ أَثَّرَتْ عَوَامِلُ الزَّمَنِ فِي تِلْكَ الطَّبَقَاتِ فَسَقَطَتْ أَجْزَاءٌ مِنْهَا، الأَمْرُ الذِي أَدَّىَ إِلَى ظُهُوْرِ نَمَاذِجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثْ، مِمَّا سَاعَدَ فِي الدِّرَاسَاتِ التِي أُجْرِيَتْ عَلَيْهَا. وَمِنْ أَهَمِّ الطَّبَقَاتِ المُكْتَشَفَةِ هِيَ الطَّبَقَةُ الأُوْلَى التِي تَعُوْدُ إِلَى مَا بَعْدَ عَامِ 1058 م، وَهُوَ تَارِيْخُ تَجْدِيْدِ بنَاءِ الكَنِيْسَةِ، وَالطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ التِي تَعُوْدُ إِلَى عَامِ 1090 م، وَالثَّالِثَةُ لِعَامِ 1208 م.[110]

وَ كَانَتَ لَوْحَةُ الدَّيْنُوْنَةِ عَلَى الجدَارِ الغَرْبيِّ مِنْ أَهَمِّ الرُّسُوْمَاتِ التِي تُمَثِّلُ المَسِيْحَ وَالتَّلَامِيْذَ، وَكَذَلِكَ العَذْرَاءُ مَعَ آبَاءِ الكَنِيْسَةِ، وَالإِنْجيْلِيِّيْنَ الأَرْبَعَةَ،[111] وَاخْتَلَفَ أُسْلُوْبُ رَسْمِ الطَّبَقَةِ الأُوْلَى عَنْ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الطَّبَقَتَيْنِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة اللَّتَيْنِ حَمَلَتَا مَعَالِمَ وَاضِحَةً لِأُسْلُوْبٍ سِرْيَانِيٍّ مَحَلِّيٍ، خَاصَّةً وَأَنَّ الكِتَابَاتِ عَلَى الصُّوَرِ كَانَتْ بالسِّرْيَانِيَّةِ وَالعَرَبيَّة، إِلَى جَانِبِ رُمُوْزِ بَعْضِ القِدِّيْسِيْنَ باليُوْنَانِيَّةِ البيْزَنْطِيَّة.[112]

أيقونات دير مار يعقوب المقطع

أيقونة سيدة الظهور

يَعُوْدُ بنَاءُ دَيْرِ مَارْ يَعْقُوْب المَقطع إِلَى القرن السادس الميلادي، وَيَتَمَيَّزُ بفَنِّ عِمَارَتِهِ البَدِيْعَةِ، أُزِيْلَتْ بَعْضُ الجِّدَارِيَّاتِ مِنْهُ لِحِفْظِهَا فِي المَتْحَفِ الوَطَنِيِّ بدِمَشْق، وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ اللَّوْحَاتِ الجِّدَارِيَّةِ هِيَ لَوْحَةُ الشَّفَاعَةِ، وَالتِي شَابَهَتْ إِلَى حَدِّ كَبيْرٍ مَوَاضِيْعَ وَتِقَنِيَّاتِ رُسُوْمِ دَيْرِ مَارْ مُوْسَى الحَبَشِي.

أيقونات دير مار إلياس الحي

يَقَعُ دَيْرُ مَارْ إِلْيَاس الحَيّ إِلَى الجُنُوْب ِمِنْ مَعَرَّةَ صيدنَايَا، عَلَى الحَافَّةِ الجُنُوْبِيَّةِ لِسِلْسِلَةِ جبَالِ القَلَمُوْن الثَّانِيَة، وَلَهُ قُدْسِيَّةٌ خَاصََةٌ لَدَى المَسِيْحِيِّيْنَ فِي سَوْرِيَّة. تَحْمِلُ جُدْرَانُهُ بقَايَا رُسُوْمَاتٍ تَرْقَى إِلَى القرن الحادي عشر الميلادي وَ القرن الثاني عشر الميلادي، وَمِنْهَا أَيْقُوْنَةُ سَيِّدَةِ الظهور، وَالقِدِّيْس نِيْقُوُلاوس، وَلَوْحَةُ الأَقْمَارِ الثَّلَاثَة.

أيقونات دمشق

أيقونة القديسين سرجيوس وباخوس

لَمْ يُنْكِرِ التَّارِيْخُ دَوْرَ القِدِّيْسِ حَنَانْيَا الدِّمَشْقِي فِي إِنْقَاذِ بُوْلُص الرَّسُوْل، وَكَانَ القِدِّيْسٌ حَنَانْيَا أَحَدَ الحَوَارِيِّيْنَ، وَ وَاَحِدٌ مِنْ تَلَامِذَةِ المَسِيْحِ الذِيْنَ أَتَى عَلَى ذِكْرِهِم القِدِّيْسُ لُوْقَا. وَيَعُوْدُ الفَضْلُ إِلَى القِدِّيْسِ بُوْلُص الرَّسُوْل لِنَشْرِهِ المَسِيْحِيَّةَ فِي أُوْرُوْبَا بَعْدَ أَنْ نَقَلَ الدِّيَانَةَ المَسِيْحِيَّةَ إِلَى رُوْمَا، وَ كَتَبَ الإِنْجِيْلَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ باللُّغَةِ اللَاتِيْنِيَّةِ.[113] غَلَبَتْ عَلَى دِمَشْقُ الصِّبْغَةُ المَسِيْحِيَّةُ مُنْذُ أَوَاخِرِ القرن الرابع الميلادي، وَأَصْبَحَتِ السِّرْيَانِيَّةُ الآَرَامِيَّةُ لُغَةَ مَسِيْحِيِّي دِمَشْقَ، وَاسْتُخْدِمَتِ اللُّغَةُ اليُوْنَانِيَّةُ كَلُغَةٍ لإِدَارَاتِ الحُكْمِ يَوْمَذَاكْ.[114]

وَلِأيْقُوْنَاتِ أَدْيِرَةِ دِمَشْقَ وَكَنَائِسِهَا أَثَرٌ كَبيْرٌ فِي العِبَادَةِ وَالإِيْمَانِ المَسِيْحِيَّيْنِ مُنْذُ المَاضِي وَحَتَّى الآنْ، وَمِنَْهَا أَيْقُوْنَةُ القِدِّيْسَيْنِ سرجيوس وباخوس وَ التِي تَعُوْدُ إِلَى القرن الخامس الميلادي وَ القرن السادس الميلادي، وَهِيَ مَحْفُوْظَةٌ فِي دَيْر سَانْت كَاتْرِيْن بمَصْر، وَالتِي رُسِمَتْ فِي سُوْرِيَّة اعْتِمَادًا عَلَى أُسْلُوْبِ تَصْوِيْرِهَا المُتَجَذِّرِ فِي الفَنِّ التَدْمُرِيِّ بدِلَالَةِ الشَّعْرِ وَالوَجْهِ وَاليَدَيْن وَالمَلَامِحِ العَامَّة.[115]

أيقونة سيدة دمشق

لَاتَزَالُ أَيْقُوْنَةُ سَيِّدَةِ دِمَشْق مَوْجُوْدَةٌ فِي كَنِيْسَةِ الرُّوْمِ الكَاثُوْلِيْك بمَدِيْنَةِ فَالِيْتا عَاصِمَةِ جَزِيْرَةِ مَالْطَا، وَلَمْ تَحْمِل أَيَّةَ كِتَابَةٍ تُشِيْرُ إِلَى اسْمِ صَانِعِهَا أَوْ سَنَةِ تَصْوِيْرِهَا مِمَّا أَنْشَأَ خِلَافًا بَيْنَ النُّقَادِ وَأَصْحَابِ الخِبْرَةِ فِي تَعْيِيْنِ تَارِيْخِهَا، وَأَرْجَعَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّ تَارِيْخَهَا يَعُوْدُ إِلَى مَا بَيْنَ القَرْنَيْنِ الحَادِي عَشَر أَوْ الثَّانِي عَشَر الميلادي. وَمِنْهُمْ مَنْ أَرْجَعَ رَسْمَهَا إِلَى القِدِّيْسِ لُوْقَا فِي زَمَنِ القِدِّيْسِ بُوْلُص. كَمَا اخْتَلَفَ البَاحِثُوْنَ حَوْلَ هُوِيَّةِ صَانِعِ هَذِهِ الأَيْقُوْنَةِ، وَآلِيَّةِ انْتِقَالِهَا إِلَى مَالْطَا، غَيْرَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوْا عَلَى مَنْشَئِهَا الدِّمَشْقِي. وَلَمْ يَفْقِدِ الدِمَشْقِيُوْنَ ارْتِبَاطَهُمْ بأَيْقُوْنَةِ سَيِّدَةِ دِمَشْق، وَبَنَتْ بَطْرِيَرْكِيَّةُ الرُّوْمِ المَلَكِيِّيْنَ الكَاثُوْلِيْك كَنِيْسَةً فِي حَيِ القُصُوْرِ بدِمَشْق عَلَى اسْمِ سَيِّدَةِ دِمَشْق، وُضِعَتَ فِيْهَا صُوْرَةٌ طِبْقُ الأَصْلِ لِلأَيْقُوْنَةِ الأَصْلِيَّةِ المَوْجُوْدَةِ فِي لافَالِيْتَا، وَلَا بُدَّ مِنَ الإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ عَدَمَ إِعَادَةِ هَذِهِ الأَيْقُوْنَةِ إِلَى دِمَشْقَ يَعُوْدُ إِلَى تَعَلُّقِ المَالْطِيِّيْنَ بهَا مُنْذُ أَكَثَرِ مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُوْنٍ خَلَتْ.[116]

أيقونة العذراء والأمين

وَهِي أَيْقُوْنَةٌ تَعُوْدُ إِلَى القرن الثالث عشر الميلادي، وَاحْتُفِظَ بهَا فِي دَيْرِ مَارسَرْكيس في مَعْلُوْلَا حَتَّى عَام 1968 م، وَمِنْ ثُمَّ نُقِلَتْ إِلَى دَيْرِ المُخَلِّصِ فِي لُبْنَان، وَاسْتُبْدِلَتْ وَأُعِيْدَتْ لَوْحَةٌ مُزَيَّفَةٌ عَنْهَا، وَكَشَفَ عَنْ ذَلِكَ المُخْتَصُّوْنَ فِي مُدِيْرِيَّةِ آَثَارِ دِمَشْق وَانْتِبَاهُ أَهَالِي مَعْلُوْلَا لاسْتِبْدَالِ أَيْقُوْنَتِهِم بثَانِيَةٍ مُشَابهَةٍ لَهَا، وَمَا حَصَلَ لِتِلْكَ الأَيْقُوْنَةِ مِنْ ضَيَاعٍ لَمْ يَطَل المَوْرُوْثَ الدِّينِيِّ وَالثَّقَافِيِّ فَحَسْب، إِنَّمَا طَالَ جُزْءًا مِنَ التُّرَاثِ العَالَمِيِّ.

مدارس فن الأيقونة السورية

أيقونة الدينونة الأخيرة التي رسمها الخوري نعمت الله، تعود لمدرسة الأيقونة الحلبية. كاتدرائية الأربعين شهيد، حلب، سوريا

تَعَدَّدَتْ مَدَارِسُ فَنِّ الأَيْقُوْنَةِ السُّوْرِيَّةِ بتَعَدُّدِ الحَضَارَاتِ التِي أَثَّرَتْ فِيْهَا طِوَالَ قُرُوْنِ الفَتْرَةِ المَسِيْحِيَّةِ وَتَعَاقُبهَا بمَا حَمَلَتْهُ مِنْ تَطَوُّرَاتٍ طَالَتْ هَذَا الفَن، وَغَدَا دَالًّا عَلَيْهَا وَحَامِلًا لِلْكَثِيْرِ مِنْ سِمَاتِهَا وَتَبْدِّيَاتِهَا، مَا جَعَلَ النَّاظِرَ إِلَى الأَيْقُوْنَةِ يَتَمَكَّنُ مِنَ الاسْتِدْلَالِ عَلَى تَارِيْخِهَا وَمُكَوِّنَاتِ العَصْرِ المُنْبَثِقَةِ مِنْهُ فِكْرِيًا وَثَقَافِيًا وَفَنِيًّا، مَا جَعَلَ مِنْهَا وَثِيْقَةً فَنِيَّةً لِلْحَضَارَاتِ التِي أَنْتَجَتْهَا، وَتَنَوَّعَتْ مَدَارِسُهَا بحَسْبِ المَكَانِ وَالزَّمَانِ وَ بحَسْبِ الرَّغْبَةِ الرُّوْحِيَّةِ لِمُبْدِعِيْهَا، وَنَتَجَ عَنْ ذَلِكَ نُشُوْءُ عِدَّةِ مَدَارِسَ لِفَنِّ الأَيْقُوْنَةِ. وَمِنْ هَذِهِ المَدَارِسِ مَدْرَسَةُ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ التِي ازْدَهَرَتْ فِي القَرْنَيْنِ الخَامِسِ وَالسَّادِسِ المِيْلَادِيَّيْنِ وَالمَدْرَسَةُ الكُوْمِيْنِيَّة نِسْبَةً إِلَى عَائِلَةِ الإِمْبَرَاطُوْر كُوْمِيْنُوس وَالمَدْرَسَةُ البَاليُوغُوسِيَّة نِسْبَةً إِلَى عَائِلَة الإِمْبَرَاطُوْرِ مِيْخَائِيْل الثَّامِنْ بَاليُولُوغ وَ المَدْرَسَةُ المَقْدُوْنِيَّةُ . وَتَفَرَّعَتْ عَنْ هَذِهِ المَدَارِسِ مَدَارِسُ أُخْرَى، تَأَثَّرَتْ بهَا أَوْ خَرَجَتْ مِنْهَا، حَيْثُ انْبَثَقَتْ مِنْهَا المَدْرَسَةُ الصِّرْبِيَّةُ وَالمَدَارِسُ الرُّوْسِيَّةُ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَ المَدْرَسَةُ الحَلَبِيَّة.[117]

وَكَانَ لِمَدَارِسَ عِدَّةَ عَقِبَتِ المَدْرَسَةَ البيزَنْطِيَّةَ تَأْثِيْرٌ كَبيْرٌ فِي شَكْلِ وَهَيْئَةِ الأَيْقُوْنَةِ السُّوْرِيَّةِ، اسْتَقَاهَا الفَنَّانُ السُّوْرِي عَبْرَ العُصُوْرِ، وَأَثَّرَتْ فِي تِقَنِيَّاتِهِ وَأُسْلُوْبِهِ دُوْنَ أَنْ تُبْعِدَهُ عَنِ الأَصْلِ البيْزَنْطِيِّ الذِي كَرَّسَتْهُ الكَنِيْسَةُ الأُرْثُوْذُكْسِيَّة المَشْرِقِيَّة التِي بَقِيَتْ مُحَافِظَةً عَلَى القِيَمِ البيْزَنْطِيَّةِ عَبْرَ الأَيْقًوْنَةِ الأَنْطَاكِيَّةِ التِي تُحَاكِي الذَّوْقَ الشَّرْقِيّ، وَالتِي انْبَثَقَتْ عَنْهَا المَدْرَسَةُ الحَلَبِيَّة وَالمَقْدِسِيَّةُ وَالحِمْصِيَّةُ، وَكَانَ قَدْ انْبَثَقَ مِنْ مَدْرَسَةِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ مَدَارِسُ عِدَّة أَهَمُّهَا:

  • المَدْرَسَةُ الكُوْمِيْنِيَّة :مِنَ القرن التاسع الميلادي إِلَى القرن الثاني عشر الميلادي، وَاتَّصَفَتْ أَيْقُوْنَاتُهَا بَالوَجْهِ الصَّارِمِ وَالأَنْفِ المُحَدَّبِ القَوِيّ وَالعُيُوْنِ اللَّوْزِيَّةِ السَّوْدَاء، وَكَانَتْ قَدْ تَأَثَّرَتْ بالنَّحْتِ اليُوْنَانِيِّ القَدِيْمِ فِي تَصْوِيْرِهَا لِهَيْئَاتِ المَلَائِكَةِ وَالقِدِّيْسِيْن.[118]
  • المَدْرَسَةُ البَاليُوغُوسِيَّة: مِنَ القرن الثالث عشر الميلادي إِلَى القرن الرابع عشر الميلادي، وَاتَّصَفَتْ أَيْقُوْنَاتُهَا بوُجُوْهِ شَخْصِيَّاتِهَا التِي تَمْتَلِكُ صِفَاتٍ فَرْدِيَّةٍ، وَشَخْصِيَّةٍ تَظْهَرُ كَأَنَّهَا هَيْئَاتٌ حَقِيْقِيَّةٌ مَلِيْئَةٌ بالحَيَاةِ وَالتَّعْبيْرِ وَاللُّطْفِ.[118]
  • المَدْرَسَةُ المَقْدُوْنِيَّةُ: مِنَ القرن الرابع عشر الميلادي إِلَى القرن السادس عشر الميلادي، وَاتَّسَمَتْ بوَاقِعِيَتِهَا وَهُوِيَّتِهَا التِي أَبْرَزَتْهَا حَرَكَاتُ الشُّخُوْصِ وَسَلَامُهُمْ وَتَحِيَّاتُهُم، وَمِنْ أَبْرَزِ رُوَّادِهَا مانويل بانسيلينوس .[119]
  • المَدْرَسَةُ الكرِيْتِيَّةُ: مِنَ القرن السادس عشر الميلادي إِلَى القرن التاسع عشر الميلادي، وَالتِي ظَهَرَ عَلَيْهَا التَّقَشُّفُ وَالصَّفَاءُ البيْزَنْطِيُّ، وَلَطَافَةُ الوُجُوْهِ، وَطَغَى فِيْهَا الطَابَعُ الإِيْطَالِيُّ البُنْدُقِيّ عَلَى وَقَفَاتِ الشُّخُوْص.[120]

وَكَذَلِكَ المَدْرَسَتَانِ الصِّرْبِيَّةِ وَالرُّوْسِيَّةِ اللَّتَانِ تَرَكَتَا بَصَمَاتٍ وَاضِحَةٍ وَتَأْثِيْرًا كَبيْرًا فِي المَدْرَسَتَيْنِ الكرِيْتِيَّةِ وَالمَقْدُوْنِيَّةِ، حَيْثُ انْتَشَرَتِ المَدْرَسَةُ المَقْدُوْنِيَّةُ فِي صِرْبيَا، وَالكرِيْتِيَّةُ فِي رُوْسيَا.[120]

مدارس الفن الأنطاكي

لوحات جدارية داخل كنيسة مار إليان، حمص، سوريا

لوحات جدارية داخل كنيسة مار إليان، حمص، سوريا

اسْتَعَادَتْ أَنْطَاكِيَّةُ التَّصْوِيْرَ الدِّيْنِيِّ إِلَى بَطْرِيَرْكِيَِتِهَا فِي القرن السابع عشر الميلادي، وَ تَبْدُو خَصَائِصُ الفَنِّ الأَنْطَاكِي جَلِيَّةً بحِفَاظِهِ عَلَى المَوْرُوْثِ البيْزَنْطِيّ الذِي أَضْفَى عَلَيْهِ طَابعًا أَنْطَاكِيًّا تَمَيَّزَ بالخَلْفِيَّاتِ الذَّهَبيَّةِ لِلْهَالَاتِ المُحِيْطَةِ بالرُّؤُوْسِ المَنْقُوْشَةِ وَالمُزَخْرَفَةِ، كَمَا امْتَازَ برَسْمِ العُيُوْنِ اللَّوْزِيَّةِ الكَبيْرَةِ ذَاتِ الأَهْدَابِ الوَاضِحَةِ وَالتِي تَعْلُوْهَا حَوَاجبٌ مُقَوَّسَةٌ وَتَمْتَدُّ أَسْفَلَهَا أُنُوْفٌ مُسْتَقِيْمَةٌ، مَا أَسْبَغَ عَلَى الوُجُوْهِ لَطَافَةُ المُؤَثِّرَاتِ الكرِيْتِيَّةِ عَلَى حِسَابِ صَرَامَةِ مَلَامِحِ الوُجُوْهِ البيْزَنْطِيَّةِ. كَمَا تَجَلَّتْ الإِضَافَاتُ الأَنْطَاكِيَّةُ أَيْضًا فِي ثِيَابِ الشُّخُوْصِ لِلْأَيْقُوْنَةِ المُزَرْكَشَةِ التِي تُحَاكِي الذَّوْقَ الشَّرْقِيَّ الذِي تَعْكِسُهُ صِنَاعَةُ البروكار فِي حَوَاضِرِ بلَادِ الشَّامْ.[121]

المدرسة الحلبية

مِنْ أَبْرَزِ المَدَارِسِ الإِنْطَاكِيَّةِ التِي أُثْبِتَ وُجُوْدُهَا فِي فَنِّ الرَّسْمِ الأَيْقُوْنِيِّ هِيَ المَدْرَسَةُ الحَلَبِيَّة، التِي تَرَكَتْ آَثَارَهَا وَاضِحَةً عَلَى الأَيْقُوْنَةِ وَمُصَوِّرِيْهَا وَمَثَّلَتْ أَرْوَعَ أَعْمَالِ الفَنِّ الأَنْطَاكِيِّ القَدِيْم، وَمِنْ رُوَّادِهَا الأَبْ يُوْسُف المُصَوِّر الحَلَبيِّ الذِي عَمِلَ فِي النِصْفِ الثَّانِي مِنَ القرن السابع عشر الميلادي مُصَوِّرَ أَيْقُوْنَاتٍ عَلَى الخَشَبِ، وَابْنُهُ القِس نِعْمَة المُصَوِّرْ الحَلَبيّ الذِي تَابَعَ أَعْمَالَ وَالِدِهِ فِي التَّصْوِيْرِ وَالمَخْطُوْطَاتِ فِي أَوَاخِرِ القرن السابع عشر الميلادي وَمَطْلَعِ القرن الثامن عشر الميلادي، وَكَانَ مِنْ أَوَّلِ مَنْ كَتَبَ بشَكْلٍ وَاسِعٍ النُّصُوْصَ التَّوْضِيْحِيَّةَ عَلَى الأَيْقُوْنَةِ باللُّغَةِ العَرَبيَّة.[122]

مدرسة القدس

تَتْبَعُ مَدْرَسَةُ القُدْسِ إِلَى البَطْرِيَرْكِيَّةِ الأَنْطَاكِيَّةِ، وَاتَّسَمَتْ بنَشَاطٍ بَارِزٍ خِلَالَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ القرن التاسع عشر الميلادي، وَمِنْ أَبْرَزِ رَسَّامِيْهَا مِيْخَائِيْل مهَنَّا القُدْسِي، حَنَّا صَلِيْبَا القُدْسِي، نِيْقُولا تيُودرُوس القُدْسِي، وَكَانَتْ أَعْمَالُ هَؤُلَاءِ الرَّسَامِيْنَ مُتَجَانِسَةٌ إِذْ كَانُوْا يَرْسُمُوْنَ عَشَرَاتِ النُّسَخِ لِأَيْقُوْنَةٍ وَاحِدَة. تَدْخُلُ رُسُوْمُ هَؤُلَاءِ الفَنَّانِيْنَ ضِمْنَ فِئَةِ الفَنِّ الشَّعْبِيِّ، وَمَا مَيَّزَ الفَنَّ الشَعْبِيَّ أَنَّ هَذِهِ الرُّسُوْمَاتِ اتَّسَمَتْ بصِدْقٍ أَكْثَرَ وُضُوْحًا مِنَ الأَيْقُوْنَاتِ الأَنْطَاكِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا رَسَمَت عَادَاتِ الشَّعْبِ وَتَطَلُّعَاتِهِ.[123]

مدرسة حمص

تَعُوْدُ إِلَى القرن التاسع عشر الميلادي، وَتُعْتَبَرُ مَرْكِزًا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَكُوْنَ مَدْرَسَةً بالمَعْنَى الحَرْفِيّ لِلْكَلِمَة، وَمِنْ أَبْرَزِ مُصَوِّرِيْهَا نِعْمَة نَاصِر الحِمْصِيّ، الذِي بَدَأَ مُحْتَرِفًا لِفَنِّ الأَيْقُوْنَةِ وَاشْتَهَرَ بغَزَارَةِ إِنْتَاجهِ المُتَأَثِّرِ بالمُصَوِّرِ مِيْخَائِيْل الكرِيْتِيّ، وَتَمَيَّزَ أُسْلُوْبُهُ بالحَيَوِيَّةِ المُفْرِطَةِ فِي اسْتِخْدَامِ الأَلْوَانِ، مَا جَعَلَ أَيْقُوْنَاتِهِ التِي رُسِمَتْ فِي أَوَاسِطِ القرن التاسع عشر الميلادي تُعْرَفُ بخُشُوْنَةِ خُطُوْطِهَا، وَتَرْجعُ جَمَالِيَّةُ أَيْقُوْنَاتِهِ إِلَى تَعْبيْرِيَّةِ لُغَتِهَا المَمْزُوْجَةِ بعُنْفِ أَلْوَانِهَا مَا أَعْطَاهَا قُوَّةً غَيْرَ مَأْلُوْفَةٍ مِنْ ذِي قَبْل.[124] كَمَا بَرَزَ مِنْ هَذِهِ المَدْرَسِة الحِمْصِيَّةِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نِعْمَة نَاصِر الحِمْصِي، وَجُرْجِي جرْجس المُصَوِّرْ الحِمْصِي.

مدرسة دمشق

امْتَدَّ نَشَاطُ هَذِهِ المَدْرَسِةِ مَا بَيْنَ القرن الثامن عشر الميلادي وَ القرن التاسع عشر الميلادي، وَتَنْطَبقُ عَلَيْهَا مَعَايِيْرُ المَدْرَسَةِ الحِمْصِيَّةِ، وَمِنْ أَبْرَزِ فَنَّانِيْهَا مِيْخَائِيْل الدِّمَشْقِي، كِيْرلس الدِّمَشْقِي، يُوْسُف ابْنُ الخُوْرِي مِيْخَائِيْل إِلْيَاس، مِيْخَائِيْل بنُ نِعْمَة إِليَان، وَ قَيْصَر مَسَدِيَّة فِي القرن التاسع عشر الميلادي، وَهُنَالِكَ أَيْضًا عَدَدٌ مِنَ المُصَوِّرِيْنَ كَانُوْا قَدْ مَرُّوْا بمَرْكِزِ دِمَشْقَ وَمِنْهُم الخُوْرِي يُوْسُف جُبْرَان صيْدح.[125]

تقنيات فن الأيقونة

أيقونة عذراء النشيد الكاثوليكي، من أعمال يوسف المصور، من المدرسة الحلبية، بين عامي 16501667 م حلب، سوريا

وَضَعَتِ الكَنِيْسَةُ أُسُسًا أَلْزَمَتِ المُصَوِّرَ أَنْ يَتَّبعَهَا، وَتَطَلَّبَ ذَلِكَ مِنْ فَنَّانِ الأَيْقُوْنَةِ أَنْ يَكُوْنَ لَاهُوْتِيًّا عَارِفًا بالكِتَابِ المُقَدَّسِ وَالعَقِيْدَةِ المَسِيْحِيَّةِ مَعْرِفَةً عَمِيْقَةً مِنْ خِلَالِ تَرْبيَةٍ كَنَسِيَّةٍ قَوَامُهَا الصَلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالمُطَالَعَةُ وَالجِّهَادُ الرُّوْحِيّ الذِي يُؤَهِّلُهُ لِأَنْ يَبْلُغَ دَرَجَةً عَالِيَةً مِنَ التَّوَازُنِ النَّفْسِيِّ وَالرُّقِيِّ الرُّوْحِيِّ بحَيْثُ تَجْعَلُهُ أَمِيْنًا عَلَى نَقْلِ البشَارَةِ المَكْتُوْبَةِ بالرَّسْمِ وَاللَّوْن. وَحَرَصَتِ الكَنِيْسَةُ الأُرْثُوْذِكْسِيَّةُ أَنْ تَحُدَّ مِنَ التَّمْثِيْلِ الفَنِيِّ لِلرَسَّامِ وَأَنْ تُحَافِظَ عَلَى الأَيْقُوْنَةِ مِنْ أَيِّ تَشْوِيْهٍ يَطَالُ النُّمُوْذَجَ الأَصْلِيّ، عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ أَيَّ تَحْرِيْرٍ لِلْنُمُوْذَجِ السَّمَاوِيِّ الأَصْلِيِّ هُوَ هَرْطَقَةٌ تُؤَدِّي إِلَى تَحْوِيْرٍ مُتَعَمَّدٍ لِلْعَقِيْدَةِ، لِهَذَا اتَّبَعَ الفَنَّانُوْنَ الأُرْثُوْذِكْسِيُّوْنَ العَمَلَ الجَّمَاعِيَّ فِي إِنْتَاجِ الأَيْقُوْنَةِ.[126]

وَمِنْ أَهَمِّ الأُسُسِ التِي يَجبُ مُرَاعَاتُهَا مِنَ النَّاحِيَةِ التِقْنِيَّةِ أَنْ تَكُوْنَ جَمِيْعُ المَوَادِ المُسْتَخْدَمَةِ مَوَادًا عُضْوِيَّةً وَطَبيْعِيَّةً مُسْتَخْرَجَةً مِنَ الطَّبيْعَةِ مُبَاشَرَةً دُوْنَ مُرُوْرِهَا بمَرَاحِلَ صِنَاعِيَّةٍ مِنْ صُنْعِ البَشَرِ، فَتَسْتَمِدُّ الأَيْقُوْنَةُ مَوَادَ تِقْنِيَّتِهَا مَنْ مُخْتَلَفِ العَنَاصِرِ التِي تُشَكِّلُ العَالَمَ المَرْئِيّ، فَالخَشَبُ يُمَثِّلُ القَطَّاعَ النَّبَاتِيّ، وَالأَلْوَانُ وَالجَّصُ القَطَاعَ المَعْدِنِيّ، وَالبَيْضُ وَالصِّمْغُ يُمَثِّلَانِ القَطَّاعَ الحَيْوَانِيّ.[127]

بطانة وأرضية الأيقونة

صُوِّرَتِ الأَيْقُوْنَةُ عَلَى أَلْوَاحِ الخَشَبِ الطَّبيْعِيَّةِ غَيْرِ المُصَنَّعَةِ، وَمِنْهَا خَشَبُ أَشِجَارِ السَّرْوِ وَالصَّنَوْبَرِ، وَخَشَبُ الأَرْزِ ذِي الدِّلَالَةِ الهَامَّةِ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، حَيْثُ فَضَلَتْهُ الكَنِيْسَةُ عَلَى سِوَاهُ لِحَمْلِ صُوَرِ المَسِيْحِ وَالعَذْرَاءِ وَالمَلَائِكَةِ وَالأَنْبيَاءِ وَالقِدِّيْسِيْن.[128]

الناحية التنفيذية

رُسِمَتِ الأَيْقُوْنَاتُ عَلَى أَلْوَاحٍ مِنَ الخَشَبِ، التِي كَانَتْ تُغَطَّى فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ بطَبَقَةٍ مِنَ القُمَاشِ لِتُشَكِّلَ أَرْضِيَّةً لِلَّوْحَةِ وَمِنْ ثُمَّ تُطْلَى بمَزِيْجٍ مِنَ الكِلْسِ وَالغِرَاءِ لِيَرْسُمَ المُصَوِّرُ فَوْقَهَا الخُطُوْطَ الإِجْمَالِيَّةَ لِفِكْرَةِ المَشْهَدِ، وَمِنْ ثُمَّ يُبَاشِرُ الرَّسْمَ بالأَلْوَانِ المَمْزُوْجَةِ بالبَيْضِ الذِي يَعْمَلُ كَمَادَّةٍ مُثَبِّتَةٍ، وَيَعْمَدُ الفَنَّانُ إِلَى أَنْ يَكُوْنَ دَقِيْقًا فِي رَسْمِ تَفَاصِيْلِ الوَجْهِ وَالثِّيَابِ بهَدَفِ إِكْسَابِ الأَيْقُوْنَةِ نَوْعًا مِنَ الوَاقِعِيَّةِ فِي الغَالِب. وَكَمَا هُوَ مَلْحُوْظٌ فِي أَغْلَبِ الأَيْقُوْنَاتِ فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُوْا مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّوْنِ الأَصْفَرِ لِلْوَجْهِ مَعَ التَّدْرِيْجِ وَالتَّظْلِيْلِ باللَّوْنِ الأَبْيَضِ الرَّصَاصِيِّ مَعَ التَّأْكِيْدِ عَلَى إِبْرَازِ تَعَابيْرِ وَتَقَاسِيْمِ الوَجْهِ بشَكْلٍ وَاضِحٍ إِلَى دَرَجَةٍ تَظْهَرُ مَعَهَا رِقَّةُ العِظَامِ. أَمَّا الأَكَالِيْلُ وَالأَرْضِيَّاتُ فَكَانَتْ مِنَ الصَّفَائِحِ الذَهَبيَّةِ، وَبَعْضِ الأَجْزَاءِ المُذَهَّبَةِ مِنَ الأَيْقُوْنَة كَانَتْ تُزَخْرَفُ أَحْيَانًا بدَوَائِرَ فَقَطْ.[129] أَمَّا بالنِسْبَةِ إِلَى المَرْحَلَةِ الأَخِيْرَةِ مِنْ مَرَاحِلِ تَنْفِيْذِ الأَيْقُوْنَةِ فَهِيَ أَنْ تُدْهَنَ بالوَرْنِيْش لِلْمُسَاعَدَةِ عَلَى ثَبَاتِ الأَلْوَانِ وَعَزْلِهَا عَنِ المُؤَثِّرَاتِ الخَارِجيَّةِ، إِذْ يَتَكَوَّنِ الوَرْنِيْشُ فِي الأَغْلَبِ مِنْ مَوَادَ رَاتِنْجيَّةٍ مُذَابَةٍ عَادَةً فِي زَيْتِ بذْرِ الكُتَّانِ أَوْ زَيْتِ التَرْبَنْتِيْن، وَاسْتُخْدِمَ قَبْلَ ذَلِكَ زَيْتُ الجَّوْزِ أَوْ زَيْتُ الخِشْخَاش، وَمِنْ وَظِيْفَةِ هَذَا الوَرْنِيْشِ بشَكْلٍ عَامٍ الحِفَاظُ عَلَى الأَيْقُوْنَاتِ وَحِمَايَتُهَا مِنَ العَوَامِلِ الجَوِيَّة.

ترميم الأيقونة

صورة أيقونة متضررة يتم العمل على ترميمها، انتفاخ الخشب وتآكل بعضه واضح عليها.

التَّرْمِيْمُ فَنٌّ قَدِيْمٌ قَامَ بهِ الفَنَّانُوْنَ عَلَى اللَّوْحَاتِ التِي تَحْتَاجُ لَهُ، وَأَحْيَانًا يُعِيْدُوْنَ صُنْعَهَا وَتَصْوِيْرَهَا عَلَى طَرِيْقَتِهِم، وَنُسِبَتِ الكَثِيْرُ مِنَ اللَّوْحَاتِ القَدِيْمَةِ إِلَى الذِي رَسَمَهَا لِأَنَّهُ أَزَالَ مَعَالِمَهَا الأَصِيْلَةِ، وَأَصْبَحَ هَذَا الفَنُّ عِلْمًا مُنْذُ القرن التاسع عشر الميلادي، وَوُضِعَتْ لَهُ قَوَاعِدٌ وَأُصُوْلٌ شَيْئًا فَشَيْئًا. تَتَطَلَّبُ عَمَلِيَّةُ تَرْمِيْمِ الأَيْقُوْنَةِ عَالِمًا يَدْرُسُ مَوَادَهَا وَفَنَّانًا مُرَمِّمًا يَقُوْمُ بالأَعْمَالِ الفَنِيَّةِ، وَأَحْيَانًا يُشَارِكُ مٌؤَرِّخٌ فِي دِرَاسَةِ العَمَلِيَّةِ قَبْلَ القِيَامِ بهَا. وَمِنَ المُتَعَارَفِ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ التَّرْمِيْمِ أَنَّهُ لَا يُفَضَّلُ إِكْمَالُ الأَجْزَاءِ المُتَآكِلَةِ مِنَ الأَيْقُوْنَةِ، بَلْ تُوْضَعُ مَوَادٌ مَانِعَةٌ لِلتَآَكُلِ وَالتَّسَاقُطِ فِي الأَمَاكِنِ المُتَآَكِلَةِ كَي لَا تَفْقِدَ الأَيْقُوْنَةُ مِنْ قِيْمَتِهَا.[130]

طبيعة الأضرار التي تصيب الأيقونة

لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَنَّ الأَيْقُوْنَاتِ تَحْتَاجُ إِلَى صِيَانَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ خَاصَّةً إِذَا مَا تَعَرَّضَتْ إِلَى صَدَمَاتٍ خَارِجيَّةٍ أَوْ إِذَا مَا وُضِعَتْ لِفَتْرَةٍ طَوِيْلَةٍ فِي أَجْوَاءَ رَطْبَةٍ أَوْ مُلَوَّثَةٍ بالغَازَاتِ، وَمِنَ الأَضْرَارِ التِي تُصِيْبُ الأَيْقُوْنَة:[131]

أهمية القيم الجمالية في الأيقونة السورية

أيقونة سورية تمثل المسيح يخرج من طي النسيان. من أيقونات المدرسة الحلبية.

تُمَثِّلُ أَهَمِيَّةُ القِيَمِ الجَّمَالِيَّةِ فِي الأَيْقُوْنَةِ السُّوْرِيَّةِ جَانِبًا مُهِمَّا فِي الدِّرَاسَاتِ التَّارِيْخِيَّةِ وَالفَنِيَّةِ وَالرُوْحِيَّةِ لِلْمُنْتَجِ الحَضَارِيّ، إِلَّا أَنَّهَا تُلْقِي بظِلَالٍ ثَقِيْلَةٍ عَلَى أَسْئِلَةٍ مِحْوَرِيَّةٍ وَخَطِيْرَةٍ عَنْ طَبيْعَةِ القِيَمِ الجَّمَالِيَّةِ وَنَوْعِيَّتِهَا فِي الأَيْقُوْنَةِ، وَكَذَلِكَ عَلَى المَفَاهِيْمِ الجَّمَالِيَّةِ المَادِيَّةِ التِي تَفْقِدِ أَحْيَانًا شَرْعِيَّتَهَا عِنْدَمَا تَقْتَرِبُ مِنْ مَنَاطِقِ نُفُوْذِ الأَيْقُوْنَةِ بثِقَلِهَا كُلِّهِ، الرُّوْحِيِّ وَاللَّاهُوْتِيّ، وَتَجْرِبَتِهَا الفَنِيَّةِ وَالجَّمَالِيَّةِ الخَاصَّةِ بقَصْدِ تَفْسِيْرِهَا تَفْسِيْرًا رُوْحِيًا أَوْ تَأْوِيْلِهَا تَأْوِيْلًا جَمَالِيًا وَفَنِيًا، وَتَأْثِيْرُ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ كُلِّهَا. وَتَعُوْدُ أَهَمِيَّةُ القِيَمِ الجَّمَالِيَّةِ فِي الأَيْقُوْنَةِ السُّوْرِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا مَثَّلَتْ تَجْرُبَةً مِنْ تَجَارِبَ عَظِيْمَةِ الشَّأْنِ لِلْحَضَارَةِ السُّوْرِيَّةِ خَاصَّةً، وَلِلْحَضَارَةِ الإِنْسَانِيَّةَ عُمُوْمًا، وَهِيَ تَجْرِبَةٌ تَدُوْرُ بَيْنَ جَنَبَاتِهَا دُرُوْسٌ وَعِبَرٌ وَعِظَاتٌ ذَاتُ مَعَانٍ رُوْحِيَّةٍ وَمَضَامِيْنَ فَنِيَّةٍ رَاقِيَةٍ. وَقَدْ يَجُوْزُ لَنَا عَدُّ الأَيْقُوْنَةِ تَعْبيْرًا دَقِيْقًا لِقُوْلِ أَغْطِيْنُوس «إِنَّ الله يُنْبُوْعُ الجَّمَالِ فِي العَالَمْ»[132] وَأَنَّ الأَيْقُوْنَةَ شَكْلٌ مِنْ أَشْكَالِ تَجلِّيَاتِ مَعَانِي الدِّيَانَةِ المَسِيْحِيَّةِ فِي الفَنِّ وَفِي العَالَمِ الإِنْسَانِيّ.

خاتمة

لَمْ تَكُنْ وِلَادَةُ الأَيْقُوْنَةِ سَهْلَةً، بَلْ كَانَتْ عَسِيْرَةً، وَصَعْبَةً، وَعَانَتْ الكَثِيْرَ مِنَ العَقَبَاتِ، وَجُوْبهَتْ بمُشْكِلَاتٍ عَدَّةٍ أَلْقَتْ بظِلَالِهَا الثَّقِيْلَةِ عَلَى الفِكْرِ وَالمُجْتَمَعِ، وَالحَيَاةِ عَامَّةً، وَتَنَاحَرَ النَّاسُ فِيْمَا بَيْنَهُمْ وَوَصَلَ بهِمُ الأَمْرُ إِلَى الاقْتِتَالِ أَحْيَانًا، وَإِلَى مُنَاقَشَاتٍ حَادَّةٍ عَلَى مُسْتَوَى الأُصُوْلِ وَالفُرُوْع، وَالقُبُوْلِ وَالرَّفْضِ. إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَعَلَ الأَيْقُوْنَةَ ذَاتَ قِيْمَةٍ كَبيْرَةٍ بَعْدَ قِيْمَتِهَا الرُّوْحِيَّةِ. وَ إِنَّ التُّرَاثَ الدِّيْنِيَّ المَسِيْحِيَّ السُّوْرِيَّ المُلَوَّنَ، وَكَذَلِكَ فِكْرُ الفَنَّانِ السُّوْرِيِّ وَرُؤْيَتُهُ الفَنِيَّةُ، مَيَّزَا الفَنَّ المَسِيْحِيَّ السُّوْرِيَّ عِبْرَ مِئَاتِ السِّنِيْن، وَوَجَدَ الفَنَّانُ السُّوْرِيُّ فِي الأَيْقُوْنَةِ تَعْبيْرًا خَاصًّا عَنْ الحَيَاةِ الرُّوْحِيَّةِ وَالتَّجْرِبَةِ التَّصْوِيْرِيَّةِ. وَكَانَ لِكُلِّ فَنَّانِ أُسْلُوْبُهُ وَطَرِيْقَةُ مُعَالَجَتِهِ، بفِعْلِ الشُّرُوْطِ المَحَلِيَّةِ السُّوْرِيَّةِ الطَّبيْعِيَّةِ التِي تَحَكَّمَتْ بالتَّطَوُّرَاتِ المُتَتَالِيَةِ التِي أَصَابَتِ القِيَمَ الجَّمَالِيَةَ لِلأَيْقُوْنَةِ السُّوْرِيَّة.

وَلَا بُدَّ مِنَ الإِشَارَةِ مُجَدَّدًا إِلَى أَنَ الفَنَّ المَسِيْحِيَّ السُّوْرِي اقْتَبَسَ بَعْضَ عَنَاصِرِهِ مِنَ الفُنُوْنُ الأُخْرَى فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَخِلَالَ الأَحْدَاثِ السِّيَاسِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ التِّجَارِيَّةِ وَمِنَ الإِمْبَرَاطُوْرِيَّاتِ التِي حَكَمَتْ سُوْرِيَّة فِي مَرَاحِلَ عَدِيْدَة، وَمِنْ ذَلِكَ وَبحُكْمِ مَوْقِعِ سُوْرِيَّة التَّارِيْخِيِّ وَالجُغْرَافِيِّ وَالحَضَارِيِّ، أَخَذَ الفَنَّانُوْنَ السُّوْرِيُّونَ كَثِيْرًا مِنَ العَنَاصِرِ وَالمُفْرَدَاتِ الفَنِيَّةِ الرُّوْمَانِيَّةِ بَعْدَ أَنْ جَرَّدُوْهَا مِنْ مُحْتَوَاهَا الوَثَنِيّ وَحَوَّرُوْهَا بمَا يَتَنَاسَبُ وَالثَّقَافَةُ الجَّدِيْدَةُ، كَذَلِكَ أَخَذَ الفَنُّ المَسِيْحِيُّ مِنَ الفَنِّ البيْزَنْطِيِّ وَمِنَ الفَنِّ السَّاسَانِيِّ، وَمَعَ تِلْكَ الإِضَافَاتِ التِي وَفَدَتْ عَلَى الفَنِّ المَسِيْحِيِّ السُّوْرِيّ وَ التِي قَدَّمَت العَدِيْدَ مِنَ الأَفْكَارِ الفَنِيَّةِ، إِلَّا أَنَ الفَنُّ المَسِيْحِيُّ ظَلَّ مُحَافِظًا عَلَى جَوْهَرِهِ السَّمْحِ، وَعَلَى أَصَالَتِهِ المُتَفَرِّدَة.

ملاحظات

  1. تل حلف هو الاسم المعاصر للموقع الذي كان يدعى باسم غوزانا في الألف الأول ق.م، وفي العام 894 ق.م دَوَّن الملك الآشوري آداد نيراري الثاني فِي حَولياته على أنَّهُ دولة مدنية آرامية
  2. تل برسيب تقع في تل أحمر، كانت عاصمة إمارة بيت عديني[17]، يرد ذكرها في لوائح الملوك الآشوريين في القرن التاسع ق.م. قبل أن يحتلها هؤلاء في عهد «شلمنصر الثالث» الذي بدل اسم العاصمة إلى «كار شلمنصر» بمعنى «حصن شلمنصر»
  3. اسم الكنيسة هو كنيسة سيدة دمشق، فاليتا ، دمرت الكنيسة بالكامل خلال أحد التفجيرات سنة 1942. كما فقدت العديد من الأيقونات تحت أنقاض الكنيسة.أعيد بناء الكنيسة سنة 1951.
  4. السفية أو المركب هي من الرموز الفرعونية التي توضع مع الموتى في القبور، اعتقادا منهم أنها وسيلة خلاص الروح البشرية والتي تنتقل بواسطة هذا المركب إلى اللإله
  5. ترمز الحمامة إلى السلام والبساطة المسيحية، كما يرى بعضهم أنها ترمز إلى المسيح نفسه، وإلى صعوده
  6. بولس الرسول الذي أوصل إنجيل المسيح بدءا من أورشليم حتى الإيليركون وأخيرا استشهد في رومة على عهد نيرون. هذا ما قاله حرفيا أوريجانيس في القسم الثالث من سفر التكوين.
  7. دامس: بمعنى شديد الظلام، استعمل العرب لفظة الديماس للمكان العميق الذي لا يدخله النور.[41]
  8. جاء في مرسوم ميلانو ما خلاصته «نحن قسطنطين أوغسطس وليكينوس أوغسطس، بعد تداول الرأي في ميلانو تبين لنا أن مصلحة الدولة تقتضي بمنح المسيحيين وجميع الرومانيين حق اتباع الدين الذي يختارونه.»[43]
  9. كان الناس بالنسبة للرومان وقبلهم بالنسبة للإغريق يقسمون إلى قسمين: الشعب الروماني، والشعوب البربرية ذلك أن الشعب الروماني عد نفسه شعبا متحضرا متقدما وما سواه أدنى منه مرتبة وأقل مكانة، وقد رأي بعضهم أن لفظة بربرية تعني التوحش وعدم معرفة الحضارة، والحقيقة ليس الأمر كذلك تماما. إنما المرجح أن المقصود كان الشعوب ذات النظم القبلية والحياة البدوية، فقد كانت أراضي الإمبراطورية الرومانية كلها في أوروبا وآسيا وإفريقية محاطة بشعوب ذات نظام عشائري بدوي.[47]
  10. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا - (إنجيل يوحنا 4: 24)
  11. مجمع القسطنطينية الثالث هو نفسه المجمع الديني السادس
  12. نشر ليون الثالث مجموعة قانونية تحمل اسمه واسم ابنه وتعتبر حدا فاصلا في تاريخ التشريع البيزنطي. كانت هذه المجموعة تسمى باسم الإيكلوغا (باللاتينية: Ecloga) وتحمل اسم ليون الثالث وابنه قسطنطين وتهتم بأمور الأحوال الخاصة والأمور الجنائية، كما تعالج بدقة واهتمام أمور الأسرة وشؤون الميراث، وتعالج الأمور المتعلقة بالملكية. وكان الهدف الرئيس من نشرها هو تزويد القضاة بمصدر قانوني كانوا بحاجة له من أجل فصل الخصومات ما بين المتقاضين.
  13. سمع القديس يوحنا، وهو في مدينة دمشق عاصمة الدولة الأموية، بهذه الموجة العنيفة ضد الكنيسة، وكان يشغل منصب وزير الخزانة لدى الدولة الأموية. و اسْمه يحيى منصور بن سرجون. فانبرى للرد على كل من هاجم الأيقونات المقدسة واصفاً إياه بالمهرطق، معتمدا في ذلك على مقولة القديس باسيليوس الكبير: «إن إكرام الأيقونة يعود إلى عنصرها الأول»
  14. أطلق أتباع المذهب الأورثوذكسي على هذا المجمع اسم «المجمع الذي لا رأس له»

المراجع

فهرس المراجع
  1. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 9. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  2. هيئة الموسوعة العربية (2001). الموسوعة العربية. 4. دمشق: دار الفكر. صفحة 468. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  3. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحات 29–30. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  4. فيكتور جرجس; عوض الله (1965). باهور لبيب (المحرر). اللوحات المصورة بالمحتف القبطي (الأيقونات). القاهرة: الهيئة العامة لشئون المطابع الاميرية. صفحة 4. مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2020.
  5. أحمد علي; إسماعيل (1994). تاريخ بلاد الشام منذ ما قبل الميلاد حتى نهاية العصر الأموي (الطبعة الثالثة). دمشق: دار دمشق. صفحة 27. مؤرشف من الأصل في 25 أبريل 2020.
  6. يوسف; الدبس (1994). تاريخ سوريا الدنيوي والديني. 1. بيروت: دار نظير عبود. صفحة 31. مؤرشف من الأصل في 25 أبريل 2020.
  7. أحمد اسماعيل; علي (1994). تاريخ بلاد الشام منذ ما قبل الميلاد حتى نهاية العصر الأموي (الطبعة الثالثة). دمشق: دار دمشق. صفحة 28. مؤرشف من الأصل في 25 أبريل 2020.
  8. يوسف; الدبس (1994). تاريخ سوريا الدنيوي والديني. 1. بيروت: دار نظير عبود. صفحة 32. مؤرشف من الأصل في 25 أبريل 2020.
  9. جرجي أفندي; يني (1881). تاريخ سوريا. بيروت. صفحة 8. مؤرشف من الأصل في 25 أبريل 2020.
  10. يوسف; الدبس (1994). تاريخ سوريا الدنيوي والديني. 1. بيروت: دار نظير عبود. صفحة 25. مؤرشف من الأصل في 26 أبريل 2020.
  11. فيكتور جرجس; عوض الله (1965). باهور لبيب (المحرر). اللوحات المصورة بالمحتف القبطي (الأيقونات). القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية. صفحة 4. مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2020.
  12. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 18. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  13. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم; إدارة برامج الثقافة والاتصال (2000). الوحدة الحضارية للوطن العربي من خلال المكتشفات الأثرية. دمشق: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. صفحة 18. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  14. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحات 19–20. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  15. فراس; السواح (2015). تاريخ أورشليم والبحث عن مملكة اليهود. دمشق: دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة. صفحة 48. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  16. حسين فهد; حماد (2003). موسوعة الآثار التاريخية. عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع. صفحة 210. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  17. مصطفى; طلاس (1990). المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري. 2. دمشق: مركز الدراسات العسكرية. صفحة 51. مؤرشف من الأصل في 16 أبريل 2020.
  18. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب،. صفحات 22–23. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  19. سليم عادل; عبد الحق (1961–1962). "نظرات فی الفن السوری قبل الإسلام فن الفسیفساء السوری فی العصر المسیحی". الحوليات الأثرية العربية السورية. 11. دمشق: المديرية العامة للآثار والمتاحف. صفحة 118.
  20. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب،. صفحة 27. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  21. عفيف; البهنسي (2004). موسوعة تاريخ الفن والعمارة. دمشق: دار الشرق. صفحة 302.
  22. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحات 36–37. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  23. عبد اللطيف; إسماعيل (2015). موسوعة دمشق. 2. دمشق: مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع. صفحة 50. مؤرشف من الأصل في 16 أبريل 2020.
  24. عفيف; بهنسي (2014). التراث الأثري السوري. دمشق: وزارة الثقافة، الهيثئة العامة السورية للكتاب. صفحة 187. مؤرشف من الأصل في 16 أبريل 2020.
  25. إيما غريب; خوري (2000). الأيقونة شرح وتأمل. بيروت: منشورات النور. صفحة 186. مؤرشف من الأصل في 09 مارس 2018.
  26. إيما غريب; خوري (2000). الأيقونة شرح وتأمل. بيروت: منشورات النور. صفحة 171. مؤرشف من الأصل في 9 مارس 2018.
  27. سامي حلاق; اليسوعي (2012). رمز السمكة عند المسيحيين (الطبعة الثالثة). بيروت: دار المشرق ش.م.م. صفحة 4. مؤرشف من الأصل في 16 أبريل 2020.
  28. سارافيم; البرموسي (2011). أنبا إيسيذورس (المحرر). الأيقونة فلسفة الروح. مصر: دير السيدة العذراء برموس. صفحات 114–115. مؤرشف من الأصل في 29 مايو 2017.
  29. سارافيم; البرموسي (2011). أنبا إيسيذورس (المحرر). الأيقونة فلسفة الروح. مصر: دير السيدة العذراء برموس. صفحة 116. مؤرشف من الأصل في 29 مايو 2017.
  30. اسبيريدون ميشيل; فياض (2007). الفن البيزنطي، الأيقونة. بيروت: منشورات ألف. صفحة 17. مؤرشف من الأصل في 16 أبريل 2020.
  31. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 52. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  32. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 53. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  33. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحات 54–55. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  34. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 55. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  35. اسبيريدون ميشيل; فياض (2007). الفن البيزنطي، الأيقونة. بيروت: منشورات ألف. صفحة 19. مؤرشف من الأصل في 16 أبريل 2020.
  36. مصطفى; طلاس (1990). المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري. 1. دمشق: مركز الدراسات العسكرية. صفحة 129. مؤرشف من الأصل في 16 أبريل 2020.
  37. اسبيريدون ميشيل; فياض (2007). الفن البيزنطي، الأيقونة. بيروت: منشورات ألف. صفحة 48. مؤرشف من الأصل في 16 أبريل 2020.
  38. جان; كمبي (1994). دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة (الطبعة الأولى). بيروت: دار المشرق. صفحة 24. مؤرشف من الأصل في 17 أبريل 2020.
  39. سهيل; زكار (1995). الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية. 3. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. صفحة 19. مؤرشف من الأصل في 17 أبريل 2020.
  40. جان; كمبي (1994). دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة (الطبعة الأولى). بيروت: دار المشرق. صفحة 28. مؤرشف من الأصل في 17 أبريل 2020.
  41. حسن; ظاظا (1990). الساميون ولغاتهم: تعريف بالقرابات اللغوية والحضارية عند العرب (الطبعة الثانية). دمشق: دار القلم. صفحة 131. مؤرشف من الأصل في 17 أبريل 2020.
  42. سهيل; زكار (1995). الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية. 3. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. صفحة 20. مؤرشف من الأصل في 17 أبريل 2020.
  43. مفيد; الزيدي (2003). موسوعة تاريخ أوروبا. 1. عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع. صفحة 36. مؤرشف من الأصل في 17 أبريل 2020.
  44. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 237. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  45. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 238. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  46. مفيد; الزيدي (2003). موسوعة تاريخ أوروبا. 1. عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع. صفحة 24. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  47. سهيل; زكار (1995). الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية. 3. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. صفحة 27. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  48. مفيد; الزيدي (2003-01-01). موسوعة تاريخ أوروبا. 1. عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع. صفحة 26. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  49. جان; كمبي (1994). دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة (الطبعة الأولى). بيروت: دار المشرق. صفحة 36. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  50. أحمد; أمين, زكي نجيب (1935). قصة الفلسفة اليونانية. القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية. صفحة 294. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  51. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 66. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  52. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 87. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  53. جان; كمبي (1994). دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة (الطبعة الأولى). بيروت: دار المشرق. صفحة 86. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  54. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 348. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  55. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 347. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  56. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 350. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  57. جان; كمبي (1994). دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة (الطبعة الأولى). بيروت: دار المشرق. صفحة 127. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  58. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عشر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 251. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  59. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 249. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  60. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 286. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  61. جون; لوريمر (2012). تاريخ الكنيسة عصر الآباء (الطبعة الأولى). القاهرة: دار الثقافة. صفحة 255. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  62. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 138. مؤرشف من الأصل في 19 أبريل 2020.
  63. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 139. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  64. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 141. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  65. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 142. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  66. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 143. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  67. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 145. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  68. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 144. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  69. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 147. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  70. أسد; رستم (2017). الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب. المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي سي آي سي. صفحة 274. مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 2020.
  71. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 148. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  72. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 159. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  73. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 149. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  74. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 150. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  75. الزيات, إلياس. "الموسوعة العربية | الأيقونة والأيقنة". الموسوعة العربية. مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 202022 أبريل 2020.
  76. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 151. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  77. أسد; رستم (2017). الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب. المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي سي آي سي. صفحة 275. مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 2020.
  78. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 153. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  79. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 155. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  80. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 154. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  81. نبيه; عاقل. الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 156. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  82. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 160. مؤرشف من الأصل في 20 أبريل 2020.
  83. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 161. مؤرشف من الأصل في 21 أبريل 2020.
  84. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 162. مؤرشف من الأصل في 21 أبريل 2020.
  85. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 163. مؤرشف من الأصل في 21 أبريل 2020.
  86. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 164. مؤرشف من الأصل في 21 أبريل 2020.
  87. أسد; رستم (2017). الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب. المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي سي آي سي. صفحة 277. مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 2020.
  88. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 165. مؤرشف من الأصل في 21 أبريل 2020.
  89. أسد; رستم (2017). الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب. المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي سي آي سي. صفحة 263. مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 2020.
  90. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 166. مؤرشف من الأصل في 21 أبريل 2020.
  91. أسد; رستم (2017). الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب. المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي سي آي سي. صفحة 278. مؤرشف من الأصل في 22 أبريل 2020.
  92. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 167. مؤرشف من الأصل في 21 أبريل 2020.
  93. نبيه; عاقل (1969). الإمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري. صفحة 168. مؤرشف من الأصل في 21 أبريل 2020.
  94. جان; كمبي (1969). دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة (الطبعة الأولى). بيروت: دار المشرق. صفحة 162. مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2020.
  95. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 89. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  96. إلهام عزيز; محفوض (2017). وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب. دمشق. صفحة 90. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  97. سليم عادل; عبد الحق (1961–1962). "نظرات فی الفن السوری قبل الإسلام فن الفسیفساء السوری فی العصر المسیحی". الحوليات الأثرية العربية السورية. 11. دمشق: المديرية العامة للآثار والمتاحف. صفحة 116.
  98. سليم عادل; عبد الحق (1961–1962). "نظرات فی الفن السوری قبل الإسلام فن الفسیفساء السوری فی العصر المسیحی". الحوليات الأثرية العربية السورية. 11. دمشق: المديرية العامة للآثار والمتاحف. صفحة 121.
  99. فيليب; حتي (1951). "العصر اليوناني الروماني". تاريخ سورية ولبنان وفلسطين. 1–2. بيروت: دار الثقافة. صفحة 408. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019.
  100. سليم عادل; عبد الحق (1961–1962). "نظرات فی الفن السوری قبل الإسلام فن الفسیفساء السوری فی العصر المسیحی". الحوليات الأثرية العربية السورية. دمشق: المديرية العامة للآثار والمتاحف. صفحة 122.
  101. فيليب; حتي (1951). "المظاهر الدينية في العصر البيزنطي". تاريخ سورية ولبنان وفلسطين. 1–2. بيروت: دار الثقافة. صفحة 407. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019.
  102. عدنان; البني (1979). تدمر والتدمريون. دمشق: منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي. صفحة 124.
  103. جورج; حداد (1951). "تدمر والشرق". الحوليات الأثرية العربية السورية. 1. دمشق: المديرية العامة للىثار والمتاحف. صفحة 70. مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2020.
  104. فيليب; حتي (1951). "المظاهر الدينية في العصر البيزنطي". تاريخ سورية ولبنان وفلسطين. 1–2. بيروت: دار الثقافة. صفحة 405. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019.
  105. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 111. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  106. إلهام عزيز; محفوض (2017). الايقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 112. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  107. عبود; حداد (1999). دير مار موسى الحبشي: دينياً أثرياً فنياً (الطبعة الأولى). حلب: دار ماردين للنشر. صفحة 50. مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2020.
  108. عبود; حداد (1999). دير مار موسى الحبشي: دينياً أثرياً فنياً (الطبعة الأولى). حلب: دار ماردين للنشر. صفحة 84. مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2020.
  109. عبود; حداد (1999). دير مار موسى الحبشي: دينياً أثرياً فنياً (الطبعة الأولى). حلب: دار ماردين للنشر. صفحة 102. مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2020.
  110. عبود; حداد (1999). دير مار موسى الحبشي: دينياً أثرياً فنياً (الطبعة الأولى). حلب: دار ماردين للنشر. صفحة 119. مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2020.
  111. عبود; حداد (1999). دير مار موسى الحبشي: دينياً أثرياً فنياً (الطبعة الأولى). حلب: دار ماردين للنشر. صفحات 120–124. مؤرشف من الأصل في 23 أبريل 2020.
  112. عبود; حداد (1999). دير مار موسى الحبشي: دينياً أثرياً فنياً (الطبعة الأولى). حلب: دار ماردين للنشر. صفحات 155–156. مؤرشف من الأصل في 24 أبريل 2020.
  113. عفيف; بهنسي (1983). "سورية الحضارة ماذا أعطت للغرب؟". الحوليات الأثرية العربية السورية. 33. دمشق: المديرية العامة للآثار والمتاحف.
  114. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. العربية: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحات 139–140. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  115. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 141. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  116. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 150. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  117. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 158. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  118. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 161. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  119. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 162. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  120. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 163. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  121. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 167. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  122. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 169. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  123. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 185. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  124. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 192.
  125. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 199. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  126. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 202. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  127. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 204. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  128. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 205. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  129. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 206. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  130. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 212. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  131. إلهام عزيز; محفوض (2017). الأيقونة السورية. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب. صفحة 214. مؤرشف من الأصل في 15 أبريل 2020.
  132. نايف; بلوز (1998). علم الجمال (الطبعة الخامسة). دمشق: جامعة دمشق. صفحة 5.
المعلومات الكاملة للمراجع المُستشهد بها أكثر من مرة

موسوعات ذات صلة :